«داعش» يصعّد وتيرة تجنيد الأطفال بعد خسائره المتتالية

التنظيم استغل مقتل نجل البغدادي في الترويج لمزيد من الفكر المتطرف

«داعش» يصعّد وتيرة تجنيد الأطفال بعد خسائره المتتالية
TT

«داعش» يصعّد وتيرة تجنيد الأطفال بعد خسائره المتتالية

«داعش» يصعّد وتيرة تجنيد الأطفال بعد خسائره المتتالية

إعلان «داعش» مؤخراً مقتل حذيفة البدري، نجل زعيم التنظيم أبي بكر البغدادي، يؤكد استمرار التنظيم في الترويج لتجنيد الأطفال واستغلال ابن رمز مؤسس للتنظيم لإبراز مدى تفانيه وتضحيته من أجل تحقيق الرسالة الداعشية. وقد نشر خبر مقتل البدري عبر بيان بمسمى «قوافل الشهداء» نشر عبر تطبيق «تلغرام»، وحوى البيان صورته بملامح يافعة لطفلٍ يحمل سلاحاً، بمشاركته في هجوم انغماسي في حمص، وعلى الرغم من أن سياسة تجنيد الأطفال تمثل إفلاساً استراتيجياً، فإن غالبية الميليشيات والتنظيمات المتطرفة طبقته، ليس فقط لتعويض نقص المقاتلين في صفوفهم، لكن أيضاً لتعويض خسائرهم المتتالية، وإنما أيضاً من أجل تجييش كل المتواجدين في مناطق النزاع في محاولة للتخويف وإظهار مدى انخراط الأهالي في رسالة التنظيم واستنفارهم أجمع.
مثل هذا التوظيف للأطفال ليس بالأمر الجديد؛ إذ لوحظ عبر ميليشيات متطرفة على مر التاريخ، مثل ما حدث في سريلانكا سواء من خلال نمور تاميل الذين شرعوا في تجنيد الأطفال، وتبعتهم فيما بعد جماعة كارونا في سريلانكا، حيث كان يتم اختطاف الأطفال وتجنيدهم قسراً في التنظيم. أو ما حدث مع ميليشيات الحوثيين في اليمن، حيث جُنّد عدد كبير من الأطفال يصعب حصرهم. ففي عام 2015، نشرت الأمم المتحدة تقريراً بأن هناك نحو 2369 طفلاً يمنياً تم تجنيدهم، إلا أن هذا العدد ليس دقيقاً، ويتوقع أن الأعداد تفوق ذلك بكثير، في حين ذكرت السلطات اليمنية أن أعدادهم تتجاوز ستة آلاف طفل. الأمر الذي يزداد تعقيداً نتيجة اعتياد أهالي اليمن وأطفالهم استخدام الأسلحة جزءاً من عاداتهم وتقاليدهم؛ مما يعطي شيئاً من الشرعية لمثل هذه الممارسات التي تظهر جزءاً متأصلاً داخل المجتمع دون إدراك لخطورة ما يقترفونه.
من جهة أخرى، يعيد إلى أذهاننا قرار المحكمة المركزية في بغداد في 22 مايو (أيار) 2018، الحكم بإعدام المغربي طارق جدعون الملقب بأبي حمزة البلجيكي حقبة غابرة شاع فيها برنامج «أشبال الخلافة» بتجبره على الأطفال وإرغامهم خوض عمليات إرهابية ضارية، إذ لم يقتصر جدعون على تجنيد المقاتلين الأجانب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وبرامج التواصل الاجتماعي مثل «سكايب»؛ إذ تجاوز ذلك من خلال إدارته وتنظيمه لبرامج تدريبية للأطفال ضمن «أشبال الخلافة» وقد تكثفت جهود هذا البرنامج التدريبي في مطلع عام 2015؛ إذ انضم في حينه ما تجاوز 400 طفل ممن هم دون الثامنة عشرة، بما هو أشبه بمعسكر لتدريب من انضم إليهم من الأطفال من خلال تجنيدهم من يسكن منهم قريباً من معقل التنظيم، أو من يرتاد المدارس أو المساجد، وإغرائهم بالمال أو حتى بالدمى والألعاب وأعلام «داعش» السوداء، أو إبهارهم بالأسلحة والقتال، وذلك في الفترة التي كان «داعش» فيها في أوج نشاطه كخلافة مزعومة في سوريا في مناطق كثيرة أبرزها الميادين والبوكمال.
في تلك الحقبة المزدهرة للتنظيم التي تواجدت فيها معسكرات تدريبية قبل أن يتم تدميرها من قبل قوات التحالف الدولي، انقسم تدريب الأطفال إلى برامج عدة تضمنت ما هو شرعي وما هو عسكري، بما يماثل معسكرات المجندين الراشدين، بهدف خلق أجواء عنيفة للأطفال وغسل أدمغتهم من خلال إرغامهم على مشاهدة ممارسات للعنف سواء عبر تسجيلات مرئية في المعسكرات أو ممارسات واقعية أمامهم، مثل الإعدام أو حتى جعلهم يشاركون مثل هذه العمليات. وقد انتشر عدد كبير من التسجيلات المرئية التي يظهر فيها أطفال في معسكرات تدريبية بزي عسكري، وقد تضمن ذلك عمليات إعدام لجنود سوريين بوحشية. الأمر الذي يؤدي إلى ترعرعهم على أسس تقدس القتل والعنف والتوحش، دون قدرة على العودة إلى التراجع؛ إذ إن حياتهم كلها نشأت على ممارسات العنف الذي يصبح أمراً طبيعياً لا بد من حدوثه. في حين شكل الأطفال قوة استراتيجية؛ كونه يسهل عليهم الوصول إلى أماكن من الممكن تفجيرها دون الاشتباه بهم. ولم يتوان التنظيم عن تحويل عدد كبير من الأطفال إلى انتحاريين يرتدون الأحزمة الناسفة تعويضاً عن خسارتهم عدداً كبيراً من رجالهم في سوريا والعراق.
ولم تتوقف استراتيجية تجنيد الأطفال بعد إخفاق تنظيم داعش في تكوين خلافته المنشودة. إذ لوحظ مؤخراً في مناطق أخرى فيما بعد كما حدث في سورابايا في إندونيسيا تجنيد الأطفال حين قام عدد من الأطفال بمشاركة أسرهم بخوض عمليات إرهابية في 13 مايو 2018، استهدفت ثلاث كنائس، وقد كان من بين منفذي الهجمات أم وطفلاها. إضافة إلى حادثة هجوم انتحاري على مبنى للشرطة في سورابايا نفذته أسرة مؤلفة من خمسة أفراد من بينهم طفل في الثامنة من عمره، نجا من العملية الانتحارية. وفي 12 يونيو (حزيران) تم تسليم سبعة أطفال من منفذي هجمات سورابايا إلى وزارة الشؤون الاجتماعية من أجل إعادة تأهيلهم قبل أن يتم إعادتهم إلى أسرهم.
خطورة تفشي آيديولوجية التطرف المترف بخطاب الكراهية والسعي نحو إلغاء الآخر ليس من خلال زرع شعارات أشبه «بالفاشية» فحسب، وإنما إتيان عمليات متوحشة من خطف وتعذيب وإعدام، مثل هذا الفكر إن تفشى بالأخص في المناطق التي تعاني انعدام الأمان والاستقرار، وقدرة التنظيم على السيطرة على مؤسساته أو حتى المدارس والمساجد فيها مثل ما حدث في العراق وسوريا. إذ من الصعب إعادة تأهيل أطفال تربوا على مشاهدة القتل والدماء واعتادوا عليها وإقناعهم بأن ممارسات العنف ليست صحيحة. القناعة المفضية إلى الولاء والانصياع للتنظيم. أو تفشي مثل هذه الآيديولوجيا ما بين أولئك المتسمين بالجهل الديني؛ الأمر الذي يجعل أي شخص يصل إليهم ويتحدث باسم الدين بثقة مطلقة مشرعاً لها، يتم تلقف وتصديق كل ما يقوله سواء من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو التسجيلات المرئية والصوتية، حتى بعد زوال فكرة «الخلافة الداعشية»؛ إذ إن مقاتلي تلك حقبة تمكنوا من التباهي ببطولاتهم التي اكتسبوها من خلال خوض تجربة تفردوا بها، ويتم هنا استغلال الجهل الديني والإقناع بضرورة قتل «الكفار» من أجل الرقي وتحقيق متطلبات الشريعة الإسلامية، وذلك على نسق سياسات كتاب «إدارة التوحش» لمؤلفه أبو بكر ناجي، الذي غالباً ما هو اسم مستعار.
وقد كان تنظيم القاعدة يعتمد على الكثير من استراتيجياته، وتلاه فيما بعد تنظيم داعش في ذلك، وتتلخص استراتيجيات إدارة «التوحش» في استثمار انعدام الأمن في الدول التي تعاني من اضطرابات سياسية، كما هو الوضع الحالي في سوريا والعراق وليبيا واليمن وفي مناطق أخرى من العالم مثل أفغانستان، وذلك من أجل خلق المزيد من الفوضى، والسعي نحو تشكيل خلافة للتنظيم والتوسع نحو مناطق أخرى.
والأمر الأصعب في التخلص من آيديولوجية العنف والإرهاب تكمن في طريقة معالجة المتطرفين الأطفال، بالأخص أولئك الذين تأصلت داخلية الكراهية والرغبة في القتل في المناطق التي شاعت فيها الفوضى والدمار، في حين من جهة أخرى ستواجه سلطات الدول التي تستقبل من جديد الأطفال المؤدلجين من أبناء جنسهم، وما عليهم القيام به من أجل إعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع؛ إذ تبرز إشكالية كون هؤلاء الأطفال ضحايا لآبائهم أو الظروف القسرية التي دفعتهم لذلك، وصعوبة التعامل معهم كمقاتلين راشدين، على نسق الطفل الشيشاني بلال تاغيروف الذي لاقت عودته إلى بلاده في أغسطس (آب) 2017 هالة إعلامية كبيرة، ويبلغ من العمر الرابعة، حيث كان مع والده الذي انضم إلى تنظيم داعش في الموصل، وقد انتشرت صورة بلال وسط حملة إعلامية تضمنت الرئيس الشيشاني قاديروف وهو يستقبل الطفل بحماسة أثناء عودته إلى والدته في الشيشان. وقد ذكرت السلطات الروسية، أن هناك ما يقارب 400 طفل ممن ينتمي إلى دول الاتحاد السوفياتي سابقاً في كل من العراق وسوريا، وهو ليس بعدد بسيط ممن تستلزم معالجتهم فكرياً ونفسياً.
أما ألمانيا فتتوقع عودة ما يزيد على مائة طفل ألماني ممن ولد لمقاتلين ألمان ينتمون إلأى تنظيم القاعدة. الأمر الذي يثير مرة أخرى قضايا عودة المقاتلين الأجانب وأبنائهم ممن يعدّون أشد خطورة؛ إذ إن هؤلاء الأطفال أكثر راديكالية كونهم تواجدوا في منطقة النزاع فتشبث العنف في أعماقهم. وقد حذرت وزير الداخلية الألمانية هيربت رويل في ولاية الراين الشمالي فستفاليا من المخاطر الناجمة عن عودة الأطفال المقاتلين في مناطق النزاع إلى ألمانيا. كل ذلك يؤكد حتمية معالجة التطرف من خلال توعية المجتمعات بالأخص التي لديها قابلية لاحتضان خطاب الكراهية وذلك عبر سياسة «كسب القلوب والأفئدة» والتحذير من عواقب الإرهاب ومضاره، وذلك من أجل خلق مجتمعات قادرة على رفض خطاب إقصاء الآخر وإرساء معالم السلام والعدالة، من أجل درء ما شهده العالم من تواجد أهالٍ متقبلين الإرهاب غير متوانين عن تحريض الزوجات والأطفال لقتل أنفسهم بأحزمة ناسفة من أجل تحقيق غاية لتنظيم متطرف ينتمون إليه.
فالتنظيمات المتطرفة قد تتلاشى وتظهر أخرى جديدة، وتبقى قدرة المجتمعات على مقاومة الفكر المتطرف واستنكار العنف وحدها هي القادرة على إيقاف التنظيمات والجماعات الإرهابية من التمدد.



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».