مصادر فرنسية: التوافق هو الطريق لفك التحالف بين «داعش» والمكون السني

رجحت أن يكون استقلال كردستان «تكتيكا سياسيا» أو ورقة ضغط على الآخرين

مسيحيون عراقيون يتظاهرون في بروكسل مطالبين بحماية أهلهم في شمال العراق أمس (إ.ب.أ)
مسيحيون عراقيون يتظاهرون في بروكسل مطالبين بحماية أهلهم في شمال العراق أمس (إ.ب.أ)
TT

مصادر فرنسية: التوافق هو الطريق لفك التحالف بين «داعش» والمكون السني

مسيحيون عراقيون يتظاهرون في بروكسل مطالبين بحماية أهلهم في شمال العراق أمس (إ.ب.أ)
مسيحيون عراقيون يتظاهرون في بروكسل مطالبين بحماية أهلهم في شمال العراق أمس (إ.ب.أ)

لا تلعب باريس دورا رئيسا في الأزمة العراقية على غرار الدور الذي لعبته (أو تلعبه) في أزمات المنطقة الأخرى كما في سوريا ولبنان وقبلها في ليبيا، فضلا عن دورها التقليدي في بلدان المغرب العربي. ولعل أفضل دليل على ذلك أن وزير خارجيتها، لوران فابيوس، لم يزر بغداد كما فعل نظيراه الأميركي جون كيري والبريطاني ويليام هيغ، بل أرسل مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، جان فرنسوا جيرو، إلى بغداد وأربيل للتواصل مع الأطراف العراقية.
وقضى جيرو، الذي شغل في الماضي منصب سفير بلاده في بغداد، خمسة أيام في العراق تنقل خلالها بين بغداد وأربيل ووسع دائرة اتصالاته. وبموازاة ذلك، أجرى فابيوس سلسلة من الاتصالات مع نظرائه، خصوصا في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والسعودية والإمارات والأردن وأطرافا أخرى فاعلة، بحثا عن تصور يجمع بين التحرك الأمني لمواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) والبحث عن العناصر التي يمكن أن يتشكل منها «الحل السياسي»، الذي تراه باريس ضرورة قصوى للتعاطي مع الأزمة الكبرى التي تضرب العراق وتهدد مجمل المنطقة.
وفي لقاء ضيق جدا، عرضت مصادر رسمية فرنسية قراءتها للوضع العراقي الأمني والسياسي ولارتباطهما بما يجري في سوريا وللعناصر التي يمكن أن ينهض على أساسها تصور سياسي يحظى بموافقة الأطراف العراقية كافة و«تمكنها جميعا من الجلوس حول طاولة واحدة للتوافق على منهج جديد لحكم العراق وتقاسم موارده والمحافظة على وحدته». وتختصر المصادر المشار إليها «الشعور العام» الذي عاد به المبعوث الفرنسي في أنها «لا تستطيع القول إنه عاد متفائلا، بل إنه رصد فرصة للتوصل إلى تسوية بين الأطراف».
ومن العناصر التي تدفع في هذا الاتجاه، قبول سنة العراق المشاركة في مسار سياسي تمثل بحضور نوابهم الجلسة الأولى للبرلمان، وتأكيد استمرار مشاركتهم فيه، والتمسك بصيغة الترويكا والتوزيع الطائفي المعمول به. ورغم خطاب رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني بخصوص الاستفتاء على تقرير المصير، فإن باريس ترى في الإجراء الذي لم تحدد له روزنامة «تكتيكا سياسيا» و«وسيلة ضغط» على بغداد والأطراف الأخرى لتحقيق المطالب التي يتمسك بها الأكراد - إن لجهة نسبة مشاركتهم في السلطة أو التحكم في الموارد النفطية.
لا تريد باريس الانغماس في لعبة الأسماء في العراق، بيد أنها ترى أن رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي قد «انتهى»، وأن ثمة «توجها عراقيا للمجيء برئيس حكومة جديد يسمح للأطراف كافة بالمشاركة في حكومة ذات تمثيل عادل ولا تترك أحدا على قارعة الطريق». وبرأيها، فإنه كلما عجل الحل السياسي وفق هذا التصور «كان الرد الأمني على (داعش) أسرع وأنجع». وترى باريس أن «فك التحالف» بين «داعش» وبعض الأطراف السنية التي تقاتل أو تقف إلى جانبه «سيكون أسرع»، وهو ما يمثل «هدفا أساسيا» للجهود المبذولة دوليا.
في الجانب السياسي، ترى باريس أن إعلان أسامة النجيفي، رئيس البرلمان المنتهية ولايته، امتناعه عن الخوض لولاية جديدة «رسالة سياسية» موجهة إلى المالكي وللمكون الشيعي بشكل عام، باعتبار أنه يتعين مساعدة رئيس الوزراء العراقي على «المحافظة على ماء الوجه». ولذا، فإن التفاهم كان يسير باتجاه أن تتخلى الترويكا الحالية بكامل أعضائها (أي المالكي والنجيفي ورئيس الجمهورية جلال طالباني) عن مراكزها وانتخاب بدلاء «من الصف الثاني» يكونون مقبولين من الأطراف كافة. بيد أن تصريحات المالكي الأخيرة التي أكد فيها رفضه التخلي عن منصبه تلقي ظلالا من الشك على هذا التفاهم المزعوم. وكان المالكي قد أكد أنه لن يتنازل «
وتراقب باريس ما ستسفر عنه النقاشات الدائرة حاليا داخل «التحالف الوطني الشيعي» وكيفية تعامل المالكي مع ما توحي به المرجعية الشيعية الممثلة بآية الله علي السيستاني التي تعطي إشارات لتفضيلها تسمية رئيس حكومة جديد غير شخص المالكي.
أما على المستوى العسكري، فإن القراءة الفرنسية ترى أن المواقع والخطوط العسكرية «استقرت» بعد الهجوم المدوي الذي قامت به «داعش» وسيطرت بموجبه على مناطق واسعة من شمال العراق. وبرأيها، فإن «داعش» التي أعلنت قيام «الخلافة الإسلامية» في مناطق نفوذها بسوريا والعراق «تريد تعزيز سيطرتها على مناطق متواصلة جغرافيا على مجرى نهر الفرات، الأمر الذي يتيح لها إقامة محور استراتيجي يمكنها من التحرك بحرية ونقل الأسلحة والمعدات والقوات بين سوريا والعراق وفي الاتجاهين وتركيز قبضتها عليها». وتجاري باريس في قراءتها القراءة الأميركية العسكرية التي تؤكد أن القوات العراقية وحدها «غير قادرة على استعادة المناطق التي خسرتها»، مما يعني ضمنا أن مصير المعركة العسكرية مرهون بما يمكن التوصل إليه سياسيا.
وفي الموضوع الكردي، تدفع باريس باتجاه بقاء العراق موحدا لأن تفتيته سيعني بنظرها تغييرات كبرى تطال المنطقة كافة التي سيهدد استقرارها وحدودها وسيدفع بالأكراد في الدول المحيطة (سوريا وتركيا وإيران) على محاولة التشبه بما يكون قد فعله أكراد العراق، الأمر الذي سيقضي على ما أنتجته معاهدة سايكس - بيكو البريطانية - الفرنسية التي أبرمت قبل نحو مائة سنة.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم