بعد فوز إردوغان... العلاقات الأميركية ـ التركية أمام منعطفات جديدة

بعد فوز إردوغان... العلاقات الأميركية ـ التركية أمام منعطفات جديدة
TT

بعد فوز إردوغان... العلاقات الأميركية ـ التركية أمام منعطفات جديدة

بعد فوز إردوغان... العلاقات الأميركية ـ التركية أمام منعطفات جديدة

بينما سادت الاحتفالات بين أنصار الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في البلاد إثر فوزه وحزبه بالانتخابات الرئاسية والتشريعية التي جرت أول من أمس، لم تنعكس تلك الأجواء على الشارع السياسي الأميركي ولا التغطية الإعلامية الأميركية؛ إذ بدا الخلاف التركي - الأميركي واضحاً في الفترة الأخيرة حول سوريا والعراق والقوات الكردية، وكذلك صفقات الأسلحة الروسية لتركيا.
وتساءل مراقبون عن مستقبل العلاقات التركية - الأميركية خلال السنوات السبع المقبلة بعد فوز الرئيس إردوغان، خصوصاً في ما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان والانتهاكات التي سجلتها المنظمات الدولية، وذلك بعد محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016 ضد حكومة إردوغان وحزبه المسيطر حزب العدالة والتنمية.
وسلّطت وسائل الإعلام الأميركية الضوء على المنعطفات الجديدة في العلاقات بين البلدين، خصوصا بعد الخلافات التي ظهرت بينهما في الآونة الأخيرة، مثل معارضة أنقرة الدعم الأميركي للأكراد في سوريا بالسلاح، وعرقلة مجلس الشيوخ الأميركي تسليم طائرات «إف 35» العسكرية إلى أنقرة، ومعارضة واشنطن شراء تركيا منظومة الدفاع الصاروخية الروسية «إس 400».
ويرى إيشان ثارور، الباحث والكاتب السياسي في الجامعة الأميركية بواشنطن، أن الرئيس إردوغان صب جل غضبه على القضايا الخارجية في الوقت الذي تجاهل فيه التراجع الاقتصادي للبلاد في الداخل بشكل كبير؛ «إذ إنه حافظ على حكمه من خلال تعبئة الانقسامات المثيرة والقومية الدينية، إضافة إلى زيادة الخلاف مع الأكراد بتصنيفهم جماعة إرهابية انفصالية، وزيادة التصعيد ضد داعية إسلامي مسنّ يعيش في المنفى في بنسلفانيا»، عادّاً أن الرئيس إردوغان كان باستطاعته الاهتمام بكتابة سجل من الرخاء الاقتصادي والتنمية، وتحسين المستوى المعيشي التركي.
ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «سنوات من السياسات غير المسؤولة قد أثرت في الاقتصاد التركي، كما أن معدلات التضخم المرتفعة ستثبت عجز الحكومة، وبالنظر إلى أقوال زعماء المعارضة، فقد أشاروا إلى أرقام استطلاعات مشجعة تعكس تعب الناخب مع الرئيس بعد سنوات قليلة مضطربة في تركيا، تميزت بتوترات متزايدة مع بعض حلفاء الناتو في البلاد وتكثيف الاستقطاب الاجتماعي في الداخل».
وعلقت إيما لاهي، الباحثة السياسية في جامعة جورج واشنطن، على فوز إردوغان في الانتخابات الرئاسية التركية، بأن «النظام الجديد الذي سيبنيه إردوغان سيركز على النظام الرئاسي فقط، وذلك بتدوين الصلاحيات التنفيذية التي كان إردوغان يمارسها بالفعل في ظل حالة الطوارئ»، مشيرة إلى أنه «بموجب النظام الجديد، سيتم إلغاء مكتب رئيس الوزراء، فيما سيتألف مجلس الوزراء الجديد من أعضاء معينين رئاسيين بدلاً من النواب المنتخبين».
وتوقعت لاهي خلال حديثها إلى «الشرق الأوسط» أن يتم تخفيض صلاحيات البرلمان، بما في ذلك الإشراف على الميزانية، مستدلّة بالأحداث التي فرضها إردوغان في السابق بسجن كثير من منتقديه، بمن فيهم الآلاف من السياسيين والناشطين الأكراد وأعضاء منظمات المجتمع المدني والإسلاميين المتهمين بأنهم من أتباع فتح الله غولن، الداعية الذي يتهمه القادة الأتراك بتنظيم محاولة الانقلاب من الولايات المتحدة الأميركية. وأضافت: «تعد الانتخابات إلى حد كبير بمثابة استفتاء على حكم إردوغان، حيث أعرب كثير من الناخبين عن مخاوفهم بشأن ما يقولون إنه سلسلة سلطوية متزايدة واقتصاد يعاني من المشكلات، ملقين باللوم على الفساد وسوء الإدارة، فلقد عانى الاقتصاد بشدة في العام الماضي الذي كان في يوم من الأيام نقطة قوية للسيد إردوغان، وقد تراكمت الديون الأجنبية الكبيرة على تركيا، حيث خسرت الليرة التركية 20 في المائة من قيمتها، وانخفض الاستثمار الأجنبي المباشر مع تخوف المستثمرين من نبرة الرئيس العدوانية المعادية للغرب».
يذكر أن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أوضح في كلمة عامة خلال مناسبة في واشنطن بداية الشهر الحالي، أن أهم نقاط الخلاف بين بلاده والولايات المتحدة الأميركية، هي تقديم الأخيرة الدعم لحزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (السوري)، مشيراً إلى أن أنقرة تسعى لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، وترفض كل المساعي الرامية لتقسيم سوريا.
وعن مسألة شراء تركيا منظومة «إس 400» الروسية، قال جاويش أوغلو: «هذه المسألة أثارت توترات بين أنقرة وواشنطن، لكننا كنا قد طلبنا سابقاً من حليفتنا الولايات المتحدة تزويدنا بهذه المنظومات إلا أن واشنطن رفضت، ونحن توجهنا إلى روسيا، وإذا كانت واشنطن مستعدة لأن تزوّدنا بمنظومات الدفاع الجوي، فإننا مستعدون لشرائها».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟