«التمثيل المسرحي» سحابة سوداء تخيّم على كأس العالم

السقوط بهدف خداع الحكّام يشوّه المونديال الرائع

لاعبو كولومبيا يحتجون على احتساب ركلة جزاء في المواجهة أمام إنجلترا
لاعبو كولومبيا يحتجون على احتساب ركلة جزاء في المواجهة أمام إنجلترا
TT

«التمثيل المسرحي» سحابة سوداء تخيّم على كأس العالم

لاعبو كولومبيا يحتجون على احتساب ركلة جزاء في المواجهة أمام إنجلترا
لاعبو كولومبيا يحتجون على احتساب ركلة جزاء في المواجهة أمام إنجلترا

اعتدنا في أوقات سابقة على بعض التصرفات الغريبة من منتخبات أميركا الجنوبية، أو رؤية اللاعبين وهم يسقطون من أجل خداع الحكام في الدوري الإسباني الممتاز؛ لكننا في الوقت الحالي نرى اللاعبين في كأس العالم، ومنهم لاعبو المنتخب الإنجليزي حتى لا نخدع أنفسنا، يحاولون خداع الحكام بأي طريقة ممكنة. وفي الحقيقة يعد هذا هو الشيء السلبي الوحيد في بطولة كأس العالم الرائعة التي تستضيفها روسيا.
وقد شاهد كثيرون مقاطع الفيديو المتداولة بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تسخر من سقوط اللاعب البرازيلي نيمار داخل الملعب من أجل خداع الحكام، بعد سقوطه بطريقة مبالغ فيها أكثر من مرة خلال مباراة البرازيل أمام صربيا.
ولكي نكون منصفين، فإن نيمار ليس اللاعب الوحيد الذي يحاول خداع الحكام في كأس العالم. لقد أصبح «التمثيل» شائعا في كأس العالم الحالية، وتحول إلى سرطان ينخر في لعبة كرة القدم كلها، وبالتالي يتعين على الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) أن يجد حلا لهذه المشكلة بأسرع وقت ممكن، فإما أن يتعامل الفيفا مع هذا الأمر بكل حزم من خلال فرض عقوبة صارمة على اللاعبين الذين يفعلون ذلك، ويطلب من الحكام ألا يتسامحوا إطلاقا مع هذا الأمر، وإما سنفقد السيطرة على الأمور تماما، ونقبل بحقيقة أن هذا «التمثيل المسرحي» قد أصبح جزءا لا يتجزأ من عالم كرة القدم.
ويمكن القول بكل تأكيد، إن اللاعبين هم المسؤولون عن ذلك، وقد رأينا جميعا هذا المشهد العبثي في مباراة دور الستة عشر في كأس العالم بين إنجلترا وكولومبيا، عندما توقف اللعب لمدة أربع دقائق كاملة عندما احتسب حكم اللقاء ركلة جزاء ضد كارلوس سانشيز، بعد ارتكابه خطأ واضحا للغاية أمام المهاجم الإنجليزي هاري كين، الذي تحلى بشجاعة كبيرة ونجح في نهاية المطاف في تحويل ركلة الجزاء إلى هدف.
وقد التف ستة لاعبين من منتخب كولومبيا حول حكم اللقاء بطريقة تشبه ما يحدث في المدارس، عندما يلتف التلاميذ الأقوياء حول زملائهم الضعفاء. ولم يكن هناك أي احترام لحكم اللقاء، خاصة أن سانشيز قد جذب كين بشدة داخل منطقة الجزاء، في الوقت الذي لم تكن فيه الكرة قريبة منه على الإطلاق، وقد شاهدنا جميعا ذلك على شاشات التلفاز بما لا يدع أي مجال للشك. ربما كان يتعين على حكم اللقاء أن يكون أكثر حزما ويمنح بطاقات للاعبي كولومبيا بعد احتجاجهم بهذه الطريقة، واحدا تلو الآخر. وكتب نجم المنتخب الإنجليزي السابق والمحلل الحالي غاري لينكر على حسابه في موقع «تويتر» يقول: «أنا لا أفهم لماذا يتسامح الحكام مع الإساءة في وجوههم. امنحوهم بطاقات صفراء وأوقفوا هذه المهزلة».
وبالتالي، فإن السؤال المطروح الآن هو: لماذا لا يقوم الحكام بذلك؟ ولو علم اللاعبون أن الحكام سيتعاملون بكل حزم مع أي خروج عن النص، فإننا لن نرى مرة أخرى مثل تلك المشاهد التي رأيناها أثناء مباراة إنجلترا وكولومبيا، وبعد مباراة البرتغال وأوروغواي في دور الستة عشر، عندما وقف ريكاردو كواريزما في وجه الحكم المكسيكي بشكل مستفز، وكان كريستيانو رونالدو يصرخ في وجه الحكم أيضا. وإذا لم يتعامل الحكام بكل حزم، فإننا سنرى لاعبين يتصرفون بطريقة أكثر سوءا.
ويتعين على الاتحاد الدولي لكرة القدم أن يضع على قمة أولوياته التعامل مع قضية خداع الحكام. صحيح أن هذه القضية ليست جديدة على عالم كرة القدم، وقد رأينا جميعا النجم البرازيلي ريفالدو وهو يمسك وجهه في كأس العالم 2002 رغم أن الكرة قد اصطدمت بقدمه، ورأينا المهاجم الألماني يورغن كلينسمان وهو يلقي بنفسه على الأرض لخداع الحكم في المباراة النهائية لكأس العالم عام 1990؛ لكن الشيء المؤسف هو أن هذه القضية قد أخذت اتجاها جديدا في كأس العالم 2018 بروسيا.
لقد شعرنا جميعا بالدهشة عندما قام المدافع البرتغالي بيبي بالسقوط أرضا بلا أي خجل عندما لمسه المدافع المغربي مهدي بن عطية لمسة خفيفة على كتفه؛ لكن الحقيقة هي أن بيبي ما هو إلا مهرج واحد في سيرك أكبر بكثير. لقد ظهر المنتخب الكولومبي بشكل يدعو إلى الأسى والأسف في بعض فترات اللقاء أمام إنجلترا، في مشهد مختلف تماما عن منتخب كولومبيا الذي قدم مستويات رائعة في كأس العالم الماضية قبل أربع سنوات.
لكن عندما نتكلم بمنتهى الحيادية، وننسى أننا نحمل الجنسية الإنجليزية، ونشاهد مباراة إنجلترا وكولومبيا مرة أخرى، فسوف نكتشف على الفور أن لاعبي المنتخب الإنجليزي لم يكونوا ملائكة، وأن جوردان هيندرسون وهاري ماغوير كانا من بين اللاعبين الذين يبالغون في السقوط من أجل خداع حكم المباراة. وقد سئل المدير الفني للمنتخب الإنجليزي غاريث ساوثغيت عن سلوك لاعبي المنتخب الإنجليزي من صحافي روسي، أشار إلى أن لاعبي الجيل الحالي لإنجلترا، وعلى عكس لاعبي المنتخب الإنجليزي في فترة التسعينات من القرن الماضي عندما كان ساوثغيت لاعبا: «يسقطون في كل مرة تهب فيها الرياح». وقال ساوثغيت ردا على هذا السؤال: «ربما أصبحنا أكثر ذكاء قليلا عن ذي قبل، وربما أصبحنا نلعب الآن بالقواعد نفسها التي يلعب بها باقي العالم. أعتقد أنه كان هناك كثير من الأخطاء في هذه المباراة؛ لكننا عندما نسقط أرضا فإننا نسقط لأن خطأ قد ارتكب ضدنا».
وبعيدا عن التصريح الأخير الذي قاله ساوثغيت، والذي يتعين على أي مدير فني أن يدلي به في مثل هذه المواقف، فإن المدير الفني للمنتخب الإنجليزي كان صادقا في تصريحاته؛ لأنه في لعبة كرة القدم أصبح إتقان فنون الخداع لا يقل أهمية عن المهارات التي يتمتع بها اللاعبون، وأصبح التعامل مع الخداع يتم على أنه شيء عادي، وهو السبب الذي جعل ساوثغيت يقول: «إننا نلعب الآن بالقواعد نفسها التي يلعب بها باقي العالم».
ومن الإنصاف أن نقول إن كرة القدم قد انحدرت إلى لعبة يغيب فيها القانون في بعض الأحيان. وبصراحة تامة، لا يمكن لأحد أن يلوم المنتخب الإنجليزي على خداع الآخرين من أجل التأهل للدور التالي بدلا من الخروج من البطولة، لمجرد الحفاظ على قيم ومبادئ كرة القدم، بعد أن أصبح الجميع يلعب بمبدأ «إذا لم تستطع إصلاحهم فانضم إليهم».
وبات من الواضح بصورة كبيرة أن هناك عددا كبيرا من اللاعبين، مثل بيبي وسيرخيو راموس ونيمار وغيرهم، لا يهتمون بحقيقة أن الخداع الذي يقومون به يشاهده مئات الملايين في جميع أنحاء العالم، ويتم تحليله على شاشات التلفاز من قبل لاعبين دوليين سابقين، ويتم تداوله والسخرية منه على وسائل التواصل الاجتماعي.
ولكي نكون واضحين، لا يتعلق الأمر بكون هؤلاء اللاعبين قدوة للآخرين؛ لأن هذا الأمر ينطبق على الآباء أكثر مما ينطبق على اللاعبين؛ لكن هل هؤلاء اللاعبون لا يشعرون بأي خزي أو عار من الكيفية التي يتصرفون بها داخل الملعب؟ ألا يعرف هؤلاء اللاعبون أن هناك 13 حكما يشاهدون المباريات باستخدام 33 كاميرا في غرفة تحكم في موسكو، ويتم الاعتماد على تقنية حكم الفيديو المساعد؟ هل ينتظر هؤلاء اللاعبون أن تكون الطريقة الوحيدة للقضاء على خداع الحكام هي أن يمتد دور تقنية الفيديو من مجرد «الأخطاء الواضحة» في «مواقف تغير نتائج المباريات» لكي يشمل حالات خداع الحكام أيضا؟
لكن الصعوبة تكمن بالطبع في معرفة الأسباب الحقيقة لسقوط اللاعب - سواء أثناء المباراة أو حتى عند إعادة مشاهد السقوط أكثر من مرة في اليوم التالي - لأن هناك بعض الحالات التي يكون فيها اللاعب هو الشخص الوحيد الذي يعرف ما إذا كان يتظاهر بالسقوط لخداع الحكام أم لا. وعلى أي حال، يجب اتخاذ إجراءات فورية لمواجهة هذه الظاهرة. ويتعين على الاتحاد الدولي لكرة القدم، على أقل تقدير، أن يظهر أنه عازم على مواجهة هذه المرض، ويجب على الحكام أن يكونوا أكثر حزما، كما يتعين على اللاعبين أيضا أن يتحملوا القليل من المسؤولية عن أفعالهم.


مقالات ذات صلة

الحكم ببراءة الرئيس السابق للاتحاد الكويتي لكرة القدم

رياضة عربية هايف المطيري (الاتحاد الكويتي)

الحكم ببراءة الرئيس السابق للاتحاد الكويتي لكرة القدم

قضت دائرة جنايات بالمحكمة الكلية في الكويت ببراءة الرئيس السابق لاتحاد كرة القدم هايف المطيري ونائبه أحمد عقلة والأمين العام صلاح القناعي من التهم المنسوبة لهم.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
رياضة سعودية حسين الصادق بجوار مانشيني خلال مباريات الدوري السعودي (المنتخب السعودي)

الصادق يعتذر عن إكمال مهمته... ويغادر إدارة المنتخب السعودي

كتب حسين الصادق مدير المنتخب السعودي الأول لكرة القدم، الفصل الأخير في مشواره مع «الأخضر»، بعد أن تقدم باستقالته رسمياً من منصبه واعتذاره عن عدم الاستمرار>

«الشرق الأوسط» (الرياض )
رياضة سعودية المسحل قال إن التحكيم الآسيوي ارتكب بعض الأخطاء ضد الأخضر (تصوير: عدنان مهدلي)

المسحل: لن نتعذر بالتحكيم «رغم أخطائه» وثقتنا في الصادق مستمرة

أكد ياسر المسحل، رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم، أن أخطاء الحكام أثّرت على مسيرة المنتخب السعودي في تصفيات آسيا المؤهلة لكأس العالم 2026.

خالد العوني (بريدة)
رياضة سعودية ياسر المسحل خلال تكريمه ماجد عبد الله الفائز بجائزة من جوائز المسؤولية الاجتماعية (الاتحاد السعودي)

ياسر المسحل: حظوظ المنتخب السعودي لا تزال قائمة في بلوغ كأس العالم 2026

قال ياسر المسحل رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم إن حظوظ الأخضر في نيل البطاقة المباشرة لنهائيات كأس العالم 2026 لا تزال قائمة، موضحاً أن الثقة حاضرة في اللاعبين

«الشرق الأوسط» (الرياض)
رياضة عالمية فابيو ليما (رويترز)

ليما يحيي آمال الإمارات في العودة للمونديال بعد 36 عاماً

تحوّل فابيو ليما البرازيلي المولد رمزاً لحملة الإمارات لما يمكن أن يكون صعودها لكأس العالم لكرة القدم بعد غياب 36 عاماً، بتسجيله 4 أهداف بالفوز الساحق على قطر.

«الشرق الأوسط» (دبي)

شاهد... صاعقة تقتل لاعباً وتصيب آخرين في ملعب كرة قدم

صورة مثبتة من مقطع فيديو تظهر اللاعبين يسقطون أرضاً بعدما ضربتهم الصاعقة
صورة مثبتة من مقطع فيديو تظهر اللاعبين يسقطون أرضاً بعدما ضربتهم الصاعقة
TT

شاهد... صاعقة تقتل لاعباً وتصيب آخرين في ملعب كرة قدم

صورة مثبتة من مقطع فيديو تظهر اللاعبين يسقطون أرضاً بعدما ضربتهم الصاعقة
صورة مثبتة من مقطع فيديو تظهر اللاعبين يسقطون أرضاً بعدما ضربتهم الصاعقة

تسببت صاعقة برق خلال مباراة كرة قدم محلية في وسط بيرو بمقتل لاعب وإصابة 4 آخرين يوم الأحد، بحسب شبكة «سي إن إن».

وأظهرت لقطات من المباراة اللاعبين وهم يغادرون الملعب في ملعب كوتو كوتو ببلدة تشيلكا، على بعد نحو 70 كيلومتراً جنوب شرقي ليما، بعد توقف المباراة بسبب عاصفة.

وفي مقطع فيديو، شوهد كثير من اللاعبين وهم يسقطون على وجوههم على الأرض في اللحظة نفسها عندما ضربت الصاعقة الملعب.

وحسبما ظهر على محطة التلفزيون المحلية «أوندا ديبورتيفا هوانكافيليك»، لوحظت شرارة قصيرة وسحابة صغيرة من الدخان بالقرب من أحد اللاعبين. بعد ثوانٍ، بدا أن بعض اللاعبين يكافحون من أجل العودة إلى الوقوف.

وقالت السلطات ووسائل الإعلام الحكومية إن المتوفى هو المدافع هوجو دي لا كروز (39 عاماً).

وقالت البلدية المحلية في بيان: «نقدم تعازينا الصادقة لعائلة الشاب هوجو دي لا كروز، الذي فقد حياته للأسف بعد أن ضربته صاعقة أثناء نقله إلى المستشفى، نعرب أيضاً عن دعمنا وتمنياتنا بالشفاء العاجل للاعبين الأربعة الآخرين المصابين في هذا الحادث المأساوي».

وحتى مساء الاثنين، خرج لاعبان من المستشفى، بينما لا يزال اثنان تحت المراقبة، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الحكومية «أندينا». وأضافت أن حارس المرمى الذي أصيب في الحادث كان في حالة حرجة، لكنه أظهر تحسناً.

ويمكن أن تسبب ضربات البرق إصابات خطيرة للإنسان، وفي حالات نادرة، يمكن أن تكون قاتلة. وفرصة التعرض لها أقل من واحد في المليون، وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة (CDC).

ووفقاً لـ«سي دي سي»، ينجو ما يقرب من 90 في المائة من جميع ضحايا ضربات البرق، ولكن الآثار يمكن أن تكون خطيرة وطويلة الأمد. «لقد عانى الناجون من إصابات وحروق وأعراض خطيرة بما في ذلك النوبات وفقدان الذاكرة».