الولايات المتحدة تدرس القبول بإسلاميين في القيادة العسكرية للمعارضة

الولايات المتحدة تدرس القبول بإسلاميين في القيادة العسكرية للمعارضة
TT

الولايات المتحدة تدرس القبول بإسلاميين في القيادة العسكرية للمعارضة

الولايات المتحدة تدرس القبول بإسلاميين في القيادة العسكرية للمعارضة

برز توتر ينذر باندلاع صراع بين الجبهة والدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). وسط «الانقسامات الكثيرة بين الكتائب المسلحة»، التي تفجرت أخيرا بسيطرة مقاتلي «الجبهة الإسلامية في سوريا» على مستودعات هيئة الأركان في الجيش السوري الحر.
وقال ناشطون لـ«الشرق الأوسط» إن «الجبهة الإسلامية» أمهلت تنظيم داعش حتى ظهر أمس الجمعة للإفراج عن جميع الأسرى المحتجزين لديه، ومن بينهم القائدان العام والعسكري لحركة أحرار الشام في مدينة مسكنة بريف حلب، مشيرة إلى أنه في حال الإبقاء على الأسرى والمقرات تحت سيطرة «داعش» بعد انتهاء المهلة «فسيكون ذلك دليلا على عدم الرغبة في الصلح ورفض المبادرة».
وتأتي هذه المبادرة من ضمن مبادرة أكبر، وقعها رئيس الهيئة السياسية للجبهة الإسلامية وقائد حركة أحرار الشام حسان عبود، ونشرها موقع «أخبار الآن» السوري المعارض، تقضي بإيقاف القتال مع سحب القوات العسكرية من مواقع الصدام من الطرفين، والإفراج عن الأسرى من الطرفين، وتسليم المقرات والأموال والأسلحة المغتصبة إلى أصحابها من الطرفين، والتنفيذ الفوري والإعلان عنه للبنود الثلاثة الأولى من الطرفين، والتزام القادة من الطرفين بإيجاد آلية واضحة وسريعة للتواصل بينهما عند الحاجة.
وأعلن بيان الجبهة الإسلامية أن أسرى «داعش» أطلق سراحهم بالكامل، كما حدد يوم الأحد آخر موعد للاتفاق على محكمة مستقلة في حال تم تنفيذ بنود الاتفاق من قبل «داعش».
من جانب آخر، أشار وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل إلى أن تعليق واشنطن للمساعدات غير الفتاكة للمعارضة السورية يرجع إلى سيطرة الإسلاميين المتطرفين على مخازن الأسلحة في شمال سوريا، مما يشكل عائقا أمام فرص التوصل لحل سياسي في سوريا. وقال هيغل في مؤتمر صحافي في سنغافورة «هناك فعلا عناصر خطيرة في صفوف المعارضة، وهذا ما يعقد تقديمنا الدعم لهم، ولذا قررنا وقف أي مساعدات إضافية خاصة في ما يتعلق بالأسلحة غير الفتاكة حتى نتمكن من التوصل إلى تقييم واضح بشأن ما حدث لمستودعات الأسلحة». وأضاف «إننا تقوم الآن بتقييم الأوضاع وتقييم ما حدث حتى الآن وأين نحن منه»، موضحا أنه يجب مواصلة العمل مع المعارضة المعتدلة ودفع الجهود لعقد مؤتمر جنيف في يناير (كانون الثاني) المقبل.
وفي الإطار نفسه، نقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن مسؤول أميركي كبير أن الولايات المتحدة مستعدة لدعم تحالف موسع للمعارضة السورية، والذي من الممكن أن يضم إسلاميين بشرط ألا يكونوا متحالفين مع «القاعدة»، وأن يوافقوا على دعم محادثات السلام القادمة المقرر عقدها في جنيف. وأضاف المسؤول أن الأميركيين يرغبون في أن تقوم المجموعات المنضوية تحت لواء الجبهة الإسلامية بإعادة المركبات الأميركية وأجهزة الاتصالات والمعدات غير القتالية الأخرى التي استولوا عليها نهاية الأسبوع الماضي من مخازن السلاح على الحدود السورية - التركية.
وقد دفع الاستيلاء على تلك المعدات، التي جرى توفيرها للمجلس العسكري الأعلى لمقاتلي المعارضة السورية الذي تدعمه الولايات المتحدة، الإدارة الأميركية إلى تعليق شحنات مساعدات كان من المفترض تسليمها هذا الأسبوع عبر تركيا. وقد خسر المجلس الأعلى العسكري، الذي ينضوي تحت لوائه الجيش السوري الحر وهو التنظيم العسكري الوحيد في سوريا الذي تدعمه الولايات المتحدة، الكثير من قوته وتأثيره لصالح المجموعات الإسلامية المناوئة للأسد. ومن بين تلك المجموعات الإسلامية يأتي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، الذي يتبع تنظيم القاعدة، وجبهة النصرة، وقد وضعت واشنطن كلا من التنظيمين على قائمة الجماعات الإرهابية.
ولا تنتمي الجبهة الإسلامية، التي تزداد قوة يوما بعد يوم وتضم الكثير من السلفيين الذين يسعون لإقامة دولة إسلامية في سوريا، إلى تنظيم القاعدة. ويضيف المسؤول الأميركي الكبير، الذي تحدث عن التطورات الحالية شرط عدم الكشف عن هويته، أن المحادثات التي جرت في تركيا الشهر الماضي بين المبعوث الأميركي لسوريا روبرت فورد وشخصيات بارزة في الجبهة الإسلامية «كانت غير حاسمة». ويقول قادة المعارضة إن الجبهة الإسلامية تواصل الضغط من أجل انضمامها للمجلس الأعلى العسكري، كما تريد أن تكون ممثلة في محادثات جنيف.
ويشير المسؤول الأميركي إلى أن المبعوث الأميركي لسوريا روبرت فورد سيسافر إلى تركيا بغية إجراء محادثات مع ائتلاف المعارضة السورية، وهو القيادة السياسية للمعارضة التي تدعمها الولايات المتحدة، وربما يلتقي هناك بممثلين للجبهة الإسلامية. ويضيف المسؤول الأميركي «ليست لدينا مشكلة مع الجبهة الإسلامية»، لكن «ما زال العمل جاريا» بشأن أي خطوة باتجاه ضم الجبهة إلى الائتلاف المعارض المدعوم من الولايات.
وبالإضافة إلى عدم وجود أي روابط بتنظيم القاعدة، تسعى الإدارة الأميركية للحصول على تطمينات من الجبهة الإسلامية أنها ستدعم قيادة ائتلاف المعارضة السورية في مؤتمر جنيف المقرر عقده في الثاني والعشرين من يناير المقبل.
غير أن المسؤول الأميركي شدد على أنه «أيا كان ما سيحدث في ما يتعلق بالاعتراف» بالمعارضة المسلحة «فإننا نريد استعادة معداتنا. وتشمل تلك المعدات مركبات وأجهزة اتصالات ومعدات طبية، حيث إنها جزء من برنامج مساعدات تديره وزارة الخارجية الأميركية، يقضي بإرسال إمدادات أميركية غير قتالية إلى المجلس العسكري الأعلى. كما تدير وكالة الاستخبارات الأميركية (CIA) برنامجا آخر لتوزيع الأسلحة الصغيرة والذخيرة على مقاتلي المعارضة.



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.