إعلام «داعش» يتهاوى وسط محاولات الإنقاذ

يبحث عن «مناصرين» رغم رداءة الفيديوهات وسقطات الترجمة

إعلام «داعش» يتهاوى وسط محاولات الإنقاذ
TT

إعلام «داعش» يتهاوى وسط محاولات الإنقاذ

إعلام «داعش» يتهاوى وسط محاولات الإنقاذ

قال باحثون مصريون، إن آلية تنظيم داعش الإعلامية باتت تتهاوى؛ بسبب هزائم التنظيم في سوريا والعراق طوال الأشهر الماضية، وإن هذا التهاوي ظهر في انخفاض المحتوى الذي يبثه التنظيم، ورداءة الفيديوهات والصور؛ لكن هناك محاولات إنقاذ من «داعش» لعودة منصاته الإعلامية لسابق عهدها وقت ظهور التنظيم في عام 2014.
وكشفت دراسة مطولة أعدها مرصد الأزهر لمكافحة التطرف في العاصمة المصرية القاهرة، عن أنه مع مطلع العام الحالي بدأ تنظيم داعش المتطرف في إعادة بناء صفوف منظومته الإعلامية، وبالفعل ظهرت علامات انتعاشة طفيفة فيها؛ فأعاد بناء معظم مواقعه الإلكترونية، ومؤسساته الدعائية، وبخاصة في أفغانستان وباكستان، وشرع في إصدار منتجات أكثر تحديثاً وأفضل جودة؛ لكن لا يعني هذا الانتعاش عودة وسائل الإعلام الداعشية إلى قوتها السابقة التي كانت في 2014 و2015. كذلك كشفت أيضاً، عن أن المستهدف الأول لـ«آلة داعش الإعلامية» هم الشباب، في محاولة لاستقطابهم للصفوف القتالية، أما المستهدف الثاني فهم عامة الجمهور ممن يهدف التنظيم إلى إثارة شعور واسع النطاق بالخوف وانعدام الأمن لديهم.
الدكتور محمد عبد الفضيل، المشرف على مرصد الأزهر، قال لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه، إن «داعش» يبذل جهوداً من أجل استعادة نفوذه ونشاطه مرة أخرى على الساحة الإعلامية، وإن كان ذلك عبر إمكانات متواضعة، بالمقارنة بفترة «الوهج الإعلامي» الذي صاحب ظهور وصعود التنظيم بداية من 2014.

رسالة البغدادي
أصداء كلمات زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي حول أهمية سلاح الإعلام ما زالت تؤتي ثمارها بين عناصر التنظيم، الذي لعب منذ بداية ظهوره حتى يومنا هذا على ورقة الإعلام، واتخذه طريقاً لتحقيق مآربه غير المشروعة. ووفق الباحثين في مرصد الأزهر، فإن «بداية العمل البحثي في الدراسة كان منصبّاً على ضرورة معرفة العلاقة بين (داعش) والإعلام، ومدى تأثير الأخير في إقناع المقاتلين بالانضمام إلى التنظيم الدموي... ونقصد بالإعلام، تلك الترسانة الإعلامية الضخمة والمُنظمة التي فوجئ العالم بأن الدواعش يمتلكونها. لأن (داعش) لم يشبه منذ ظهوره نظراءه من التنظيمات الإرهابية التي سبقته؛ بل أخذ منحى آخر بداية من طرق القتل المتوحشة والاغتصاب والانتهاكات غير الآدمية، وصولاً إلى تفرده بترسانة إعلامية ضخمة ومنظمة نجحت في استقطاب المقاتلين من الشرق والغرب على السواء؛ ما جعل هذا التنظيم الإرهابي الأول، على مدار التاريخ، الذي اتخذ من التسويق سلاحه الأقوى، ومن الأعلام السوداء والسجناء ذوي الرداء البرتقالي علامة تجارية معروفة تظهر في المقاطع المصورة التي ينتجها التنظيم».

ترنح المنصات
ولفتت الدراسة أيضاً إلى أن «داعش» منذ ظهوره اعتمد على إنتاج مقاطع فيديو عالية الجودة ومواكبة لأحدث التقنيات الإعلامية العالمية، إضافة إلى طباعته عدداً من المجلات، ونجاحه في اختراق مواقع التواصل الاجتماعي واتخاذها نافذة للوصول إلى أكبر عدد ممكن من مستخدمي هذه المواقع. إلا أن الشبكة الإعلامية «الداعشية» ترنحت الآن، وطرأ على المحتوى الذي تنشره عدد من المتغيرات، منها انخفاض كبير في حجم المحتوى المنشور، ورداءة جودة الفيديوهات والصور، وغلبة النغمة الدفاعية على الإصدارات الأخيرة، وتأخر التنظيم في إصدار البيانات التي يتبنى فيها مسؤوليته عن الهجمات التي يُنفذها، والمبالغة في الأسلوب، فضلاً عن سقطات الترجمة من العربية للغات الأجنبية.
من جهته، قال عبد الفضيل، رغم تهاوي إعلام «داعش» فالتنظيم مستمر في توجيه دعوات الانضمام إليه، حتى لو جاء هذا الانضمام في صورة «مناصرين» على المواقع الإلكترونية، أو قيام أحد هؤلاء «المناصرين» بعملية إرهابية في دولته، وليس الهجرة لـ«داعش». لافتاً إلى أن الحملات العسكرية المكثفة التي شنّها التحالف الدولي ضد التنظيم أدت إلى انخفاض تواجده الإعلامي، ومقتل قياداته الإعلامية. وذكرت تقارير دولية، أن القضاء على شخصيات إعلامية لـ«داعش» كان ضربة قاسمة لترسانته الإعلامية، وفشل التنظيم حتى الآن في العثور على شخصيات يمكن أن تحل محل تلك القيادات.

إعلاميو التنظيم
عددت الدراسة أبرز قادة الإعلام في «داعش»، يتقدمهم أبو محمد العدناني، المتحدث الرسمي للتنظيم، الذي أسند إليه مسؤولية الإشراف على العمليات الأهم التي نفذها التنظيم خارج مناطق وجوده في العراق وسوريا، ولا سيما هجمات تركيا وأوروبا. وقتل العدناني في أغسطس (آب) 2016 جراء هجمة جوية شنتها قوات التحالف الدولي بإحدى المعارك في حلب.
وهناك وائل عادل حسن، المعروف بـ«أبو محمد الفرقان»، وشغل منصب وزير الإعلام بالتنظيم بعد مقتل العدناني، وأسندت إليه مسؤولية إخراج المواد الدعائية، مثل عمليات الإعدام التي كان ينفذها التنظيم في حق ضحاياه، وقتل في سبتمبر (أيلول) 2016 في غارة جوية قرب مدينة الرقة. وكذلك أحمد أبو سمرة، ويعرف باسم «أبو سليمان الشامي»، وكان مسؤولاً عن الأفلام الوثائقية وإخراج الفيديوهات، وعن نشاط «داعش» على مواقع التواصل الاجتماعي، وقتل في يناير (كانون الثاني) 2017.
وقال الدكتور كمال بريقع، المشرف على وحدة رصد اللغة الإنجليزية في مرصد الأزهر، لـ«الشرق الأوسط»، إن «المكافحة الإلكترونية التي شنتها إدارات مواقع (فيسبوك) و(تويتر) و(يوتيوب) قلصت آلية الدواعش الإعلامية، فقد عمل التنظيم منذ ظهوره على توظيف مواقع التواصل الاجتماعي لدعم انتشاره إعلامياً، من خلال نشر مقاطع الفيديو الخاصة به على حسابات أعضائه ومؤيديه، غير أن فقدان التنظيم قدرته على إنتاج مواد إعلامية جديدة خلال الفترة الماضية، ساهم في تراجع تداول مواد التنظيم الإعلامية على هذه المواقع».
وعلق «تويتر» 125 ألف حساب أغلبها تابع لـ«داعش» مطلع 2016، وبعد 6 أشهر علق 235 ألف حساب آخر... وأعلن «يوتيوب» استخدام تقنية «إعادة التوجيه» بحيث تقوم على توجيه أي شخص يبحث عن مقاطع فيديو ذات محتوى متطرف إلى مقاطع الفيديو التي تواجه المتطرفين ولديها رسالة مضادة.
وأضاف بريقع، إن «الشخصيات الإعلامية الداعشية التي نجت من القتال اضطرت إلى الفرار والتخفي بتغيير أماكن تواجدها، واللجوء إلى الاختباء في أماكن منعزلة تنعدم فيها وسائل الاتصال، وهو أمر يختلف عما كانوا يتمتعون به سابقاً». وبحسب تقارير دولية، فإن تنظيم داعش الإرهابي أنتج في سبتمبر 2017 ثلث ما أنتجه في أغسطس 2015.
ويرى مراقبون أن «بعض وسائل التواصل الاجتماعي تحولت إلى آليات استغلتها التنظيمات الإرهابية من أجل التواصل مع (الإرهابيين) والمتعاطفين، بشكل ساعد التنظيمات على استقطاب عدد كبير منهم، وتعويض خسائرها البشرية التي فرضها تعدد المواجهات التي انخرطت فيها داخل المناطق التي سيطرت عليها».

منصات «الدواعش»
أيضاً، تحدثت الدراسة عن منصات «داعش» الآن، وتمثلت في موقع «أخبار المسلمين، ووكالة أعماق الإخبارية، ومؤسسة الحياة للإنتاج، وجريدة النبأ الأسبوعية»، إضافة إلى مكاتب إعلامية محلية في سوريا والعراق وباقي الدول، تقوم بتوزيع مواد معظمها من وكالة «أعماق» وموقع «أخبار المسلمين».
و«أعماق» تُعد الوكالة المركزية للتنظيم، وتمتلك موقعاً على الشبكة الإلكترونية اختفى فترة، ثم عاد إلى الظهور خلال 2015 و2016، وشهدت منذ ديسمبر (كانون الأول) 2017 وحتى فبراير (شباط) من العام الحالي تحسناً ملحوظاً، ظهر من خلال زيادة حجم إعلاناتها؛ لكنها تواجه الآن صعوبات في نشر موادها على «فيسبوك» و«تويتر». أما «مؤتة» فهي وكالة أنباء غير رسمية، ولا تزال نشطة حتى وقتنا الراهن. فضلاً عن «شبكة أخبار الولايات» وأسست في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) 2017، وتنشر بيانات «داعش» باللغة الإنجليزية، التي يُعلن فيها التنظيم مسؤوليته عن الهجمات التي ينفذها، وليس لهذه الشبكة موقع معين، وتقوم بالنشر من خلال تطبيق «التليغرام» فقط، ومن خلالها يتم النشر في مختلف وسائل الإعلام العالمية.
وكذا مؤسسة «القرار»، وهي وكالة أنباء محلية بدأت نشاطها في يونيو (حزيران) 2017... بالإضافة إلى مؤسسات إنتاج وتوزيع المواد الإعلامية، مثل: «الفرقان، والحياة، والأجناد، ورماح». ومواقع إلكترونية مثل «الصوارم». ومجلات إلكترونية مثل «الأنفال». ومحطات راديو مثل «البيان». ومنصات أخرى ليست نشطة حالياً مثل موقع «الحق»، ومجلات شهرية مثل «رومية» و«دابق». وشبكة «الاعتصام» للإعلام. وموقع «الأنصار» الإلكتروني.

استراتيجية المُكافحة
خلصت الدراسة المصرية، بحسب عبد الفضيل، إلى أن «داعش» سينحسر على الأرض قليلاً ليدشن نفسه إعلامياً ويعود للظهور في بؤر أخرى غير التي هُزم فيها... وأنه لا بد من التوقف قليلاً عن الجزم بزوال الخطر الداعشي. إذ إن هناك دلائل تشير إلى وجود المزيد من الأعمال الإجرامية في جعبة هذا التنظيم، ومن ثم فإن التريث وعدم القطع بزواله، وتعزيز التعاون بين الأجهزة الأمنية على مستوى العالم، أمر ضروري من أجل عدم السماح للتنظيم بمفاجأة العالم بظهوره مرة أخرى في صورة جديدة.



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».