تضمن المؤتمر السنوي للشعر، الذي انعقد أخيراً في طهران، ما وصفته وسائل الإعلام المملوكة للدولة بـ«الحدث الأدبي التاريخي» الذي أذهل وأبهر الحضور، بحسب محمد علي مجاهدي أحد المعلقين الأدبيين للمؤسسة.
كان ذلك «الحدث» عبارة عن قراءة عامة لقصيدة جديدة من تأليف المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، الذي تعود طموحاته الشعرية إلى مرحلة شبابه منذ أكثر من 60 عاماً، فكثيراً ما كان يقول إنه يتمنى لو كان قد قضى وقتاً أطول، وبذل طاقة ومجهوداً أكبر في كتابة الشعر بدلاً من السياسة، وكان يصور نفسه في بعض قصص حياته بتلميذ الشعراء المعاصرين العظماء مثل أميري فيروز كوهي ومحمد كهرمان.
مع ذلك لطالما كان خامنئي، الذي لا يزال غير واثق من كيفية تلقي الجمهور لشعره، ويستخدم «آمين» كبصمة مميزة له، يتردد في نشر ديوان أو حتى إلقاء قصائده على الملأ. ونظراً لأن قلة من الشعراء هم من يستطيعون مقاومة قراءة أعمالهم أمام الآخرين، ينظم «المرشد الأعلى» حفلات إلقاء بين الحين والآخر لعرض وتقديم أشعاره إلى حفنة من أهل الثقة الذين يقسمون على عدم الإفصاح عما سمعوه للآخرين.
شهد يوم الاثنين الماضي حدثاً نادراً، حيث تجاوز خامنئي خوفه من احتمال عدم إرضاء الجمهور، ووافق على إلقاء أحدث أعماله الشعرية أمام جمهور من زملائه الشعراء وغيرهم من الشعراء الطموحين. مع ذلك ليس خامنئي أول زعيم سياسي تكون لديه طموحات شعرية، فقد كان كل من جوزيف ستالين وماو تسي تونغ يكتبان الشعر. كذلك كان نصر الدين، شاه إيران، يقضي في تأليف الشعر وقتاً أطول من الذي يقضيه في إدارة شؤون البلاد.
لكن السؤال هو ما المستوى الفني لقصيدة خامنئي الجديدة؟
أولاً طبقاً للمعايير الكلاسيكية التقليدية ينقص عدد أبيات القصيدة عن عدد أبيات «قصيدة الغزل» (قالب من الشعر الفارسي يشبه (السوناتا) ويختلف عن الغزل العربي) ببيت، حيث من المفترض أن يتراوح عدد أبيات «قصيدة الغزل» بين 7 أبيات و13 بيتاً حداً أقصى، لكن خامنئي توقف عند البيت السادس.
ثانياً، لا تلتزم قصيدة خامنئي بالوحدة العضوية لـ«قصيدة الغزل» الكلاسيكية، بل تتسم بالتنوع بحيث يبدو محتوى كل بيت وكأنه قائم بذاته، ويرتبط بشكل غير مباشر بمحتوى الأبيات الأخرى. يتبنى خامنئي أسلوباً استبطانياً متعمقاً حديثاً للغاية تجتمع فيه كل الأبيات على تصوير وعرض مزاج الشاعر وحالته في لحظة زمنية محددة. لكن ما هو هذا المزاج؟ كما سترى في ترجمة القصيدة الواردة فيما يلي، تصور القصيدة الشاعر شخصاً مضطرباً ممزقاً داخلياً، ويتصارع مع مسار الأحداث. لقد اختار خامنئي واحداً من الأوزان المفضلة للشاعر الصوفي الفارسي العظيم مولانا جلال الدين الرومي، الذي وضعه بالأساس الشعراء العرب في العصر الجاهلي، ومنهم لبيد وزهير بن أبي سلمى، والعبد الأسود المحارب عنترة بن شداد. يتسم هذا الوزن بالإيقاع، وكان شعراء الجاهلية يرونه مناسباً لأشعار الحروب التي يتم إلقاؤها مع قرع طبول الحرب. على العكس من ذلك، استخدم جلال الدين الرومي وغيره من الشعراء الفرس مثل أثير الدين آخسيكتي وخواجوی کرمانی هذا الوزن ليصاحب الرقص الصوفي الذي يتضمن الدوران على إيقاع طبلة صغيرة. ذلك الوزن هو استخدام متبادل مزدوج لمقطعين أحدهما طويل والآخر قصير: «مفتعلن مفتعل، مفتعلن مفتعل»، وهو ملائم تماماً لتحفيز وتشجيع المحاربين على القتال والصوفيين على الدوران.
استخدم خامنئي في قصيدته نظام قافية مثيراً للاهتمام عادة ما كان يستخدمه الشعراء الفرس للتعبير عن الحزن والأسى. تتم القافية المذكورة باستخدام كلمات تحتوي على حرف الميم مرتين، ليمثل بذلك جناحي طائر مجروح مما يثير الشعور بالاغتراب والوحشة، وفي الوقت ذاته نظراً لأن حرف الميم ليس من الحروف المرتفعة الصوت، يساعد استخدامه في إشاعة جو من الحميمية ليبدو المشهد وكأن الشاعر يهمس في أذنيك بمعاناته. مع ذلك لا يستطيع الشاعر مواصلة استخدام هذه القافية طوال القصيدة مثلما كان يفعل على سبيل المثال كل من أميري فيروز أو هوشنك ابتهاج. لذا تلتزم ثلاثة أبيات بتلك القافية، في حين يستخدم في الأبيات الثلاثة الأخرى كلمات تحتوي على حرف ميم واحد، ويحل حرف اللام محل حرف الميم في بيتين.
مع ذلك لا تفسد تلك العيوب كثيراً القصيدة ككل، حيث يمكن اعتبارها منظومة جيداً من حيث علم العروض. كذلك تتناول القصيدة بعض مباعث القلق الكلاسيكية لدى الصوفيين مثل كيفية التحرر من الواقع المادي أملاً في الوصول إلى الحقيقة المتسامية المتجاوزة.
يستخدم خامنئي الكثير من العبارات والصور «المقولبة» الكلاسيكية التقليدية للشعر الصوفي، منها «سكران غائب تماماً»، و«النبيذ الخالص»، و«تنورة الحب». ربما لا يكون في محله إقحام السياسة في قراءة هذه القصيدة القصيرة، لكن لا يمكن للمرء تجاهل حقيقة أن الرجل الذي يحكم إيران حالياً لا يبدو واثقاً من تأثيره وبصمته على الحياة، بل يشعر أنه ضحية ظلم غير محدد ويرى «أنه منقسم» (بحسب تعريف فرويد) «أحياناً نبيذ خالص، وأحياناً أخرى سم قاتل». إنه يسعى وراء النقاء والصفاء، لكنه يرى نفسه «خليطاً مصطنعاً» يجعله يبكي. في بعض الأحيان ينشب ذلك الـ«هو» المنقسم مخالبه في «قلبه الدامي»، وفي أحيان أخرى يهاجم «قطيعه مثل ذئب».
لقد أحببت القصيدة بوجه عام، ربما لأني من عشّاق الأساليب الكلاسيكية للشعر الفارسي. مع ذلك فيما يلي ترجمة قصيدة «المرشد الأعلى» ولكم الحكم:
تنافر الأنغام داخلي يشعرني بالاضطراب
أتمنى لو أني أستطيع الفكاك من الانشغال بالذات
إنه يجذبني إلى هذا الاتجاه وإلى الاتجاه الآخر مثل قشة
الهوس بهذا وذاك، تقلب الذات
لقد نشبتُ مخالبي في قلبي الدامي
مثل ذئب هاجمت قطيعي
أحياناً أكون نبيذاً خالصاً، وأحياناً أخرى سماً قاتلاً
أبكي من الخليط المصطنع المكون لي
أنا طفل أسند رأسي على تنورة الحب
أملاً في أن تحررني التهويدة من أناي
أنا سكران، غائب تماماً، آمين، غافل عما كان وعما سيكون
ممن أستطيع الحصول على تعويض عما تعرضت له من ظلم؟
قصيدة خامنئي الجديدة... بين «النبيذ الخالص والسم القاتل»
ألقاها في المؤتمر السنوي للشعر
قصيدة خامنئي الجديدة... بين «النبيذ الخالص والسم القاتل»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة