الذكاء الصناعي... طريق الإرهاب الأكبر والأخطر

روبوتات بشرية وسيارات ذاتية القيادة وأقمار صناعية مختطفة

الذكاء الصناعي... طريق الإرهاب الأكبر والأخطر
TT

الذكاء الصناعي... طريق الإرهاب الأكبر والأخطر

الذكاء الصناعي... طريق الإرهاب الأكبر والأخطر

قبل بضعة أسابيع حذرت كيرستين نيلسن، وزيرة أمن الوطن في الولايات المتحدة، في مقابلة لها مع مجلة «تايم» الأميركية تحذر من استعمال الإرهابيين خلال العقود المقبلة طائرات «الدرون» (من دون طيار)، - التي هي نتاج لما بات يعرف بالذكاء الصناعي - وطالبت بسن القوانين التي تساعد على ضمان حماية الشعب الأميركي من هذا الخطر.
تصريحات نيلسن تلفت الأنظار إلى قضية «الذكاء الصناعي التكنولوجي» وهل هو دائماً خير في منفعة الإنسانية أم يمكن له أن يضحى شراً مستطيراً يهدّد الآمنين والمطمئنين، إذا عرف طريقة إلى الإرهابيين، أولئك الذين باتوا بدورهم على درجة عالية من القدرة على التعاطي مع التكنولوجيا المتقدمة، ومن المقدرة على تطوير آليات خاصة بهم تفعل فعلها في عوالم الإرهاب والجريمة عبر الحدود.
لعل إشكالية الذكاء الصناعي باتت تتقاطع كذلك مع كبريات التنظيمات الإرهابية وفي مقدمها «داعش» إذ تشير آخر التقارير إلى أن «أبو بكر البغدادي» زعيم «داعش» بات يركز على اختراق الدول المعادية للتنظيم، وفي مقدمتها الولايات المتحدة ودول أوروبا، وذلك عبر التنسيق مع مواقع إلكترونية وإرهابية. وما بين الذكاء الصناعي والثورة المعلوماتية التكنولوجية، يغدو العالم برمته أمام موجة غير مسبوقة من التحديات الإرهابية، مما يزيد من العبء الملقى على عاتق الأجهزة الأمنية والاستخباراتية المكلفة بالمواجهة.

عن الذكاء الصناعي
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صرح ذات يوم في العالم الماضي بأن «من تكون له الريادة في الذكاء الصناعي، سيكون سيد العالم». تصريحات بوتين ولا شك كانت تحمل نبرة الصراع العالمي، مما استدعي ردات فعل من جانب الولايات المتحدة، حيث البعض هناك أدرك ولو متأخراً ما يمثله هذا الذكاء من كارثية مستقبلية، سيما وأن الصراع بين الأمم سيضحى معلوماتيا، بأكثر منه مواجهة أسلحة تقليدية معروفة. وفي تقرير صدر في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المنصرم عن «معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية» الفرنسي، نجد تصريحات لإيلون ماسك، المهندس الملياردير ورجل الأعمال الرؤيوي، الذي أعرب عن قلقله من إمكانية استخدام الذكاء الصناعي من قبل الإرهابيين حول العالم، وأشار إلى نيته لتأسيس معهد دراسات متخصص في هذا المجال من أجل تطويره لصالح البشرية، وليس ضدها.

«داعش» والذكاءات الشريرة
راهناً، يبقى «داعش» أكثر الجماعات الأصولية المتطرفة خطراً وفتكاً على الساحة الدولية، ونجح «الدواعش» في أن يضموا عناصر من المتقدمين علمياً في الكثير من المجالات التكنولوجية والرقمية، بينهم عناصر أوروبية وأميركية لديها خيرة في عالم «الفضاءات الرقمية»، لا على الأرض فقط. وفي العام الماضي 2017 أرسل «داعش» طائرات «درون» (من دون طيار)، صغيرة ومرنة جداً ومسلحة بقنابل يدوية، تمكّنت من مناوشة القوات العراقية في أكثر من مكان. وفي تونس استطاع «الدواعش» رسم صور عبر الكومبيوتر للتضاريس الجغرافية لبلدة بنقردان (جنوب شرقي تونس) وقاموا بعمل محاكاة للواقع قبل شن هجماتهم سواء للانتقام من رجالات الشرطة، أو لتنفيذ عمليات إرهابية جديدة، مما يعني أن الذكاء الصناعي يخفف الآن عبء الحصول على المعلومات الاستخباراتية على الجماعات المسلحة، ويعبد الطريق أمام عملياتهم.

الاختراق المعلوماتي كارثة محققة
ضمن سياقات الحرب التي يشنها «الدواعش»، تهديد المناوئين والمقاومين لهم، وذلك عبر نشر أسمائهم وأرقام هواتفهم وعناوينهم، ومن ثم إتاحة هذه جميعها للملأ، بهدف إحداث حالة من الرعب في نفوس هؤلاء وأولئك بداية، وتالياً تأليب الجماهير المؤدلجة عقائدياً ضدهم. وفي هذا الإطار يقوم «داعش» بما هو أخطر من تأسيس خلايا عنقودية إرهابية. فنحن الآن إذن أمام جزئيتين أساسيتين في تسخير «داعش» للذكاء الصناعي، الأولى الاختراق للحصول على المعلومات، والثانية جعل وسائط التواصل الاجتماعي أداة لينة وطيعة في اكتساب عناصر جديدة. ورغم الضربات اللوجيستية الفتاكة والانحسارات التي أصابت التنظيم على الأرض، يتوقع مراقبون موجة جديدة من الإرهاب القاتل سترب العالم، إذا قيض الذكاء الصناعي الطريق للعناصر المجندة لخدمة أجندة «داعش» بنوع خاص، وأي تنظيم إرهابي مؤدلج آخر حول العالم.
السيناريوهات الظلامية طويلة ومتعددة، ومنها ما يتصل بقدرات القراصنة لاختراق الشبكات الخاصة بالبنية التحتية للدول من شبكات مياه، أو كهرباء، أو جسور، أو مطارات، وقد تساءل بعضهم ماذا لو وجد الإرهابيون من الدواعش طريقاً لاقتحام بعض برامج الأقمار الصناعية التي تقوم على مساعدة الطيران المدني في الأجواء الدولية، وتالياً التحكم في مسارات تلك الطائرات وتوجيهها إلى حيث يريدون.

الأوروبيون والسيارات القاتلة
الآتي مرعب، ولا شك، سواءً كان بالنسبة للأوروبيين أو الأميركيين معاً. ولعل هذا ما دعا في فبراير (شباط) الماضي لعقد لقاء قمة لخبراء بلغ عددهم 26 خبيراً من عدة مؤسسات رائدة في العالم، ومنظمات لها دالة على أبحاث الذكاء الصناعي. ولقد التقى هؤلاء في بريطانيا بالتعاون مع معهد المستقبل في جامعة أكسفورد ومركز جامعة كامبريدج لدراسة المخاطر الموجودة، بمساهمة ماسك. وذهب المشاركون هناك إلى أنه من المحتمل استخدام الذكاء الصناعي من قبل مختلف الأشخاص، بمن فيهم المجرمون والإرهابيون.
وفي حال لم يتكاتف الباحثون وواضعو السياسات معا لدرء هذا الخطر، فقد يتسرب الذكاء الصناعي إلى أهم أجزاء حياتنا.
ومفهوم أن أوروبا شهدت خلال السنوات القليلة الماضية ضرباً من ضروب السيارات التي قادها إرهابيون في فرنسا وألمانيا وبريطانيا، مما أوقع العشرات بين قتيل وجريح. هؤلاء ربما لن تكون هناك حاجة إليهم في القريب، إذا بقيت تطورات الذكاءات الاجتماعية في يد الإرهابيين على النحو الذي نراه الآن. فخبراء أكسفورد يتحدثون عن سيارات ذاتية القيادة، ولك أن تتخيل وقوع تلك الأجيال من هذه السيارات في أيدي إرهابيين وكيف ستكون حينئذٍ قنابل موقوتة سائرة.
«داعش» والإنترنت
قبل نحو ثلاثة عقود راج تعبير في الأوساط الإعلامية مفاده أن «وسائل الإعلام قادرة على أن تصنع شتاء أو صيفا»، بمعني أنها يمكن أن تجعل الفصول الزمانية دافئة مستقرة أو حارة ملتهبة. وخلال شهر مايو (أيار) الماضي نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية تقريراً عن «أبو بكر البغدادي» زعيم «داعش» وعن مصيره، ومآلات «داعش» المستقبل.
باختصار، يقول التقرير إن «البغدادي» لم يمت، بل يعمل على إعداد الطبعة الجديدة من التنظيم، تلك التي تقوم على التجنيد عن بعد من خلال استخدام الوسائط الاجتماعية الحديثة لمواصلة القتال وخدمة مشروع «خلافته» المزعومة حول العالم بأدوات تكنولوجية وبتواصل معلوماتي متميّز. ويركز التقرير على أن البغدادي كان مدرّساً جامعياً قبل أن يصبح إرهابياً، وأنه في وقت مبكّر قرّر إعطاء الأولوية لتجنيد الأطفال والشباب داخل العراق أو سوريا وخارجهما عبر الإنترنت. وأن «البغدادي» مقتنع بأنه حتى إذا اختفى تنظيمه الحالي، فإن فكرته (أي «خلافته» المزعومة) ستستمر طالما استطاعت التأثير على الجيل القادم من خلال التعليم.

«فيسبوك» والإرهاب
حين بدأ مارك زوكربيرغ عالمه «فيسبوك»، كان هدفه الأول هو بناء عالم جميل من التواصل الإنساني الخلاق، وتحويل تعبير عالم الاجتماع الكندي الشهير مارشال ماكلوهان عن «القرية الكونية»، إلى واقع حي معاش يتجاوز الحدود والسدود الجغرافية. إلا أن «فيسبوك» أضحى مصيدة للإرهابيين للترويج لما يؤمنون به، فأضحت عقائدهم وأفكارهم سريعة الانتشار، بل وباتت عملية تجنيد عناصر جديدة مسألة يسيرة في أرجاء الكرة الأرضية. وليس سراً أن عدة عمليات إرهابية أخيرة استخدمت فيها أنظمة، سيما حادثة مسرح «الباتاكلان» في العاصمة الفرنسية باريس، والذي استخدمت فيه ألعاب إلكترونية من أجل التخطيط لواحدة من المذابح الإنسانية.

روبوتات صناعية أم بشرية؟
الجزئية الأخرى وليست الأخيرة في قصة تتجلى ملامحها ومعالمها في عالمنا المعاصر، موصولة بالروبوتات. فهل يمكن أن تستحوذ جماعات إرهابية مثل داعش «روبوتاً» قاتلاً في المستقبل القريب تعوض به مثلاً قلة عدد المنضمين إليها من الشباب لأي سبب؟ البروفسور نويل شاركي، الأستاذ المتخصص في مجال الذكاء الصناعي وأجهزة الروبوت في جامعة شيفيلد البريطانية، يقر بإمكانية حدوث ذلك، ولهذا تبنى حملة عنوانها «أوقفوا الروبوتات القاتلة». هنا قد يغدو الخيال العلمي واقع حال، بمعنى أنه يجعل إنساناً بشرياً روبوتاً صناعياً، من خلال تطوير معالجات إلكترونية فائقة السرعة قابلة للزرع داخل الدماغ البشري، وساعتها سنجد فكرة «فرانكشتين» الخيالية تتجسد في روبوت بشري شرير قادر على تهديد العالم.


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».