انتخابات ليبيا... خطوة للأمام وعشرات للخلف

رغم مرور أسابيع على لقاء باريس «التاريخي» لم يتحقق أي من النقاط المتفق عليها

ليبي يدلي بصوته في الانتخابات البرلمانية التي عرفتها البلاد في صيف 2014  (غيتي)
ليبي يدلي بصوته في الانتخابات البرلمانية التي عرفتها البلاد في صيف 2014 (غيتي)
TT

انتخابات ليبيا... خطوة للأمام وعشرات للخلف

ليبي يدلي بصوته في الانتخابات البرلمانية التي عرفتها البلاد في صيف 2014  (غيتي)
ليبي يدلي بصوته في الانتخابات البرلمانية التي عرفتها البلاد في صيف 2014 (غيتي)

أفقدت الانقسامات الليبية التي جددتها السيطرة على منابع النفط، كثيرا من الليبيين «الأمل» في إجراء انتخابات نيابية ورئاسية في البلاد بحلول العاشر من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وفقاً لما اتفق عليه الأفرقاء السياسيون في العاصمة الفرنسية باريس. غير أن غسان سلامة، المبعوث الأممي لدى ليبيا، لا يزال يتمسك بذات الموعد، ويرى أنه «دعوة المجتمع الدولي لتعزيز الشرعية، التي توافق عليها أربعة من قادة البلاد».
وفي اللقاء الذي وصفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نهاية مايو (أيار) الماضي، بأنه «خطوة أساسية باتجاه المصالحة»، اتفقت الأطراف المتناحرة في البلاد على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في الموعد ذاته، مع وضع الأسس الدستورية لها، وسن القوانين المرتبطة بها حتى منتصف سبتمبر (أيلول) المقبل. لكن بعد مرور عدة أسابيع على اللقاء، الذي وصفه البعض بأنه «تاريخي»، لم تتحقق أي نقاط من المتفق عليها، باستثناء خطوة وئيدة قطعها مجلس النواب في طبرق لمناقشة قانون الاستفتاء على الدستور، لكنها لم تخل من انقسام حول بعض مواده.
وأمام تصاعد الخلاف بين سلطتي شرق البلاد، ممثلة في قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر، وغربه ممثلة في رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج، تأكد للكثيرين من الساسة والمواطنين أن الذهاب إلى صناديق الاقتراع في مثل هذه الظروف المتوترة يعد في «حكم المستحيل».
فقد أبرز ضو المنصوري، عضو الهيئة التأسيسية لمشروع الدستور، أن قرار حفتر إسناد المنشآت النفطية الواقعة تحت سيطرة الجيش إلى مؤسسة نفطية ترتبط بالحكومة الموازية في شرق البلاد «سيربك المشهد السياسي». وقال في حديث إلى «الشرق الأوسط» إن «هذا القرار وبغض النظر عن مآلاته إذا كان قابلاً للتنفيذ أم لا، سينفخ في جمر الخلافات، ويشكل خطراً على وحدة ليبيا، ومن ثم سيعرقل أي تقدم على مستوى المصالحة، أو حتى التقارب بين جميع الأطراف».
وفي يونيو (حزيران) الجاري صدم حفتر «شركاء باريس» بقرار يقضي بتفويض شركة نفط في شرق البلاد بإدارة المنشآت النفطية الواقعة تحت سيطرة قائد الجيش، مما زاد من حدة الخلافات، وهو القرار الذي دافع عنه نواب برقة ورأوا أنه «سيصب في استقرار البلاد». لكن عضو مجلس النواب الدكتور محمد العباني ألقى باللائمة على من سماهم بـ«هيئات اغتصاب السلطة»، ورأى أنها تتمثل في «البرلمان، والمجلس الرئاسي، وحكومته، والمجلس الأعلى للدولة... وهي لن تسمح بإجراء انتخابات دائمة، وستستمر في عرقلتها بشتى الحجج والذرائع»، حسب تعبيره.
ومضى العباني يقول: «لقد انقضى نصف عام 2018 ولا انتخابات تلوح في الأفق، في ظل استمرار مؤسسات الحكم القائمة، والمستندة على سلطة الأمر الواقع، وفي ظل وجود فساد مالي وإداري».
وفضلاً عن قرار حفتر الذي عمق الخلاف، توجد تحديات إضافية على طريق إجراء انتخابات، أجملها المجلس الوطني للعلاقات الأميركية - الليبية في أربع نقاط خلافية.
فقد قال الرئيس المؤسس للمجلس هاني شنيب، عبر صفحته على «فيسبوك» إن المجلس عقد اجتماعاً في غرفة للكونغرس الأميركي بوجود خبراء أميركيين وأوروبيين لمناقشة مدى عملية الموعد المحدد للانتخابات الليبية، المقرر في العاشر من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، والتحديات التي تواجهه، ومنها «التحدي الدستوري»، لافتاً إلى أنه «لا يوجد حتى الآن إجماع وطني على ماهية شكل الدولة، وترتيب نظامها التنفيذي والتشريعي، وبالتالي وجب تحديدها دستوريا قبل الانتخابات لتفادي فوضى المسؤولية».
وتابع شنيب موضحا «في غياب اتفاق شعبي على مسودة الدستور المقترح، ومع استمرار تعطيل تفعيل دستور 1963 ستغيب الشرعية عن أي كيان ينتخب، مما سيزيد الانقسام».
أما التحدي الثاني فيتمثل، وفقا لشنيب، في «قانون الانتخابات»، إذ يرى أنه لا يوجد حتى الآن قانون يحدد الانتخابات وشروطها ونظامها، وقال بهذا الخصوص إن «الأوضاع مختلفة عما سبق في انتخابات 2012 و2014. فشروط الترشيح والانتخاب، وتوزيع عدد الأعضاء من الأحزاب والأقليات والأحرار غير محدد. ثم هناك المواعيد المحددة للتسجيل والاعتراض، وغيرها من القضايا التي ستصدم بواقع موعد ديسمبر (كانون الأول) المحدد».
وتطرق المجلس الوطني للعلاقات الأميركية - الليبية في مناقشاته إلى «مسألة الأمن»، وذهب إلى أن ليبيا الآن «مقسمة ومحكومة من مجموعات انشطرت من ميليشيات في غرب البلاد، منها من لها ميول متعاطف مع التيار السياسي الإسلامي، والذي يعارضه شطر كبير من الشعب الليبي كما في الانتخابات السابقة، ومنها ميليشيات أخرى تتعاطى تجارة جرمها القانون، من تهريب المهاجرين إلى المخدرات والأسلحة والنفط، أما الشرق الليبي وبعض الجنوب من ناحية أخرى فيحكمه الجيش الليبي، المكون من فئات تختلف آيديولوجيا، من سلفيين ودعاة الفيدرالية، وبعض الليبراليين بقيادة المارشال حفتر، الذي لا يخفي رغبته في رئاسة الدولة الليبية».
وانتهى المجلس الوطني للحديث عن الأمور «اللوجيستية وموارد دعم الانتخابات»، وقال إنه «لا يبدو أن الهيئة العليا للانتخابات في ليبيا تملك التجهيزات والقدرة على تنفيذ الانتخابات في الوقت المحدد».
أما فيما يتعلق بمناقشة مجلس النواب لمشروع الاستفتاء على الدستور، فقد تحفظ المنصوري في حديثه إلى «الشرق الأوسط» على تقسيم ليبيا إلى ثلاث دوائر انتخابية، وقال بهذا الخصوص «لا نقبل بهذا التقسيم لأنه يخالف الإعلان الدستوري، وسيطعن عليه بعدم الدستورية، ودول العالم تتبع نظام الدائرة الواحدة».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.