الملفات الداخلية تقلّص المسافة بين «القوات» و«الكتائب»

التقارب {لا يؤشر لعودة إلى صيغة 14 آذار»

TT

الملفات الداخلية تقلّص المسافة بين «القوات» و«الكتائب»

قلّص التطابق في وجهات النظر حول ملفات لبنانية داخلية كثيرة، المسافة السياسية بين حزبي «القوات اللبنانية» و«الكتائب»، وانضم إليهما «الحزب التقدمي الاشتراكي»، حيث اجتمعت الأحزاب الثلاثة على رفض مرسوم التجنيس الذي وقعه رئيس الجمهورية ميشال عون في وقت سابق، في ظل التجاذب بين الأطراف الثلاثة و«التيار الوطني الحر» في ملف تأليف الحكومة.
وفي ظل بروز اصطفافات وتحالفات جديدة تزامناً مع المتغيرات الراهنة، عقد لقاء في «بيت الكتائب» قبل أسبوعين شارك فيه مسؤولون عن الأحزاب الثلاثة لمواجهة مرسوم التجنيس وتنسيق الخطوات بين الرافضين للمرسوم، وهو ما حمل مؤشرات على تقارب موضوعي بين الأحزاب الثلاثة.
وحول لقاء بيت الكتائب الذي جمع النائب سامي الجميل و«الحزب التقدمي الاشتراكي» و«القوات اللبنانية»، قال النائب السابق وعضو المكتب السياسي في «الكتائب» فادي الهبر، إن اللقاء جاء في سياق ما يجمع هذه الأطراف من مبادئ وقيم ومسلّمات سياسية ومحطات مفصلية في تاريخ لبنان ولا سيما وثيقة المختارة العام 2000 التي أدّت إلى المصالحة وتحرير الدكتور سمير جعجع وعودة العماد ميشال عون من المنفى، إضافة إلى ما أعقب اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري من انتفاضة الاستقلال وخروج سوريا من لبنان. وقال الهبر لـ«الشرق الأوسط»: «من هذا المنطلق يعتبر اللقاء طبيعياً في بيت الكتائب بين هذه الأحزاب لما يربطها من تاريخ نضالي ونظرة مشتركة حول معظم الملفات السياسية والاقتصادية ومن صلبها ملف التجنيس حيث هناك توافق تام بينها، وإن حصلت في الآونة الأخيرة بعض المحطات من تحالف الكتائب مع المجتمع المدني في الانتخابات النيابية الأخيرة، إذ كان للحزب موقف ورأي لما يحصل على الساحة المحلية حكومياً ورئاسيا عبر ملفات السمسرات والصفقات والفساد ما دفعه إلى سلوك نهج المعارضة»، لكنه أكد أن «ذلك لا يفسد في الودّ قضية في سياق التوافق مع الاشتراكي والقوات اللبنانية حيال عناوين كثيرة سياسية واقتصادية وسواها».
ولا يبدو أن الاجتماع سيؤسس لعودة إلى صيغة «قوى 14 آذار»، إذ يقول الهبر: «هناك تطابق في وجهات النظر إزاء غالبية الملفات وتواصل سياسي قائم ولكن لا يعني ذلك عودة لفريق 14 آذار أو ثمة حراك في هذا الإطار، بل يمكنني القول إن هذا الفريق غاب إنما أحزاب وقوى 14 آذار باقية ومستمرة من خلال المبادئ والمسلمات والثوابت السيادية والوطنية»، لافتاً إلى أن «لقاء بيت الكتائب مع الاشتراكي والقوات اللبنانية إلا دليل على هذا المعطى».
وبصدد حصول لقاء بين رئيس الكتائب سامي الجميل ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، يرد الهبر قائلاً: «ثمة تلاقٍ بيننا وبين القوات حول ملف بواخر الكهرباء وعناوين سياسية واقتصادية كثيرة»، مشيراً إلى أن «العلاقة اليوم إيجابية وكل شيء وارد في هذه المرحلة لما يصب لخير البلد وكل اللبنانيين».
وعما يُقال بأن الكتائب سيشارك في الحكومة العتيدة، يشير القيادي الكتائبي إلى أن التواصل بين حزب الكتائب ورئيس الجمهورية ورئيسي المجلس النيابي والحكومة «قائم ومتواصل ومع معظم الأطراف السياسية، ولكنه متمسك بدوره في مكافحة الفساد وتصويب الأمور حيال أي ملف يراه يضر بمصلحة البلد». ويشير إلى أن «المشاركة في الحكومة واردة وحتى الآن المرحلة هي للاتصالات الجارية من أجل تشكيل الحكومة»، مجدداً دعوة الكتائب للرئيس المكلف سعد الحريري «الإسراع بتشكيلها نظراً للأوضاع الاقتصادية والمالية الصعبة». ويضيف: «ثمة ترهّل في سائر مؤسسات الدولة والناس يعانون من سوء الخدمات والقضايا الخدماتية والاجتماعية، من هذا المنطلق مشاركتنا في الحكومة مطروحة وفي حال لم تحصل فذلك ليس آخر الدنيا فنحن داخل وخارج مجلس الوزراء نعمل بكل جدية لتصحيح الأمور والمسار وأي خلل نراه سنصوّب عليه دون هوادة».
وحيال المساجلات وتفاعل الخلافات بين العهد والتيار الوطني الحر من جهة والحزب التقدمي الاشتراكي من جهة أخرى، بعد اتهام رئيس الحزب وليد جنبلاط العهد بأنه فاشل، يرى النائب السابق فادي الهبر أنه «لا شك ثمة دعسة ناقصة لهذا العهد وهناك وصمة عار عبر الصفقات المشبوهة والسمسرات والمافيات والهدر الحاصل في كل مؤسسات الدولة»، ناهيك عن «ملف التجنيس»، ويضيف: «هذا المرسوم كان زلة واضحة من قبل العهد وكذلك الأمر وصمة عار أخرى مالية وسيادية حيث تمّ تجنيس مقربين من النظام السوري هؤلاء الذين عاثوا فساداً وقتلاً وسرقة في بلدنا، إلا أن المصالح المالية كانت طاغية لدى البعض وهذا المال الذي دفع من هؤلاء قد يكون استعمل في الانتخابات النيابية الأخيرة أو لاحقاً».
ورأى الهبر أن «شن الحملات على رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط عبر اللجوء إلى حقبة الماضي واستذكار الحرب، فهذا أمر غير مقبول فتلك الصفحة طويناها وكنا أول الناس أي حزب الكتائب الذين ساهموا في إرساء مصالحة الجبل من خلال مؤتمر بيت الدين ولاحقاً زيارة جنبلاط إلى الشيخ أمين الجميل»، مؤكداً أن «استذكار الماضي بهذه اللغة هو أمر مرفوض ونحن سعينا مع الحزب الاشتراكي والمخلصين لعودة المهجرين وتحصين عودتهم لا العودة إلى لغة الحرب لأسباب ودوافع سياسية معروفة الأهداف والمرامي».



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.