مالي: مقتل اثنين من قوات حفظ السلام الدولية في كيدال

صورة ارشيفية لجنود قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة يراقبون أحد الشوارع الرئيسة في مدينة كيدال في مالي (أ.ب)
صورة ارشيفية لجنود قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة يراقبون أحد الشوارع الرئيسة في مدينة كيدال في مالي (أ.ب)
TT

مالي: مقتل اثنين من قوات حفظ السلام الدولية في كيدال

صورة ارشيفية لجنود قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة يراقبون أحد الشوارع الرئيسة في مدينة كيدال في مالي (أ.ب)
صورة ارشيفية لجنود قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة يراقبون أحد الشوارع الرئيسة في مدينة كيدال في مالي (أ.ب)

أسفر هجوم تبناه إسلاميون أمس عن مقتل جنديين سنغاليين اثنين من جنود الأمم المتحدة كانا يحرسان مصرفا في كيدال شمال مالي، فيما يقوم الجيش الفرنسي بعملية واسعة النطاق تستهدف الإسلاميين المسلحين في المنطقة.
ويأتي الهجوم عشية الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية التي ينتظر أن تكرس العودة إلى النظام الدستوري بعد 19 شهرا على انقلاب 12 مارس (آذار) العسكري الذي أغرق مالي في الفوضى. ففي وقت مبكر من صباح أمس اقتحمت سيارة محشوة بمتفجرات المصرف الوحيد في مدينة كيدال، الذي يحرسه جنود ماليون وآخرون أفارقة من قوة الأمم المتحدة في مالي. وأفادت الحكومة المالية في بيان أن السيارة «اقتحمت باب المصرف الرئيسي وقتلت إلى جانب الانتحاري جنديين سنغاليين من قوة الأمم المتحدة وأصابت ستة أشخاص آخرين بجروح» من بينهم خمسة جروحهم خطيرة. وتابعت أن «انفجار السيارة أدى إلى أضرار مادية كبرى في مبنى المصرف وفي آليتين تابعتين لقوة الأمم المتحدة والجيش المالي».
وفي اتصال هاتفي مع وكالة الصحافة الفرنسية تبنى الهجوم «باسم جميع المجاهدين» جهادي مالي هو سلطان ولد بادي، الذي انتمى سابقا إلى عدد من الجماعات الإسلامية المسلحة في منطقة الساحل ومنها القاعدة في المغرب الإسلامي. وصرح ولد بادي بالفرنسية أن «هذه العملية رد على الدول الأفريقية التي أرسلت عسكريين لدعم حرب (الرئيس الفرنسي) فرنسوا هولاند في أرض الإسلام».
وأضاف: «سنرد في مجمل أزواد (شمال مالي) وأراض أخرى، بعمليات أخرى على الحملات الصليبية التي تشنها فرنسا وموظفوها الذين يبغضون الإسلام».
ووجه هولاند رسالة تعزية إلى نظيره السنغالي ماكي سال كتب فيها إن «هذا العمل المشين لا يمكن أن يبقى بلا تبعات. فرنسا ستقف إلى جانبكم للتعرف على منفذي هذا العمل الإرهابي وتوقيفهم». ودان وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس «هذا العمل الجبان الذي يأتي عشية الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية في مالي».
ويتوقع أن تكرس الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية العودة إلى النظام الدستوري في مالي الذي عطله انقلاب سرع في 22 مارس 2012 بسقوط الشمال في أيدي المجموعات الجهادية. وسيتولى الجنود الفرنسيون والماليون ومن قوة الأمم المتحدة تأمين سلامة الانتخابات.
وفي كيدال، معقل الطوارق وتمردهم، الحركة الوطنية لتحرير أزواد، لن تجرى انتخابات لأن النواب الأربعة لهذه المدينة ومنطقتها التي تبعد 1500 كلم شمال شرقي باماكو، قد انتخبوا في الدورة الأولى التي أجريت في 24 نوفمبر (تشرين الثاني). وقد حصل اعتداء كيدال فيما يشن الجيش الفرنسي الذي يشن حملة في مالي منذ نحو السنة لملاحقة المجموعات الإسلامية المسلحة، عملية واسعة النطاق ضد الجهاديين في شمال تمبكتو (شمال غرب). وقال مصدر أفريقي في تمبكتو إن هذه العملية التي لا يرغب الجيش في باريس في التعليق عليها لكن من دون أن ينفيها، «عملية عسكرية كبيرة جدا، الأكبر في منطقة تمبكتو منذ استعادة المدن الأساسية في الشمال من قبل القوات المتحالفة».
في بداية السنة. وأوضح مصدر عسكري مالي أن عشرين مروحية فرنسية وآليات تشارك في هذه العملية التي تستهدف القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وأضاف أن «عشرين جهاديا قد قتلوا حتى الآن في شمال تمبكتو ويستهدف الفرنسيون في الوقت الراهن منطقة تواديني» التي تبعد 750 كلم شمال المدينة «التي أصبحت ملجأ للإرهابيين وتجار المخدرات». وكان مصدر فرنسي في باماكو قال الثلاثاء إن تسعة عشر عضوا في «مجموعة متطرفة جدا» قد قتلوا. ويفترض أن تسيطر على كيدال قوات الأمم المتحدة والجنود الفرنسيين الماليين.
لكن الوضع فيها ما زال مضطربا وما زال عدد كبير من المجموعات المسلحة يتجول فيها من دون خوف من العقاب، ومنها مجموعات القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي التي أعلنت مسؤوليتها عن خطف وقتل الصحافيين الفرنسيين في الثاني من نوفمبر. والعلاقات بين الحركة الوطنية لتحرير أزواد والسلطة في باماكو، التي لم تتوصل إلى إرساء سلطتها في المدينة، متوترة ودائما ما تقع حوادث بين الطوارق والجنود الماليين الموجودين في كيدال.



للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
TT

للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

سحب الفرنسيون من تشاد، الثلاثاء، مقاتلات عسكرية من طراز «ميراج 2000»، ليصبح البلد الأفريقي مترامي الأطراف والحبيس في قلب القارة السمراء، خالياً من أي مقاتلات فرنسية لأول مرة منذ أن نال استقلاله عن باريس قبل 6 عقود.

اليوم، أصبحت سماء تشاد هادئة من أزيز «الميراج» الفرنسية، وأغمضت العين الفرنسية التي ظلّت لعقود طويلة رقيباً لا يغفل على أرض تشاد الشاسعة، الممتدة من صحراء أوزو الحارقة شمالاً، وصولاً إلى أحواض بحيرة تشاد الرطبة في أقاصي الجنوب.

الطائرة التي تُمثّل فخر الصناعة العسكرية الفرنسية، ظلّت لسنوات طويلة صاحبة الكلمة الأولى في السماء التشادية، والسلاح الحاسم الذي تدخّل لقلب موازين السياسة أكثر من مرة، خصوصاً حين حاصر المتمردون القادمون من الشمال الرئيسَ الراحل إدريس ديبي في 2006 و2019.

بداية الرحيل

طائرة «ميراج» فرنسية وهي تغادر قاعدة «غوسي» التشادية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

في حدود منتصف نهار الثلاثاء، كان الجنود الفرنسيون في قاعدة «غوسي» العسكرية في عاصمة تشاد إنجامينا، يتبادلون الابتسامات الباهتة مع أقرانهم التشاديين، فطغت على أجواء الوداع حميمية مصطنعة، وهم يستعدون لركوب طائرات «الميراج»، في رحلة ذهاب دون عودة، نحو فرنسا.

رفع الطيار العسكري الفرنسي يده بتحية عسكرية صارمة، من وراء زجاج طائرته النفاثة، وألقى نظرة أخيرة، ثم حلّق عالياً لتكون بذلك بداية انسحاب فرنسي من بلد دخله أجداده مستعمرين مطلع القرن العشرين، أي قبل 120 عاماً.

الجيش الفرنسي قال في بيان مقتضب تعليقاً على سحب طائراته العسكرية، إن القرار جاء بعد أن قررت تشاد إنهاء العمل باتفاقية التعاون الأمني والعسكري مع فرنسا، يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وأضاف أن «وجود هذه الطائرات كان تلبية لحاجة سبق أن عبّر عنها الشريك (التشادي)».

فيما قال مصدر فرنسي إن وجود المقاتلات الفرنسية في تشاد لم يعُد مبرّراً بعد إنهاء التعاون العسكري بين البلدين، وأضاف أن «فرنسا تنهي نشر مقاتلاتها في قاعدة (غوسي) الجوية في إنجامينا. والجيش الفرنسي اتخذ قراراً بسحب طائراته الحربية».

رحيل تدريجي

وزير خارجية تشاد، عبد الرحمن كليم الله، نشر تغريدة مقتضبة على موقع «إكس»، قال فيها: «إنه بعد الانسحاب النهائي لمقاتلات (الميراج) الفرنسية وطائرة الدعم والإسناد، نفذت المرحلة الأولى من سحب القوات الفرنسية في تشاد».

كما نشرت الخارجية التشادية بياناً قالت فيه: «إن هذا الحدث يُمثل خطوة كبيرة في تنفيذ الجدول الزمني المتفق عليه بين الطرفين» بخصوص مغادرة القوات الفرنسية، قبل أن تشير إلى أنه «سيتم الترحيل التدريجي للقوات البرية خلال الأسابيع المقبلة».

ويوجد في تشاد نحو ألف جندي فرنسي، كانوا موجودين بموجب اتفاق تعاون عسكري موقع منذ عقود، وجرى تجديده عام 2019، ولكن تشاد قررت الشهر الماضي أن تنهيه من جانب واحد من أجل «تجسيد السيادة» على أراضيها.

وفي هذا السياق، قالت الخارجية التشادية إن الشعب التشادي «يتطلّع إلى مستقبل تحظى فيه السيادة الوطنية بالاحترام الكامل، وتتولى فيه القوات المسلحة الوطنية بشرف وكفاءة الدفاع عن أراضيها وأمن مواطنيها».

ولكنها في الوقت نفسه، شدّدت على «فكّ الارتباط (مع فرنسا) يتم بروح من الاحترام المتبادل والحوار البنّاء للحفاظ على العلاقات الثنائية بين تشاد وفرنسا في المجالات الاستراتيجية الأخرى ذات الاهتمام المشترك».

لجنة مشتركة

جنديان تشاديان خلال مناورات مع سلاح الجو الفرنسي (أرشيف الجيش الفرنسي)

ورغم أن البلدين لم يُعلنا أي تفاصيل حول الجدول الزمني لسحب القوات الفرنسية، فإن المصادر تؤكد تشكيل «لجنة مشتركة» تتولّى الإشراف على العملية، وقد عقدت هذه اللجنة اجتماعها الأول يوم الجمعة الماضي، دون إعطاء أي تفاصيل.

في هذه الأثناء، وصفت صحف فرنسية واسعة الانتشار من بينها «لوموند» ما يجري بأنه «صفعة موجعة» تتلقّاها فرنسا في بلد ظلّ لعقود يمثل حليفاً استراتيجياً في أفريقيا، واليوم يُعدّ آخر مركز نفوذ لفرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، حيث سبق أن انسحبت القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

ويصر الفرنسيون على أن ما يحدث في تشاد مختلف عما جرى في دول الساحل الأخرى؛ حيث وقعت قطيعة تامة مع باريس.

ويقول مصدر وصفه الإعلام الفرنسي بأنه قريب من الملف: «إن التشاديين لم يطلبوا سحب القوات بشكل فوري، وبهذه السرعة»، وأضاف: «نحن من أراد التحكم في الانسحاب» تفادياً لأي مفاجآت.