الذكاء الصناعي... طريق الإرهاب الأكبر والأخطر

روبوتات بشرية وسيارات ذاتية القيادة وأقمار صناعية مختطفة

الذكاء الصناعي... طريق الإرهاب الأكبر والأخطر
TT

الذكاء الصناعي... طريق الإرهاب الأكبر والأخطر

الذكاء الصناعي... طريق الإرهاب الأكبر والأخطر

قبل بضعة أسابيع حذرت كيرستين نيلسن، وزيرة أمن الوطن في الولايات المتحدة، في مقابلة لها مع مجلة «تايم» الأميركية تحذر من استعمال الإرهابيين خلال العقود المقبلة طائرات «الدرون» (من دون طيار)، - التي هي نتاج لما بات يعرف بالذكاء الصناعي - وطالبت بسن القوانين التي تساعد على ضمان حماية الشعب الأميركي من هذا الخطر.
تصريحات نيلسن تلفت الأنظار إلى قضية «الذكاء الصناعي التكنولوجي» وهل هو دائماً خير في منفعة الإنسانية أم يمكن له أن يضحى شراً مستطيراً يهدّد الآمنين والمطمئنين، إذا عرف طريقة إلى الإرهابيين، أولئك الذين باتوا بدورهم على درجة عالية من القدرة على التعاطي مع التكنولوجيا المتقدمة، ومن المقدرة على تطوير آليات خاصة بهم تفعل فعلها في عوالم الإرهاب والجريمة عبر الحدود.
لعل إشكالية الذكاء الصناعي باتت تتقاطع كذلك مع كبريات التنظيمات الإرهابية وفي مقدمها «داعش» إذ تشير آخر التقارير إلى أن «أبو بكر البغدادي» زعيم «داعش» بات يركز على اختراق الدول المعادية للتنظيم، وفي مقدمتها الولايات المتحدة ودول أوروبا، وذلك عبر التنسيق مع مواقع إلكترونية وإرهابية. وما بين الذكاء الصناعي والثورة المعلوماتية التكنولوجية، يغدو العالم برمته أمام موجة غير مسبوقة من التحديات الإرهابية، مما يزيد من العبء الملقى على عاتق الأجهزة الأمنية والاستخباراتية المكلفة بالمواجهة.

عن الذكاء الصناعي
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صرح ذات يوم في العالم الماضي بأن «من تكون له الريادة في الذكاء الصناعي، سيكون سيد العالم». تصريحات بوتين ولا شك كانت تحمل نبرة الصراع العالمي، مما استدعي ردات فعل من جانب الولايات المتحدة، حيث البعض هناك أدرك ولو متأخراً ما يمثله هذا الذكاء من كارثية مستقبلية، سيما وأن الصراع بين الأمم سيضحى معلوماتيا، بأكثر منه مواجهة أسلحة تقليدية معروفة. وفي تقرير صدر في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المنصرم عن «معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية» الفرنسي، نجد تصريحات لإيلون ماسك، المهندس الملياردير ورجل الأعمال الرؤيوي، الذي أعرب عن قلقله من إمكانية استخدام الذكاء الصناعي من قبل الإرهابيين حول العالم، وأشار إلى نيته لتأسيس معهد دراسات متخصص في هذا المجال من أجل تطويره لصالح البشرية، وليس ضدها.

«داعش» والذكاءات الشريرة
راهناً، يبقى «داعش» أكثر الجماعات الأصولية المتطرفة خطراً وفتكاً على الساحة الدولية، ونجح «الدواعش» في أن يضموا عناصر من المتقدمين علمياً في الكثير من المجالات التكنولوجية والرقمية، بينهم عناصر أوروبية وأميركية لديها خيرة في عالم «الفضاءات الرقمية»، لا على الأرض فقط. وفي العام الماضي 2017 أرسل «داعش» طائرات «درون» (من دون طيار)، صغيرة ومرنة جداً ومسلحة بقنابل يدوية، تمكّنت من مناوشة القوات العراقية في أكثر من مكان. وفي تونس استطاع «الدواعش» رسم صور عبر الكومبيوتر للتضاريس الجغرافية لبلدة بنقردان (جنوب شرقي تونس) وقاموا بعمل محاكاة للواقع قبل شن هجماتهم سواء للانتقام من رجالات الشرطة، أو لتنفيذ عمليات إرهابية جديدة، مما يعني أن الذكاء الصناعي يخفف الآن عبء الحصول على المعلومات الاستخباراتية على الجماعات المسلحة، ويعبد الطريق أمام عملياتهم.

الاختراق المعلوماتي كارثة محققة
ضمن سياقات الحرب التي يشنها «الدواعش»، تهديد المناوئين والمقاومين لهم، وذلك عبر نشر أسمائهم وأرقام هواتفهم وعناوينهم، ومن ثم إتاحة هذه جميعها للملأ، بهدف إحداث حالة من الرعب في نفوس هؤلاء وأولئك بداية، وتالياً تأليب الجماهير المؤدلجة عقائدياً ضدهم. وفي هذا الإطار يقوم «داعش» بما هو أخطر من تأسيس خلايا عنقودية إرهابية. فنحن الآن إذن أمام جزئيتين أساسيتين في تسخير «داعش» للذكاء الصناعي، الأولى الاختراق للحصول على المعلومات، والثانية جعل وسائط التواصل الاجتماعي أداة لينة وطيعة في اكتساب عناصر جديدة. ورغم الضربات اللوجيستية الفتاكة والانحسارات التي أصابت التنظيم على الأرض، يتوقع مراقبون موجة جديدة من الإرهاب القاتل سترب العالم، إذا قيض الذكاء الصناعي الطريق للعناصر المجندة لخدمة أجندة «داعش» بنوع خاص، وأي تنظيم إرهابي مؤدلج آخر حول العالم.
السيناريوهات الظلامية طويلة ومتعددة، ومنها ما يتصل بقدرات القراصنة لاختراق الشبكات الخاصة بالبنية التحتية للدول من شبكات مياه، أو كهرباء، أو جسور، أو مطارات، وقد تساءل بعضهم ماذا لو وجد الإرهابيون من الدواعش طريقاً لاقتحام بعض برامج الأقمار الصناعية التي تقوم على مساعدة الطيران المدني في الأجواء الدولية، وتالياً التحكم في مسارات تلك الطائرات وتوجيهها إلى حيث يريدون.

الأوروبيون والسيارات القاتلة
الآتي مرعب، ولا شك، سواءً كان بالنسبة للأوروبيين أو الأميركيين معاً. ولعل هذا ما دعا في فبراير (شباط) الماضي لعقد لقاء قمة لخبراء بلغ عددهم 26 خبيراً من عدة مؤسسات رائدة في العالم، ومنظمات لها دالة على أبحاث الذكاء الصناعي. ولقد التقى هؤلاء في بريطانيا بالتعاون مع معهد المستقبل في جامعة أكسفورد ومركز جامعة كامبريدج لدراسة المخاطر الموجودة، بمساهمة ماسك. وذهب المشاركون هناك إلى أنه من المحتمل استخدام الذكاء الصناعي من قبل مختلف الأشخاص، بمن فيهم المجرمون والإرهابيون.
وفي حال لم يتكاتف الباحثون وواضعو السياسات معا لدرء هذا الخطر، فقد يتسرب الذكاء الصناعي إلى أهم أجزاء حياتنا.
ومفهوم أن أوروبا شهدت خلال السنوات القليلة الماضية ضرباً من ضروب السيارات التي قادها إرهابيون في فرنسا وألمانيا وبريطانيا، مما أوقع العشرات بين قتيل وجريح. هؤلاء ربما لن تكون هناك حاجة إليهم في القريب، إذا بقيت تطورات الذكاءات الاجتماعية في يد الإرهابيين على النحو الذي نراه الآن. فخبراء أكسفورد يتحدثون عن سيارات ذاتية القيادة، ولك أن تتخيل وقوع تلك الأجيال من هذه السيارات في أيدي إرهابيين وكيف ستكون حينئذٍ قنابل موقوتة سائرة.
«داعش» والإنترنت
قبل نحو ثلاثة عقود راج تعبير في الأوساط الإعلامية مفاده أن «وسائل الإعلام قادرة على أن تصنع شتاء أو صيفا»، بمعني أنها يمكن أن تجعل الفصول الزمانية دافئة مستقرة أو حارة ملتهبة. وخلال شهر مايو (أيار) الماضي نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية تقريراً عن «أبو بكر البغدادي» زعيم «داعش» وعن مصيره، ومآلات «داعش» المستقبل.
باختصار، يقول التقرير إن «البغدادي» لم يمت، بل يعمل على إعداد الطبعة الجديدة من التنظيم، تلك التي تقوم على التجنيد عن بعد من خلال استخدام الوسائط الاجتماعية الحديثة لمواصلة القتال وخدمة مشروع «خلافته» المزعومة حول العالم بأدوات تكنولوجية وبتواصل معلوماتي متميّز. ويركز التقرير على أن البغدادي كان مدرّساً جامعياً قبل أن يصبح إرهابياً، وأنه في وقت مبكّر قرّر إعطاء الأولوية لتجنيد الأطفال والشباب داخل العراق أو سوريا وخارجهما عبر الإنترنت. وأن «البغدادي» مقتنع بأنه حتى إذا اختفى تنظيمه الحالي، فإن فكرته (أي «خلافته» المزعومة) ستستمر طالما استطاعت التأثير على الجيل القادم من خلال التعليم.

«فيسبوك» والإرهاب
حين بدأ مارك زوكربيرغ عالمه «فيسبوك»، كان هدفه الأول هو بناء عالم جميل من التواصل الإنساني الخلاق، وتحويل تعبير عالم الاجتماع الكندي الشهير مارشال ماكلوهان عن «القرية الكونية»، إلى واقع حي معاش يتجاوز الحدود والسدود الجغرافية. إلا أن «فيسبوك» أضحى مصيدة للإرهابيين للترويج لما يؤمنون به، فأضحت عقائدهم وأفكارهم سريعة الانتشار، بل وباتت عملية تجنيد عناصر جديدة مسألة يسيرة في أرجاء الكرة الأرضية. وليس سراً أن عدة عمليات إرهابية أخيرة استخدمت فيها أنظمة، سيما حادثة مسرح «الباتاكلان» في العاصمة الفرنسية باريس، والذي استخدمت فيه ألعاب إلكترونية من أجل التخطيط لواحدة من المذابح الإنسانية.

روبوتات صناعية أم بشرية؟
الجزئية الأخرى وليست الأخيرة في قصة تتجلى ملامحها ومعالمها في عالمنا المعاصر، موصولة بالروبوتات. فهل يمكن أن تستحوذ جماعات إرهابية مثل داعش «روبوتاً» قاتلاً في المستقبل القريب تعوض به مثلاً قلة عدد المنضمين إليها من الشباب لأي سبب؟ البروفسور نويل شاركي، الأستاذ المتخصص في مجال الذكاء الصناعي وأجهزة الروبوت في جامعة شيفيلد البريطانية، يقر بإمكانية حدوث ذلك، ولهذا تبنى حملة عنوانها «أوقفوا الروبوتات القاتلة». هنا قد يغدو الخيال العلمي واقع حال، بمعنى أنه يجعل إنساناً بشرياً روبوتاً صناعياً، من خلال تطوير معالجات إلكترونية فائقة السرعة قابلة للزرع داخل الدماغ البشري، وساعتها سنجد فكرة «فرانكشتين» الخيالية تتجسد في روبوت بشري شرير قادر على تهديد العالم.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».