... ويسعى لترتيب صفوفه إعلامياً

الجهود الدولية والإقليمية أدت إلى تحجيم عمليات التنظيم وتراجعها

«داعش» يسعى لترتيب صفوفه إعلامياً
«داعش» يسعى لترتيب صفوفه إعلامياً
TT

... ويسعى لترتيب صفوفه إعلامياً

«داعش» يسعى لترتيب صفوفه إعلامياً
«داعش» يسعى لترتيب صفوفه إعلامياً

هل تراجع تنظيم «داعش» بالفعل تراجعاً استراتيجياً على كل الجبهات في الأشهر الماضية أم أنه تراجع تكتيكي لن يلبث أن يستأنفه عما قريب بأدوات وآليات مغايرة، ربما أكثر فتكاً مما جرت به محاولاته في الأعوام الماضية؟
الشاهد أننا أمام عدة قراءات بعضها صدر حديثاً، بينما بعضها الآخر يتضمن رؤى تحليلية عميقة تربط بين الأهداف الرئيسة لـ«داعش»، وبين الأدوات التي تفعلها على الأرض.
في نهاية شهر رمضان الماضي، كان مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية يُصدر تقريراً جديداً يكشف فيه عن حجم خسائر تنظيم داعش ومستويات تراجعه في رمضان 2018 مقارنةً بشهر رمضان من العام الماضي.
اعتاد الدواعش تكثيف عملياتهم الإرهابية في شهر رمضان، واتخذوا من الشهر الفضيل توقيتاً لإعلان خلافتهم المزعومة في 2014، وحرص التنظيم إعلامياً على التعبئة لتنفيذ عملياته خلال الشهر المبارك وإلقاء خطب خاصة به... ما الذي جرى مؤخراً؟
من الواضح أن الجهود الدولية والإقليمية ونجاح الجيوش الوطنية أدت إلى تحجيم عمليات التنظيم وتراجعها في الشرق الأوسط، فإعلامياً لم تُصدر قيادة «داعش» خطاباً مخصصاً لرمضان الأخير مقارنةً بالعام السابق، كذلك انخفض حجم الإصدارات والإنتاج الإعلامي للتنظيم، ففي رمضان 2017 كان التنظيم قد استهدف عدة مناطق على رأسها «إنجلترا، والعراق، وسوريا، وإسرائيل، ومصر، وأفغانستان، والفلبين، وإندونيسيا، والجزائر، والصومال، وإيران، وتونس، واليمن، وأستراليا»، بينما في رمضان 2018 وضع «داعش» نصب عينيه خريطة أخرى شملت (بلجيكا، وفرنسا، وروسيا، وكشمير، وباكستان، والعراق، وسوريا، واليمن، وليبيا، ونيجيريا، والصومال، وإندونيسيا، وتونس، ومصر، والفلبين).
ونجحت الجهود الدولية والإقليمية في كبح جماح تمدد «داعش» واستعادة الأراضي التي سيطر عليها منذ عام 2014، وكذلك نجحت الجهود عينها في وقف مصادر تمويله وتسليحه مع إفقاره العديد من الموارد البشرية والإعلامية في عدة مناطق حول العالم.
يعني ما تقدم أن «داعش» في العالم الواقعي قد تعرض بالفعل لصفعات قاسية، أفقدته الكثير جداً من توازناته الدعائية واللوجيستية، غير أن علامة الاستفهام وفي زمن العوالم الافتراضية هي: «هل يعني ذلك النهاية الحتمية لـ(داعش) أم أن للتنظيم رؤى ومسارب أخرى يعزز من خلالها وجوده الآيديولوجي، ويكتسب من خلالها المزيد من الأتباع والمؤيدين، بل الأخطر والأكثر هولاً، تنويع آليات الشر لديه، فمن عمليات الدهس، والهجمات الانتحارية، ربما يعمد إلى أسلحة الدمار الشامل، وإن كانت في صورها الأولى، سيما أنه من اليسير الحصول عليها والتي يمكن لها أن تُحدث خسائر جسيمة، ضمن خريطة أهدافها.
أدرك القائمون على «داعش» أن تصدير الفكرة إعلامياً، يكاد يكون أفضل السبل المتاحة للحصول على المزيد من العناصر البشرية اللازمة لاستمرار طرح الخلافة، وإن خسر التنظيم عاصمتها في سوريا والعراق. من هنا بدا كأن التنظيم الذي ترنح إعلامياً يسعى من جديد إلى استعادة نشاطه، وغير خافٍ على أحد، أنه حال نجاحه في بلورة منظومة إعلامية جيدة في العالم الافتراضي، فإن ذلك يعني ومن دون أي شك تقوية البنية الهيكلية لـ«داعش» في المستقبل، وإحراز نقاط نجاح على سلبيتها حول العالم.
علاقة «داعش» بالإعلام بدورها رصدتها ورقة بحثية صدرت أواخر يونيو (حزيران) الماضي عن «مرصد الأزهر لمكافحة التطرف»، وجاءت في جزأين.
التقرير يشير إلى أن «داعش» منذ ظهوره في عام 2014، وإعلانه دولة الخلافة المزعومة، نجح من خلال استراتيجية إعلامية مدروسة في الترويج لأفكاره، واستقطاب الآلاف من المقاتلين، معتمداً في هذا على إنتاج مقاطع فيديو عالية الجودة، ومواكِبة لأحدث التقنيات الإعلامية العالمية، إضافة إلى طباعته لعدد من المجلات، وبخاصة في اختراق مواقع التواصل الاجتماعي، واتخاذها نافذة للوصول إلى أكبر عدد ممكن من مستخدمي هذه المواقع.
يثير تقرير «مرصد الأزهر لمكافحة الإرهاب» علامة استفهام مثيرة بدورها: «هل ما زالت الآلة الإعلامية الداعشية قادرة على التأثير مثلما كانت تفعل قبل سقوط التنظيم وفقدانه 98% من الأراضي التي كان عليها في سوريا والعراق؟».
ويخلص التقرير إلى أن الإجابة بالتأكيد لا، فقد ترنحت الشبكة الإعلامية الداعشية وطرأ على المحتوى الذي تنشره عدداً من المتغيرات، والمؤشرات التالية تؤكد صحة ما ذهب إليه القائمون على هذا العمل الفكري المتميز، منها انخفاض كبير في حجم المحتوى الداعشي المنشور، إضافة إلى رداءة جودته، خصوصاً جودة الفيديوهات والصور، وكذلك تأخُّر التنظيم في إصدار البيانات التي يتبنى فيها مسؤوليته عن الهجمات التي ينفّذها، مع المبالغة في الأسلوب وعدم الدقة في عرض المعلومة، مثلما كان يحدث في الماضي بالإضافة إلى سقطات في الترجمة من العربية إلى اللغات الأجنبية.
لم تكن الانكسارات التي تعرض لها الدواعش خلال العام الماضي فقط عسكرية، بل إعلامية بشكل قاطع، سيما في ضوء استهداف المصادر الاقتصادية للتنظيم، وقد كانت في المقدمة منها المنتجات النفطية التي كانت تدرّ عليهم ملايين الدولارات، إضافة إلى تهريب الآثار، والاتجار في الأسلحة، فيما قال البعض الآخر بالمخدرات كذلك.
نجحت المكافحة الإلكترونية التي شنتها إدارات مواقع التواصل الاجتماعي مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب»، إضافة إلى هجمات القرصنة الإلكترونية لمواقع «داعش»، والتي أدت إلى انخفاض استخدام التنظيم بشكل كبير لمواقع التواصل الاجتماعي، مما ساعد بشكل فعال في ترنح الآلة الإعلامية للتنظيم، ففي أوائل عام 2016 أعلنت شركة «تويتر» عن تعليق 125 ألف حساب، معظمها تابع لـ«داعش»، وذلك خلال حملة شنتها الشركة بداية من النصف الثاني من عام 2015.
جزئية أخرى توضح لنا أزمة التراجع الإعلامي الداعشي، وتتصل بالبشر، أي الدواعش من الإعلاميين، ذلك أن الذين نجوا من القتال قد عمدوا إلى الفرار، والتخفي عن طريق تغيير أماكن وجودهم، أو اللجوء إلى الاختباء في أماكن منعزلة تنعدم فيها وسائل الاتصال، وهو أمر يختلف عما كانوا يتمتعون به سابقاً، عندما كانت تتوفر لديهم وسائل ووسائط عمل دائمة من أجهزة ومعدات حديثة، بالإضافة إلى مصورين يعملون في مناطق الأحداث، وبالتالي لم يكونوا يأخذون صوراً حية، كل هذا تسبب في ضعف البنية التحتية للترسانة الإعلامية.
لم يكن مرصد الأزهر فقط مَن رصد تدهور أحوال ومآلات «داعش» الإعلامية ففي تقرير آخر صدر عن المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي في أواخر 2017 للكاتب «تشارلي وينتون» نجد إشارة إلى وضع «داعش» الإعلامي الضعيف، عبر انخفاض كمية ونوعية المنشورات التي يروّجها، فعلى سبيل المثال أنتج تنظيم داعش في سبتمبر (أيلول) 2017، ثُلث ما أنتجه في أغسطس (آب) 2015.... هل يمكننا القطع بأن «داعش» قد سلم أوراقه أم أنه يحاول استنهاض جهوده ما دامت بقيت فكرة تقسيم العالم تقسيماً ثنائياً هي المتحكمة في عقول أتباعه وأشياعه حول الكرة الأرضية؟
من الواضح أن «داعش» لم يلقِ بكل أوراق اللعب على المائدة، بل بدأ في تدابير مختلفة نرصد منها محطات، يسعى من خلفها للعودة مرة جديدة إلى أفق الإرهاب الدولي، إن جاز التعبير.
يمكن أن نستخلص من السطور السابقة أن «داعش» ربما سينحسر عن الأرض التقليدية التي تمسك بها من قبل في الشرق الأوسط والعالم العربي وخلال السنوات الأربع الماضية بنوع خاص، غير أنه يمضي الآن في اتجاه تدشين مرحلة إعلامية جديدة تعيد له الألق الذي كان قبل فترة من ناحية، ومن ناحية ثانية يبدو أن التنظيم يخطط للتواصل والتوسع الجغرافي والديموغرافي في بؤر أخرى غير التي هُزم فيها... ماذا عن هذه الجزئية الأخيرة بنوع خاص؟
في هذا الإطار تفتقت أذهان القائمين على التنظيم بدءاً من أبو بكر البغدادي الزعيم الزئبقي الذي يُقتل ويقوم إعلامياً ودعائياً في اليوم الواحد مرات عدة، عن خطة لإيجاد موطئ قدم في مناطق الاضطرابات والصراعات الأهلية، وعلى الرأس من تلك الأماكن المرشحة جغرافياً تأتي أفغانستان في قارة آسيا، ومحاوله عقد صفقات بعينها مع «طالبان».
أما عن القارة الأفريقية فهناك أكثر من موقع وموضع مرشح ذلك، ففي الصومال تعطي الفوضى والحرب الأهلية فرصة لـ«داعش» للمزيد من التوغل في العمق، واكتساب فصائل جديدة وإغرائها بالمال، عطفاً على أن الصومال موقع قريب بدرجة أو بأخرى من كينيا، وتشاد، وغيرها من الدول التي يعمل فيها تيار الشباب المتطرف من أتباع «بوكو حرام»، وهؤلاء قد بايعوا «داعش» من قبل، وجاءتهم الآن الفرصة التاريخية لتكون أراضيهم مستقَراً لقيادات من «داعش»، ولا توفر الخريطة كذلك نيجيريا التي تعاني بدورها من صراعات طائفية ومذهبية، تعد من قبل «داعش» بيئة نموذجية لإحياء وجودها اللوجيستي والآيديولوجي معاً.
الأمر نفسه يكاد ينطبق على باكستان في آسيا، ودائرة الصراعات هناك، وإن كانت باكستان معروفة من قبل بوجود تنظيمات أصولية سابقة فيها مثل «القاعدة» في تسعينات القرن الماضي.
من البؤر الجديدة التي يستهدفها «داعش»، مناطق آمنة ومستقرة يكثف هجماتها العشوائية فيها، بغية تهديد الأمن والسلم، من ناحية محاولة تجنيد عناصر جديدة له في تلك المناطق، وكذلك البحث عن جغرافية جديدة لنشاطه الإرهابي، وعلى رأس تلك الدول تأتي إندونيسيا التي شهدت قبيل رمضان الماضي بأيام معدودة أربع هجمات كبرى نفّذ بعضَها أفراد عائلات كاملة، في تطور لافت للاهتمام، كذلك شهدت روسيا ثلاث هجمات منها اثنتان في الشيشان، وذلك تزامناً مع اقتراب فاعليات كأس العالم 2018.
ماذا عن البعد البيولوجي لـ«داعش»؟
يبدو أن الخلايا غير العنقودية لـ«داعش» باتت تخطط لإحداث مفاعيل شر واسعة، فلم تعد تكتفي في أوروبا بنوع خاص بالعمليات الهجومية التقليدية، كمثل التي شهدتها بلجيكا مع بدايات شهير رمضان، وفرنسا قبل انطلاق الشهر الكريم.
يعمد «داعش» الآن إلى إدخال ما اصطلح الناطق باسم دائرة حماية الدستور الألمانية (مديرية الأمن العام) على تسميته «سيناريو الرعب» من خلال تعريض دول أوروبا لنوع قاتل على مدى واسع من الإرهاب، وهو النوع البيولوجي، القريب جداً من الكيماوي، والذي يُعرف أيضاً بأنه القنبلة النووية للفقراء.
كارثة «داعش» الحقيقية تمثلت في العقول الذكية علمياً، وربما الجافة روحياً وإيمانياً، والتي امتلكها التنظيم خلال الأعوام الماضية، ومنها عقول على درجة كبيرة من التحصيل العلمي والعملي، كيميائياً وبيولوجياً وربما نووياً لو سمحت الظروف.
من بين تلك العقول كان الشاب التونسي «سيف الدين» 29 عاماً، ويبدو أن عيون الاستخبارات الأميركية كانت تراقبه بقوة عبر وسائط التواصل، مخترقة هاتفه وحاسوبه ولهذا استطاعت «سي آي إيه» تحذير السلطات الألمانية، بعدما أقدم «سيف الدين» القائم في مدنية كولون الألمانية بشراء كميات كبيرة من بذور الخروع، التي تُستخدم في إنتاج غاز الريسين السام عبر الإنترنت، وطلبه أيضاً أجهزة ومعدات تُستخدم في صناعة القنابل.
كارثة تلك النوايا الداعشية أنها زهيدة التكاليف لكنّ شرها مستطير، فالريسين مادة سامة قد تسبب الوفاة لدى استنشاقها أو تناولها أو حقنها، وهي سهلة التحضير بعد استخلاصها من بذور الخروع وهناك طرق عديدة لنشرها.
هل يعني ذلك أن «داعش» أعلن الحرب البيولوحية على أوروبا وغداً ربما على أميركا وفي الشرق الأوسط؟
المؤكد أن هذا الاتجاه من الإرهاب قد سبق وحذّر منه تقرير منشور صدر عن مركز تنسيق مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي، وتوقع لجوء الجماعات الإرهابية إلى الهجمات الكيماوية والبيولوجية خلال عام 2018 مرجعاً ذلك إلى سهوله نقل واستخلاص هذا النوع من الأسلحة غير التقليدية من مركبات كيميائية عادية، مقارنةً بهجمات القنابل والسيارات المفخخة. الإرهاب حرب عالمية، ومن دون إرادة دولية حقيقية للمواجهة سوف يضحى العالم على صفيح ساخن، ومن ثم يفتقد الأمن والأمان، من مشارق الشمس إلى مغاربها.



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».