فرنسا وألمانيا تؤكدان وحدتهما في وجه الحمائية

فرنسا وألمانيا تؤكدان وحدتهما في وجه الحمائية
TT

فرنسا وألمانيا تؤكدان وحدتهما في وجه الحمائية

فرنسا وألمانيا تؤكدان وحدتهما في وجه الحمائية

بينما تشير بيانات ومؤشرات إلى تراجع توقعات النمو الأوروبي جراء إجراءات الحمائية التجارية التي يتبناها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أكدت فرنسا وألمانيا اعتزامهما العمل بشكل مشترك في النزاع التجاري مع الولايات المتحدة، والتهديد برفع الرسوم الجمركية على صادرات الاتحاد الأوروبي من السيارات إلى أميركا.
وخلال لقائه مع نظيره الألماني بيتر التماير، قال وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير، مساء الأربعاء في باريس: «لا أحد سيفرق بين ألمانيا وفرنسا»، مضيفا أن البلدين «تقدمتا دوما يدا بيد. في مسألة التجارة العالمية، يمكنني التأكيد أنهما ستواصلان التقدم يدا بيد خلال الأسابيع والأشهر المقبلة».
وأوضح لومير «نحن قلقون بشأن القرارات الأميركية في مجال التجارة. ونعتبر أن الزيادة في الرسوم التي قررتها الإدارة الأميركية غير مبررة»، مشددا على أن «الاتحاد الأوروبي رد بطريقة حازمة وموحدة». وتابع: «أيا تكن القرارات التي سيتخذها الرئيس الأميركي في الأشهر المقبلة، نعتبر أن الرد الأوروبي يجب أن يبقى ردا موحدا وردا حازما. لا أحد سيقسم فرنسا وألمانيا؛ ولا أحد سيقسم الأمم الأوروبية».
وإذ أقر بوجود «عدد من الصعاب الواجب حلها في مسألة التجارة»، أبدى لومير استعداده مع نظيره الألماني للعمل حولها مع «الأصدقاء الأميركيين»؛ ولكن من دون أن يكون «المسدس في الرأس»، على حسب تعبيره.
من جهته قال التماير: «نحن قلقون بلا شك لأن هذه الحلقة المفرغة من الأفعال وردود الأفعال بالنسبة إلى الصين والولايات المتحدة تظهر لنا بوضوح الخطر الناجم عن ذلك فيما يتعلق بالنمو العالمي». وأضاف أن «هدفنا تجنب حرب تجارية إذا أمكن ذلك، لأنه في نهاية حرب كهذه لن يكون هناك رابح، سيكون هناك فقط ضحايا على جانبي المحيط الأطلسي وعلى الصعيد العالمي».
ومن جهة أخرى، أكدت رابطة المصدرين الألمان مخاوفها من انتقال السياسة التصادمية التي يتبناها الرئيس الأميركي فيما يتعلق بالتجارة الخارجية لمستويات تصعيدية أخرى يمكن أن تطال شركات ألمانية أيضا.
وأكد رئيس الاتحاد، هولغر بينجمان، أنه يرى بالفعل نُذرا واضحة على احتمال انتقال الصراع لمستويات أعلى، قائلا في تصريح لصحيفة «راينيشه بوست» الألمانية أمس إن «تصرف الحكومة الأميركية ضد الصين لا يعني شيئا طيبا للاتحاد الأوروبي، لأنه يدل على استعداد الرئيس ترمب للتصعيد».
وأضاف: «من الممكن توقع أن تبدأ الولايات المتحدة في المستقبل القريب دوامة تصعيدية ضد أوروبا أيضا، وأن تفرض جمارك إضافية على السيارات وقطع غيار السيارات كرد فعل على الإجراءات التي اتخذها الاتحاد الأوروبي، ردا على فرض أميركا جمارك إضافية على الصلب والألمونيوم».
وحذر بينجمان الاتحاد الأوروبي والحكومة الألمانية من إطلاق تهديدات مضادة، ونصح بالرهان على خفض التصعيد وعلى المزيد من المباحثات بشأن خفض القيود التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وفي سياق متصل، خفضت المفوضية الأوروبية من توقعاتها بالنسبة لنمو اقتصاد الاتحاد الأوروبي أمس الخميس، مشيرة إلى أن التوترات التجارية مع الولايات المتحدة تضر بالثقة في الكتلة الأوروبية.
وكانت واشنطن قد فرضت رسوما على واردات الصلب والألمونيوم من الاتحاد الأوروبي، وهددت باتخاذ إجراء مماثل بشأن واردات السيارات. وقالت المفوضية إنه بعد تسجيل «نمو قوي» خلال خمس فصول متوالية، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الآن بنسبة 2.1 في المائة هذا العام في الاتحاد الأوروبي، وبنسبة تقل بواقع 0.2 في المائة في منطقة اليورو، مقارنة بالتوقعات السابقة.
وقال نائب رئيس المفوضية فالديس دومبروفسكيس إن «تفاقم البيئة الخارجية غير الجيدة، مثل تنامي التوترات التجارية مع أميركا، يمكن أن يزعزع الثقة ويخلف أثرا على التوسع الاقتصادي».
ورغم ذلك، تتوقع المفوضية أن يعود الاقتصاد لمساره لينمو بنسبة 2 في المائة خلال العام المقبل، مثلما أظهرت التوقعات السابقة. وقال المفوض الأوروبي لشؤون الاقتصاد بيير موسكوفيتشي: «توقعاتنا هي استمرار النمو خلال العام الجاري والعام المقبل، رغم أن تفاقم إجراءات الحمائية يمثل خطورة واضحة». وأضاف أن «الحروب التجارية لا تسفر عن فائزين، ولكن خسائر فقط».
ويأتي إعلان المفوضية بعدما خفض البنك المركزي الأوروبي من توقعاته بالنسبة لنمو اقتصاد منطقة اليورو للعام الجاري إلى 2.1 في المائة الشهر الماضي. وتوقعت المفوضية أن يبلغ معدل التضخم 1.7 في المائة في منطقة اليورو، و1.9 في المائة في الاتحاد الأوروبي هذا العام، بارتفاع بواقع 0.2 نقطة مئوية مقارنة بالتقديرات السابقة للمفوضية، وذلك بسبب ارتفاع أسعار النفط.



ترمب يدرس خصخصة خدمة البريد وسط خسائر مالية ضخمة

يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)
يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)
TT

ترمب يدرس خصخصة خدمة البريد وسط خسائر مالية ضخمة

يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)
يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)

يبدي الرئيس المنتخب دونالد ترمب اهتماماً بالغاً بخصخصة خدمة البريد الأميركية في الأسابيع الأخيرة، وهي خطوة قد تُحْدث تغييرات جذرية في سلاسل الشحن الاستهلاكي وتوريد الأعمال، وربما تؤدي إلى مغادرة مئات الآلاف من العمال الفيدراليين للحكومة.

ووفقاً لثلاثة مصادر مطلعة، ناقش ترمب رغبته في إصلاح الخدمة البريدية خلال اجتماعاته مع هاوارد لوتنيك، مرشحه لمنصب وزير التجارة والرئيس المشارك لفريق انتقاله الرئاسي. كما أشار أحد المصادر إلى أن ترمب جمع، في وقت سابق من هذا الشهر، مجموعة من مسؤولي الانتقال للاستماع إلى آرائهم بشأن خصخصة مكتب البريد، وفق ما ذكرت صحيفة «واشنطن بوست».

وأكد الأشخاص الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم نظراً للطبيعة الحساسة للمحادثات، أن ترمب أشار إلى الخسائر المالية السنوية لمكتب البريد، مشدداً على أن الحكومة لا ينبغي أن تتحمل عبء دعمه. ورغم أن خطط ترمب المحددة لإصلاح الخدمة البريدية لم تكن واضحة في البداية، فإن علاقته المتوترة مع وكالة البريد الوطنية تعود إلى عام 2019، حيث حاول حينها إجبار الوكالة على تسليم كثير من الوظائف الحيوية، بما في ذلك تحديد الأسعار، وقرارات الموظفين، والعلاقات العمالية، وإدارة العلاقات مع أكبر عملائها، إلى وزارة الخزانة.

وقال كيسي موليغان، الذي شغل منصب كبير الاقتصاديين في إدارة ترمب الأولى: «الحكومة بطيئة جداً في تبنِّي أساليب جديدة، حيث لا تزال الأمور مرتبطة بعقود من الزمن في تنفيذ المهام. هناك كثير من خدمات البريد الأخرى التي نشأت في السبعينات والتي تؤدي وظائفها بشكل أفضل بكثير مع زيادة الأحجام، وخفض التكاليف. لم نتمكن من إتمام المهمة في فترتنا الأولى، ولكن يجب أن نتممها الآن».

وتُعد خدمة البريد الأميركية واحدة من أقدم الوكالات الحكومية، حيث تأسست عام 1775 في عهد بنيامين فرنكلين، وتم تعزيزها من خلال التسليم المجاني للمناطق الريفية في أوائل القرن العشرين، ثم أصبحت وكالة مكتفية ذاتياً مالياً في عام 1970 بهدف «ربط الأمة معاً» عبر البريد. وعلى الرغم من التحديات المالية التي يفرضها صعود الإنترنت، فإن الخدمة البريدية تظل واحدة من أكثر الوكالات الفيدرالية شعبية لدى الأميركيين، وفقاً لدراسة أجراها مركز «بيو» للأبحاث عام 2024.

ومع مطالبات الجمهوريين في الكونغرس وآخرين في فلك ترمب بخفض التكاليف الفيدرالية، أصبحت الخدمة البريدية هدفاً رئيسياً. وأفاد شخصان آخران مطلعان على الأمر بأن أعضاء «وزارة كفاءة الحكومة»، وهي لجنة غير حكومية يقودها رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا إيلون ماسك وفيفيك راماسوامي، أجروا أيضاً محادثات أولية بشأن تغييرات كبيرة في الخدمة البريدية.

وفي العام المالي المنتهي في 30 سبتمبر (أيلول)، تكبدت الخدمة البريدية خسائر بلغت 9.5 مليار دولار، بسبب انخفاض حجم البريد وتباطؤ أعمال شحن الطرود، على الرغم من الاستثمارات الكبيرة في المرافق والمعدات الحديثة. وتواجه الوكالة التزامات تقدّر بنحو 80 مليار دولار، وفقاً لتقريرها المالي السنوي.

من شأن تقليص الخدمات البريدية أن يغير بشكل جذري صناعة التجارة الإلكترونية التي تقدر قيمتها بتريليون دولار، ما يؤثر في الشركات الصغيرة والمستهلكين في المناطق الريفية الذين يعتمدون على الوكالة بشكل كبير. وتُعد «أمازون»، أكبر عميل للخدمة البريدية، من بين أكبر المستفيدين، حيث تستخدم الخدمة البريدية لتوصيل «الميل الأخير» بين مراكز التوزيع الضخمة والمنازل والشركات. كما أن «التزام الخدمة الشاملة» للوكالة، الذي يتطلب منها تسليم البريد أو الطرود بغض النظر عن المسافة أو الجوانب المالية، يجعلها غالباً الناقل الوحيد الذي يخدم المناطق النائية في البلاد.

وقد تؤدي محاولة خصخصة هذه الوكالة الفيدرالية البارزة إلى رد فعل سياسي عنيف، خصوصاً من قبل الجمهوريين الذين يمثلون المناطق الريفية التي تخدمها الوكالة بشكل غير متناسب. على سبيل المثال، غالباً ما يستدعي المسؤولون الفيدراليون من ولاية ألاسكا المسؤولين التنفيذيين في البريد للوقوف على أهمية الخدمة البريدية لاقتصاد الولاية.

وفي رده على الاستفسارات حول خصخصة الوكالة، قال متحدث باسم الخدمة البريدية إن خطة التحديث التي وضعتها الوكالة على مدى 10 سنوات أدت إلى خفض 45 مليون ساعة عمل في السنوات الثلاث الماضية، كما قللت من الإنفاق على النقل بمقدار 2 مليار دولار. وأضاف المتحدث في بيان أن الوكالة تسعى أيضاً للحصول على موافقة تنظيمية لتعديل جداول معالجة البريد، وتسليمه لتتوافق بشكل أكبر مع ممارسات القطاع الخاص.

كثيراً ما كانت علاقة ترمب مع وكالة البريد الأميركية متوترة، فقد سخر منها في مناسبات عدة، واصفاً إياها في المكتب البيضاوي بأنها «مزحة»، وفي منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، وصفها بأنها «صبي التوصيل» لشركة «أمازون».

وفي الأيام الأولى لجائحة فيروس «كورونا»، هدد ترمب بحرمان الخدمة البريدية من المساعدات الطارئة ما لم توافق على مضاعفة أسعار الطرود 4 مرات. كما أذن وزير خزانته، ستيفن منوشين، بمنح قرض للوكالة فقط مقابل الحصول على وصول إلى عقودها السرية مع كبار عملائها.

وقبيل انتخابات عام 2020، ادعى ترمب أن الخدمة البريدية غير قادرة على تسهيل التصويت بالبريد، في وقت كانت فيه الوكالة قد مُنعت من الوصول إلى التمويل الطارئ الذي كان يحظره. ومع ذلك، في النهاية، تمكنت الخدمة البريدية من تسليم 97.9 في المائة من بطاقات الاقتراع إلى مسؤولي الانتخابات في غضون 3 أيام فقط.

وعند عودته إلى منصبه، قد يكون لدى ترمب خيارات عدة لممارسة السيطرة على وكالة البريد، رغم أنه قد لا يمتلك السلطة لخصخصتها بشكل أحادي. حالياً، هناك 3 مقاعد شاغرة في مجلس إدارة الوكالة المكون من 9 أعضاء. ومن بين الأعضاء الحاليين، هناك 3 جمهوريين، اثنان منهم تم تعيينهما من قبل ترمب. ولدى بايدن 3 مرشحين معلقين، لكن من غير المرجح أن يتم تأكيدهم من قبل مجلس الشيوخ قبل تنصيب ترمب.

ومن المحتمل أن يتطلب تقليص «التزام الخدمة الشاملة» بشكل كبير - وهو التوجيه الذي أوصى به المسؤولون خلال فترة ولاية ترمب الأولى - قانوناً من الكونغرس. وإذا تم إقرار هذا التشريع، فإن الخدمة البريدية ستكون ملزمة على الفور تقريباً بتقليص خدمات التوصيل إلى المناطق غير المربحة وتقليص عدد موظفيها، الذين يقدَّر عددهم بنحو 650 ألف موظف.

وقد تؤدي محاولات قطع وصول الوكالة إلى القروض من وزارة الخزانة، كما حاولت إدارة ترمب في السابق، إلى خنق الخدمة البريدية بسرعة، ما يعوق قدرتها على دفع رواتب موظفيها بشكل دوري وتمويل صيانة مرافقها ومعداتها. وقال بول ستيدلر، الذي يدرس الخدمة البريدية وسلاسل التوريد في معهد ليكسينغتون اليميني الوسطي: «في النهاية، ستحتاج الخدمة البريدية إلى المال والمساعدة، أو ستضطر إلى اتخاذ تدابير قاسية وجذرية لتحقيق التوازن المالي في الأمد القريب. وهذا يمنح البيت الأبيض والكونغرس قوة هائلة وحرية كبيرة في هذا السياق».

وقد حذر الديمقراطيون بالفعل من التخفيضات المحتملة في خدمة البريد. وقال النائب جيري كونولي (ديمقراطي من فرجينيا)، أحد الداعمين الرئيسيين للوكالة: «مع مزيد من الفرص أمامهم، قد يركزون على خصخصة الوكالة، وأعتقد أن هذا هو الخوف الأكبر. قد يكون لذلك عواقب وخيمة، لأن القطاع الخاص يعتمد على الربحية في المقام الأول».

كما انتقدت النائبة مارغوري تايلور غرين (جمهورية من جورجيا)، رئيسة اللجنة الفرعية للرقابة في مجلس النواب، الخدمة البريدية في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، وكتبت: «هذا ما يحدث عندما تصبح الكيانات الحكومية ضخمة، وسوء الإدارة، وغير خاضعة للمساءلة».

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، تعرضت الوكالة لانتقادات شديدة، حيث خضع المدير العام للبريد، لويس ديغوي، لاستجواب حاد من الجمهوريين في جلسة استماع يوم الثلاثاء. وحذر رئيس لجنة الرقابة في مجلس النواب، جيمس كومر (جمهوري من كنتاكي)، ديغوي من أن الكونغرس في العام المقبل قد يسعى لإصلاح الخدمة البريدية.

وسأل الجمهوريون مراراً وتكراراً عن استعادة التمويل لأسطول الشاحنات الكهربائية الجديد للوكالة، والخسائر المالية المتزايدة، وعن الإجراءات التنفيذية التي قد يتخذها ترمب لإخضاع الخدمة.

وقال كومر: «انتهت أيام عمليات الإنقاذ والمساعدات. الشعب الأميركي تحدث بصوت عالٍ وواضح. أنا قلق بشأن الأموال التي تم تخصيصها للمركبات الكهربائية، والتي قد يجري استردادها. أعتقد أن هناك كثيراً من المجالات التي ستشهد إصلاحات كبيرة في السنوات الأربع المقبلة... هناك كثير من الأفكار التي قد تشهد تغييرات كبيرة، وإن لم تكن مفيدة بالضرورة لخدمة البريد».