تجدد أزمة النفايات في لبنان... وصفقات تغيّب الحلول

مطالب باللامركزية في معالجتها وتشجيع إعادة التدوير

ناشطون بيئيون في قارب من بقايا قناني بلاستيك أبحروا من ميناء جبيل في مايو لتشجيع إعادة التدوير (أ.ف.ب)
ناشطون بيئيون في قارب من بقايا قناني بلاستيك أبحروا من ميناء جبيل في مايو لتشجيع إعادة التدوير (أ.ف.ب)
TT

تجدد أزمة النفايات في لبنان... وصفقات تغيّب الحلول

ناشطون بيئيون في قارب من بقايا قناني بلاستيك أبحروا من ميناء جبيل في مايو لتشجيع إعادة التدوير (أ.ف.ب)
ناشطون بيئيون في قارب من بقايا قناني بلاستيك أبحروا من ميناء جبيل في مايو لتشجيع إعادة التدوير (أ.ف.ب)

تتفاعل أزمة النفايات في مكب صيدا (جنوب لبنان)، وتفتح الباب خلال الأشهر المقبلة على أزمات أخرى في باقي المناطق اللبنانية، بحيث لا يمكن تجنب مأساة بيئية لا سبيل لمعالجتها في ضوء سياسات تعتمد الترقيع في ملف النفايات الذي يشغل لبنان واللبنانيين منذ العام 2015، والذي أدى إلى «ثورة اجتماعية» بعد أن امتلأت شوارع بيروت وجبل لبنان بمكبات عشوائية امتدت إلى الأرياف لتشكل خطراً على البيئة والسكان.
وشارك في تلك المظاهرات حوالي 100 ألف مواطن اعتصموا قبالة السراي الحكومي واحتلوا وزارة البيئة وفرضوا على حكومة الرئيس تمام سلام البحث عن حل، فكانت المطامر المؤقتة في برج حمود (المتن الشمالي) والكوستا برافا (المتن الجنوبي) بعد إقفال مطمر الناعمة في (الشوف).
ولم يغير الحل المؤقت في واقع أزمة النفايات كثيراً، فبقيت الأزمة حاضرة في الإعلام المحلي بشكل شبه يومي، ووصلت إلى العالمية مع تقرير لـ(CNN) التي صورت، العام الماضي، نهر النفايات الهادر بفعل الأمطار الغزيرة.
والأزمة لا تقتصر على سوء إدارة الجهات الرسمية لها، بل تتجاوزها إلى سوء الاستهلاك لدى اللبنانيين الذي يؤدي إلى إنتاج كميات هائلة من النفايات.
ويقول الكاتب والأستاذ الجامعي في فلسفة البيئة والإعلام البيئي حبيب معلوف لـ«الشرق الأوسط»، إن «معدل إنتاج النفايات للشخص في لبنان يتجاوز الكيلوغرام. وهو أعلى من النسب العالمية التي تتراوح بين النصف كيلو والكيلو في الدول الغنية والفقيرة على حد سواء. والمعالجة الصحيحة للأزمة تبدأ من دراسة نظامنا الإنتاجي والاستهلاكي والتجاري». ويضيف: «علينا أن نبدأ بسلم الأولويات. والاقتراح الأول هو التخفيف من النفايات، وتحديداً أكياس النايلون المجانية في لبنان والمسيطرة على المحتوى إضافة إلى مغلفات الغذاء الرديء».
ومقابل بدء العد العكسي للكارثة المنتظرة بعد أشهر، لا تزال الدولة غائبة وصامتة، ففي وزارة البيئة فقط المجيب الآلي يعمل. والوزير طارق الخطيب لا يجيب على الاتصالات.
ويقول المهندس البيئي زياد أبو شاكر لـ«الشرق الأوسط»، إن «عجز الدولة عن إيجاد الحلول لأزمة النفايات بدأ مع انتهاء الحرب في لبنان عام 1990 حتى يومنا هذا. والسبب أن كل سياسي لديه نفوذ يستحوذ على الملف لدر الأموال».
لكن ما الذي يمنع من معالجة الأزمة مع در الأموال؟
يجيب أبو شاكر: «المسؤولون عن الملف يستعينون بمستشارين يفتقرون إلى العلم والخبرة. ويسعون إلى حلول سحرية وسريعة. وهي غير موجودة، سواء كانت المحارق أو البلازما أو التفكك الحراري، أو حتى المطامر، لأن الأراضي اللازمة لها لم تعد متوفرة في لبنان. وكل المناطق ترفض تحويل مساحات منها إلى مطامر لنفايات مناطق أخرى. لذا حل المطامر ليس عملياً».
من جهته، يعتبر معلوف أن «الحلول الحالية يتجاذبها صغار المستثمرين من خلال لا مركزية تجميع النفايات والمصانع الصغيرة للفرز وإعادة التدوير بما لا يتجاوز الـ200 ألف دولار، والكبار الذين يقترحون مشاريع محارق أو مطامر تبلغ تكاليفها ما يفوق الـ50 مليون دولار. أما الاستراتيجية القائمة على المصلحة العامة بغض النظر عن مصالح الصغار والكبار، فلا تزال غائبة أو مغيبة ويتم تجنبها لأنها غير مكلفة قياساً على التكاليف الحالية التي تدفعها الدولة».
عن الفرز يقول معلوف: «هو مطلب يصب في مصلحة صناعة إعادة التصنيع ويوفر المواد الأولية بأسعار زهيدة، كالورق والكرتون والألمنيوم والنحاس والزجاج وغيرها». ولا يوافق أبو شاكر على ما أثير في الفترة السابقة عن وجود نفايات سامة في مطمر برج حمود أو غيره. ويوضح: «هناك أحاديث فقط ولا شيء ملموس».
أما عن الحلول فيقول: «يجب أن تعلن الحكومة اللبنانية إجبارية اللامركزية في معالجة النفايات وعلى صعيد القضاء. وكل قضاء يجب أن يكون مسؤولاً عن نفاياته فيخصص لها مساحة أرض لا تقل عن عشرة آلاف متر مربع، وتلك مسؤولية البلديات الكبرى واتحادات البلديات في المدن والبلدات والقرى اللبنانية. بالتالي يجب منع نقل النفايات منعاً باتاً من منطقة إلى أخرى. وبعد ذلك من الأفضل أن يتولى القطاع الخاص مسؤولية معالجة النفايات فيستثمر فيها وفق الشروط البيئية السليمة، عوضا عن تكبد الدولة اللبنانية الأموال الطائلة التي تهدر من دون نتيجة لإنهاء هذه الأزمة».
ويشرح أبو شاكر أن أهم ما في مسألة المعالجة تبقى إدارتها. ويقول: «كلنا نعرف أن الدولة مشلولة. كما أن لبنان ليس بحاجة إلى محارق، لأن طبيعة نفاياته لا تتطلب الحرق. فالنفايات المنزلية إما عضوية أو قابلة للتدوير، وهي تشكل حوالي 70 في المائة من مجمل النفايات».
ويشدد معلوف على أن «المطلوب وضع استراتيجية تستفيد منها الخزينة. إلا أنه لا أحد يريدها، خطة الطوارئ الحالية ليست استراتيجية، يجب وضع خطة دائمة تترجم بقوانين وتحدد الأدوار لجهة المساواة بالتشريع والمساواة بالمعالجة وفق شروط بيئية سليمة وفعالة وشفافة، كذلك يجب وضع قوانين تلزم باسترداد النفايات الإلكترونية والأدوية والتي تشكل 99 في المائة من النفايات الخطرة. وتغريم المستورد الذي لا يلتزم بالقانون. وكذلك فرض غرامات على المصانع مقابل المعالجات العالية الكلفة للنفايات الصناعية، ما يرغمها على اتباع سياسة أقل ضررا لجهة نفاياتها. وذلك عوضاً عن الاستسلام لمستثمرين كل كفاءتهم هي إقناع السلطة السياسية بمشاريعهم من خلال العمولات. ومن يدفع أكثر يحصل على التلزيم، فتصبح المعالجة أسيرة الصفقات والاستغلال والتوازن الطائفي، بينما المطلوب معالجة الفساد، حينها تصبح كل الأزمات سهلة الحل».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.