«ضباب» يخيم على الإعلام التونسي... وأهله غاضبون

نقيب الصحافيين لـ «الشرق الأوسط»: المشهد السياسي لم يهضم بعد مبدأ حرية التعبير

من اللقطات المتداولة بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي لمظاهرات حرية الصحافة في تونس
من اللقطات المتداولة بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي لمظاهرات حرية الصحافة في تونس
TT

«ضباب» يخيم على الإعلام التونسي... وأهله غاضبون

من اللقطات المتداولة بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي لمظاهرات حرية الصحافة في تونس
من اللقطات المتداولة بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي لمظاهرات حرية الصحافة في تونس

عندما تسأل التونسيين عن أبرز ما تحقق من مكاسب إثر ثورة 2011، يجمع معظمهم على أن حرية التعبير تمثل المكسب الأساسي الذي خرج به التونسيون من احتجاجات أطاحت بنظام حكم تواصل لمدة فاقت 23 عاماً. غير أن الكثير منهم سيشيرون بالتوازي إلى مآخذ حرية التعبير والصحافة في تونس، من خلال تدخل عدة أطراف، سواء عن طريق المال أو النفوذ السياسي، في المجال الإعلامي. كما أن الممارسين لمهنة الإعلام في تونس يعددون بدورهم العوائق الكثيرة التي تعترض ممارسة هذه المهنة الشاقة، التي تعتبر سلطة رابعة بعد السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، وعليها أن تلعب دوراً أفضل في تعديل ميزان القوى بين مختلف السلطات.
لا يخفي كثير من المتابعين الانزلاقات الكثيرة التي وقع فيها قطاع الصحافة، ومن بينها الإثارة والبحث المضني عن «السبق الصحافي» بطرق قد تخالف ميثاق شرف المهنة، وتتعارض مع مبدأ احترام الكرامة البشرية.
ويربط المتابعون للمشهد السياسي التونسي بين التدرج في تنفيذ المسار الديمقراطي وتنفيذ مبدأ حرية الإعلام والصحافة، ومن غير المنطقي - على حد تعبيرهم - الحديث عن مناخ ديمقراطي في ظل صحافة الرأي الواحد، والرأي الذي يخدم من ساقه في الركاب.
وتصرح القيادات السياسية المشاركة في الائتلاف الحاكم، وتتعهد في أكثر من مناسبة بـ«دعم قطاع الإعلام ومرافقته»، وتعتبر أنّ «حرية القطاع تعد مكسباً لا يمكن التراجع عنه».
وفي مقابل هذه التعهدات، انتقدت نقابة الصحافيين التونسيين أداء الحكومة تجاه قطاع الصحافة، وأكدت أن الحكومة «قدمت كثير الالتزامات للقطاع، لكنها بقيت حبراً على ورق»، وخالفت تعهداتها في مسألة إنقاذ الصحافة المكتوبة، التي تعاني من أزمة عميقة نتيجة تغير المشهد الإعلامي، وتكاثر وسائل الإعلام المنافسة.
ولم تفِ الحكومة التونسية بتعهد سابق يقضي بإحداث «صندوق لدعم الصحافة المكتوبة»، باعتمادات مالية لا تزيد على 5 ملايين دينار تونسي (نحو مليوني دولار أميركي)، واتهمت نقابة الصحافيين التونسيين الحكومة بعدم الاستجابة لمقترح اقتطاع نسبة من الإشهار العمومي لدعم موارد هذا الصندوق، ومن ثم توفير الدعم المالي للصحافة المكتوبة التي تعاني من مشكلات مالية وهيكلية عويصة.
وفي هذا الشأن، يؤكد ناجي البغوري، نقيب الصحافيين التونسيين، لـ«الشرق الأوسط» وجود مخاوف حقيقية من الردة التي تهدد قطاع الصحافة، ويرى أن مكونات المشهد السياسي التونسي، من أحزاب سياسية مشاركة في الحكم أو في المعارضة، لم تهضم بعد «مبدأ حرية الصحافة»، ولا تطري عليها إلا عندما تخدم مصالحها، وتشيد بإنجازاتها ومواقفها. أما إذا تعرضت الصحافة لأي طرف بالتقييم الموضوعي، على قاعدة «الخبر مقدس والتعليق حر»، فإن مختلف المساوئ ستصب على من تجرأ وأعلن رأيه بكل صراحة.
وفي تقييمه لوضع الصحافة التونسية، أفاد البغوري بأنها ما زالت في حاجة ملحة لعدد من القوانين والتشريعات المنظمة للمهنة، لحمايتها من مختلف التهديدات التي تتربص بها، وأكد أن نقابة الصحافيين تدعم على مدى وجودها جودة المنتج الإعلامي، وتعدد القراءات والمواقف والآراء، فهي الكفيلة بضمان مشهد إعلامي متطور بالفعل.
كانت تونس قد احتلت المرتبة 97 من أصل 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة لعام 2018، الذي أعدته منظمة «اليونيسكو»، وهي المرتبة ذاتها التي احتلتها خلال السنة الماضية.
ويعاني قطاع الصحافة في تونس من هشاشة الوضعيات المهنية. وخلال الفترة الزمنية الممتدة بين 3 مايو 2017، والتاريخ نفسه من السنة الحالية، سجلت نقابة الصحافيين التونسيين نحو 200 حالة طرد تعسفي للصحافيين من مواقع عملهم، كما أن أجور أكثر العاملين في قطاع الصحافة ما زالت ضعيفة، مقارنة بالأجور التي يتقاضها العاملون في بقية السلطات الثلاث. وللتأكيد على صعوبة وضع الصحافة التونسية خلال هذه الفترة، عقدت النقابة خلال السنة الماضية ما لا يقل عن 120 جلسة تفاوض في مؤسسات إعلامية عمومية وخاصة، تتعلق في معظمها بوضعيات مهنية، وعدم توفر ضمانات قانونية كافية للعاملين في قطاع الصحافة.
ويصطدم قطاع الصحافة بمشكل النفاذ إلى المعلومة، فهي مصدر الخبر والمشكلة لأهم مكوناته. وفي ظروف كالتي تعيشها تونس، من عدم استقرار سياسي كامل وتوفر الأمن، في ظل هجمات إرهابية تطل برأسها من فترة إلى أخرى، فإن الاصطدام بالمؤسستين الأمنية والعسكرية يمثل أهم عوائق العمل الصحافي. وفي هذا الشأن، قال محمود الذوادي، رئيس مركز حرية الصحافة (مركز مستقل)، إن المؤسسات الأمنية والعسكرية هي الأقل تجاوباً عند طلب الحصول على المعلومات، على الرغم من التحسن الكبير المسجل على مدى السنوات الماضية.
وقدم الذوادي نتائج دراسة أجراها المركز حول «محاذير وجود التعاطي مع المعلومة الحساسة والسرية في الإعلام التونسي»، فأكد على أن المؤسسة الأمنية تعد الأقل تجاوباً بنسبة 36 في المائة، تليها المؤسسة العسكرية بنسبة 32 في المائة.
وفي هذا الشأن، قال الذوادي لـ«الشرق الأوسط»: «لقد اتضح أننا في حاجة لفتح نقاش عام حول مصطلحي (المعلومة الحساسة) و(المعلومة السرية) التي لا تتعلق بالأمن والدفاع فحسب، بل يمكن أن تشمل العلاقات الخارجية للدولة والمجالات الاقتصادية المتنوعة».
وأشار الذوادي إلى وجود ضبابية وفراغ قانوني واضح بكل ما يعلق بـ«محاذير حماية الأمن القومي»، وعبر عن خشيته من تأثير هذا الوضع على حرية التعبير وانسياب المعلومات، وتواصل التهديدات والتحديات التي لم تنقطع على حد تعبيره، وظلت تتغذى من التقلبات السياسية والأمنية التي تعرفها تونس.
وللحد من «شراهة» القطاع الصحافي في تعامله مع المعلومات، سنت السلطات التونسية عدة مناشير داخلية، تحظر نشر المعطيات الإدارية أو تسريبها إلى الإعلام، من قبل أعوان القطاع العام في الوزارات والدواوين الحكومية، وهو ما سيضيق الخناق على القطاع الإعلامي، الذي قد يجد الأبواب موصدة في وجهه.
ومثلما يطالب الأمنيون والعسكريون بقانون لزجر الاعتداءات ضدهم، فإن العاملين في قطاع الإعلام يدعون إلى مدونة سلوك تنظم العلاقات بين الصحافيين والقوات الحاملة للسلاح، التي غالباً ما تنقل الأحداث من المواقع نفسها، سواء خلال الاحتجاجات الاجتماعية أو خلال تغطية الأحداث المرتبطة بالإرهاب. وتتخوف الهياكل النقابية المهتمة بواقع الصحافة التونسية من إمكانية حد مشروع قانون زجر الاعتداءات ضد الأمنيين والعسكريين من حرية تحرك الصحافيين وتغطية الأحداث، تحت ذريعة مقاومة الإرهاب، والمحافظة على أسرار الدولة، وحفظ النظام العام.
ونجحت الهياكل المهنية في ربح المعركة الأولى من أجل سن قانون يسمح بالنفاذ إلى المعلومات، ويستجيب للمعايير الدولية، واضطرت الحكومة إلى حذف مجموعة من الاستثناءات، لتتم المصادقة على هذا القانون في شهر مارس 2016. وكانت هذه المحطة مسبوقة بجدل حاد حول مشروع قانون مكافحة الإرهاب وغسل الأموال، الذي أدخلت عليه عدة تعديلات تضمن حق الصحافيين في حماية مصادر معلوماتهم عند تناول الملفات المتعلقة بالإرهاب.
وكانت آخر المحطات مشروع القانون الذي تقدمت به نقابة قوات الأمن الداخلي سنة 2015، وهو يتضمن زجر الاعتداءات على القوات الحاملة للسلاح، وتضمن هذا القانون في بابه الثاني عقوبة تصل إلى السجن لمدة 10 سنوات لمن يكشف عن سر من أسرار الأمن الوطني. وتشمل هذه الأسرار جميع الوثائق والمعلومات والمعطيات المتعلقة بالأمن التونسي، مهما كانت الوسائل المعتمدة لاستعمالها وتداولها. ونجحت النقابات الأمنية في سحب هذا البند القانوني، بعد أن اعتبرته الأخطر في علاقته بالتضييق على حرية التعبير وحرية النفاذ إلى المعلومات.
وحسب المتابعين للمشهد الصحافي بتونس، فإن مختلف هذه الجولات والمحطات يؤكد على الصعوبات التي يعاني منها قطاع الصحافة المكتوبة في تونس، فهو في حاجة أكيدة إلى إعادة هيكلة داخلية، تعيد له النجاعة والمردودية الاقتصادية، ولكن كذلك تعيد الكثير من وسائل الإعلام الخاصة إلى ميثاق شرف المهنة، وضرورة التقيد بالقوانين المنظمة للقطاع. ولا يبدو أن رفع شعار حرية التعبير كاف لضمان تلك الحرية، بل إن الأمر يتطلب سجالاً يومياً مع عدة أطراف مهنية مالية وسياسية وأمنية لضمان هامش الحرية الذي تحقق بعد ثورة 2011.


مقالات ذات صلة

وفاة «أيقونة التعليق العربي» ميمي الشربيني

رياضة عربية المعلق التلفزيوني الشهير ميمي الشربيني (وسائل إعلام مصرية)

وفاة «أيقونة التعليق العربي» ميمي الشربيني

نعى النادي الأهلي أكثر الأندية المصرية تتويجاً بالألقاب في كرة القدم وفاة لاعبه السابق والمعلق التلفزيوني الشهير ميمي الشربيني.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية الصحافية الإيطالية سيسيليا سالا متفاعلة عند وصولها إلى منزلها في روما بعد إطلاق سراحها من الاحتجاز بإيران يوم 8 يناير 2025 (رويترز)

صحافية إيطالية كانت معتقلة بإيران تشيد بدور ماسك في إطلاق سراحها

قالت صحافية إيطالية، كانت محتجزة في إيران، إن اتصال صديقها بإيلون ماسك ربما كان عاملاً «جوهرياً» في إطلاق سراحها.

«الشرق الأوسط» (روما)
خاص مدير القنوات في «MBC» علي جابر يروي لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل عودته من المرض والغيبوبة (علي جابر)

خاص علي جابر «العائد من الموت» يروي ما رأى على «الضفة الأخرى»

جراحة فاشلة في العنق، ساقٌ مكسورة، نزيف في الأمعاء، ذبحات قلبيّة متتالية، ودخول في الغيبوبة... هكذا أمضى علي جابر عام 2024 ليختمه إنساناً جديداً عائداً من الموت

كريستين حبيب (بيروت)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)

الإعلام الأميركي يستعد لـ«الجولة» الثانية من «النزال» مع ترمب

سيتوجّب على الإعلام الأميركي التعامل مجدّداً مع رئيس خارج عن المألوف ومثير للانقسام ساهم في توسيع جمهور الوسائل الإخبارية... وفي تنامي التهديدات لحرّية الإعلام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم عدد الصحافيين السجناء في العالم بلغ 361 في نهاية عام 2024 (أرشيفية)

360 صحافياً مسجونون في العالم... والصين وإسرائيل في صدارة القائمة السوداء

أعلنت لجنة حماية الصحافيين، الخميس، أنّ عدد الصحافيين السجناء في العالم بلغ 361 في نهاية 2024، حيث احتلّت إسرائيل المرتبة الثانية في سجن الصحافيين، بعد الصين.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

هل يؤدي تراجع اهتمام ناشرين بـ«فيسبوك» إلى تعزيز حضورهم على «تيك توك» و«يوتيوب»؟

شعار «فيسبوك» (د.ب.أ)
شعار «فيسبوك» (د.ب.أ)
TT

هل يؤدي تراجع اهتمام ناشرين بـ«فيسبوك» إلى تعزيز حضورهم على «تيك توك» و«يوتيوب»؟

شعار «فيسبوك» (د.ب.أ)
شعار «فيسبوك» (د.ب.أ)

شهدت العلاقة بين ناشرين ومنصة «فيسبوك» تغييرات جذرية خلال العامين الماضيين، عقب تراجع المنصة عن دعم الأخبار، من خلال خفض حركة الإحالة إلى المواقع الإخبارية، ما دفع المؤسسات الإعلامية إلى إعادة تقييم استراتيجياتها الرقمية. وحقاً، انخفضت «حركة الإحالة (Referral Traffic)» إلى المواقع الإخبارية من «فيسبوك» بنسبة 67 في المائة خلال العامين الماضيين، وفق بيانات تضمَّنها التقرير السنوي لـ«معهد رويترز لدراسة الصحافة» لعام 2025.

مراقبون فسَّروا هذا التراجع بأنه «يعكس تغييراً في استراتيجية «فيسبوك»». ويبدو أن الناشرين كذلك يبادلون «فيسبوك» انخفاض الاهتمام، فوفق تقرير «رويترز» فإن المنصة الزرقاء «لم تعد بين أولويات الناشرين»، إذ نقل التقرير عن نتائج استطلاع أجراه «معهد رويترز» انخفاض اهتمام الناشرين بـ«فيسبوك» بمعدل قُدِّر بتقييم سلبي بلغ ناقص 42 نقطة. ولفت التقرير إلى أن «هناك تراجعاً في الجهود المبذولة لتعزيز العلاقة مع (فيسبوك)، حيث يعدّ كثيرٌ من الناشرين المنصةَ أقل أهمية وأقل فائدة للصحافيين مقارنة بالمنصات الأخرى».

خبراء حاورتهم «الشرق الأوسط» يرون أن هذا التراجع المتبادَل يعود إلى التغييرات في خوارزميات المنصة، التي أصبحت تُبرز المحتوى الترفيهي على حساب المحتوى الإخباري.

محمد عبد الوهاب السويعي، المتخصص في إدارة تقنية المعلومات والأمن السيبراني والباحث في أنظمة الذكاء الاصطناعي بالمملكة العربية السعودية، قال: «في السابق كانت منصة (فيسبوك) تمثّل نافذةً أساسيةً لنقل الأخبار إلى الجمهور، حيث وفَّرت المنصة وسيلةً سريعةً ومنخفضة التكلفة لنشر المحتوى، ولكن مع ذلك، تغيّر تركيز (فيسبوك) نحو المحتوى الترفيهي والتواصل الاجتماعي، ما جعل الأخبار تجد صعوبةً في الحصول على مكان بارز على المنصة».

السويعي عدّ هذا التحول دافعاً للناشرين إلى البحث عن بدائل جديدة لتوصيل محتواهم. وعدَّد البدائل مثل «النشرات البريدية، التي تشهد ازدياداً في شعبيتها بوصفها وسيلةً مباشرةً للتواصل مع الجمهور، وقد باتت بديلاً بارزاً ضمن استراتيجيات المؤسسات. وأيضاً أصبح تحسين محركات البحث (SEO) ضرورةً ملحّةً؛ لتعزيز ظهور المحتوى في نتائج البحث، مما يضمن تدفقاً مستداماً وطبيعياً للزوار».

وأردف الخبير السعودي أنه، في المقابل، «بدأت منصات جديدة تلفت انتباه الناشرين بوصفها بدائل واعدة، على سبيل المثال، تقدم منصة (بلوسكاي Bluesky) نموذجاً لا مركزياً يمنح المستخدمين مزيداً من الحرية في اختيار المحتوى الذي يتابعونه، الأمر الذي يوفر تجربةً أكثر تخصيصاً. كذلك أصبحت منصة (غوغل ديسكفر Google Discover) خياراً مفضلاً لدى كثير من الناشرين، كونها تعتمد على تقديم المحتوى بناءً على اهتمامات المستخدم، ما يضمن وصول الأخبار إلى جمهور مستهدف بدقة». غير أنه على الرغم من هذه النظرة المتفائلة، فإن السويعي يقول إن «المنصات تواجه تحديات ملموسة أبرزها، الحاجة إلى توسيع قاعدة المستخدمين لتحقيق تأثير حقيقي ونتائج فعّالة للناشرين».

بالعودة إلى تقرير «رويترز» فإن الناشرين بصدد إعادة توجيه جهودهم نحو منصات بديلة، لا سيما المنصات المُعزَّزة بالفيديو؛ نتيجة لتغيير اهتمامات المستخدمين. وأشار التقرير إلى أن مجموعة متزايدة من المؤسسات تخطط لتكثيف حضورها على منصات مثل «يوتيوب»، التي ارتفع الاهتمام بها بما يعادل (+52 نقطة) مقابل (+48 نقطة) لـ«تيك توك»، أما «إنستغرام» فقد أبدى الناشرون اهتماماً بها بنسبة قُدِّرت في التقرير السنوي بـ(+43 نقطة). وعزى السويعي هذا الاتجاه بالقول إن «منصة (يوتيوب) توفِّر مساحةً لتقديم تقارير إخبارية مُصوَّرة أو بث مباشر للأحداث المهمة، ما يضيف بُعداً بصرياً وسياقاً غنياً للمحتوى، ومن جهة أخرى، أثبتت منصة (تيك توك) فاعليتها في الوصول إلى الفئات الشابة». ودلّل الخبير السعودي على ذلك بأن «الإحصاءات تشير إلى أن الفيديوهات التفاعلية على (تيك توك) جذبت جمهوراً واسعاً، حيث سجَّل المستخدمون إنفاقاً يتجاوز 10 مليارات دولار لدعم صناع المحتوى في عام 2023، كما حقَّقت حملات تسويقية مثل حملة (Morning Brew) أكثر من 23 مليون ظهور، مما يؤكد فاعلية المنصة في إيصال المحتوى لجمهور واسع ومتفاعل».

من جهة ثانية، قال خالد عبد الراضي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في مصر والمملكة العربية السعودية، إنه ليس بوسع المؤسسات الإعلامية أن تعتمد هذا العام على استراتيجيات ثبت نضوبها. وأوضح: «بشكل عام نحن أمام تحوّلات أجبرت الناشرين على اتّباع نموذج عمل لا يعتمد على مصدر أحادي للنشر، بينما يعد تنويع قنوات الوصول للجمهور استراتيجيةً مستدامةً تحمي الناشرين من خطر التغيير الذي يسير حسب هوى المنصات العملاقة».

وتابع عبد الراضي أن هذا الاتجاه لا يقتصر على «فيسبوك» فحسب، إذ وفقاً لتقارير صدرت مطلع العام الحالي فإن «حركة الإحالة» من منصة «إكس» (تويتر سابقاً) «انخفضت بنسبة 50 في المائة»، ما يشير إلى أن الاعتماد على منصة بوصفها مصدراً رئيساً للزيارات لن يحقق استقراراً للمؤسسات. ولذا عدّ أن الخيارات المستدامة أمام الناشرين في العام الجديد تشمل «الاستثمار في تطوير القوالب الإخبارية؛ لتضمن تجربة أكثر متعة وتفاعلاً، والاعتماد على قنوات متنوعة للوصول إلى الجمهور المستهدف، ووضع خطط الظهور على كل منصة وفقاً للخوارزميات الخاصة بها وخصائص مستخدميها». واختتم أن «المؤسسات الإخبارية ستواجه مزيداً من التحديات مع صعود الذكاء الاصطناعي».