... ويسعى لترتيب صفوفه إعلامياً

الجهود الدولية والإقليمية أدت إلى تحجيم عمليات التنظيم وتراجعها

«داعش» يسعى لترتيب صفوفه إعلامياً
«داعش» يسعى لترتيب صفوفه إعلامياً
TT

... ويسعى لترتيب صفوفه إعلامياً

«داعش» يسعى لترتيب صفوفه إعلامياً
«داعش» يسعى لترتيب صفوفه إعلامياً

هل تراجع تنظيم «داعش» بالفعل تراجعاً استراتيجياً على كل الجبهات في الأشهر الماضية أم أنه تراجع تكتيكي لن يلبث أن يستأنفه عما قريب بأدوات وآليات مغايرة، ربما أكثر فتكاً مما جرت به محاولاته في الأعوام الماضية؟
الشاهد أننا أمام عدة قراءات بعضها صدر حديثاً، بينما بعضها الآخر يتضمن رؤى تحليلية عميقة تربط بين الأهداف الرئيسة لـ«داعش»، وبين الأدوات التي تفعلها على الأرض.
في نهاية شهر رمضان الماضي، كان مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية يُصدر تقريراً جديداً يكشف فيه عن حجم خسائر تنظيم داعش ومستويات تراجعه في رمضان 2018 مقارنةً بشهر رمضان من العام الماضي.
اعتاد الدواعش تكثيف عملياتهم الإرهابية في شهر رمضان، واتخذوا من الشهر الفضيل توقيتاً لإعلان خلافتهم المزعومة في 2014، وحرص التنظيم إعلامياً على التعبئة لتنفيذ عملياته خلال الشهر المبارك وإلقاء خطب خاصة به... ما الذي جرى مؤخراً؟
من الواضح أن الجهود الدولية والإقليمية ونجاح الجيوش الوطنية أدت إلى تحجيم عمليات التنظيم وتراجعها في الشرق الأوسط، فإعلامياً لم تُصدر قيادة «داعش» خطاباً مخصصاً لرمضان الأخير مقارنةً بالعام السابق، كذلك انخفض حجم الإصدارات والإنتاج الإعلامي للتنظيم، ففي رمضان 2017 كان التنظيم قد استهدف عدة مناطق على رأسها «إنجلترا، والعراق، وسوريا، وإسرائيل، ومصر، وأفغانستان، والفلبين، وإندونيسيا، والجزائر، والصومال، وإيران، وتونس، واليمن، وأستراليا»، بينما في رمضان 2018 وضع «داعش» نصب عينيه خريطة أخرى شملت (بلجيكا، وفرنسا، وروسيا، وكشمير، وباكستان، والعراق، وسوريا، واليمن، وليبيا، ونيجيريا، والصومال، وإندونيسيا، وتونس، ومصر، والفلبين).
ونجحت الجهود الدولية والإقليمية في كبح جماح تمدد «داعش» واستعادة الأراضي التي سيطر عليها منذ عام 2014، وكذلك نجحت الجهود عينها في وقف مصادر تمويله وتسليحه مع إفقاره العديد من الموارد البشرية والإعلامية في عدة مناطق حول العالم.
يعني ما تقدم أن «داعش» في العالم الواقعي قد تعرض بالفعل لصفعات قاسية، أفقدته الكثير جداً من توازناته الدعائية واللوجيستية، غير أن علامة الاستفهام وفي زمن العوالم الافتراضية هي: «هل يعني ذلك النهاية الحتمية لـ(داعش) أم أن للتنظيم رؤى ومسارب أخرى يعزز من خلالها وجوده الآيديولوجي، ويكتسب من خلالها المزيد من الأتباع والمؤيدين، بل الأخطر والأكثر هولاً، تنويع آليات الشر لديه، فمن عمليات الدهس، والهجمات الانتحارية، ربما يعمد إلى أسلحة الدمار الشامل، وإن كانت في صورها الأولى، سيما أنه من اليسير الحصول عليها والتي يمكن لها أن تُحدث خسائر جسيمة، ضمن خريطة أهدافها.
أدرك القائمون على «داعش» أن تصدير الفكرة إعلامياً، يكاد يكون أفضل السبل المتاحة للحصول على المزيد من العناصر البشرية اللازمة لاستمرار طرح الخلافة، وإن خسر التنظيم عاصمتها في سوريا والعراق. من هنا بدا كأن التنظيم الذي ترنح إعلامياً يسعى من جديد إلى استعادة نشاطه، وغير خافٍ على أحد، أنه حال نجاحه في بلورة منظومة إعلامية جيدة في العالم الافتراضي، فإن ذلك يعني ومن دون أي شك تقوية البنية الهيكلية لـ«داعش» في المستقبل، وإحراز نقاط نجاح على سلبيتها حول العالم.
علاقة «داعش» بالإعلام بدورها رصدتها ورقة بحثية صدرت أواخر يونيو (حزيران) الماضي عن «مرصد الأزهر لمكافحة التطرف»، وجاءت في جزأين.
التقرير يشير إلى أن «داعش» منذ ظهوره في عام 2014، وإعلانه دولة الخلافة المزعومة، نجح من خلال استراتيجية إعلامية مدروسة في الترويج لأفكاره، واستقطاب الآلاف من المقاتلين، معتمداً في هذا على إنتاج مقاطع فيديو عالية الجودة، ومواكِبة لأحدث التقنيات الإعلامية العالمية، إضافة إلى طباعته لعدد من المجلات، وبخاصة في اختراق مواقع التواصل الاجتماعي، واتخاذها نافذة للوصول إلى أكبر عدد ممكن من مستخدمي هذه المواقع.
يثير تقرير «مرصد الأزهر لمكافحة الإرهاب» علامة استفهام مثيرة بدورها: «هل ما زالت الآلة الإعلامية الداعشية قادرة على التأثير مثلما كانت تفعل قبل سقوط التنظيم وفقدانه 98% من الأراضي التي كان عليها في سوريا والعراق؟».
ويخلص التقرير إلى أن الإجابة بالتأكيد لا، فقد ترنحت الشبكة الإعلامية الداعشية وطرأ على المحتوى الذي تنشره عدداً من المتغيرات، والمؤشرات التالية تؤكد صحة ما ذهب إليه القائمون على هذا العمل الفكري المتميز، منها انخفاض كبير في حجم المحتوى الداعشي المنشور، إضافة إلى رداءة جودته، خصوصاً جودة الفيديوهات والصور، وكذلك تأخُّر التنظيم في إصدار البيانات التي يتبنى فيها مسؤوليته عن الهجمات التي ينفّذها، مع المبالغة في الأسلوب وعدم الدقة في عرض المعلومة، مثلما كان يحدث في الماضي بالإضافة إلى سقطات في الترجمة من العربية إلى اللغات الأجنبية.
لم تكن الانكسارات التي تعرض لها الدواعش خلال العام الماضي فقط عسكرية، بل إعلامية بشكل قاطع، سيما في ضوء استهداف المصادر الاقتصادية للتنظيم، وقد كانت في المقدمة منها المنتجات النفطية التي كانت تدرّ عليهم ملايين الدولارات، إضافة إلى تهريب الآثار، والاتجار في الأسلحة، فيما قال البعض الآخر بالمخدرات كذلك.
نجحت المكافحة الإلكترونية التي شنتها إدارات مواقع التواصل الاجتماعي مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب»، إضافة إلى هجمات القرصنة الإلكترونية لمواقع «داعش»، والتي أدت إلى انخفاض استخدام التنظيم بشكل كبير لمواقع التواصل الاجتماعي، مما ساعد بشكل فعال في ترنح الآلة الإعلامية للتنظيم، ففي أوائل عام 2016 أعلنت شركة «تويتر» عن تعليق 125 ألف حساب، معظمها تابع لـ«داعش»، وذلك خلال حملة شنتها الشركة بداية من النصف الثاني من عام 2015.
جزئية أخرى توضح لنا أزمة التراجع الإعلامي الداعشي، وتتصل بالبشر، أي الدواعش من الإعلاميين، ذلك أن الذين نجوا من القتال قد عمدوا إلى الفرار، والتخفي عن طريق تغيير أماكن وجودهم، أو اللجوء إلى الاختباء في أماكن منعزلة تنعدم فيها وسائل الاتصال، وهو أمر يختلف عما كانوا يتمتعون به سابقاً، عندما كانت تتوفر لديهم وسائل ووسائط عمل دائمة من أجهزة ومعدات حديثة، بالإضافة إلى مصورين يعملون في مناطق الأحداث، وبالتالي لم يكونوا يأخذون صوراً حية، كل هذا تسبب في ضعف البنية التحتية للترسانة الإعلامية.
لم يكن مرصد الأزهر فقط مَن رصد تدهور أحوال ومآلات «داعش» الإعلامية ففي تقرير آخر صدر عن المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي في أواخر 2017 للكاتب «تشارلي وينتون» نجد إشارة إلى وضع «داعش» الإعلامي الضعيف، عبر انخفاض كمية ونوعية المنشورات التي يروّجها، فعلى سبيل المثال أنتج تنظيم داعش في سبتمبر (أيلول) 2017، ثُلث ما أنتجه في أغسطس (آب) 2015.... هل يمكننا القطع بأن «داعش» قد سلم أوراقه أم أنه يحاول استنهاض جهوده ما دامت بقيت فكرة تقسيم العالم تقسيماً ثنائياً هي المتحكمة في عقول أتباعه وأشياعه حول الكرة الأرضية؟
من الواضح أن «داعش» لم يلقِ بكل أوراق اللعب على المائدة، بل بدأ في تدابير مختلفة نرصد منها محطات، يسعى من خلفها للعودة مرة جديدة إلى أفق الإرهاب الدولي، إن جاز التعبير.
يمكن أن نستخلص من السطور السابقة أن «داعش» ربما سينحسر عن الأرض التقليدية التي تمسك بها من قبل في الشرق الأوسط والعالم العربي وخلال السنوات الأربع الماضية بنوع خاص، غير أنه يمضي الآن في اتجاه تدشين مرحلة إعلامية جديدة تعيد له الألق الذي كان قبل فترة من ناحية، ومن ناحية ثانية يبدو أن التنظيم يخطط للتواصل والتوسع الجغرافي والديموغرافي في بؤر أخرى غير التي هُزم فيها... ماذا عن هذه الجزئية الأخيرة بنوع خاص؟
في هذا الإطار تفتقت أذهان القائمين على التنظيم بدءاً من أبو بكر البغدادي الزعيم الزئبقي الذي يُقتل ويقوم إعلامياً ودعائياً في اليوم الواحد مرات عدة، عن خطة لإيجاد موطئ قدم في مناطق الاضطرابات والصراعات الأهلية، وعلى الرأس من تلك الأماكن المرشحة جغرافياً تأتي أفغانستان في قارة آسيا، ومحاوله عقد صفقات بعينها مع «طالبان».
أما عن القارة الأفريقية فهناك أكثر من موقع وموضع مرشح ذلك، ففي الصومال تعطي الفوضى والحرب الأهلية فرصة لـ«داعش» للمزيد من التوغل في العمق، واكتساب فصائل جديدة وإغرائها بالمال، عطفاً على أن الصومال موقع قريب بدرجة أو بأخرى من كينيا، وتشاد، وغيرها من الدول التي يعمل فيها تيار الشباب المتطرف من أتباع «بوكو حرام»، وهؤلاء قد بايعوا «داعش» من قبل، وجاءتهم الآن الفرصة التاريخية لتكون أراضيهم مستقَراً لقيادات من «داعش»، ولا توفر الخريطة كذلك نيجيريا التي تعاني بدورها من صراعات طائفية ومذهبية، تعد من قبل «داعش» بيئة نموذجية لإحياء وجودها اللوجيستي والآيديولوجي معاً.
الأمر نفسه يكاد ينطبق على باكستان في آسيا، ودائرة الصراعات هناك، وإن كانت باكستان معروفة من قبل بوجود تنظيمات أصولية سابقة فيها مثل «القاعدة» في تسعينات القرن الماضي.
من البؤر الجديدة التي يستهدفها «داعش»، مناطق آمنة ومستقرة يكثف هجماتها العشوائية فيها، بغية تهديد الأمن والسلم، من ناحية محاولة تجنيد عناصر جديدة له في تلك المناطق، وكذلك البحث عن جغرافية جديدة لنشاطه الإرهابي، وعلى رأس تلك الدول تأتي إندونيسيا التي شهدت قبيل رمضان الماضي بأيام معدودة أربع هجمات كبرى نفّذ بعضَها أفراد عائلات كاملة، في تطور لافت للاهتمام، كذلك شهدت روسيا ثلاث هجمات منها اثنتان في الشيشان، وذلك تزامناً مع اقتراب فاعليات كأس العالم 2018.
ماذا عن البعد البيولوجي لـ«داعش»؟
يبدو أن الخلايا غير العنقودية لـ«داعش» باتت تخطط لإحداث مفاعيل شر واسعة، فلم تعد تكتفي في أوروبا بنوع خاص بالعمليات الهجومية التقليدية، كمثل التي شهدتها بلجيكا مع بدايات شهير رمضان، وفرنسا قبل انطلاق الشهر الكريم.
يعمد «داعش» الآن إلى إدخال ما اصطلح الناطق باسم دائرة حماية الدستور الألمانية (مديرية الأمن العام) على تسميته «سيناريو الرعب» من خلال تعريض دول أوروبا لنوع قاتل على مدى واسع من الإرهاب، وهو النوع البيولوجي، القريب جداً من الكيماوي، والذي يُعرف أيضاً بأنه القنبلة النووية للفقراء.
كارثة «داعش» الحقيقية تمثلت في العقول الذكية علمياً، وربما الجافة روحياً وإيمانياً، والتي امتلكها التنظيم خلال الأعوام الماضية، ومنها عقول على درجة كبيرة من التحصيل العلمي والعملي، كيميائياً وبيولوجياً وربما نووياً لو سمحت الظروف.
من بين تلك العقول كان الشاب التونسي «سيف الدين» 29 عاماً، ويبدو أن عيون الاستخبارات الأميركية كانت تراقبه بقوة عبر وسائط التواصل، مخترقة هاتفه وحاسوبه ولهذا استطاعت «سي آي إيه» تحذير السلطات الألمانية، بعدما أقدم «سيف الدين» القائم في مدنية كولون الألمانية بشراء كميات كبيرة من بذور الخروع، التي تُستخدم في إنتاج غاز الريسين السام عبر الإنترنت، وطلبه أيضاً أجهزة ومعدات تُستخدم في صناعة القنابل.
كارثة تلك النوايا الداعشية أنها زهيدة التكاليف لكنّ شرها مستطير، فالريسين مادة سامة قد تسبب الوفاة لدى استنشاقها أو تناولها أو حقنها، وهي سهلة التحضير بعد استخلاصها من بذور الخروع وهناك طرق عديدة لنشرها.
هل يعني ذلك أن «داعش» أعلن الحرب البيولوحية على أوروبا وغداً ربما على أميركا وفي الشرق الأوسط؟
المؤكد أن هذا الاتجاه من الإرهاب قد سبق وحذّر منه تقرير منشور صدر عن مركز تنسيق مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي، وتوقع لجوء الجماعات الإرهابية إلى الهجمات الكيماوية والبيولوجية خلال عام 2018 مرجعاً ذلك إلى سهوله نقل واستخلاص هذا النوع من الأسلحة غير التقليدية من مركبات كيميائية عادية، مقارنةً بهجمات القنابل والسيارات المفخخة. الإرهاب حرب عالمية، ومن دون إرادة دولية حقيقية للمواجهة سوف يضحى العالم على صفيح ساخن، ومن ثم يفتقد الأمن والأمان، من مشارق الشمس إلى مغاربها.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».