حقوق المرأة تطفو على سطح سينما العرب

ما زالت تريد حلاً بعد كل تلك السنين

لقطة من «أخضر يابس» وحكاية شقيقتين
لقطة من «أخضر يابس» وحكاية شقيقتين
TT

حقوق المرأة تطفو على سطح سينما العرب

لقطة من «أخضر يابس» وحكاية شقيقتين
لقطة من «أخضر يابس» وحكاية شقيقتين

ضمن إطلاق المسميات اللافتة، مثل «سينما القضايا الكبيرة»، ومثل «سينما الواقع»، و«السينما التي تشبهنا» (تعبير لا يعني شيئاً)، يتم تداول مسمّى آخر بنشاط ملحوظ تحت عنوان «سينما المرأة».
وهي تسمية لها وجود فعلي وآخر مزيّف. هذا الثاني يعتمد على نظرية أن سينما المرأة هي تلك التي تحققها، كإخراج وككتابة في الأساس، إناث. هي سينما «جندر» أي تعتمد على جنس المخرج (ذكر أو أنثى) بصرف النظر عن الناتج عنها. ضمن هذا المفهوم، فإن أفلام كاثرين بيغيلو، من «بلو ستيل» و«بوينت بريك» و«أيام غريبة» في التسعينات إلى «خزانة الألم» و«زيرو دارك ثيرتي» و«ديترويت»، هي أفلام نسائية علماً بأن ما تطرحه هذه المخرجة الأميركية (وهناك سواها) ليس نسائياً على الإطلاق.
على كثرة الأفلام التي تحققها مخرجات نشيطات حول العالم وبصورة لافتة، فإن المفهوم الصحيح لماهية «سينما المرأة» هو ذلك المتعلق بالطروحات التي توفرها الأفلام بصرف النظر عن جنس مخرجيها. ألم يطرح سعيد مرزوق قضايا نسائية ملحة في «الخوف» ثم في «أريد حلاً» ذلك الفيلم الذي صرخت فيه فاتن حمامة مطالبة بحقوقها الطبيعية؟ ماذا عن بركات، أو هل خلت أفلام مارون بغدادي ورضا الباهي ومحمد خان من قضايا نسائية أساسية وعلى نحو لا خلاف عليه؟
من هذه الزاوية وحدها، على الأقل، تحفل السينما العربية حالياً بالعديد من الأفلام التي تطرح مسائل نسوية مختلفة لا ترفع يافطات تنادي بحقوق المرأة، بل تفعل ما هو أجدى: تبحث في هذه الحقوق على نحو جاد وعبر طرح مسائل اجتماعية ملحّة تنضوي على وضع المرأة في مجتمعاتنا وثقافاتنا المعمول بها.

- ما بعد الجاذبية
الحال أن نسبة لا تقل عن 40 في المائة من الأفلام العربية المنتجة خلال السنوات الخمس الأخيرة تدور حول نساء وقضايا نسائية. نصف هذه الأفلام تقريباً من الأفلام كتبتها وأخرجتها سينمائيات. النصف الثاني، أو ما جاوره، من إخراج رجال يطرحون القضايا ذاتها بلمسات قد تختلف قليلاً في درجة حساسيتها حيال الشخصيات والموضوعات المطروحة، لكنها تلتقي والأفلام التي تُقْدم على تحقيقها نساء في أنها موغلة الاهتمام بأوضاع المرأة المختلفة في زمن اليوم.
الكثير من هذه الأفلام تتحدث عن حقوق المرأة ليس من باب الصراخ في وجه المشاهد لحثه على منح المرأة حقوقها، بل عن طريق عرض الحالات التي تبدد الوهم في أن المرأة العربية لديها اليوم حرية القرار في أوجه كثيرة من الحياة الاجتماعية. هي، بالتالي، ليست أفلاماً تطالب مباشرة بل تعرض درامياً أو عبر أفلام غير درامية (تسجيلية أو وثائقية) حالات محددة وواضحة مثيرة حولها ما يكفي للخروج منها بوعي كافٍ ليحثّ المشاهد على تبني ما تم طرحه في هذه الأفلام.
«زهرة الصبار» للمصرية هالة القوصي أحد آخر الأفلام الروائية المصرية في هذا الصدد. ينطلق من تقديم بطلته عايدة (سامية سامي) وهي تمثل إعلاناً إذاعياً. تعود منه إلى البيت الذي تعيش فيه وحيدة ويدلف بنا الفيلم منذ تلك اللحظة إلى المشكلات التي تعايشها أو تحيط بها. جارتها العجوز (منحة البطراوي) لم تدفع إيجار سكنها منذ عدة أشهر. كلتاهما تصبحان خارج الشقة ما ينتج عنه إيواؤهما في منزل شاب، ما حرّك ظنون جيرانه. بين محاولة عايدة التقدم في مجال التمثيل، ومحاولتها الإبقاء على عملها غير الثابت تفتح المخرجة الجديدة دفاتر بطلتها السابقة وتعيد الصلة بين متاعبها ومتاعب والدتها من قبلها بالإضافة إلى متاعب تلك الجارة التي تدخل في طيات السائد من المعايير.
شبيه بهذا الوضع الذي تجد فيها بطلة الفيلم نفسها أمام أسئلة الحاضر المبهم، فيلم محمد حماد «أخضر يابس» الذي يدور حول تلك المرأة التي تكتشف أنها فقدت شبابها ومستقبلها الشخصي بينما كانت تثابر على العمل لإعالة نفسها وشقيقتها الشابة المشغولة عنها.
تستقلّ بطلة الفيلم (هبة علي) الحافلة الكهربائية وتجتاز الجسر فوق الشارع المزدحم وتمشي بعد الدوام في الأزقة والطرق. حمّاد يصوّرها وهي تفعل ذلك على الدوام. وفي كل مرّة، هناك تسجيل لنبض حياة بطلته، ما يجعل الشعور بالتكرار معدوماً. تلك الرتابة هي في الحياة ذاتها، وبطلته ليس لديها ما يدعو للابتسام خصوصاً بعدما وصلت إلى سن ما بعد الجاذبية والأنثوية. هذا ما يتركها في النهاية كتلك السلحفاة التي يقطع المخرج عليها بضع مرات وهي ملقاة على ظهرها لا تَقوَى على استخدام أطرافها. إيمان لن تصلح للإنجاب ولن يرضى بها أحد يريد تكوين أسرة. ويتركنا الفيلم مع هذه النقلة إلى المزيد من حياة متوقعة بلا أمل يطفو أو ضباب يزول.

- ضد الوضع القائم
أحد أبرز الأفلام العربية التي طرحت معضلة البحث عن الحاضر المفلت من بين الأصابع وبالتالي إيجاد الحلول الملائمة لمجمل ما قد تمر به المرأة العربية من حالات وأوضاع، ورد من تونس التي لم تفتأ منذ سنوات بعيدة تقدم أفلاماً نسائية لافتة وناجحة التقديم وبعضها مدروس ومنفَّذ بعناية فائقة.
الفيلم المعني هنا هو «على كف عفريت» الذي شاع بين المهرجانات العربية والعالمية وخرج بحفنة لا بأس بها من الجوائز. في جوهره هو فيلم عن حاجة المرأة إلى مساندة المجتمع لها خلال محنة مهمّة وخروجها من التجربة وقد اكتشفت أن المجتمع ليس في وضع المستجيب. بطلته مريم (مريم الفرجاني) تعرضت للاغتصاب في سيارة شرطة. في الليلة ذاتها آلت على نفسها أن تبحث عن الفاعلَين اللذين قاما بهذه الجريمة وترفع ضدهما دعوى. معها في البحث شاب لا تعرفه جيداً ينبري لمساعدتها لكنه يواجه تعنت السُّلطة واستعدادها لتلفيق تهم تودي به إلى السجن إذا لم يكفّ عن مساعدة الفتاة. إذ ينفصل عنها تبقى وحيدة في معركتها في مركز الشرطة حيث يعمل الرجلان اللذان قاما باغتصابها. يتم الضغط عليها وتهديدها لكنها لن تستجيب، ليس لأنها انتمت إلى سياسة تبنَّتها، بل لشعور منها بأن لديها حقاً يريد البعض طمسه، وإذا لم تنبرِ لنيله فإن الوضع سيبقى على ما هو عليه. تناولت المخرجة كوثر بن هنية الموضوع من حادثة حقيقية أثارت الرأي العام التونسي قبل سنوات قليلة. الموضوع، في صميمه، يلتقي بأحداث ما بعد سنة 2011 في تونس. ولو بحثنا سنجد أكثر من فيلم يتناول أوضاعاً نسائية قبل أو خلال أو بعد تلك الأحداث المعروفة. بينها «غدوة خير» للطفي عاشور.
يتناول هذا الفيلم حكاية امرأتين (الرائعتان أنيسة داود ودرية عاشور) اشتركتا في المظاهرات المعادية للنظام السابق ووجدتا نفسيهما في خطر القبض عليهما. يساعدهما صبي على الهرب. بعد ذلك الفصل ها هما تبحثان عنه وتكتشفان أنه كان قد تعرض للضرب والاعتداء الجنسي قبل قتله. في الوقت الذي يعرض الفيلم حكاية لا تنحصر في موضوع نسائي بحت، فإن المرأة (ممثلةً في بطلتيه) تقود هنا الطرح الاجتماعي وتعكس الخطر الماثل عليها قبل وبعد تلك الثورة.
في هذا الجزء من العالم لا وطن واحداً لمحنة المرأة القابعة تحت سلطة ذكورية واجتماعية والمحاصَرة بالوصايا الجاهزة. لذا ما ينبري له فيلم آتٍ من تونس أو الجزائر يمكن له أن يكون نموذجاً لفيلم يرد من مصر أو العراق أو الأردن أو سواها.

- عروض جديدة
Skyscrapper ★★
• لا يكاد يغيب فيلم من بطولة دواين جونسون حتى يأتي آخر من دون ارتقاء نوعي: ناطحة سحاب تشتعل وفيها عائلته وهو وحده القادر على إنقاذها والآخرين من الخطر، ناهيك بإنقاذ نفسه.‬
Damascus Cover ★★
• بعد «بيروت» جاء وقت «دمشق»: حكاية أخرى حول أبطال يخاطرون بأنفسهم خلال الحرب لإنقاذ زميل مخطوف. هذه المرّة بطل الفيلم من الموساد ويتم كشفه لكنه يفلت هارباً.
Sanju ★
• عن حياة الممثل البوليوودي سانجاي دَت المليئة بالمتاعب (شرب ومخدرات ومساوئ أخرى) ينجزها فيلماً من ثلاث ساعات هالكة ولا يمكن الوثوق كثيراً بها للمخرج راجيكومار هيراني.


مقالات ذات صلة

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

سينما المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

ماذا تفعل لو أنك اكتشفت أن الشخص المتهم بجريمة قتل بريء، لكنك لا تستطيع إنقاذه لأنك أنت من ارتكبها؟ لو اعترفت لبرّأت المتهم لكنك ستحلّ مكانه في السجن

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
سينما من «الفستان الأبيض» (أفلام محمد حفظي)

شاشة الناقد: دراما نسوية

في فن صنع الأفلام ليس ضرورياً أن يتقن المخرج الواقع إذا ما كان يتعامل مع قصّة مؤلّفة وخيالية.

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
يوميات الشرق مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هوبال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد.

إيمان الخطاف (الدمام)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما صُناع فيلم «إيميليا بيريز» في حفل «غولدن غلوب» (رويترز)

«ذا بروتاليست» و«إيميليا بيريز» يهيمنان... القائمة الكاملة للفائزين بجوائز «غولدن غلوب»

فاز فيلم «ذا بروتاليست» للمخرج برادي كوربيت الذي يمتد لـ215 دقيقة بجائزة أفضل فيلم درامي في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)

نجم بوليوود عامر خان يصرف النظر عن الاعتزال ويواصل التمثيل والإنتاج

نجم بوليوود عامر خان (أ.ف.ب)
نجم بوليوود عامر خان (أ.ف.ب)
TT

نجم بوليوود عامر خان يصرف النظر عن الاعتزال ويواصل التمثيل والإنتاج

نجم بوليوود عامر خان (أ.ف.ب)
نجم بوليوود عامر خان (أ.ف.ب)

خطرت فكرة اعتزال السينما في بال نجم بوليوود، عامر خان، في خضمّ فترة التأمل التي أمضاها خلال جائحة كوفيد-19، لكنّ الممثل والمنتج الهندي بدّل رأيه مذّاك ويعتزم مواصلة مسيرته المهنية الغنية التي بدأت في سبعينات القرن العشرين.

وقال خان لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، خلال مقابلة أجرتها معه في لندن، إنه مرّ قبل بضع سنوات بمرحلة إعادة نظر ذاتية.

وأضاف: «كان ذلك خلال أزمة كوفيد، وكنت أفكر في كثير من الأمور، وأدركت أنني قضيت حياتي بأكملها في عالم السينما السحري هذا منذ أن أصبحت بالغاً».

وتولى عامر خان بطولة عدد كبير من الأفلام التي حققت نجاحاً تجارياً واسعاً في بلده، ومنها «3 بلهاء» و«دانغال»، و«نجوم على الأرض»، كما اشتهر عامر خان بإنتاج وبطولة فيلم «لاغان Lagaan» الذي كان بين الأعمال المرشحة لجائزة الأوسكار للأفلام الأجنبية عام 2002.

وتابع خان الذي بدأت مسيرته التمثيلية منذ الطفولة في السبعينات، وأصبح لاسمه ارتباط وثيق ببوليوود: «لقد أدركت أنني لم أعطِ حياتي الشخصية الأهمية التي كنت أرغب فيها».

وزاد: «واجهتُ صعوبة في التغلب على الشعور بأنني أهدرت الكثير من الوقت، وكنت أشعر بالكثير من الذنب... كان رد فعلي الأول القول إنني اكتفيت من السينما».

لكنّ عائلته، وخصوصاً ابنه وابنته، أقنعته بالعدول عن الاعتزال. وقال: «في رأسي كنت أقول سأتوقف. ثم لم أفعل ذلك».

والآن، مع اقتراب عيد ميلاده الستين في مارس (آذار)، يريد عامر خان، الذي يعيش في مومباي، «مواصلة التمثيل والإنتاج لبعض الوقت».

«أحب أن أفاجئ جمهوري»

ويعتزم النجم الهندي أيضاً جعل شركته للإنتاج «عامر خان بروداكشنز» منصة «لتشجيع المواهب الجديدة التي تكون أحاسيسها قريبة» من أحساسيسه و«تريد أن تروي القصص» التي تهمه.

ومن ذلك مثلاً فيلم «لاباتا ليديز» Laapataa Ladies الكوميدي عن شابتين من منطقة ريفية في الهند، يطرح موضوع الزواج ووضع المرأة في بلده، وقد شارك في إنتاجه مع زوجته السابقة كيران راو، وحضر أخيراً إلى لندن للترويج له.

ويتناول عدد من أفلام عامر خان قضايا اجتماعية، مثل حقوق المرأة في المناطق الريفية، أو الصناعة الرياضية، أو الضغط المفرط في التعليم العالي أو حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

لكن خان يرفض أن يحبس نفسه في نوع واحد فقط من الأفلام أو الأدوار، وقال في هذا الصدد: «أحب التنويع والتطرق إلى قصص مختلفة. أحب أن أفاجئ نفسي وجمهوري».

ولم يتردد النجم البوليوودي في انتقاد نفسه أيضاً، مشيراً إلى أنه «غير راضٍ» عن أدائه في فيلم «لا سينغ شادا» Laal Singh Chaddha الهندي المقتبس من فيلم «فورست غامب» تم إنتاجه عام 2022، لكنه لم يحظَ بالاستحسان المألوف الذي تُقابَل به أعماله.

وأما في «أن يكون هذا الفيلم أفضل»، في إشارة إلى عمله الجديد «سيتار زامين بار» Sitaare Zameen Par الذي يُطرَح قريباً.

ورغم فوزه بالعشرات من الجوائز السينمائية في الهند بالإضافة إلى ثالث أعلى وسام مدني في بلده، فإن عامر خان يحرص على تقويم كل فيلم من أفلامه.

وشدّد على أن «إخراج فيلم أمر بالغ الصعوبة». وقال: «عندما أنظر إلى الفيلم الذي أخرجناه، ثم إلى السيناريو الذي كتبناه، أتساءل هل حقق الفيلم الأهداف التي حددناها».

وأضاف: «إذا وصلنا إلى ما أردناه، وصنعنا الفيلم الذي أردناه، فيشكّل ذلك ارتياحاً كبيراً».