ماكرون... جهود 14 شهراً تنتظر الثمار

متاعب المنافسين الأوروبيين أتاحت إطلاق سياسة فرنسية ديناميكية وطموحة

ماكرون... جهود 14 شهراً تنتظر الثمار
TT

ماكرون... جهود 14 شهراً تنتظر الثمار

ماكرون... جهود 14 شهراً تنتظر الثمار

قبل 14 شهراً، وصل إيمانويل ماكرون إلى رئاسة الجمهورية الفرنسية قالبا المعايير والموازين السياسية ومتخطيا اليمين واليسار وحاملا رؤية وخطة. في الداخل، أعرب عن عزمه على نفض الغبار عن المؤسسات التي أرساها الجنرال ديغول «مهندس الجمهورية الخامسة» وإطلاق حملة إصلاحية تذهب حتى مداها الأخير بحيث لا تتوقف في منتصف الطريق كما فعل من سبقه إلى قصر الإليزيه. وفي الخارج، أراد الرئيس الشاب أن يعيد فرنسا إلى واجهة المسرح الدولي بعد أن ضمر دورها داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه. وبعد مرور ما يزيد على العام، حان الوقت لوقفة متفحصة لإنجازاته وإخفاقاته على المسرح الخارجي.

في عام واحد، قطع الرئيس الفرنسي الشاب إيمانويل ماكرون ما يزيد على 190 ألف كلم، وزار 46 بلدا متنقلا بين القارات وقافزا من قمة إلى لقاء ثنائي. إذ قام بزيارة دولة للولايات المتحدة الأميركية وبعدها بأقل من شهر بزيارة مماثلة لروسيا. ولم ينس الصين أو الهند وكندا وأستراليا. أما زياراته الأوروبية فشبه دائمة ولقاءاته مع المستشارة الألمانية تشكل علامات ثابتة على أجندته الشهرية. ولم ينس العالم العربي الذي زار منه المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر وبلدان المغرب العربي.
وبالطبع، أفريقيا كانت دوما على أجندته ولا عجب في ذلك لأنها تشكل أول دائرة للنفوذ الفرنسي خارج القارة الأوروبية. وبحر هذا الأسبوع المنتهي وبعد أن كان ضيف البابا فرنسيس في الفاتيكان، حل ضيفا على القمة الأفريقية التي عقدت في موريتانيا واستفاد من حضور القادة الأفارقة ليعقد قمة موازية ضمت بلدان «الساحل» الخمس أي موريتانيا ومالي وتشاد والنيجر وبوركينافاسو، التي يسعى ماكرون لتسهيل قيام قوتها المشتركة المسماة «مجموعة الخمس» G5 وتوفير التمويل لها، وخصوصاً، دفع الأفارقة للعمل معا من أجل محاربة الإرهاب الذي يضرب دورياً في هذا البلد أو ذاك. أما رغبة ماكرون الخفية فهي سعيه للتخفيف من الأعباء العسكرية والمالية التي تترتب على القوات الفرنسية المرابطة في بلدان الساحل الأفريقية.

- سنة دبلوماسية نشطة
ولا تشكل الزيارات الخارجية إلا جزءا من نشاطات الرئيس الدبلوماسية. ذلك أن قصر الإليزيه تحول إلى مقصد لقادة العالم... من دونالد ترمب إلى فلاديمير بوتين ومن أنجيلا ميركل إلى تيريزا ماي والزعيم الصيني شي جينبينغ إلى منافسه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي. ومن محمود عباس إلى بنيامين نتنياهو والعشرات الآخرين.
ثم إن ماكرون يهوى المؤتمرات الخاصة التي يكون هو «مهندسها» الأول من أجل إيجاد حلول للأزمات المستعصية: من ليبيا التي كرّس لها في عام واحد مؤتمرين دوليين، إلى سوريا وفلسطين واليمن ولبنان، ناهيك من القمة العالمية للمحافظة على المناخ والعشرات غيرها من المؤتمرات والاجتماعات التي يجهد دبلوماسيو القصر الرئاسي والخارجية في ملاحقتها. باختصار، ماكرون يريد أن يفرض فرنسا التي لا ينظر إليها على المستوى العالمي إلا كـ«لاعب متوسط الحج» طرفاً رئيسياً في إدارة شؤون العالم وإيجاد حلول لأزماته. هذا هو «الدينامو» الذي يحرك الرئيس الفرنسي.

- ماكرون لا يعرف الكلل أو الملل
يوجه رسائله النصية إلى أقرب معاونيه طيلة ساعات الليل والنهار. مدمن على العمل وعازم على السير ببرنامجه الإصلاحي حتى خواتيمه مهما تكاثرت الصعوبات الاجتماعية أو الاقتصادية أو تهاوي شعبيته في الداخل.
يبدو غير آبه بأن يطلق عليه لقب «رئيس الأغنياء» بعدما ألغى الضريبة على الثروة والضريبة على الميسورين الذين اختاروا الرحيل عن فرنسا إلى بلد آخر... ولا يهتز أو يرف له جفن.
يُنتقَد لأنه وزوجته بريجيت أوصيا على أوان منزلية للقصر الرئاسي ستكلف دافع الضرائب الفرنسي نصف مليون يورو، وحجته أن ما يملكه القصر «متهالك» ويتعين تجديده... لا بل يرى في ذلك بابا لإبراز مهارات مشاغل البورسلين الفرنسية الشهيرة الموجودة في بلدة سيفر القريبة من باريس. ويُعاب عليه أنه طلب بناء مسبح في مقر الاصطياف الصيفي لرؤساء فرنسا المُسمى «حصن بريغونسون» المطل على الشاطئ المتوسطي، فيرد على ذلك بأنه لا يريد أن يفعل ما فعله الرؤساء السابقون بالحلول ضيفاً على الأصدقاء الأغنياء. وأن المسبح الخاص، بعكس الشاطئ المفتوح، يوفر الحماية للرئيس ويبقيه بعيداً عن الأعين.

- رئيس خدمته الظروف
باختصار، يعتبر ماكرون أنه رئيس غير الرؤساء وله رؤية مختلفة لمهامه ومنصبه. وحقيقة الأمر أن «الظروف» أسدت له خدمات جليلة: أولاً من حيث إنها سهلت انتخابه رئيسا للجمهورية الفرنسية قبل أن يصل إلى سن الأربعين متخطيا أحزابا متجذرة في المشهد السياسي مثل اليمين المعتدل وارث الحزب الديغولي أو الحزب الاشتراكي الذي تربع اثنان منه - فرنسوا ميتران وفرنسوا هولاند - على عرش الإليزيه طيلة 18 سنة.
كذلك، فإن الظروف السياسية الخارجية تبدو وكأنها «جُندّت» لخدمة ماكرون. إذ أن وصوله إلى الرئاسة ترافق مع تكاثر الصعوبات بوجه القوتين «المنافستين» الأكبر في غرب أوروباً... ألمانيا وبريطانيا.
فمن جهة، المستشارة الألمانية ميركل كانت، عند تبوئه منصبه الرئاسي، منشغلة بانتخاباتها التشريعية التي شهدت تراجعاً دراماتيكيا لشعبيتها وللمقاعد التي فاز بها حزبها. وخلال أربعة أشهر، انصب همّ ميركل على تشكيل حكومة لم تصل إلى إيقافها على قدميها إلا بشق الأنفس... وها هي تتمزّق أو تكاد بسبب أزمة الهجرات واللاجئين، وتجد نفسها في موقع سياسي ضعيف للغاية... لا بل ثمة من يراهن على عجزها عن إكمال ولايتها الرابعة في قصر المستشارية بالعاصمة برلين.
أما المنافسة الأخرى، رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، فليس مصيرها أفضل حالا من مصير ميركل إذ أنها ورثت صعوبات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عن سلفها ديفيد كاميرون، وفقد حزبها المحافظ الأكثرية في الانتخابات المبكرة التي فرضتها عليه. وهي تجهد بكثير من الصعوبة في المحافظة على شيء من الانتظام داخل حكومتها وحزبها لتقود بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي بأقل قدر ممكن من الخسائر.
وأما بقية الأوروبيين فحدث ولا حرج: إسبانيا غارقة في أزمة كتالونيا ورئيس حكومتها السابق نحي بسبب الفساد. وإيطاليا تعيش أزمات سياسية متلاحقة في ظل حكومات متعاقبة قصيرة العمر. وآخر مستجداتها حكومة مشكلة من تحالف اليمين المتطرف والشعبويين. وبقية أعضاء الاتحاد، فكل منهم لديه مشاكله: يمين متطرف صاعد في النمسا والدنمارك. ويمين متشدد في المجر وبولندا وتشيكيا وسلوفاكيا وصراعات فجّرتها أزمة الهجرات المتدفقة على أوروبا.....

- أوروبا... ملعبه و«ورشته»
هذه ملامح «الديكور» الأوروبي عند وصول إيمانويل ماكرون إلى الإليزيه مكللاً بهالة انتصاره على مارين لوبن، مرشحة الجبهة اليمينية المتطرفة في فرنسا.
الرئيس ماكرون انتخب على أساس برنامج أوروبي واضح ولديه خطة لإنهاض أوروبا وإصلاح مؤسساتها. إنه، بمعنى ما، لبس ثياب «المنقذ» وخطاباته المختلفة التي خصّصها للبناء الأوروبي وأهمها ثلاثة واضحة وقوية وثابتة: خطاب جامعة السوربون في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وخطاب تسلمه إحدى أهم الجوائز الأوروبية في ألمانيا، ثم خطابه الأخير أمام البرلمان الأوروبي... كلها تدل على عزم لا يلين.
أوروبا ورشته الأولى وذلك لسببين: لأنها أولا العرين الأوسع الذي يحتاج إليه، والثاني لأنها يمكن أن تكون الرافعة للنفوذ الفرنسي في العالم. بيد أن حلم ماكرون الأوروبي آخذ بالتحول إلى كابوس. فها هي أوروبا تترنح نحن وطأة أزمة لا تعرف، بسبب انقساماتها العميقة، كيف تتعامل معها.
ما كان ماكرون رئيساً عندما تدفق عشرات الآلاف من اللاجئين والمهاجرين عبر «ممرّ البلقان» باتجاه وسط وغرب أوروبا. غير أن ذلك لا يغير من واقع الحال شيئا بعدما أعيد «تشغيل» ممرّ وسط البحر الأبيض، هو الطريق الأقصر الذي يربط الشاطئ الأفريقي للمتوسط بالسواحل الأوروبية. ورغم تسلم ماكرون بالأرقام للتدليل على أن موجة الهجرات إلى أوروبا قد تراجعت ومعها طلبات اللجوء، فإن الأرقام لا تبدو كافية لإقناع مَن لا يريد الاقتناع كالمستشار النمساوي الشاب سباستيان كورتز أو وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني ونظيره الألماني هورست زيهوفر الذي يشكل تهديداً سياسيا رئيسيا لميركل. وباستثناء إسبانيا التي عادت قيادتها بالمصادفة إلى الاشتراكيين، لم يعد يجد ماكرون حليفا قويا له داخل الاتحاد الأوروبي للسير بخططه. القادة الإيطاليون اليمينيون يتهمونه بـ«العجرفة» وقادة «مجموعة فيزغراد» المشكلة من المجر وبولندا وتشيكيا وسلوفاكيا يرفضون الخضوع لـ«الديكتاتورية الأوروبية» التي لها رأسان ظاهران: ميركل وماكرون، والتي يتهمها يمينيو «فيزغراد» بأنها تريدهم أن يستقبلوا حصصهم من اللاجئين إلى أوروبا، كما وزعتها المفوضية الأوروبية، وهم متمسكون برفضهم. وماكرون يريد اندماجا أكبر لمنطقة اليورو مع ميزانية خاصة ووزير مالية. وبعد كم من اللقاءات، وافقت المستشارة الألمانية على «الحد الأدنى» من مقترحاته. وحتى الآن، لم تتحول هذه المقترحات إلى نصوص وقوانين وإجراءات بل ما زالت تدور في فلك المشاريع الضائعة بين الأخذ والرد.

- أزمات الشرق الأوسط
على صعيد آخر، أثبتت أزمات وحروب الشرق الأوسط أن دون نجاح الإليزيه في تحيق اختراقات مصاعب لا يجوز الاستهانة بها. فبالإضافة إلى سوريا والعراق، سعت باريس لأن يكون لها صوت في الملف الفلسطيني، وجاء الرئيس محمود عباس مرتين إلى باريس لمقابلة ماكرون. لكنه في كل مرة سمع الجواب نفسه: لا اعتراف أحاديا بالدولة الفلسطينية وأن الحل هو سياسي وتفاوضي مع إسرائيل. وبينما يسعى فريق الرئيس الأميركي دونالد ترمب لـ«صفقة القرن» تجد باريس نفسها على الهامش.
أما في ليبيا، فقد سعى ماكرون لإيجاد مخارج من حروب الميليشيات والعصابات في هذا البلد بالنظر لأهميته لاستقرار شمال أفريقيا وبلدان الساحل واحتواء الهجرات ومحاربة الإرهاب. ولذا بذل جهداً في الصيف الماضي مع رئيس «حكومة الوفاق» فائز السراج وقائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر، واعتبر أن الجمع بين «الشرعية السياسية (ممثلة بالسراج) والشرعية العسكرية (ممثلة بحفتر)» كفيل بإيجاد المخارج. وبالفعل، اجتمع الرجلان مرة أولى برعاية ماكرون ومرة ثانية برعاية دولية وبحضور المبعوث الدولي غسان سلامة، ولكن، في المرتين خرجا ببيانات وتعهدات لم يطبق منها شيء، ولا أحد يرى اليوم إلى أين يوجد المخرج من هذه الأزمة بالنظر لتعدد المصالح والتدخلات الخارجية.
كذلك، سعى ماكرون إلى التقارب مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، فدعاه إلى باريس واستقبله في قصر الإليزيه. ويعي ماكرون أنه بحاجة لتعاون إردوغان في ملفّي اللاجئين والإرهاب، وخاصة، المتطرفين الفرنسيين الساعين للعودة إلى فرنسا. ولكن عندما قرّر إردوغان اجتياح عفرين، بشمال سوريا، لم تنفع معه النصائح الفرنسية... الأمر الذي دفع باريس وواشنطن إلى إرسال وحدات عسكرية إلى مدينة منبج لردع أنقرة عن اجتياحها. ومثلما، لم تنجح نصائح ماكرون لإردوغان، كذلك أخفقت مع مسعود بارزاني الذي حثته باريس على صرف النظر عن الاستفتاء على الانفصال عن العراق، إذ صمّ بارزاني أذنيه مع أن باريس «صديقة» للأكراد منذ ثمانينات القرن الماضي، وهكذا، تبين أن «صرف» هذه الصداقة سياسيا صعب.
وحول سوريا، بالذات، لم يعط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيره الفرنسي شيئا. فقط اتفق معه على إيجاد «آلية تنسيق» بين «مجموعة أستانة» (روسيا وإيران وتركيا) وبين «المجموعة المصغّرة» (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والمملكة العربية السعودية والأردن) لإيجاد السبل لحل سياسي في سوريا. لكن هذه الآلية يصعب العثور على وجود أي دور لها، كما أن روسيا ما زالت اللاعب الأول والأكثر تأثيراً في المسار السوري، في حين لم تعثر فرنسا على دور حقيقي لها رغم مشاركتها في الضربات الصاروخية مع واشنطن ولندن ردا على استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي.
والجدير بالذكر، هنا أن ماكرون كان مهتماً ببناء علاقة قوية مع بوتين الذي دعاه إلى قصر فرساي التاريخي، ثم زاره في مدينة بطرسبرج عاصمة الإمبراطورية الروسية. وكان «أمل» ماكرون أن يلعب دور «الوسيط» بينه وبين ترمب، وأن يكون «محاوره» الأوروبي تطبيقا لمبدأ رئيسي في سياسته الخارجية أنه «يتعين الحديث إلى الجميع».

- أفكار كثيرة... تنتظر ثماراً
هكذا تبدو محصلة سياسة ماكرون الخارجية: كثير من الأفكار والتحركات لكن النتائج العملية والفعلية ما زالت قيد الانتظار. صحيح أن معه عادت فرنسا حاضرة على المسرح الدولي: في الشرق الأوسط وأفريقيا وفي علاقاتها مع الدول الكبرى. لكن الصرح الأوروبي ما زال هشاً و«الصديق الأميركي» لا يطبق من السياسات الخارجية إلا ما يفيده داخلياً، ونظيره الروسي مستمر في إعادة الاعتبار لموسكو عبر صواريخها وطائراتها في سوريا.
يعترف الفرنسيون بفضل رئيسهم على المستوى الخارجي. لكن داخليا، للأمور مظهر آخر. ويدل آخر استطلاع للرأي أن شعبية ماكرون تراجعت بحدة الشهر الماضي وهبطت إلى 34 في المائة بحيث خسر ست نقاط في شهر واحد. وقد يكون هذا الرقم نذيرا بأن الحراك الخارجي لا يمكن أن يكون بديلا عن سياسة داخلية عادلة تأخذ بعين الاعتبار مصالح الجميع، وتُسقِط عن ماكرون صفة «رئيس الأغنياء».

- ليّ أذرع مع دونالد ترمب
بعد أقل من شهر على انتخاب إيمانويل ماكرون، جاءت قمتا الحلف الأطلسي في بروكسل و«مجموعة الدول السبع» في صقلية (إيطاليا) لتوفر الفرصة للرئيس الفرنسي أن يلتقي سريعا جدا كبار زعماء العالم. وما لصق بأذهان الفرنسيين من لقائه الأول مع الرئيس دونالد ترمب هي المصافحة الرجولية المطولة بين الاثنين التي خرج منها ماكرون «رابحا» لأنه الأخير الذي سحب قبضته.
كثيرون رأوا فيها دلالات رمزية لوجود رئيس قوي لا ينمسح ولا ينسحب. ونجح ماكرون، في لقاءاته مع ترمب في بناء أولى وشائج علاقة يريدها حميمة وشخصية الأمر الذي ترسخ بدعوة «سيد» البيت الأبيض كضيف شرف إلى باريس يومي 13 و14 يوليو (تموز) بمناسبة العيد الوطني الفرنسي. وأعجب ترمب بالعرض العسكري على جادة الشانزلزيه، وأبلغ ماكرون أنه يريد مثله في واشنطن.
وفي الليلة السابقة، دعا إيمانويل وبريجبت ماكرون الزوجي الأميركي إلى عشاء في مطعم فاخر قائم داخل برج إيفل والغرض من كل التكريم التقريب بين إيمانويل ودونالد أملا بأن تلعب فرنسا دور «المؤثر» على خيارات ترمب السياسية. ورد ترمب التحية بأفضل منها فدعا الرئيس الفرنسي أبريل (نيسان) الماضي، إلى زيارة دولة كثرت فيها المصافحات والمجاملات أمام عدسات التلفزة. ولكن ما الحصيلة السياسية؟
قد يكون الجواب صادما ببساطته.
ماكرون لم يجن شيئا من التقارب مع واشنطن. وذهب الرئيس الفرنسي في أحد مؤتمراته الصحافية بعد اندلاع الأزمة مع إيران إلى القول إن ترمب «ينفذ سياسة خارجية نزولا عند دواع داخلية» أي عمليا لإرضاء قاعدته الانتخابية من المحافظين والمتشددين. وفلسفة ترمب السياسية التي يلخصها شعاره «أميركا أولاً» تتعارض جذريا مع فلسفة ماكرون الذي يريد إدارة جماعية متعددة الأطراف لشؤون العالم.
كثيرة خيبات ماكرون من صديقه دونالد: فالأخير نفذ تهديده وانسحب من اتفاقية المناخ التي جاهدت فرنسا للتوصل إليها نهاية العام 2015 لأن ترمب يعتبر أن ارتفاع حرارة الأرض مزحة سمجة، ولا دور للإنسان في ذلك.
وأتبع ترمب خروجه من اتفاقية المناخ بالانسحاب من اليونيسكو التي اختارت مديرة عامة لها الخريف الماضي الوزيرة الفرنسية السابقة أودري آزولاي. وبعدها كرت الخيبات الفرنسية: ترمب ضرب عرض الحائط تمنيات ماكرون ومعه غالبية القادة الأوروبيين بألا يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل وألا ينقل إليها سفارة بلاده. وهنا أيضا، سعى ترمب لإرضاء مجموعات الضغط اليهودية الموالية لإسرائيل والمسيحيين المحافظين وطيف من الشرائح الانتخابية التي تريد التماهي بين الولايات المتحدة وإسرائيل. وبعد ذلك، خلال مايو (أيار) الماضي، ورغم الرفض الفرنسي والأوروبي، أعلن ترمب تمزيق الاتفاقية النووية مع إيران. وأتبعت الإدارة الأميركية ذلك بالإعلان عن إعادة فرض عقوبات اقتصادية ومالية على طهران، وخصوصاً التهديد باتخاذ عقوبات بحق كل دولة أو شركة تتعامل مع طهران أو تستثمر فيها. وفي حين أعلنت الدول الأوروبية، وكذلك روسيا والصين، تمسكها بالاتفاقية، فإنها تسعى في الوقت نفسه لتشكيل جبهة مواجهة مع ترمب من أجل إقناع إيران بألا تخرج من الاتفاقية. وأخيرا، جاءت الصدمة الأميركية الكبرى لفرنسا وعنوانها «الحرب التجارية» التي أعلنها ترمب من خلال فرض رسوم على الألمنيوم والصلب الأوروبيين.



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.