جوزيبي كونتي... واجهة حكومة «مساكنة» هشة

منذ قيام «الجمهورية الأولى» في إيطاليا بعد سقوط النظام الفاشي ونهاية الحرب العالمية الثانية، تعاقبت سبعٌ وستون حكومة على إدارة دفّة هذه السفينة التي تعتبر مختبراً سياسياً لا نظير له في المشهد الأوروبي.
عشرات التشكيلات الوزارية الهجينة بين أحزاب لا تتجاوز نسبة تمثيل معظمها 5 في المائة من مقاعد البرلمان، ما تكاد تنال الثقة بشقّ الأنفس حتى ينفرط عقدها. رؤساء يتناوبون على الحكم بانتظام شبه عسكري، دائماً ضمن الدائرة الضيقة التي يرسمها التحالف الوطيد بين الفاتيكان ومراكز المال التي تغلغلت «المافيا» في أعماقها... وإحباط يتنامى بين المواطنين من إمكانية إصلاح النظام وإنهاض المؤسسات وتغيير الطبقة السياسية التي باتت مضرب مثلٍ بفسادها وأساليبها الماكيافيلية الملتوية.

آخر الوافدين على المشهد الحكومي في إيطاليا هو رئيس الوزراء الجديد جيوزيبّي كونتي، الذي كان ثمرة التفاهم بين الحزبين الفائزين في الانتخابات الأخيرة والاتفاق على برنامج مسبق ومفصّل للحكومة... ليس على الرئيس سوى أن ينفذه بكل حذافيره.
وبالتالي، فنحن بصدد حالة لا سابقة لها في التاريخ السياسي الإيطالي الحديث، تكثر المراهنات على فشلها بسرعة بقدر ما تكثر التوقعات بديمومتها.

- بطاقة شخصية
وُلد جوزيبي كونتي عام 1946 في قرية فولتورارا أبولا صغيرة من أعمال محافظة بولّيا الفقيرة بأقصى جنوب شرقي شبه الجزيرة الإيطالية. وتابع دروسه الابتدائية والتكميلية في المعهد الذي كانت تدرّس فيه والدته، قبل أن تنتقل العائلة إلى العاصمة روما في أعقاب استقالة أبيه من وظيفته عضواً في المجلس البلدي.
في روما واصل جوزيبي دراسته الثانوية في أحد المعاهد الكاثوليكية الخاصة التي كان يرتادها أبناء الأثرياء والنخبة، ثم التحق بكلية الناصرة الجامعية التابعة للفاتيكان، وتخرج مجازاً في الحقوق بتفوّق من جامعة روما – لا ساببينزا، ومن ثم، حصل على منحة دراسية أتاحت له متابعة دورات تدريبية في جامعات كمبريدج وييل ونيويورك.
أما أول مرة تداولت وسائل الإعلام اسمه ضمن المشهد السياسي، فكانت في شهر فبراير (شباط) الماضي عندما ظهر اسمه مرشّحاً لتولي حقيبة الإدارة العامة في حال فوز حركة «النجوم الخمس» في الانتخابات التي أجريت مطلع مارس (آذار). وكما هو معروف، أسفرت تلك الانتخابات عن فوز «النجوم الخمس» بالمرتبة الأولى، لكن بنسبة لم تتجاوز 40 في المائة من الأصوات ما يحول دون تشكيلها حكومة بمفردها، واقتضى الدخول في مفاوضات مع الأحزاب الأخرى كانت الباب الذي أطلّ منه كونتي على رئاسة الحكومة.

- حسابات وتسويات
ما كان ترشيح كونتي وارداً في حسابات «النجوم الخمس» التي كان زعيمها الشاب لويجي دي مايو (أيار) هو المرشح الرسمي للمنصب. إلا أنه بعد فشل المحاولة الأولى للتفاهم بين الحركة و«رابطة الشمال» - الرابطة - اليمينية المتطرفة، وتعذّر الاتفاق بين «النجوم الخمس» والحزب الديمقراطي (يسار الوسط) الذي خسر نصف شعبيته لصالحها، وإعلان رئيس الجمهورية سيرجيو ماتّاريلّا عزمه على تشكيل حكومة تكنوقراطية محايدة تُصرّف الأعمال وتُعدّ لانتخابات جديدة، تغيّرت المعطيات والمعادلات... وبدأت تتشكل ملامح ائتلاف بين الحركة الشعبوية والرابطة المتطرفة لم يكن وارداً في حسابات أحد.
كانت حركة «النجوم الخمس» ترى أن فوزها بالمرتبة الأولى وحصولها على 31 في المائة من الأصوات يخوّلها قيادة أي حكومة تتشكل على أساس النتائج الانتخابية، غير أنها كانت تدرك أن النظام الانتخابي لا يضمن لها ذلك، بل، ويجيز أي تشكيلة ائتلافية يمكن أن تقصيها عن الحكم أو الدعوة لإجراء انتخابات جديدة.
شهيّة الوصول إلى الحكم كانت كبيرة عند الحركة التي كانت شعبيتها ترتفع عند كل استحقاق انتخابي، لكنها كانت تخشى أنها قد بلغت سقفاً يصعب تجاوزه في القريب المنظور، وأن احتمالات الصعود أوفر عند «الرابطة» التي تغرف بنهم من الخزّان الانتخابي اليميني الذي بدأ يطوي منذ سنوات صفحة سليفيو برلوسكوني.

- ظاهرة سالفيني... وشروطه
في ذلك الوقت كان زعيم «الرابطة» ماتّيو سالفيني، الذي ضاعف شعبيته مرتين تقريباً في الانتخابات الأخيرة، يراقب منحنيات المأزق الذي وقعت فيه رئاسة الجمهورية والخيارات الصعبة أمام الحركة. وبالتالي، تجاوب مع دعوة هذه الأخيرة للتفاوض حول عقد حكومي، مدركاً أنه سيتمكّن من فرض شروطه... لأن الإخفاق في التوصل إلى اتفاق سيفضي، لا محالة، إلى الانتخابات التي ترجّح الاستطلاعات أنه سيكون الفائز الأكبر فيها.
الشرط الأول الذي وضعه سالفيني للدخول في تلك المفاوضات هو ألا يتولّى دي مايو رئاسة الحكومة، بل يجري اختيار شخصية محايدة تكون تحت «إشراف» زعيمي الحركة والرابطة. واضطر دي مايو للرضوخ لذلك الشرط مع أن الحركة حصلت على ضعفي المقاعد التي حصلت عليها الرابطة. وهنا عاد اسم جوزيبي كونتي للظهور مرة ثانية مرشحاً لرئاسة حكومة لم يشارك في وضع برنامجها، وليست له الكلمة الفصل في قراراتها أو توجيه سياستها. وكانت المحاولة الأولى تعثّرت عندما اصطدمت برفض رئيس الجمهورية أن يتولّى حقيبة الاقتصاد والمال باولو سافونا وهو وزير سابق معروف بمعارضته الشديدة لبقاء إيطاليا في منطقة اليورو، واختفى كونتي عن المشهد السياسي بأسرع مما ظهر يوم 27 مايو الماضي.
وبينما كان رئيس الجمهورية يتأهب لقبول التشكيلة الجديدة التي أعدها المكلّف التكنوقراطي الجديد، طلبت «النجوم الخمس» و«الرابطة» مهلة أخيرة لتعديل التشكيلة الوزارية، فسحبتا الاقتراح بتكليف سافونا وزارة الاقتصاد والتوافق على تولّيه حقيبة العلاقات مع المؤسسات الأوروبية، مع بقاء كونتي رئيساً للحكومة. وهكذا أصبح أستاذ القانون جوزيبي كونتي رئيس أغرب حكومة في تاريخ إيطاليا الحديث بعد مخاض دام ثلاثة أشهر لم تقتصر تداعياته على الداخل الإيطالي، بل أثارت موجة من الشكوك ورفعت منسوب القلق على امتداد المساحة الأوروبية.
التصريحات السياسية الوحيدة المعروفة عن كونتي حتى تكليفه نهاية الشهر الماضي، هي تعليقه على نتائج الانتخابات الأخيرة، عندما قال «إن النظم العقائدية التي كانت سائدة في العالم طوال القرن الماضي، لم تعد صالحة اليوم لإدارة الشأن العام. المعيار الأساس في تقييم الأحزاب والقوى السياسية، هو أداؤها وموقفها من احترام الحقوق والحريات الأساسية». وللعلم، سبق له أن قال إنه كان يؤيد الأحزاب اليسارية قبل أن يصوّت لصالح حركة «النجوم الخمس» في الانتخابات الأخيرة، مثله مثل كثيرين من مؤيدي الحزب الديمقراطي في السابق.

- كاثوليكي متدين
ومن المعلومات القليلة المتوافرة عن سيرة كونتي الشخصية أنه كاثوليكي متديّن، علماً بأنه منذ عامين انفصل عن زوجته التي له منها ابن في العاشرة من عمره. ولقد نشرت إحدى المجلات الإيطالية التابعة للكنيسة منذ أيام على غلافها صورة لكونتي برفقة ابنه التقطت منذ سنتين عندما كانا يتباركان من البابا فرنسيس خلال زيارة هذه الأخير إلى المعهد الذي تابع فيه كونتي دراسته الثانوية. ويتوقع مراقبون أن تكون العلاقات مع الفاتيكان من نقاط الاحتكاك بين كونتي ونائبه وزير الداخلية زعيم «الرابطة» سالفيني الذي اعتذر منذ أيام عن مرافقة الرئيس وزميله دي مايّو لزيارة البابا بمناسبة الاحتفال الذي أقامه الفاتيكان لمرور خمس سنوات على جلوس الأخير. كذلك، كان الفاتيكان قد اعتذر سابقاً عن تحديد موعد لسالفيني كي يزور البابا، الذي لا يخفي استياءه من السياسة العدائية المتشدّدة التي ينهجها وزير الداخلية في معالجة ملف الهجرة الذي وضعه البابا فرنسيس في طليعة أولوياته - ويحظى بتعاطفه - منذ توليه السدة البابوية.

- الحكومة الإيطالية الحالية برئاسة كونتي
جوزيبي كونتي (مستقل)
رئيساً للوزراء
جينكارلو جورجيتي (الرابطة)
أميناً لمجلس الوزراء
ماتيو سالفيني (الرابطة)
وزيراً للداخلية
إينزو موافيرو ميلانيزي (مستقل)
وزيراً للخارجية
إليزابيتا ترينتا
(النجوم الخمس)
وزيرة للدفاع
ألفونسو بونافيدي (النجوم الخمس)
وزيراً للعدل
جيوفاني ترييا (مستقل)
وزيراً للمال والاقتصاد
لويجي دي مايو
(النجوم الخمس)
وزيراً للتنمية الاقتصادية والعمل والسياسات الاجتماعية
دانيلو تونينيللي
(النجوم الخمس)
وزيراً للبنى التحتية والنقل
جيان ماركو تشنتينايو (الرابطة)
وزيراً للزراعة والغذاء والغابات
ماركو بوسيتي (مستقل)
وزيراً للتعليم والجامعات والأبحاث
سيرجيو كوستا (النجوم الخمس)
وزيراً للبيئة وحماية الأراضي والبحار
ألبرتو بونيسولي (مستقل)
وزيراً للتراث والثقافة والسياحة
جيوليا غرييو
(النجوم الخمس)
وزيرة للصحة
باولو سافونا (مستقل)
وزيراً للشؤون الأوروبية
إيريكا ستيفاني (الرابطة)
وزيرة للشؤون الإقليمية
والحكم الذاتي
ريكاردو فراكارو
(النجوم الخمس)
وزيراً للشؤون البرلمانية
والديمقراطية المباشرة
جيوليا بونجورنو (الرابطة)
وزيرة للإدارة العامة
باربارا ليتزي (النجوم الخمس)
وزيرة لشؤون جنوب إيطاليا
لورينزا فونتانا (الرابطة)
وزيرة لشؤون العائلة والإعاقة