ليبيا: قتال «الأمتار الأخيرة» في درنة وحفتر يتأهب لإعلان التحرير

تسليم موانئ نفطية إلى شركة مملوكة للدولة في بنغازي

جانب من مدينة درنة التي تشهد معارك لتحريرها من المتطرفين (رويترز)
جانب من مدينة درنة التي تشهد معارك لتحريرها من المتطرفين (رويترز)
TT

ليبيا: قتال «الأمتار الأخيرة» في درنة وحفتر يتأهب لإعلان التحرير

جانب من مدينة درنة التي تشهد معارك لتحريرها من المتطرفين (رويترز)
جانب من مدينة درنة التي تشهد معارك لتحريرها من المتطرفين (رويترز)

بينما يستعد المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني الليبي، لإعلان تحرير مدينة درنة، آخر معاقل المتطرفين في شرق البلاد، كشف فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق، في العاصمة طرابلس، عن خطة لتأمين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية قبل نهاية العام الحالي رغم الشكوك حولها.
وقالت مصادر مقربة من حفتر لـ«الشرق الأوسط»، إنه يتأهب للإعلان رسمياً عن تحرير درنة، مشيرة إلى أنه سيوجه كلمة مصورة للشعب الليبي في هذا الخصوص في وقت لاحق.
وقال العميد أحمد المسماري، الناطق باسم حفتر و«الجيش الوطني» الليبي، لـ«الشرق الأوسط»، إن قوات الجيش تخوض ما وصفه بقتال «الأمتار الأخيرة» في المدينة، مشيراً إلى أن قيادة الجيش تنتظر فقط تلقي بلاغ غرفة العمليات الرئيسية في درنة قبل إعلان تحريرها الوشيك. وتابع: «نحن في الانتظار الذي لن يطول، قواتنا تمكنت من دك كل معاقل الإرهابيين بالمدينة وقتل وأسر معظم قياداتهم خلال الأيام القليلة الماضية».
وامتنع المسماري عن تأييد معلومات تحدثت أمس عن مقتل عطية الشاعري، قائد ما يسمى بـ«قوة حماية درنة» التي دشنها متطرفون بعد انهيار تنظيمهم السابق المعروف باسم «مجلس شورى ثوار درنة». وقال المسماري في المقابل «بالأمس تم تحييد مفتاح الغويل أحد أبرز قادة الجماعات الإرهابية في المدينة».
وكان مقربون من الشاعري قد أكدوا أنه قُتل ونعوه على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن يؤكد قيادي في «سرية شهداء عين مارة»، التابعة لقوات حفتر، مقتل الشاعري في الاشتباكات التي دارت بوسط درنة مساء أول من أمس.
وأعلن الشاعري بعد أيام على إطلاق الجيش عملية تحرير درنة، حل تنظيمه السابق، علماً بأنه يُعد أبرز شخصية متطرفة يعلَن مقتلها منذ بداية العملية، بعد اعتقال المسؤول الأمني لمجلس شورى درنة، يحيى الأسطى عمر.
وخاضت قوات الجيش حرب شوارع حقيقية في قتالها الأخير بضواحي درنة ضد الجماعات الإرهابية، حيث قالت شعبة الإعلام الحربي، إن قوات الجيش تخوض «حرب الخلاص النهائي من طغمة الإرهاب الفاسدة بآخر معقل لها في درنة»، مشيرة إلى أن «معارك ضارية وحامية الوطيس تجري الآن فيما تبقى للإرهابيين من أمتار داخل هذه المدينة».
وأعلنت «غرفة عمليات عمر المختار» فرض حظر للتجول على المواطنين بالمدينة اعتباراً من الساعة الحادية عشرة مساءً وحتى السابعة صباحاً. وقالت وكالة الأنباء الموالية للجيش، إن ساعات قليلة تفصل المدينة على إعلان التحرير بالكامل من الجماعات الإرهابية التي احتلتها منذ خمس سنوات. وقال اللواء سالم الرفادي، آمر «غرفة عمليات عمر المختار»، إن إعلان تحرير المدينة سيتم خلال ساعات بعدما بسطت قوات الجيش سيطرتها على آخر جيوب المتطرفين في منطقه المغار.
وبدأ سكان ضواحٍ عدة في المدينة الاستعداد للاحتفال برفع صور حفتر ورئيس البرلمان عقيلة صالح على واجهات المنازل والمقرات العامة، بينما وضعت مديرية الأمن خطة بمشاركة فروع الأمن المركزي لحفظ الأمن والاستقرار داخل المدينة.
كما التقى حفتر مساء أمس العميد أحمد سالم، آمر غرفة عمليات الهلال النفطي. وظهر سالم وهو يؤدي التحية العسكرية لحفتر قائلاً في لقطات مصورة وزعها الجيش، إن «الحقول والمنشآت النفطية تحت السيطرة التامة» لقوات الجيش الليبي بعد طرد ميليشيات إبراهيم الجضران التي استولت عليها قبل أيام. وفي الإطار ذاته، قال العميد أحمد المسماري أمس إن قوات المشير حفتر سلمت السيطرة على موانئ نفطية تحت سيطرتها إلى شركة نفطية مملوكة للدولة مقرها في شرق البلاد. واعتبرت وكالة «رويترز» أنه إذا جرى تنفيذ هذه الخطوة فإنها ستخلق حالة من عدم اليقين لمشتري النفط الليبي الذين يتعاملون في العادة مع المؤسسة الوطنية للنفط في العاصمة طرابلس، وهي الكيان المعترف به دولياً.
وقال المسماري،في بيان أذيع تلفزيونيا إنه لن يُسمح لأي ناقلة بأن ترسو في الموانئ الشرقية من دون إذن من كيان للمؤسسة الوطنية للنفط مقره بنغازي. وأضاف أن هذه الخطوة هي نتيجة لاستخدام إيرادات النفط لتمويل «ميليشيات مسلحة». وقال المسماري في ظهور تلفزيوني مقتضب إن إيرادات النفط استخدمت لتمويل ميليشيات «تشادية»، في إشارة إلى قوات مسلحة متحالفة مع إبراهيم الجضران، وهو زعيم فصيل استولى لفترة قصيرة هذا الشهر على ميناءي السدرة ورأس لانوف قبل طردها منهما الأسبوع الماضي.
سياسياً، استأنف مجلس النواب الليبي بمقره في مدينة طبرق بأقصى شرق البلاد مناقشة بند الاستفتاء على مشروع قانون الدستور الدائم للبلاد. ويلزم موافقة المجلس على تمرير هذا القانون كمقدمة لفتح الطريق أمام إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي اتفق الفرقاء الليبيون في باريس الشهر الماضي على أن يتم تنظيمها في العاشر من ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
من جانبه، استغل فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني، لقاءه مساء أول من أمس مع وفد فرنسي رفيع المستوى ضم مسؤول الملف الليبي بالخارجية الفرنسية لويس دوجيت والسفيرة الفرنسية لدى ليبيا بريجيت كورمي، ليعلن أن حكومته تقوم بالمطلوب منها بدعم الهيئة العليا للانتخابات وتوفير كل المتطلبات التي تحتاج إليها الهيئة لتؤدي عملها على أكمل وجه، لافتاً إلى أنها تعمل أيضاً على استكمال خطة أمنية لتأمين الانتخابات وفقاً لدوائر الاقتراع التي تحددها الهيئة.
ولم يوضح السراج أي تفاصيل تتعلق بهذه الخطة، لكن مكتبه نقل في بيان عن كورمي قولها، إن بلادها تود معرفة ما حدث من تطور في المسار السياسي بعد مؤتمر باريس الذي عقد في مايو (أيار) الماضي، ومدى التزام الأطراف التي شاركت في المؤتمر بمخرجات اللقاء، وأهمها الإعداد لقاعدة دستورية للانتخابات البرلمانية والرئاسية هذا العام.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.