مصر تطبق إصلاحات غير مسبوقة في محاولة لتنشيط حركة الاستثمار

تحتاج لمصادر جديدة للتمويل بعيداً عن الاستدانة

مساع من الحكومة المصرية لتيسير إجراءات الاستثمار
مساع من الحكومة المصرية لتيسير إجراءات الاستثمار
TT

مصر تطبق إصلاحات غير مسبوقة في محاولة لتنشيط حركة الاستثمار

مساع من الحكومة المصرية لتيسير إجراءات الاستثمار
مساع من الحكومة المصرية لتيسير إجراءات الاستثمار

تسعى الحكومة في مصر لتطبيق حزمة من الإصلاحات، بهدف تعزيز قدراتها على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، فبعد أكثر من عام ونصف العام على اتفاقها على قرض مع صندوق النقد، استطاعت أن تعيد أسواق الصرف للاستقرار، لكن فاتورة ديونها تفاقمت بشكل مُتسارع، مما يجعل من جذب الاستثمارات أولوية، للاعتماد على مصدر آخر للتمويل غير الديون.
ولجأت مصر للاقتراض من صندوق النقد الدولي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، بعد أن اتسع الفارق في سعر العملات الأجنبية بين السوق الرسمية والموازية بشدة، وبعد تلقي أول دفعة من القرض، وتحرير سعر الصرف، هوت قيمة العملة المحلية بأكثر من نصف قيمتها، لكنها استقرت عند مستوياتها منذ ذلك الحين، مما يسر أعمال الاستثمار.
واضطر البنك المركزي المصري إلى أن يرفع أسعار الفائدة بشكل تدريجي بنسبة 7 في المائة لجذب استثمارات الأجانب في أذون الخزانة المحلية، وهو ما زاد تكاليف الدين العام، قبل أن يبدأ المركزي في تخفيض الفائدة من هذا العام بنسبة 2 في المائة.
كما توسع في طروحات السندات الدولية، ليقفز الدين الخارجي إلى 82.9 مليار دولار في نهاية ديسمبر (كانون الأول) عام 2017، مقابل 60 مليار دولار في الربع الأول من العام المالي 2016 - 2017، أي قبل شهرين تقريباً من اتفاق البلاد على قرض صندوق النقد.
وشمل البرنامج الإصلاحي الذي تتبناه الحكومة في الوقت الحالي، ويدعمه صندوق النقد ومانحون دوليون آخرون، إصدار قانون جديد لحوافز الاستثمار، أقره البرلمان الصيف الماضي، مع تطوير مركز خدمات المستثمرين، بهدف تيسير إجراءات منح التراخيص للشركات.
وسعت مصر قبل سنوات لاختصار إجراءات تأسيس الشركات في شباك واحد، وطورت من هذه الخدمة في مركز خدمات المستثمرين، بحيث أصبح ممكناً إتمام عملية التأسيس في بضعة ساعات، كما سمحت بالتوقيع الإلكتروني لتيسير التعاملات عبر الحدود.
وفي حين تقع سلطة إتمام التأسيس تحت يد وزارة الاستثمار، فإن إتمام باقي التراخيص موزعة بين كثير من الجهات الحكومية، وتسعى الهيئة العامة للاستثمار حالياً لجمع هذه الجهات في مركز خدمات المستثمرين، لاختصار الوقت على المستثمر.
و«خلال الفترة بين يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضي، أصبح لأول مرة لدينا في مركز خدمات المستثمرين ممثلي 60 جهة من الجهات المختصة بإصدار التراخيص، وهذه الجهات تمثل معظم الكيانات التي يحتاج المستثمر للتعامل معها، وممثلو هذه الجهات لديهم سلطة التوقيع بحكم تفويض من الجهات التابعين لها»، بحسب ما قاله ياسر عباس، رئيس قطاع خدمات المستثمرين بالهيئة العامة للاستثمار، لـ«الشرق الأوسط».
ويضع قانون الاستثمار الجديد توقيتات ملزمة للجهات المصدرة للتراخيص بإنهاء الإجراءات. وبحسب عباس، فإن المركز يعمل على الالتزام بهذه التوقيتات، حيث «يلتزم هؤلاء الممثلون (عن الجهات المصدرة للتراخيص) بإخطار المستثمر بكل الوثائق التي يحتاجها للترخيص خلال 48 ساعة، ويلتزمون أيضاً بإنهاء التراخيص بمجرد إتمام الأوراق المطلوبة خلال 60 يوم عمل، وإذا لم تصدر موافقتها خلال تلك الفترة، فهذه تعتبر موافقة ضمنية للمستثمر».
ويشير عباس إلى أن «قانون الاستثمار تمت صياغته بعد مشاورة كل الجهات المعنية بإصدار التراخيص، ولم تعترض أي جهة على المدد الزمنية المطروحة، وقد أصدرنا بالفعل تراخيص من خلال مركز خدمات المستثمرين، وقامت الجهات الممثلة بإصدار الموافقات عبر مسؤوليها الموجودين بالمركز».
ويطرح القانون الجديد أيضاً فكرة إصدار دليل موحد للخطوات التي يحتاجها المستثمر، ويقول عباس: «نحن بصدد إصدار دليل موحد يجمع كل الإجراءات المطلوبة للموافقات والتراخيص الخاصة بالمستثمرين، وعددها 486».
وبحسب آخر تقارير مؤسسة التمويل الدولية، عن تيسير الأعمال لعام 2018، فإن المستثمر يحتاج لنحو 172 يوماً لإنهاء تراخيص إنشاءات في مصر، مقابل 132.1 في المتوسط لإنهاء التراخيص نفسها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكن ترتيب مصر في هذا الإجراء عالمياً لا يعد متأخراً، حيث تقع في المركز الـ66 بين 190 دولة.
إلا أن ترتيب البلاد يبدو متأخراً، بحيث يتجاوز المائة، في إجراءات بدأ النشاط الاستثماري، وسداد الضرائب، والتجارة عبر الحدود، وتصفية الشركات وإنفاذ العقود. ويقول التقرير إن تسجيل الممتلكات أصبح أكثر صعوبة. ويقع التصنيف الإجمالي لسهولة الاستثمار في البلاد في المرتبة الـ128. و«الإصلاحات الأخيرة قدمت كثيراً من الامتيازات للمستثمر، لكن لا نزال في حاجة للتنسيق بين الجهات المختلفة المصدرة للتراخيص»، كما يقول عاطف الشريف، رئيس البورصة السابق، الذي يدير مكتباً للاستشارات والمحاماة، لـ«الشرق الأوسط».
و«السلطة الممنوحة للموظفين في الجهات المسؤولة عن الترخيص تجعلهم فوق المحاسبة. فمن الممكن أن تغلق أي من هذه الجهات ملف المستثمر بأكمله لأنها ترى أنه غير مطابق للشروط القانونية من وجهة نظرها، ولا يمكن مراجعتها في ذلك»، كما يضيف الشريف.
وتتطلع وزارة الاستثمار لعدم تكرار مشكلات في منح تراخيص المشروعات المؤسسة حديثاً، في ظل جمع الجهات المسؤولة عن منح الترخيص في منشأة واحدة، وقال مصدر بوزارة الاستثمار لـ«الشرق الأوسط»، طلب عدم ذكر اسمه، إن الهيئة تتيح عدداً من الآليات للتوفيق بين المستثمر والجهة المصدرة للترخيص، مثل وحدة حل مشكلات المستثمرين، كما أنه متاح للمستثمر اللجوء للتقاضي أمام اللجنة الوزارية لفض المنازعات التي تعد قراراتها ملزمة للأجهزة الحكومية.
ولا تقتصر التيسيرات المطلوبة للمستثمرين فقط على تسهيل منح التراخيص، ولكن أيضاً إتاحة الأراضي، وقد قطعت وزارة الصناعة شوطاً مهماً في هذا المجال خلال الفترة الأخيرة. فبعد شبه توقف عن طرح الأراضي الصناعية المرفقة منذ 2011 حتى 2014، طرحت الهيئة أكثر من 20 مليون فدان حتى 2017.
ويقول هشام رجب، مستشار وزير الصناعة، لـ«الشرق الأوسط» إن الوزارة تسعى لتوحيد إجراءات تخصيص وتسعير الأراضي بين الجهات المختلفة «وهناك مخططات لطرح مساحات ضخمة من الأراضي خلال الفترة المقبلة».
كما يشير رجب إلى أن وزارة الصناعة اختصرت مدد إنهاء التراخيص الصناعية، عبر قانون المنشآت الصناعية الجديد، بحيث أصبحت النسبة الغالبة من المشروعات (نحو 80 في المائة منها) تنتهي تراخيصها في حدود أسبوع، والصناعات الخطرة تستغرق نحو 3 أشهر، بعد أن كانت تلك التراخيص تستغرق عامين أو ثلاثة أعوام.
وتقول الخبيرة الاقتصادية ريم عبد الحليم إن «قانون 83 لسنة 2016 كان له دور كبير في طفرة طرح الأراضي، حيث منح القانون هيئة التنمية الصناعية الولاية على الأراضي الجديدة المخصصة للصناعة، بحيث تتولى الهيئة ترفيقها وإنهاء تراخيصها وبيعها مباشرة».
وتضيف: «هذا الأمر لم يكن متاحاً من قبل، حيث كانت ولاية الأراضي الصناعية مفتتة، وتستحوذ المحليات على النسبة الأكبر منها، وهو ما كان يعوق عملية ترفيق وبيع الأراضي، إلى جانب الفساد الذي كان يؤدي لنقص الخدمات المتاحة في الأراضي الصناعية».
لكن الخبيرة تشير إلى أنه «لا تزال هناك عقبات أمام المشروعات الصناعية، بالنظر إلى عدم تكامل الصناعات، فهناك غياب لصناعات كبيرة في الصعيد تنشئ حولها صناعات تكميلية». ويستهدف البرنامج الإصلاحي، المتفق عليه بين الحكومة المصرية وصندوق النقد، وضع الدين العام على مسار تراجعي، بحيث تنخفض نسبة الدين الحكومي من 103 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2016 - 2017 إلى 86.7 في المائة في 2018 - 2019. كما تطمح الحكومة في أن ينخفض الدين إلى 72 في المائة من الناتج في 2021 - 2022.
وتتزامن توقعات انخفاض الدين العام للبلاد مع طموحات ارتفاع صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة من 9.9 مليار دولار، مرجحة للعام المالي المقبل، إلى نحو 14 مليار دولار في 2021 - 2022.


مقالات ذات صلة

تقرير أممي يحذّر من تضخم الدين العام في المنطقة العربية

الاقتصاد أبراج وشركات وبنوك على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

تقرير أممي يحذّر من تضخم الدين العام في المنطقة العربية

حذّر تقرير أممي من زيادة نسبة خدمة الدين الخارجي في البلدان العربية، بعد أن تضخّم الدين العام المستحق من عام 2010 إلى 2023، بمقدار 880 مليار دولار في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الاقتصاد مقر البنك المركزي المصري بالعاصمة الإدارية الجديدة (رويترز)

تحويلات المصريين بالخارج زادت بأكثر من 100 % في سبتمبر

أظهرت بيانات البنك المركزي المصري، اليوم الاثنين، أن تحويلات المصريين بالخارج ارتفعت لأكثر من مثليها على أساس سنوي في سبتمبر (أيلول) الماضي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد وزير البترول المصري كريم بدوي خلال حديثه في مؤتمر مؤسسة «إيجيبت أويل آند غاز» (وزارة البترول المصرية)

مصر: أعمال البحث عن الغاز الطبيعي بالبحر المتوسط «مبشرة للغاية»

قال وزير البترول المصري كريم بدوي إن أعمال البحث والاستكشاف للغاز الطبيعي في البحر المتوسط مع الشركات العالمية «مبشرة للغاية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد ناقلة غاز طبيعي مسال تمر بجانب قوارب صغيرة (رويترز)

مصر تُجري محادثات لإبرام اتفاقيات طويلة الأجل لاستيراد الغاز المسال

تجري مصر محادثات مع شركات أميركية وأجنبية أخرى لشراء كميات من الغاز الطبيعي المسال عبر اتفاقيات طويلة الأجل، في تحول من الاعتماد على السوق الفورية الأكثر تكلفة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد سيدة تتسوق في إحدى أسواق القاهرة (رويترز)

«المركزي المصري» يجتمع الخميس والتضخم أمامه وخفض الفائدة الأميركية خلفه

بينما خفض الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة للمرة الثانية على التوالي يدخل البنك المركزي المصري اجتماعه قبل الأخير في العام الحالي والأنظار تتجه نحو التضخم

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«أوبن إيه آي» تسمح لموظفيها ببيع أسهم بقيمة 1.5 مليار دولار إلى «سوفت بنك»

شعار شركة «أوبن إيه آي» مالكة تطبيق الذكاء الاصطناعي «تشات جي بي تي» (رويترز)
شعار شركة «أوبن إيه آي» مالكة تطبيق الذكاء الاصطناعي «تشات جي بي تي» (رويترز)
TT

«أوبن إيه آي» تسمح لموظفيها ببيع أسهم بقيمة 1.5 مليار دولار إلى «سوفت بنك»

شعار شركة «أوبن إيه آي» مالكة تطبيق الذكاء الاصطناعي «تشات جي بي تي» (رويترز)
شعار شركة «أوبن إيه آي» مالكة تطبيق الذكاء الاصطناعي «تشات جي بي تي» (رويترز)

قال مصدران مطلعان على الأمر لـ«رويترز»، يوم الأربعاء، إن «أوبن إيه آي»، مالكة تطبيق «تشات جي بي تي»، سمحت لموظفيها ببيع أسهم بقيمة 1.5 مليار دولار تقريباً، في عرض شراء جديد لمجموعة «سوفت بنك» اليابانية.

وكان الرئيس التنفيذي لمجموعة «سوفت بنك»، الملياردير ماسايوشي سون، يسعى حثيثاً للحصول على حصة أكبر في الشركة الناشئة بعد الاستثمار في جولة التمويل الأخيرة، وفقاً لشبكة «سي إن بي سي» التي نشرت الخبر لأول مرة.

وجمعت شركة «أوبن إيه آي» للذكاء الاصطناعي، المدعومة من «مايكروسوفت»، 500 مليون دولار من التكتل الياباني، وفقاً لتقرير إعلامي، في جولة تمويل بقيمة 6.6 مليار دولار في أكتوبر (تشرين الأول)؛ مما وضع تقييمها عند 157 مليار دولار.

وقال مصدر لـ«رويترز» إن موظفي «أوبن إيه آي» ستكون لديهم فرصة حتى 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، لاتخاذ قرار بشأن ما إذا كانوا يريدون المشاركة في جولة التمويل الجديدة، مضيفاً أن سعر عرض السهم يتماشى مع جولة التمويل الأخيرة للشركة. وقال مصدر آخر إن الاستثمار سيأتي من «صندوق رؤية 2» التابع لـ«سوفت بنك».

وطلب المصدران عدم ذكر اسميهما، لأنهما غير مخوّلين بالتحدث إلى وسائل الإعلام. ورفضت «سوفت بنك» و«أوبن إيه آي» التعليق.

وكان سون يدفع إلى توسيع تعرض تكتله لموجة الذكاء الاصطناعي؛ إذ حصل على حصة في «أوبن إيه آي»، واستحوذ على شركة «غرافكور» الناشئة للرقائق. وقال سون مؤخراً إنه كان يدخر الأموال حتى يتمكّن من «اتخاذ الخطوة الكبيرة التالية»، لكنه لم يقدّم أي تفاصيل حول خططه الاستثمارية.

واستحوذ الارتفاع الصاروخي لشركة «أوبن إيه آي» من حيث شعبية المنتج والتقييم على اهتمام العالم، ومنذ إطلاق «تشات جي بي تي»، اجتذبت 250 مليون مستخدم نشط أسبوعياً.