ليبيا... صراع النفط

منافسة محمومة على مواقع الإنتاج وموانئ التصدير

جندي من الجيش الليبي أثناء استعادة الجيش السيطرة على موانئ تصدير النفط في رأس لانوف الشهر الماضي (رويترز)
جندي من الجيش الليبي أثناء استعادة الجيش السيطرة على موانئ تصدير النفط في رأس لانوف الشهر الماضي (رويترز)
TT

ليبيا... صراع النفط

جندي من الجيش الليبي أثناء استعادة الجيش السيطرة على موانئ تصدير النفط في رأس لانوف الشهر الماضي (رويترز)
جندي من الجيش الليبي أثناء استعادة الجيش السيطرة على موانئ تصدير النفط في رأس لانوف الشهر الماضي (رويترز)

يتسبب الصراع على النفط بين شرق ليبيا وغربها وجنوبها، في تعطيل عمل موانئ التصدير، وحرق مصافي النفط، وغلق صمامات على يد مسلحين، لمنع تدفق البترول والغاز إلى الدول المستوردة من ساحل البحر المتوسط، وعلى رأسها أوروبا. وفي المقابل، تستفيد دول وشركات عدة من غياب الحصة الليبية في سوق الطاقة، في وقت أصبح يعاني فيه عموم الليبيين من الفاقة وقلة السيولة المالية في المصارف، وكذا من نقص المواد الغذائية، وانقطاع الكهرباء، وغياب الخدمات الصحية.
وتعتمد موازنة الدولة على صادرات النفط والغاز، بنسبة تزيد على 95 في المائة. وكان حجم التصدير في عهد معمر القذافي يصل إلى نحو 1.6 مليون برميل يومياً، إضافة إلى صادرات الغاز، إلا أن كل هذه الكميات تقلصت بشكل كبير بعد إطاحة نظامه في 2011.
ولنحو سبع سنوات، ظلت مراكز استخراج الطاقة محل صراعات وانتشار للميليشيات المسلحة، بما فيها الجماعات المتطرفة. ففي الهلال النفطي الواقع بين بلدة أجدابيا في غرب بنغازي، وسرت في شرق طرابلس، استمرت أطول عملية إغلاق، بعد تدهور الوضع الأمني في عموم البلاد، خصوصاً في أعقاب سيطرة مسلحين على مناطق واسعة من ليبيا انطلاقاً من بنغازي، منذ عام 2013.
واستمر هذا الوضع لمدة ثلاث سنوات. وظهرت خلال تلك الفترة دعوات لانفصال المنطقة الشرقية الغنية بالنفط عن باقي عموم ليبيا. وظهر اسم إبراهيم الجضران ابن قبيلة المغاربة، على الساحة، بصفته آمر حرس المنشآت النفطية في المنطقة، حيث يتركز وجود قبيلته في منطقة موانئ التصدير في الشمال الأوسط من ليبيا.
ويوجد النفط والغاز الذي ينتج بتكاليف زهيدة مقارنة بدول أخرى، في ثلاثة أحواض رئيسية ضخمة، هي حوض سرت في وسط البلاد (الذي يوجد فيه الهلال النفطي)، وحوض مرزق في الجنوب، وحوض غدامس في الغرب.
- إشكالية الهلال النفطي
يعد اسم الهلال النفطي هو الأشهر، رغم أن الاسم الصحيح لهذه المنطقة التي تقع بين سرت وشرق أجدابيا، هو «حوض سرت» الذي يضم أكثر من 15 حقلاً منتجاً للنفط، أكبرها «حقل السرير». وتترقب الكثير من شركات النفط الدولية اقتناص فرص للاستثمار مع الجانب الليبي في هذه الحقول مستقبلاً، أو إحياء الاتفاقيات القديمة التي عطلتها أحداث سياسية مرت على ليبيا منذ بداية العقد الحالي.
وتقع غالبية حقول الهلال النفطي القادرة على إنتاج أقل قليلاً من ربع مليون برميل يومياً، في وسط الصحراء، جنوب أجدابيا، وحتى حقول الواحات، وتمتد منها أنابيب تصل إلى مصافٍ للتكرير وموانئ للتصدير على ساحل البحر المتوسط، قرب طبرق، وفي بنغازي، وأجدابيا نفسها، وفي رأس لانوف، والسدرة، غربي بنغازي.
ومن القبائل المنتشرة ما بين حقول الإنتاج في المناطق الصحراوية للهلال النفطي، وحتى ساحل البحر المتوسط، حيث مصافي التكرير والتصدير، هناك قبائل العبيدات، والمنفة، والقطعان، والعواقير، وغيرهم، إضافة إلى قبيلتي زوية والتبو، كثيرتي التخاصم، إلى جانب قبيلة المغاربة الأكبر في تلك المساحة، وهذه الأخيرة ينتمي إليها الآمر السابق لحرس المنشآت النفطية إبراهيم الجضران. وجرى طرده وطرد قواته، الشهر الماضي، من المنطقة على يد الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، وذلك للمرة الثانية خلال نحو عامين.
ومنذ خمسينات القرن الماضي، عند اكتشاف النفط في ليبيا، بدأت شركات أميركية وبريطانية، مناصفة مع الجانب الليبي، في العمل في حوض سرت، حيث مدت عشرات من الطرق الترابية في عمق الصحراء من أجل الوصول إلى مناطق الاكتشافات والتنقل بين الحقول. ويصل طول بعض هذه الطرق إلى مئات الكيلومترات. وفيما بعد أسست عدد من المطارات الصغيرة القادرة على استقبال طائرات نقل الموظفين والخبراء، وهي طائرات يتسع كل منها لنحو عشرة أفراد.
وغادرت غالبية الشركات الأجنبية ليبيا بعد قرارات تأميم اتخذها القذافي في سبعينات القرن الماضي، وأصبحت المؤسسة الليبية للنفط هي العمود الفقري لإدارة هذه الثروة في البلاد. وتولى الجيش وحرس المنشآت وما يعرف بـ«قوات الشعب المسلح» في عهد القذافي، حماية الطرق بين حقول النفط وموانئ تصديره.
لكن منذ 2011، استغلت جماعات خارجة عن القانون - بما فيها من جماعات متطرفة وأخرى وافدة من الخارج - الفوضى للاستيلاء على هذه الطرق والمواقع النفطية للتنقل والاختباء وتقوية نفسها، وسرقة سيارات المنشآت النفطية، وأجهزة الاتصالات اللاسلكية، والحواسب وغيرها.
وتعرض كثيرون من العاملين في هذه الحقول للقتل في السنوات القليلة الماضية إثر هجمات مباغتة، كان من بينها عمليات نفذها تنظيم داعش. كما فضلت شركات نفط، وخبراء أجانب، التوقف عن العمل، والرحيل من ليبيا، بانتظار استقرار الأوضاع.
وبخلاف الصراع الخفي، المحلي والدولي، على حوضي النفط والغاز في منطقتي مرزق جنوباً وغدامس غرباً، تصدرت الخلافات حول حوض سرت، أو الهلال النفطي، واجهة الأحداث بسبب وقوع هذا الحوض قرب خطوط التماس بين أكبر قوتين تاريخيتين في ليبيا، هما إقليم برقة في الشرق، وإقليم طرابلس في الغرب.
لقد كان التنافس دائماً، ولمئات السنين، بين إقليمي برقة وطرابلس، سواء في أيام الاحتلال العثماني أو الاحتلال الإيطالي. وأعطت الخلافات التي نشبت حول الثروة النفطية بين الأفرقاء الليبيين، عقب انتهاء عهد القذافي، زخماً جديداً للصراع، مع بروز أطراف إقليمية ودولية لديها شهية للنفط والغاز.
وبدأ الشقاق الكبير حول منطقة الهلال النفطي عندما جرت الانتخابات البرلمانية في 2014، وفاز بالأغلبية فيها تيار مدني؛ إذ أقصى الناخبون الليبيون، معظم مرشحي التيار الإسلامي. ولجأ هذا التيار إلى السلاح، وطردت ميليشياته البرلمان من طرابلس إلى طبرق.
وفي تلك السنة، لملم المشير حفتر ما تبقى من الجيش، وأعلن «عملية الكرامة»، وبدأ في شن حرب ضد المتطرفين المدعومين من قيادات في مصراتة وطرابلس. وكان ينبغي على الجضران أن يحدد موقفه مع الجيش أم ضده. ولم يصمد آمر حرس المنشآت طويلاً؛ إذ انحاز في نهاية المطاف إلى الجبهة المعادية لحفتر.
ومنذ ذلك الوقت جرت محاولات مستميتة من جانب قادة الغرب الليبي للاستحواذ بشكل كامل على منطقة الثروات في حوض سرت (الهلال النفطي)، وحوضي غدامس ومرزق. وفي المقابل، شاركت قوات من قبائل ليبية عدة، بينها التبو، مع الجيش، للحيلولة دون استحواذ فريق على النفط منفرداً.
وظلت حقول الهلال النفطي وموانئ التصدير معطلة معظم الوقت، وهي تحت سلطة الجضران. ويقول محققون عسكريون، إن العدادات التي تحسب الكميات المصدرة إلى الخارج جرى تخريبها؛ إذ يسود اعتقاد بأنه تم بيع مئات الآلاف من براميل النفط لحساب ميليشيات عن طريق سماسرة في البحر المتوسط.
وتعرضت الصادرات من الهلال النفطي لخسائر كبيرة طوال عامي 2014 و2015، إلى أن تمكن الجيش في العام التالي من طرد الجماعات المتطرفة من بنغازي والتمركز في المدينة الاستراتيجية، وبالتالي الاتجاه إلى فرض سلطته المستمدة من البرلمان على الهلال النفطي بالكامل.
ولعبت القبائل التي كان يعتمد عليها الجضران في سيطرته على الموانئ النفطية دوراً كبيراً، خصوصاً قبيلته المغاربة، في تسليم المنطقة بالكامل للجيش من دون قتال يذكر. لكن سبق انسحاب الجضران هجوم مباغت من «داعش»، انطلاقاً من مدينة سرت المجاورة على موانئ عدة في رأس لانوف والبريقة، حيث جرى حرق خزانات عدة بما فيها من نفط.
وأعطى حفتر المنتصر الحق للمؤسسة الوطنية للنفط، عبر مقرها من طرابلس، في بيع النفط، وإيداع عائداته في المصرف المركزي في العاصمة، رغم أن المقر الأساسي للمؤسسة يفترض أنه في بنغازي. ورغم أن البرلمان كان قد أقال رئيس المصرف المركزي في طرابلس، فإن الأمور سارت بهدوء بعد أن أخذ المصرف المركزي على عاتقه تقسيم العوائد بين المتنافسين في غرب البلاد وشرقها.
واختفى الجضران من المشهد حينذاك، إلى أن ظهر مجدداً في أحداث الشهر الماضي بهجومه على الهلال النفطي، حيث اشتعلت النيران في ثلاثة خزانات على الأقل لشركة الهروج في رأس لانوف والساحل المجاور لها. ويقول مصدر في إدارة التصدير في المؤسسة الوطنية للنفط، إن كمية ما تعرض للحرق داخل هذه الخزانات كانت تبلغ نحو 700 ألف برميل خام. ويضيف، أن معظم الخزانات في المنطقة أسستها شركات أجنبية قبل عشرات السنين، وأنه «يبدو أن الشركات نفسها هي من ستعيد بناء ما جرى تخريبه»، موضحاً أن «كلفة إصلاح هذه الخزانات تبلغ مئات ملايين الدولارات... لقد بدأت أجهزة الإبراق تدق. وفي كل مرة نتلقى عرضاً من شركة أجنبية لإصلاح ما تعرض للدمار. وبالطبع هذا كله على نفقة الليبيين».
وقرر حفتر نقل إدارة موانئ الهلال النفطي إلى المؤسسة في بنغازي شرقاً، متهماً قيادات في غرب البلاد باستخدام أموال النفط في تمويل الإرهاب، قبل أن يعود عن قراره استجابة لمناشدة من رئيس المؤسسة في طرابلس.
- صراع في الجنوب
يدور صراع خفي في الجنوب الغربي على ثروات النفط والغاز بين قبائل رئيسية تتمركز في الجنوب. ومنذ سقوط نظام القذافي نشبت حروب مستعرة على النفوذ في تلك المنطقة المنسية. ويشعر غالبية السكان من هذه القبائل، بالغبن من سطوة إقليمي برقة وطرابلس في الشمال، واستحواذ هذين الإقليمين على غالبية عوائد الثروة النفطية.
ويغرق الجنوب في أزمات نقص الوقود والكهرباء، وغياب الخدمات، رغم أنه يضع تحت أقدامه بحيرة من البترول والغاز تعرف باسم «حوض مرزق»، نسبة إلى إحدى البلدات التي تحمل الاسم نفسه. وتخرج من هذا الحوض العملاق أنابيب للتصدير إلى أوروبا، عبر موانئ في مصراتة والزاوية، على ساحل البحر قرب طرابلس. ويبلغ طول الأنابيب في بعض المناطق نحو 800 كيلومتر. واستضاف متنافسون أوروبيون على التواجد في الجنوب الليبي الغني قيادات محلية من الجنوب في الشهور الماضية، لبحث تنمية المنطقة.
كما تدخلت دول إقليمية عدة، من أجل ضمان سلامة الجنوب، أو على الأقل منع الآخرين من الوصول إلى ثروات فزان وعاصمته التاريخية مدينة سبها. وبعد أن ظل مسلحون من قبلتي الطوارق والتبو يتبادلون الكر والفر في هجمات دامية فوق حوض مرزق، من أجل حيازة أراضٍ وحقول نفط، اشتعلت حرب مماثلة بين قبيلتي أولاد سليمان، من جانب، وكل من القذاذفة والمقارحة، من جانب آخر، قرب مدينة سبها، ثم تفجرت الأوضاع أخيراً للأسباب نفسها بين قبيلتي أولاد سليمان والتبو.
ولا توجد في الجنوب قوات ذات شأن كبير، سواء كانت تابعة للمجلس الرئاسي في طرابلس، أو للجيش في بنغازي. وكثيراً ما تؤدي اشتباكات المسلحين جنوباً في إعلان المؤسسة الوطنية للنفط حالة «القوة القاهرة»، أي تعليق التصدير للخارج. وتمر خطوط الأنابيب من حوض مرزق في اتجاه الشمال عبر مناطق نفوذ قبلية أخرى بينها الزنتان والزاوية.
ويقول مسؤول أمني، إن بعض الدول الأوروبية تتدخل لتأمين تدفق النفط والغاز إليها عن طريق أموال لمسلحين. ويضيف، أن «هذا حدث، على سبيل المثال، على خط أنابيب الرياينة، المجاور للزنتان. كان فتح صمام الخط مقابل أموال لقادة مجاميع مسلحة. أعتقد أن مثل هذا الأمر هو ما يشجع على استمرار طمع حاملي السلاح لأنهم يتربحون من الفوضى».
- عين على غات
وأشهر حقلين في «حوض مرزق» هما حقل شرارة الذي ينتج أقل قليلاً من نصف مليون برميل يومياً، وحقل الفيل وينتج نحو 125 ألف برميل يومياً. واكتشفت الحقول في «حوض مرزق»، وشاركت في استغلالها بحصص مختلفة النسب، ولأوقات متفرقة، شركات غربية وآسيوية منذ عقدي الثمانينات والتسعينات، من بريطانيا، وإيطاليا، وإسبانيا، وفرنسا، ورومانيا، والنمسا، وكوريا. وفي الوقت الراهن، تتنافس أطراف غربية، على رأسها فرنسا، وإيطاليا، وبريطانيا، للهيمنة على هذا المخزون الضخم من الطاقة.
وعلى سبيل المثال، دار جدل لافت في أحد أروقة المجلس الرئاسي في العاصمة، حول السبب الذي يجعل مسؤولين إيطاليين يطلبون إقامة مخيمات للهجرة غير الشرعية في بلدة غات التي تقع في منطقة «حوض مرزق»، وبالقرب من حقل الفيل الذي يعتقد أنه يحتوي في باطنه على مخزون ضخم من النفط والغاز.
ودار النقاش عقب دخول عضو في المجلس الرئاسي على خط مباحثات إيطالية - ليبية لإقامة مخيمات لاجئين في غات. ورد عليه مسؤول في مؤسسة النفط بأن الإيطاليين لديهم رغبة في التواجد في غات من أجل النفط، وليس من أجل اللاجئين؛ لأن «المنطقة التي وضع الإيطاليون أعينهم عليها، بعيدة عن طرق الهجرة الآتية من وسط أفريقيا، وهي في الحقيقة منطقة تجري فيها استكشافات بواسطة المؤسسة الليبية للنفط، منذ ما قبل 2011».
- ملابسات حوض غدامس
أما حوض غدامس للنفط والغاز، فيقع في الشمال الغربي من ليبيا، وبالقرب من الحدود مع الجزائر. ووفقاً لتقارير أمنية، فقد حاولت شركات دولية العمل من داخل الجزائر للاستثمار في استكشافات الغاز قرب الحدود مع ليبيا، وهو أمر ينظر إليه الليبيون، وبعض شركائهم الأوروبيين، باعتباره يمكن أن يؤثر على مخزون الغاز المتعاقد عليه سلفاً داخل الحقل الليبي، في حوض غدامس، والمعروف باسم حقل الوفاء، الذي يقابله من الجانب الغربي للحدود، حقل الرار الجزائري.
وتنتشر أعمال تهريب النفط، قبل دخوله لموانئ التصدير، في غرب طرابلس. وينشط في تلك المنطقة مشترون من السوق السوداء في البحر المتوسط. وتذهب العائدات إلى جماعات مسلحة تنتشر في تلك المنطقة من دون ضابط ولا رابط.
وبالتزامن مع هذا الواقع المرير، يتحدث مسؤولون في طرابلس عن أن هناك أطرافاً قامت بتوسعات كبيرة في حقل الرار المجاور لحقل الوفاء، من أجل زيادة الصادرات الجزائرية، خصوصاً إلى أوروبا. ويقول أحد هؤلاء المسؤولين، إن الجانب الليبي يقوم حالياً بتقييم الوضع على الحدود، وإعادة النظر في مشروع اتفاقية سابقة بخصوص حقلي الوفاء والرار.
وفي خضم الصراع بين الليبيين، يسود اعتقاد بأن معظم المتداخلين الدوليين والإقليميين في الملف الليبي «لديهم رغبة»، وهم يتدافعون بالأكتاف، بالحصول على نصيب من الكعكة، وعلى رأسها موارد النفط والغاز، والأهم إعادة إعمار ما خربه الاحتراب الأهلي، سواء في الغرب أو الشرق أو الجنوب، حيث تقدر كلفة الاستثمارات في الطاقة، وكلفة الإعمار المتوقعة، بمئات المليارات من الدولارات.


مقالات ذات صلة

مصر: أعمال البحث عن الغاز الطبيعي بالبحر المتوسط «مبشرة للغاية»

الاقتصاد وزير البترول المصري كريم بدوي خلال حديثه في مؤتمر مؤسسة «إيجيبت أويل آند غاز» (وزارة البترول المصرية)

مصر: أعمال البحث عن الغاز الطبيعي بالبحر المتوسط «مبشرة للغاية»

قال وزير البترول المصري كريم بدوي إن أعمال البحث والاستكشاف للغاز الطبيعي في البحر المتوسط مع الشركات العالمية «مبشرة للغاية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد مركبة قديمة تنقل الناس في مدينة إبادان بجنوب غربي نيجيريا (أ.ف.ب)

نيجيريا تلجأ إلى الغاز الطبيعي مع ارتفاع أسعار النقل بعد رفع دعم البنزين

ارتفعت تكاليف النقل في نيجيريا بشكل كبير مع ارتفاع سعر البنزين بأكثر من 3 أمثاله، بعدما أنهى الرئيس النيجيري دعم الوقود في أكثر دول أفريقيا اكتظاظاً بالسكان.

«الشرق الأوسط» (أبوجا)
الاقتصاد منصة غاز في عرض البحر (رويترز)

«قطر للطاقة» تعزز حصصها البحرية بحوض «أورانج» في ناميبيا

أعلنت شركة «قطر للطاقة»، الأحد، أنها أبرمت اتفاقية مع شركة «توتال إنرجيز» لشراء حصص استكشاف بحرية إضافية في حوض «أورانج» قبالة سواحل ناميبيا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد مصانع تابع لشركة «أوكيو»... (أونا)

«أوكيو للصناعات الأساسية» العمانية تتلقّى تعهداً من 4 مستثمرين بشراء 30 % من الأسهم

تلقّت «أوكيو للصناعات الأساسية» العمانية تعهداً باكتتاب بـ30 في المائة من الأسهم المطروحة للاكتتاب العام من 4 مستثمرين رئيسيين بإجمالي نحو 146.6 مليون دولار.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد موقع تصنيعي لـ«سابك» في الجبيل (الشركة)

شركات البتروكيميائيات السعودية تتحول للربحية وتنمو 200% في الربع الثالث

سجلت شركات البتروكيميائيات المدرجة في السوق المالية السعودية (تداول) تحولاً كبيراً نتائجها المالية خلال الربع الثالث من 2024.

محمد المطيري (الرياض)

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».