حرب ذات سقف محدود تقررها إسرائيل و«حماس» بشكل مخطط

كلاهما يعمل ما في وسعه كي لا تنفلت الأمور إلى مواجهة شاملة

TT

حرب ذات سقف محدود تقررها إسرائيل و«حماس» بشكل مخطط

لم يعد مخفيا حال التوتر العسكري بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة، حتى عندما تطلق الصواريخ وتنفذ الغارات. إذ أصبح واضحا أن القيادة في الطرفين، اتفقت من دون اتفاق مكتوب، على وضع سقف محدود للاشتباك الحربي يسعى كل طرف منهما إلى عدم تجاوزه، حتى لا تنفلت الأمور إلى حرب.
في إسرائيل تسود القناعة بأن «حركة حماس، تقوم على مدار الشهور الثلاثة الماضية، بتطبيق سياسة جديدة من العنف المنضبط تجاه إسرائيل»، وتقرر إسرائيل التعامل معه بالمثل. وحسب رأي أوساط عسكرية كثيرة، فإن «سياسة ضبط النفس التي اتخذتها حماس على مدار السنوات الثلاث والنصف الماضية، التي تلت الحرب الأخيرة (تسميها إسرائيل «حملة الجرف الصامد») سنة 2014. قد انتهت وحلّ محل التهدئة التي ميّزت منطقة الحدود الواقعة بين القطاع وإسرائيل مظاهرات كبرى (هي «مسيرات العودة») إلى جانب محاولات اقتحام الأراضي الإسرائيلية، أيام الجمعة على وجه الخصوص».
ويضيف الإسرائيليون، أن حماس بدأت تشعر بأن مسيرات العودة لم تعد جماهيرية بشكل واسع، وأن الناس تعبوا من المشاركة فيها، فصارت تحرص على أن ترفق المتيسر منها، بتشكيلة من النشاطات العنيفة التي ينفذها بالأساس، محترفون حزبيون تابعون لها أو شبان ينفذونها مقابل المال، مثل: إطلاق النار تجاه قوات الجيش الإسرائيلي، قذف القنابل اليدوية والزجاجات الحارقة والعبوات الناسفة، وتطيير الطائرات الورقية والبالونات تجاه إسرائيل، وهي التي تحمل مواد حارقة ومواد متفجرة.
إسرائيل من جهتها، حاولت منع هذا التطور. في البداية أطلقت النيران على المشاركين في مسيرات العودة، وقتلت دفعة واحدة وفي يوم واحد، 61 مشاركا وجرحت بضع مئات. وإزاء الاحتجاجات العالمية ضد قمع المسيرات السلمية، صارت تخفف من حدة ردها، فتقتل شابا أو اثنين في اليوم، حتى بلغت حصيلة قمعها 118 قتيلا و13 ألف جريح. وحظي القمع الإسرائيلي بدعم غالبية الإسرائيليين. ولما خفت المسيرات، ودفعت حماس إلى الواجهة إطلاق الطائرات والبالونات الحارقة والمتفجرة، التي بُدئ فيها كمبادرة محلية على مستوى ضيق، ثم توسعت وتعقّدت وقامت حماس بتسلم قيادتها، وكنتيجة لها احترق نحو 30 ألف دونم من الحقول الزراعية والأحراش الطبيعية، وتم التشويش على الروتين اليومي لسكان بلدات غلاف غزة، قرر الجيش الإسرائيلي اعتبار هذا النشاط: «إرهاب حرائق»، ورفع من «مستوى رده» تجاه مطلقي الطائرات والبالونات وتجاه حماس. فقد صارت إسرائيل تقصف بيوت وسيارات قادة ميدانيين تشتبه بأنهم يقودون ميدانيا هذا النشاط. وردت كل من حماس والجهاد الإسلامي بإطلاق الصواريخ وقذائف الهاون تجاه بلدات غلاف غزة والنقب الغربي (نحو 200 صاروخ ومقذوف، في جولتي تصعيد كبريين). وأعلنت حماس والجهاد بأنهما قد غيرتا «معادلة الرد» السابقة، وتبنيتا معادلة جديدة عنوانها «القصف بالقصف، والدم بالدم». وفهمت إسرائيل من ذلك، أن حماس اتخذت قرارا استراتيجيا برفع مستوى «عنفها المنضبط». وأنها مصرة على مواصلة سياستها والامتناع عن العودة إلى الوضع القائم سابقا، الذي قد يضعها، من وجهة نظرها، في موضع ضعيف في مواجهة إسرائيل، ويضعف من مكانتها في داخل المجتمع الفلسطيني. وكنتيجة لخطوات حماس، تشكلت على الأرض، عملية تصعيدية قد تؤدي إلى مواجهة عسكرية واسعة مع إسرائيل، تسعى حماس إلى الامتناع عن الدخول فيها حتى الآن.
وحسب أحد قادتها الميدانيين: «تسعى حماس لأن تضع سياستها الجديدة في نهاية المطاف، في موضع قوة أمام إسرائيل، حيث سيكون بإمكانها أن تدير مع إسرائيل، بسبب ذلك، مفاوضات غير مباشرة حول تسوية. والمطلب الذي ستطرحه حماس في إطار التسوية المأمولة، سيتلخص بتقديرنا في المجال الاقتصادي. أي في الحصول على مساعدات اقتصادية كبيرة، سواء أكانت عربية أم دولية، تتيح لها إعادة إعمار البنى التحتية في القطاع بشكل كبير (مثلا، في مجال الكهرباء)، بحيث تيسّر الحياة اليومية لسكان القطاع. ومن المرتقب أن تطالب حماس بتنفيذ تعبيرات عملانية حول مسألة «رفع الحصار»، ومن ضمنها: فتح معبر رفح، وزيادة كمية البضائع التي يجري نقلها إلى القطاع من خلال إسرائيل، وخلق مخرج جوي، بحري، أو بري، للسكان المسافرين من القطاع. كما أنه من المرتقب، أن تطالب حماس بوقف العقوبات التي فرضتها السلطة الفلسطينية على القطاع، وتجديد تحويل الرواتب والميزانيات من رام الله». وأما المقابل الذي ستكون حماس مستعدة لتقديمه لإسرائيل، إن تمت الاستجابة إلى مطالبها، فيراه الإسرائيليون في المجال الأمني، مثل: التزام تهدئة طويلة الأمد على حدود القطاع، وفرض التصرفات الموزونة على سائر التنظيمات (على شاكلة التهدئة التي كانت سائدة بعد حملة «الجرف الصامد»). ولكن حماس لن توافق، على تقديم مقابل ينظر إليه باعتباره غير محتمل. على سبيل المثال: تحويل القطاع ليصير تحت سيطرة فعالة من قبل السلطة الفلسطينية؛ نزع السلاح؛ وقف تعاظم حماس العسكري أو وقف تشجيعها ومساعدتها للإرهاب في يهودا والسامرة. وذلك لأن مغازي الأثمان التي على هذه الشاكلة تعد تخليا عن ماهيّة حماس باعتبارها حركة جهادية تسعى إلى إبادة إسرائيل.
وهذا هو الأمر الذي تقبل به إسرائيل، لأنه يوفر لها حدا معقولا من الأمن من دون حرب، ويتيح لها – إسرائيليا وعالميا – «حق» إعلان الحرب متى تشاء. والأهم من ذلك، إنه يضمن لها استمرار الانقسام الفلسطيني، أحد أهم الأسلحة بأيديها للتهرب من مستلزمات عملية سلام حقيقية.



مصر وسلطنة عمان تبحثان سلامة الملاحة في البحر الأحمر

نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عُمان يستقبل وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)
نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عُمان يستقبل وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)
TT

مصر وسلطنة عمان تبحثان سلامة الملاحة في البحر الأحمر

نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عُمان يستقبل وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)
نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عُمان يستقبل وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)

بحث وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في سلطنة عمان، الاثنين، ملفَ التوترات الأمنية في البحر الأحمر، مؤكداً أهمية سلامة الملاحة البحرية وحرية التجارة الدولية، وارتباط ذلك بشكل مباشر بأمن الدول المشاطئة للبحر الأحمر.

وحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية، أشار عبد العاطي إلى «تأثير تصاعد حدة التوترات في البحر الأحمر على مصر، بشكل خاص، في ضوء تراجع إيرادات قناة السويس».

وأدى تصعيد جماعة «الحوثيين» في اليمن لهجماتها على السفن المارة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، منذ نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، بداعي التضامن مع الفلسطينيين في غزة، إلى تغيير شركات الشحن العالمية الكبرى مسارها من البحر الأحمر، واضطرت إلى تحويل مسار السفن إلى طرق بديلة منها مجرى رأس الرجاء الصالح.

وتراجعت إيرادات قناة السويس من 9.4 مليار دولار (الدولار الأميركي يساوي 50.7 جنيه في البنوك المصرية) خلال العام المالي (2022 - 2023)، إلى 7.2 مليار دولار خلال العام المالي (2023 - 2024)، حسب ما أعلنته هيئة قناة السويس في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وخلال لقاء الوزير عبد العاطي مع فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء، أشار إلى تقدير مصر الكبير للقيادة الحكيمة للسلطان هيثم بن طارق، وللدور الإيجابي الذي تضطلع به سلطنة عمان على المستويين الإقليمي والدولي.

وأكد عبد العاطي أهمية التعاون المشترك لتعزيز الأمن العربي، وحرص مصر على التنسيق والتشاور مع السلطنة لتثبيت دعائم الأمن والاستقرار في المنطقة، لا سيما في ظل الاضطرابات غير المسبوقة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط على عدة جبهات.

وطبقاً للبيان، تناول اللقاء مناقشة عدد من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، على رأسها القضية الفلسطينية واستمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والجهود المصرية لاحتواء التصعيد في المنطقة، والتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن، كما تم تبادل الرؤى حول الأوضاع في سوريا واليمن والسودان وليبيا.

وخلال لقائه مع بدر البوسعيدي، وزير خارجية سلطنة عُمان، في إطار زيارته الرسمية إلى مسقط، ناقش عبد العاطي مجمل العلاقات الثنائية والتنسيق المشترك حيال القضايا الإقليمية محل الاهتمام المشترك.

مباحثات سياسية بين وزير الخارجية المصري ونظيره العماني (الخارجية المصرية)

تناول الوزيران، حسب البيان المصري، أطر التعاون الثنائي القائمة، وسبل تعزيز مسار العلاقات بين مصر وسلطنة عُمان، والارتقاء بها إلى آفاق أوسع تنفيذاً لتوجيهات قيادتي البلدين.

وزار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مسقط، في يونيو (حزيران) 2022، بينما زار السلطان هيثم بن طارق القاهرة في مايو (أيار) 2023.

وأكد الوزيران على أهمية التحضير لعقد الدورة السادسة عشرة للجنة المشتركة بين البلدين خلال الربع الأول من عام 2025، لتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات.

وشدد عبد العاطي على الأهمية التي توليها مصر لتطوير وتعزيز علاقاتها مع سلطنة عُمان، مشيداً بالعلاقات الوطيدة والتاريخية التي تجمع بين البلدين. وأشار إلى الاهتمام الخاص الذي توليه مصر للتعاون مع أشقائها في الدول العربية في مجال جذب الاستثمارات والتعاون الاقتصادي والتبادل التجاري، مستعرضاً برنامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الجاري تطبيقه في مصر، والخطوات التي تم اتخاذها لتهيئة المناخ الاستثماري وتوفير الحوافز لجذب الاستثمارات الأجنبية.

كما أشار إلى أهمية العمل على تعزيز التعاون بين المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وهيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بـالدقم، وكذلك الربط البحري بين ميناءي «الدقم» و«صلالة»، والموانئ المصرية مثل ميناء الإسكندرية وميناء العين السخنة وغيرهما، بما يعزز التبادل التجاري بين البلدين، ويساهم في تعميق التعاون بينهما في مجالات النقل الملاحي والتخزين اللوجستي، في ضوء ما تتمتع به مصر وعُمان من موقع جغرافي متميز يشرف على ممرات ملاحية ومضايق بحرية استراتيجية.

وفيما يتعلق بالأوضاع الإقليمية في ظل التحديات المتواترة التي تشهدها المنطقة، ناقش الوزيران، وفق البيان المصري، التطورات في سوريا، والحرب في غزة، وكذلك الأوضاع في ليبيا ولبنان، وتطورات الأزمة اليمنية وجهود التوصل لحل سياسي شامل، وحالة التوتر والتصعيد في البحر الأحمر التي تؤثر بشكل مباشر على أمن الدول المشاطئة له، كما تطرق النقاش إلى الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي والتطورات في السودان والصومال.

وأكد البيان أن اللقاء عكس رؤيةً مشتركةً بين الوزيرين للعديد من التحديات التي تواجه المنطقة، وكيفية مواجهتها، وأكدا على أهمية تعزيز التعاون بين البلدين والحرص على تكثيف التشاور والتنسيق بشأن مختلف القضايا، كما اتفق الوزيران على تبادل تأييد الترشيحات في المحافل الإقليمية والدولية.