المغرب: «أحكام الريف» تواصل إثارة ردود فعل غاضبة

دعوات للتظاهر... ومطالب بعفو ملكي عن المعتقلين

جانب من المظاهرات التي عرفتها شوارع الرباط تنديدا بالحكم الصادر ضد معتقلي حراك الريف (أ.ب)
جانب من المظاهرات التي عرفتها شوارع الرباط تنديدا بالحكم الصادر ضد معتقلي حراك الريف (أ.ب)
TT

المغرب: «أحكام الريف» تواصل إثارة ردود فعل غاضبة

جانب من المظاهرات التي عرفتها شوارع الرباط تنديدا بالحكم الصادر ضد معتقلي حراك الريف (أ.ب)
جانب من المظاهرات التي عرفتها شوارع الرباط تنديدا بالحكم الصادر ضد معتقلي حراك الريف (أ.ب)

تواصلت ردود الفعل إزاء الأحكام الصادرة في حق معتقلي حراك الريف، حيث شهدت مجموعة من المدن تنظيم وقفات احتجاجية ضد الأحكام التي بلغت في مجموعها 308 سنوات، كان لناصر الزفزافي وثلاثة من القادة الميدانيين للحراك العقوبة القصوى بـ20 سنة سجناً نافذاً لكل واحد منهم، وهو ما اعتبرته كثير من الفعاليات الحقوقية والسياسية حكماً «قاسياً ومبالغاً فيه».
وتناسلت دعوات للاحتجاج بمدن مغربية مختلفة للتنديد بالأحكام، والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين، من ضمنها مدينة الحسيمة وباقي مناطق الريف، حيث تناقلت مواقع إخبارية محلية حدوث مواجهات بين المحتجين من أبناء المنطقة ورجال القوات العمومية، فيما اختار عدد من سكان المنطقة رفع أعلام سوداء فوق منازلهم، تعبيراً عن رفضهم للأحكام الصادرة بحق أبنائهم وتضامناً مع عائلات المعتقلين. وفي موضوع ذي صلة، أدانت غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، مساء أول من أمس، الصحافي المغربي حميد المهدوي، مدير موقع «بديل أنفو» بالسجن ثلاث سنوات، وأداء غرامة قدرها ثلاثة آلاف درهم (300 يورو)، بعد متابعته بتهمة عدم التبليغ عن جريمة المس بسلامة وأمن الدولة.
وجرى اعتقال المهدوي في مدينة الحسيمة إثر مشاركته في إحدى المسيرات التي منعتها السلطات، قبل أن يتم فصل ملفه عن باقي معتقلي الحراك، ومواجهته بتهمة «عدم التبليغ عن جريمة المس بسلامة وأمن الدولة»، وذلك بسبب مكالمة هاتفية تلقاها من شخص يقيم بهولندا، تفيد برغبة هذا الأخير في إدخال أسلحة للمغرب.
وفي سياق الردود السياسية الصادرة بشأن محاكمة معتقلي حراك الريف، عقدت أحزاب الغالبية الحكومية اجتماعاً لقادتها أمس، برئاسة رئيس الحكومة وبحضور الأمناء العامين، وأكدوا خلاله على احترام استقلال القضاء، وضمان شروط المحاكمة العادلة التي يقرها الدستور. وأشارت أحزاب الغالبية الحكومية في بيان، تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، إلى أنها تذكر بأن هذه الأحكام «تم إصدارها على المستوى الابتدائي، ومن حق المتهمين ودفاعهم اللجوء إلى استئنافها، طبقاً للمساطر القضائية الحالي بها العمل، بما يفتحه ذلك من آمال لدى المتهمين وأسرهم في مراجعة هذه الأحكام، كما تتطلع إلى ذلك أحزاب الأغلبية»، في إشارة إلى عدم رضاها عن الأحكام.
من جهته، اعتبر حزب التقدم والاشتراكية (الشيوعي سابقاً)، المشارك في تحالف الغالبية الحكومية، على لسان أمينه العام نبيل بنعبد الله، الأحكام «قاسية ولا تسهم أبداً في إذكاء جو الانفراج المطلوب اليوم في بلادنا».
وأكد الحزب أن المهم بالنسبة لحزب التقدم والاشتراكية اليوم هو «التنبيه والضغط بكل الوسائل المشروعة من أجل مراجعة الأحكام القاسية، والعمل بسرعة وفعالية على تلبية مطالب العدالة الاجتماعية والمجالية، وعلى حق المواطنات والمواطنين في العيش بحرية وكرامة، سواء في الريف أو في باقي ربوع الوطن».
من جانبه، عدَّ نزار بركة، أمين عام حزب الاستقلال المعارض، الأحكام الصادرة في حق معتقلي حراك الريف ابتدائية، «ولم تستنفد بعد المنظومة القضائية كل آلياتها، بما فيها الطعن والاستئناف والنقض»، مؤكداً أن حزبه «يعول على الآليات المتبقية لإحقاق العدالة البصيرة والرحيمة في هذه القضية، التي تهم شباباً وأسراً هي منا، ونحن منها ونقتسم معها الحزن قبل الفرح».
ودعا بركة الحكومة إلى اعتماد «سياسات تنموية استباقية وتفاعلية، تجفف أسباب الاحتقان والاستياء الجماعي في عمقها الترابي، وتستهدف تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية»، وذلك في انتقاد واضح للحكومة وتحميلها مسؤولية الاحتجاجات التي تعيشها عدة مناطق.
بدوره، سجل عبد اللطيف وهبي، النائب البرلماني والقيادي في حزب الأصالة والمعاصرة المعارض، أن هناك «نوعاً من الإجماع على رفض الأحكام الصادرة في حق معتقلي حراك الريف»، مؤكداً أنها ستنعكس «سلباً على صورة المغرب في الخارج».
وأضاف وهبي في اتصال مع «الشرق الأوسط» أن التعامل مع هذا الموضوع «ينبغي أن يتم بنوع من الحكمة»، داعيا إلى العمل على معالجة «هذا الخطأ في أقرب فرصة»، وحذر من نسف مجموعة من المكاسب الحقوقية، التي راكمها المغرب منذ سنوات بسبب هذا الملف.
وبخصوص الخيارات المتاحة لمعالجة الملف ومراجعة الأحكام التي جاءت صادمة بالنسبة لكثيرين، قال وهبي الذي يعمل أيضاً محامياً، إن الخيارات المتاحة كثيرة، ومن أبرزها «معالجة هذه الأحكام بمحكمة الاستئناف وكذلك العفو الملكي»، مشدداً في الآن ذاته على ضرورة التحلي بالحكمة في معالجة هذا الملف. وعلى المستوى الحقوقي، استنكر منتدى الكرامة لحقوق الإنسان الأحكام القضائية التي صدرت في حق نشطاء حراك الريف، وقال إنها غير عادلة، وطالب السلطة القضائية بالتصحيح الفوري لها في محطات التقاضي المقبلة.
ودعا المنتدى، الذي يترأسه عبد العلي حامي الدين، القيادي في حزب العدالة والتنمية، إلى «تمثل معاني الاستقلالية الحقيقية التي بدأت تنهار بمؤشرات مقلقة تهدد استقرار المجتمع وثقته في وجود سلطة محايدة لتحقيق العدالة»، معتبراً أن الأحكام «عنوان لمرحلة جديدة يراد فيها للقضاء أن يقوم بإضفاء الشرعية على انتهاكات خطيرة تقوم بها جهات أخرى».
وحث منتدى الكرامة في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، على ضرورة العمل على التجاوز السريع لما سماها «حالة الاحتقان» التي تعرفها البلاد، و«الضرورة الاستعجالية لتجاوز المخلفات السلبية لهذه الأحكام على صورة المغرب الحقوقية، وعلى اهتزاز صورة جهاز العدالة». وزاد المصدر ذاته موضحاً أن المنتدى «يعتبر أن العفو الملكي هو آلية دستورية لإنصاف المظلومين، وتصحيح الأخطاء التي يقع فيها القضاء، ومخرج حكيم لاستدراك المقاربة الأمنية والزجرية، التي جرى اعتمادها في التعاطي مع مطالب اجتماعية واقتصادية سلم الجميع بمشروعيتها».
من جهته، قال اتحاد كتاب المغرب إنه تلقّى بـ«استياء كبير»، نبأ «صدور أحكام ثقيلة وقاسية في حقّ نشطاء حراك الريف»، الذين «طالبوا فيها بأبسط الحقوق المشروعة من شغل وتعليم وصحّة وتنمية اقتصاديّة واجتماعيّة وثقافيّة». وعبر الاتحاد عن «تضامنه المطلق مع المحكوم عليهم، مع استغرابه مما تعرفه البلاد من ردّة في مجال الحقوق والحرّيات قد تُجْهز على ما تمّت مراكمته من مكتسبات في الحقل الديمقراطي الوطني خلال العقدين الأخيرين»، معتبراً أن «الأحكام القاسية المذكورة شكّلت صدمة حقيقيّة للرأي العام الوطني بمختلف مستوياته».
كما ناشد الاتحاد، في ختام بيانه، ملك البلاد لكي «يضع حدّاً لهذا التطاول على الحقوق والحريات في بلادنا»، باعتباره «الضامن الأسمى لها»، و«أن يتفضّل جلالته ويصدر عفوه الشامل على كل النشطاء من دون استثناء».



«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
TT

«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)

دخل حزب «الوفد» المصري العريق في أزمة جديدة، على خلفية قرار رئيسه عبد السند يمامة، فصل أحد قادة الحزب ورئيسه الأسبق الدكتور السيد البدوي، على خلفية انتقادات وجَّهها الأخير إلى الإدارة الحالية، وسط مطالبات باجتماع عاجل للهيئة العليا لاحتواء الأزمة، فيما حذَّر خبراء من «موجة انشقاقات» تضرب الحزب.

وانتقد البدوي في حديث تلفزيوني، دور حزب الوفد الراهن، في سياق حديثه عمّا عدَّه «ضعفاً للحياة الحزبية» في مصر. وأعرب البدوي عن استيائه من «تراجع أداء الحزب»، الذي وصفه بأنه «لا يمثل أغلبية ولا معارضة» ويعد «بلا شكل».

وذكر البدوي، أن «انعدام وجوده (الوفد) أفقد المعارضة قيمتها، حيث كان له دور بارز في المعارضة».

و«الوفد» من الأحزاب السياسية العريقة في مصر، وهو الثالث من حيث عدد المقاعد داخل البرلمان، بواقع 39 نائباً. في حين خاض رئيسه عبد السند يمامة، انتخابات الرئاسة الأخيرة، أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحصل على المركز الرابع والأخير.

المقر الرئيسي لحزب «الوفد» في القاهرة (حزب الوفد)

وأثارت تصريحات البدوي استياء يمامة، الذي أصدر مساء الأحد، قراراً بفصل البدوي من الحزب وجميع تشكيلاته.

القرار ووجه بانتقادات واسعة داخل الحزب الليبرالي، الذي يعود تأسيسه إلى عام 1919 على يد الزعيم التاريخي سعد زغلول، حيث اتهم عدد من قادة الحزب يمامة بمخالفة لائحة الحزب، داعين إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا.

ووصف عضو الهيئة العليا للحزب فؤاد بدراوي قرار فصل البدوي بـ«الباطل»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «لائحة الحزب تنظم قرارات فصل أي قيادي بالحزب أو عضو بالهيئة العليا، حيث يتم تشكيل لجنة تضم 5 من قيادات الحزب للتحقيق معه، ثم تُرفع نتيجة التحقيق إلى (الهيئة العليا) لتتخذ قرارها».

وأكد بدراوي أن عدداً من قيادات الحزب «دعوا إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا قد يُعقد خلال الساعات القادمة لبحث الأزمة واتخاذ قرار»، معتبراً أن «البدوي لم يخطئ، فقد أبدى رأياً سياسياً، وهو أمر جيد للحزب والحياة الحزبية».

ويتخوف مراقبون من أن تتسبب الأزمة في تعميق الخلافات الداخلية بالحزب، مما يؤدي إلى «موجة انشقاقات»، وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي لـ«الشرق الأوسط» إن «مشكلة فصل البدوي قد تؤدي إلى موجة انشقاقات داخل الحزب، وهي ظاهرة مرشحة للتفاقم في الحياة السياسية المصرية خلال الفترة القادمة، فمشكلة (الوفد) مثل باقي الأحزاب... لا توجد قناعة بتعدد الآراء والاستماع لجميع وجهات النظر».

وأكد فهمي أن «اجتماع الهيئة العليا لحزب (الوفد) لن يحل الأزمة، والحل السياسي هو التوصل إلى تفاهم، للحيلولة دون حدوث انشقاقات، فمشكلة (الوفد) أنه يضم تيارات وقيادات كبيرة تحمل رؤى مختلفة دون وجود مبدأ استيعاب الآراء كافة، وهو ما يؤدي إلى تكرار أزمات الحزب».

وواجه الحزب أزمات داخلية متكررة خلال السنوات الأخيرة، كان أبرزها إعلان عدد من قياداته في مايو (أيار) 2015 إطلاق حملة توقيعات لسحب الثقة من رئيسه حينها السيد البدوي، على خلفية انقسامات تفاقمت بين قياداته، مما أدى إلى تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأزمة، حيث اجتمع مع قادة «الوفد» داعياً جميع الأطراف إلى «إعلاء المصلحة الوطنية، ونبذ الخلافات والانقسامات، وتوحيد الصف، وتكاتف الجهود في مواجهة مختلف التحديات»، وفق بيان للرئاسة المصرية حينها.

وأبدى فهمي تخوفه من أن «عدم التوصل إلى توافق سياسي في الأزمة الحالية قد يؤدي إلى مواجهة سياسية بين قيادات (الوفد)، ومزيد من قرارات الفصل، وهو ما سيؤثر سلباً على مكانة الحزب».

في حين رأى نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر الدكتور عمرو هاشم ربيع، أن «(الوفد) سيتجاوز هذه الأزمة كما تجاوز مثلها»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأزمة ستمر مثل كثير من الأزمات، لكنها لن تمر بسهولة، وستحدث عاصفة داخل الحزب».

واستنكر ربيع فصل أحد قيادات حزب ليبرالي بسبب رأيه، قائلاً: «من الغريب أن يقوم رئيس حزب ليبرالي ينادي بحرية التعبير بفصل أحد قياداته بسبب رأيه».

كان البدوي قد أعرب عن «صدمته» من قرار فصله، وقال في مداخلة تلفزيونية، مساء الأحد، إن القرار «غير قانوني وغير متوافق مع لائحة الحزب»، مؤكداً أنه «لا يحق لرئيس الحزب اتخاذ قرار الفصل بمفرده».

وأثار القرار ما وصفها مراقبون بـ«عاصفة حزبية»، وأبدى عدد كبير من أعضاء الهيئة العليا رفضهم القرار، وقال القيادي البارز بحزب «الوفد» منير فخري عبد النور، في مداخلة تلفزيونية، إن «القرار يأتي ضمن سلسلة قرارات مخالفة للائحة الحزب، ولا بد أن تجتمع الهيئة العليا لمناقشة القرار».

ورأى عضو الهيئة العليا لحزب «الوفد» عضو مجلس النواب محمد عبد العليم داوود، أن قرار فصل البدوي «خطير»، وقال في مداخلة تلفزيونية إن «القرار لا سند له ولا مرجعية».

وفي يوليو (تموز) الماضي، شهد الحزب أزمة كبرى أيضاً بسبب مقطع فيديو جرى تداوله على نطاق واسع، على منصات التواصل الاجتماعي، يتعلق بحديث لعدد من الأشخاص، قيل إنهم قيادات بحزب «الوفد»، عن بيع قطع أثرية؛ مما أثار اتهامات لهم بـ«الاتجار غير المشروع في الآثار».