بروكسل نموذجاً لثنائية التهميش والتطرف

حركة «الشريعة من أجل بلجيكا» من بين أخطر الجماعات المتشددة في البلاد

امرأة مع طفلها تتسول في أحد أحياء بروكسل المهمشة (غيتي)
امرأة مع طفلها تتسول في أحد أحياء بروكسل المهمشة (غيتي)
TT

بروكسل نموذجاً لثنائية التهميش والتطرف

امرأة مع طفلها تتسول في أحد أحياء بروكسل المهمشة (غيتي)
امرأة مع طفلها تتسول في أحد أحياء بروكسل المهمشة (غيتي)

متى كانت بداية ظهور التيار الأصولي المتشدد في بلجيكا؟ وأي من الجماعات أو الأفراد الذين كان لهم دور بارز في نشر الفكر الراديكالي في البلاد؟ قد تختلف الإجابة في تحديد البدايات، فهناك من يرجع الأمر إلى التسعينات من القرن الماضي على يد شيخ سوري يدعى بسام العياشي كان له مركز إسلامي في بلدية حي مولنبيك بالعاصمة البلجيكية بروكسل، والبعض الآخر يشير إلى الدور الكبير الذي لعبه خالد زرقاني، الذي نجح في تجنيد عدد كبير من الأشخاص - وبخاصة من سكان مولنبيك - الذين تأثروا بالفكر المتشدد ونجحوا في إقناع أعداد أخرى بالسفر إلى سوريا والعراق للقتال في صفوف «داعش». وهناك رأي ثالث يحمّل «جماعة الشريعة» في بلجيكا التي كان يترأسها فؤاد بلقاسم المسؤولية، وتجنيد عدد غير قليل من الشباب للسفر إلى مناطق الصراعات، ومنهم عدد من شباب مولنبيك ببروكسل ومناطق أخرى من بلجيكا. لكن رغم الاختلاف في تحديد البدايات والمسؤولية... فإن القاسم المشترك في كل ما سبق هو بلدية مولنبيك.
يعزو عدد كبير من الباحثين الأوروبيين في شؤون الجماعات المتشددة، التي ترفع ألوية الإسلام، جذور الراديكالية في حي مولنبيك إلى عقد التسعينات من القرن الماضي عندما أسس بسام العياشي، وهو مهاجر سوري، ما يسمى «المركز الإسلامي البلجيكي». ويشتمل هذا المركز على مسجد عشوائي صار بؤرة لنشر الفكر الراديكالي. ويقول يوهان ليمان، وهو عالم أنثربولوجيا ومن الناشطين الاجتماعيين في حي مولنبيك، إنه «دق ناقوس الخطر حول أنشطة المركز، لكنه لم يتلق استجابة تذكر من السلطات المختصة». وتابع ليمان: إن «هذا الوضع استمر حتى بعدما أصبح معروفاً أن العياشي حضر رسمياً حفل زفاف أحد حركيي (القاعدة) من الذين كانوا ضالعين في هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، إلى جانب ضلوعه في جريمة اغتيال القائد الأفغاني أحمد شاه مسعود، الذي كان يعارض أسامة بن لادن وعملياته في أفغانستان».
في البداية، كانت بلجيكا «حاضنة» للتيار الراديكالي أكثر مما كانت هدفاً له. وبرأي المحلل البريطاني جون ليشفيلد، فإن «الهجوم الذي حصل في مايو (أيار) 2014 على متحف يهودي في بروكسل، حيث قتل أربعة أشخاص، كان هجوماً معادياً للسامية، وليس عملية موجهة ضد بلجيكا بخلاف الهجمات اللاحقة التي حصلت في وقت لاحق». لكن، وفقاً لتقارير إعلامية، تبدو بلجيكا اليوم مركزاً للتطرف والعنف الإسلاميين. وثمة أسباب وعوامل تقف وراء تمركز النشاط الراديكالي، في هذه الدولة الأوروبية الصغيرة، من بينها وجود أقلية مسلمة فقيرة، وارتفاع نسبة البطالة بين الشباب وسط هذه الأقلية، وسهولة الحصول على الأسلحة، وتطوّر وسائل الاتصال والتنقل عبر البلد، بالإضافة إلى نقص الموارد البشرية في الأجهزة الأمنية، وقلة الاستقرار السياسي الداخلي. وترى صحيفة «الغارديان» البريطانية أن بلجيكا، مثلها مثل سائر الدول، شهدت انتشاراً واسعاً لآيديولوجية العنف عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهي إذا لم تكن تشجع مباشرة على ممارسة العنف، فإنها ساهمت على أي حال، في نشر مشاعر الكراهية والتعصب والنظرة المتشددة والمحافظة إلى الغير».
وتتابع السلطات البلجيكية، راهناً، بقلق تزايد أعداد المسلمين الذين يعيشون في «غيتوهات» (معازل) تتفشى فيها آفات الفقر والبطالة والجريمة وتجارة المخدرات. وللعلم، تبلغ نسبة البطالة في حي مولنبيك – على سبيل المثال – أكثر من 40 في المائة. وذكرت مجلة «فورين افيرز»، أن عدد المقاتلين الراديكاليين الآتين من بلجيكا يصل إلى 600، عاد منهم من مناطق القتال والتوتر أكثر من 120 مقاتلاً. وذكر مكتب التحقيقات الفيدرالي البلجيكي، أنه فتح خلال العام الماضي 313 ملفاً يتعلق بالإرهاب في مقابل 195 في العام الذي سبقه.
وفي تقرير لها حذّرت أجهزة الأمن البلجيكية أخيراً، من أن «التيار الأصولي المتشدد يُعدّ في مقدمة التيارات المتطرفة التي تشكل تهديداً للأمن في المرحلة المقبلة». ورصد التقرير «ارتفاع منسوب نشاطات التيارات الراديكالية القتالية التي تسعى لعزل المسلمين ومنعهم من الاندماج في المجتمع». وأشار إلى «أن هذه الجماعات لا تعترف بالنظام الديمقراطي والمؤسسات المنبثقة التي تدير الدولة والمجتمع».
حركة «الشريعة من أجل بلجيكا» تعد حقاً من أخطر الجماعات المتشددة في البلاد. وأسس هذا التنظيم في الثالث من مارس (آذار) عام 2010 على غرار نموذج تنظيم «الإسلام من أجل بريطانيا». وينتمي معظم مؤسسي التنظيم إلى الجيلين الثاني والثالث من المهاجرين العرب والمسلمين الذي جرى تجنيدهم في السجون، ومن خلال حملات دعوية في الشوارع والحدائق العامة. وكما سبقت الإشارة، فإن فؤاد بلقاسم، الملقب بـ«أبو عمران»، يعتبر العنصر الرئيس والفعال في التنظيم. وبلقاسم من أصول مغربية، وهو معروف بسوابقه القضائية قبل أن يتحوّل إلى التطرف. ولقد اكتسب شهرة واسعة في أوساط الشباب المهاجرين من شمال أفريقيا في مدن كثيرة منها انتويرب (أنفرس) وفيلفورد وبروكسل.
من جهة ثانية، أسست الجماعات الراديكالية قواعد لها في بلجيكا بأشكال متعددة بعيداً عن أنظار أجهزة الأمن، ولاحظ تقرير للاستخبارات البلجيكية، أن «تنامي التيارات الراديكالية ارتبط بشكل خاص بأئمة المساجد والدعاة». وأوردت صحيفة «لالبري بلغيا»، نقلاً عن مصدر أمني موثوق «أن ثلاثين من المساجد الموجودة في بلجيكا تخضع لنفوذ الراديكاليين... وأن أكثر من 70 مسجداً في بروكسل و320 مسجداً في عموم البلاد لا تخضع لعمليات المراقبة أو التفتيش أو الفحص الأمنية». كذاك، ذكرت صحيفة «ليكو» البلجيكية، أن «التشدد الديني في أوروبا يعبّر عن آيديولوجية تستغل الثغرات في الديمقراطية الغربية، كما أنها آيديولوجية لها حلفاء بالأهداف نفسها من اليمين المتطرف والراديكالية القتالية التي لا ترى في التطرف الديني سوى أنه نتيجة للتهميش الاجتماعي».
هذا، وعلى الرغم من توقف سفر الشباب إلى مناطق الصراعات انطلاقاً من بلدية مولنبيك في بروكسل، التي اشتهرت في الإعلام الغربي عقب تفجيرات باريس وبروكسل بأنها بؤرة التطرف في أوروبا، فإن السلطات المحلية تلجأ إلى كل الوسائل، ومنها الأنشطة الثقافية والاجتماعية لمحو هذه الصورة. ومن جانب آخر، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» قالت سارة تورين، مسؤولة ملف التماسك الاجتماعي وقضايا الشباب في بلدية مولنبيك، «الوضع هادئ الآن، وتوقف سفر الشباب إلى سوريا وغيرها... لكن يجب أن نظل على حذر لأنه ما زالت هناك حالة غضب في أوساط الشباب بسبب المشكلات التي يعانون منها وتحتاج إلى حلول. علينا أن نعمل على مشروعات تعيد للشباب الثقة بأنفسهم وفي المجتمع».
جدير بالذكر، أنه يعيش في حي مولنبيك غالبية سكانية من جنسيات عربية وإسلامية، وبخاصة من المغرب وتركيا وجنسيات أفريقية. وكان الجيل الأول منهم قد هاجر إلى بلجيكا في أواخر خمسينات القرن الماضي عمالاً لإعادة إصلاح ما دمرته الحرب العالمية الثانية. ومن ثم، نشأت هناك أجيال متعاقبة من المهاجرين يحتل البعض منهم مناصب مرموقة في مجالات مختلفة.
ويعيش ما يقرب من مليون شخص منهم في أنحاء بلجيكا، وبخاصة في بروكسل العاصمة من بين ما يزيد على 11 مليوناً هم إجمالي سكان البلاد. وكان حي مولنبيك قد تعرض لسمعة عالمية سلبية بعدما وصفته تقارير إعلامية أوروبية بأنه صار «بؤرة للتطرف»، والسبب أن منه خرج عدد من الشبان الذين تورطوا في عمليات إرهابية ضربت مدناً أوروبية عدة، ومنها باريس وبروكسل وغيرهما،. وبين هؤلاء صلاح عبد السلام، الناجي الوحيد من منفذي تفجيرات العاصمة الفرنسية باريس في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، التي أودت بحياة أكثر من 130 شخصاً. ولقد أدين بملف له صلة بإطلاق الرصاص على عناصر الشرطة البلجيكية في مارس 2016، وبعدها بأيام قليلة وقعت تفجيرات بروكسل التي أودت بحياة 32 شخصاً وإصابة 300 آخرين، وشملت مطاراً ومحطة للقطارات الداخلية بالقرب من مقار مؤسسات الاتحاد الأوروبي في بروكسل.



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».