«نصوص القسوة»... رواية بنكهة مسرحية

الإماراتية باسمة يونس في عمل يمزج بين النوعين

«نصوص القسوة»... رواية بنكهة مسرحية
TT
20

«نصوص القسوة»... رواية بنكهة مسرحية

«نصوص القسوة»... رواية بنكهة مسرحية

الإماراتية باسمة يونس تكتب القصة القصيرة، والرواية، والنص المسرحي، والمقال الصحافي، وأكثر من ذلك فهي تمتلك قصب السبق في كتابة النص الروائي النسوي في الإمارات، إذ أصدرت عام 1990 رواية «ملائكة وشياطين» التي عدّها النقاد ومؤرخو الأدب أول رواية نسوية إماراتية.
وعلى الرغم من أهمية الروايات التي أنجزتها لاحقاً مثل «لعلهُ أنت» و«حتى آخر الشهر - حكايات يناير» فإن روايتها الأخيرة التي تحمل عنوان «نصوص القسوة» الصادرة عن اتحاد كُتّاب وأدباء الإمارات في «أبوظبي» هي الأكثر إشكالية من رواياتها الثلاث السابقات من ناحيتي الشكل الجديد، والاختزال المضموني إلى حدّ التقشّف والاكتفاء بثيمة واحدة وهي «القسوة» التي ستتوهج على مدار النص الروائي بدءاً من مُقتَبَس ابن القيّم الذي يقول فيه: «ما خُلِقت النار إلاّ لإذابة القلوب القاسية، فإذا قسا القلب قحطت العين»، حتى الصفحة الأخيرة من الرواية التي لم يغادر فيها المُخرج قسوته المعهودة في اتخاذ القرار المتعلق بالموافقة على النصوص التي كتبتها المؤلفة أو رفضها جملةً وتفصيلاً.
وأول أشكال هذه القسوة هو تغيير شكل الرواية المتعارف عليه في ذهن القارئ، وخلخلة قُدرات النص المسرحي إلى درجة معيّنة لا تسمح بمسخِه أو تشويه معالمه الأساسية. هل ستنجح باسمة يونس في اجتراح نص سردي جديد يجمع بين الرواية والمسرحية ليفضي، في خاتمة المطاف، إلى نص أدبي مُهجَّن يتلاقح فيه السرد الروائي بالتقنيات المسرحية المستدعاة من أزمنة مختلفة؟ وإذا نجحت الروائية في اجتراح هذا النص السردي المهجّن فهل سيكون بإمكانها تحويل القسوة إلى مشاعر حُبٍّ غامرة تغدقها على الشخصيات التي تعرضت لقسوة مُجحفة في كثير من النصوص المسرحية في العالم؟
تتكون بنية النص الروائي من ثلاثة عشر مقطعاً سردياً وأربعة نصوص مسرحية وجدت طريقها بين المقطعين الثاني عشر والثالث عشر، كأن الروائية توحي لنا بأنها ذوّبت النصوص المسرحية الأربعة وحوّلتها إلى مادة سردية طريفة، فعلى الرغم من قسوة الأفكار الواردة فيها فإن جديدها صادم ومدهش، فلأول مرة يلعب المؤلفون أدوار البطولة في نصوصهم المسرحية، وأنّ الشخصيات المُضطهَدة والمقموعة التي تعرضت للقسوة ستُحاسب المؤلفينَ الأربعة على قسوتهم الأبدية، فما هو مكتوب على الورق قد ترسّخ في أذهان الناس، ولا أحد يمتلك الحق أو القدرة على تغيير مصائر هذه الشخصيات. أول هذه النصوص هو نص «عُطيل وديدمونة» الذي كتبه وليم شكسبير عام 1603م، وهو يدور حول الحُب، والغيرة، والخيانة، ولا تجد حرجاً في ملامسة النَّفَس العنصري قدر تعلق الأمر بالجنرال المغربي الذي أحبّ ديدمونة وتزوجها ثم أزهق روحها بسبب الغيرة القاتلة، الأمر الذي يدفع بالشخصيات الرئيسة لأن تقاصص شكسبير وتطرح عليه عدداً من الأسئلة الاستنكارية عن الأسباب الكامنة وراء دفعهم إلى ارتكاب جرائم من قبيل السرقة، والتآمر، والخيانة الزوجية، والقتل وما إلى ذلك. فعُطيل يقتل ديدمونة، ثم ينتحر، وياغو يخون صديقه عُطيل، وإميليا تأخذ المنديل وتخون صديقتها من دون قصد حين تعطيه لزوجها «ياغو» وتكون سبباً غير مباشر في ارتكاب الجريمة... ثم يأتي رد شكسبير واضحاً لا غُبار عليه، وهو أنّ النص يحتاج إلى قسوة، ومن دونها فإن الفشل سيكون حليفه «لو كان الجميع متصالحين متحابين ومتعاطفين».
والأمر الوحيد الخارج عن إرادته هو أن بعض المترجمين قد يتلاعبون ببعض الكلمات، أو يحاولون تخفيف القسوة في بعض المواضع التي يعتقدون أنها تلقى قبولاً لدى المتلقين الذين يتفاعلون مع النصوص المسرحية، ويتماهون في أجوائها المأساوية. كما نخلص إلى القول بأن المآسي تستفزّ الآخرين ولا تسعى إلى إمتاعهم، حسب شكسبير نفسه، الذي عتقد بأنه أقل قسوة من كُتّاب آخرين.
تُشعرنا الروائية باسمة يونس عند الانتقال إلى النص المسرحي الثاني بسلاسة السرد وعذوبته كأننا نتابع نسقاً روائياً متدفقاً خالياً من العَثَرات، وهكذا نجد أنفسنا أمام مسرحية «موت بائع متجول» التي أنجزها آرثر ميلر عام 1949م، ليضعنا بمواجهة ثلاث ثيمات أساسية: الصراع بين الأجيال، والحُلم الأميركي، والانتحار الذي تتسيّد فيه القسوة التي أظهرها المؤلف ليبزّ بها قسوة شكسبير في غالبية أعماله المسرحية. لا شك في أن الانتحار فكرة صادمة تشدّ انتباه المتلقين وتضعهم في دائرة الخوف والهلع، كما أن الأب «ويلي» لم ينتحر نتيجة لذنب اقترفه أو جريمة ارتكبها وإنما لأن ولده لم يحقق أحلامه بالنجاح، إذ فشل في درس الرياضات وتخلّف عن أقرانه. ثمة أسئلة كثيرة كانت تدور في ذهن الأب «ويلي» من بينها: لماذا أقدمَ على الانتحار وفرّ سريعاً من المواجهة؟ لماذا أقام علاقة مع موظفة الاستقبال في فندق بمدينة بوسطن؟ ولماذا تزامنت هذه العلاقة مع وصول ابنه «بيف» الذي قَدِم دون سابق إنذار؟ لا تلقى هذه الأسئلة إجابات مُقنعة لأن الكاتب المسرحي يبحث عن الصدمة والإثارة التي يُسببها لمتلقّيه، ولا يمكن بالنتيجة محو حبكة درامية تعبِّر عن حجم القسوة التي فرضتها الحياة على الأب «ويلي» الذي خان زوجته، وخذل ابنه «بيف» الذي رفض أن يكون رجل أعمال، فيما سار «هابي» على خُطى أبيه ليصبح بائعاً متجولاً.
تأخذنا الروائية في نسقها السردي إلى «أوديب ملكا» لسفوكليس التي جُسِّدت على خشبة المسرح أول مرة عام 429 ق.م لتزجّنا في موقف درامي لا نُحسد عليه، فهذه المأساة معروفة في مختلف أرجاء العالم حيث يقتل أوديب أباه، ويتزوج أمه، ويُنجب منها أشقاءه الأربعة، وحينما يكتشف فعلته النكراء يسمل عينيه، ويهيم على وجهه في البريّة. أما ردّ الكاتب على أسئلة الشخصيات فيمكن إيجازه في فكرة واحدة مفادها: «أردت أن أُري العالم معنى القسوة والوحشية»، ولكي يخفف من غلواء شخصياته المفجوعة تذرّع بأنه كتب النص في زمن الأساطير والخرافات والنبوءات التي كانت رائجة آنذاك.
أما المسرحية الرابعة «جثة على الرصيف» التي كتبها سعد الله ونوس عام 1964م، بلغة مُرّة لاذعة فهي تصور معاناة الفقراء والمعوَزين بسبب قسوة أسيادهم الأرستقراطيين الذين يمثلون أدوات السلطة في مجتمعاتنا العربية. كلتا الشخصيتين في النص المسرحي تحاكم المؤلف، فالجثة تسأل عن سبب تحويلها إلى مجرد جثة، و«أسامة» يسأل عن سبب تحويله إلى مشرّد على الرصيف الكائن أمام منزل رجل ثري يعاملهم بكل ما أوتي من قسوة ووحشية وفظاظة فيأتي ردّ ونوس بأن «الإلهام سيد الكتابة»، كأنّ المؤلف لا دور له في الإبداع، ثم يطلب منهما الكفّ عن الجدال لأن كل ما يُقال لا طائل تحته.
كان ردّ المخرج على هذه النصوص المسرحية التي ينوي إخراجها مُحايداً، وقاسياً قسوة المؤلفين السابقين الأربعة على شخصياتهم المُختلَقة التي تعيش في ذاكرتنا منذ الأزل، وسوف تبقى معنا إلى الأبد، لأن النصوص القاسية، كما تذهب الروائية، هي التي تصمد كلما تقادمت الأعوام.
خلاصة القول، إن «نصوص القسوة» هي رواية تجريبية جديرة بالقراءة لما تنطوي عليه من تحطيم للبنية التقليدية، وتجاوز السرد الخطي، والاعتماد على تقنيتي الاسترجاع والاستشراف الزمنيين اللتين استعانت بهما الكاتبة لتجديل الثيمات المسرحية في النص الروائي.



السعودية الأولى عالمياً في تمكين المرأة بمجال الذكاء الاصطناعي

يعكس الإنجاز فاعلية سياسات السعودية الطموحة ومبادراتها النوعية لتمكين المرأة في القطاعات التقنية (واس)
يعكس الإنجاز فاعلية سياسات السعودية الطموحة ومبادراتها النوعية لتمكين المرأة في القطاعات التقنية (واس)
TT
20

السعودية الأولى عالمياً في تمكين المرأة بمجال الذكاء الاصطناعي

يعكس الإنجاز فاعلية سياسات السعودية الطموحة ومبادراتها النوعية لتمكين المرأة في القطاعات التقنية (واس)
يعكس الإنجاز فاعلية سياسات السعودية الطموحة ومبادراتها النوعية لتمكين المرأة في القطاعات التقنية (واس)

حقّقت السعودية المرتبة الأولى عالمياً في تمكين المرأة بمجال الذكاء الاصطناعي، مُحرزةً تقدماً في نسبة نمو الوظائف واستقطاب الكفاءات، وعدد النماذج الرائدة، لتضيف بذلك إنجازاً جديداً لسجل تفوقها الدولي فيه، وذلك وفق مؤشر «ستانفورد للذكاء الاصطناعي 2025»، الذي يُعدُّ مرجعاً دولياً موثوقاً لصُنّاع السياسات والباحثين وخبراء الصناعة لفهم واقع القطاع واتجاهاته المستقبلية على مستوى العالم.

ويعكس هذا الإنجاز فاعلية السياسات الطموحة والمبادرات النوعية التي أطلقتها السعودية لدعم مشاركة المرأة وتمكينها في القطاعات التقنية، تحقيقًا لـ«رؤية 2030»، خصوصاً في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال توفير برامج تدريبية متقدمة وفرص لتطوير المهني، ما أسهم في تعزيز حضور الكفاءات النسائية في هذا المجال، وترسيخ مكانة المملكة بوصفها مرجعاً عالمياً في توفير فرص متكافئة بين الجنسين فيه.

وجاءت السعودية في المرتبة الثالثة عالمياً في نسبة نمو وظائف الذكاء الاصطناعي لعام 2024، والرابعة في عدد نماذجه الرائدة التي قامت بنشرها ضمن 7 دول، منها: الولايات المتحدة، والصين، وفرنسا، وكندا، وكوريا، وفق تصنيف المؤشر.

وأوضح المؤشر أن السعودية الثامنة عالمياً في استقطاب كفاءات الذكاء الاصطناعي، ما يعكس قدرتها على توفير بيئة مستقرة ومحفزة تستوعب المواهب الوطنية، وتدعم الابتكار ونقل المعرفة، وتُسهم في بناء منظومة متقدمة ومستدامة بهذا القطاع الحيوي، إلى جانب جاذبيتها المتنامية لاستقطاب الكفاءات العالمية فيه.

وفّرت السعودية بيئة محفزة تستوعب المواهب الوطنية وتدعم الابتكار ونقل المعرفة (واس)
وفّرت السعودية بيئة محفزة تستوعب المواهب الوطنية وتدعم الابتكار ونقل المعرفة (واس)

وتُمثِّل المؤشرات ثمرة جهود المملكة لتحقيق الريادة العالمية في المجال، بقيادة الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي «سدايا»، التي تتولى تعزيز مكانة البلاد بصفتها دولة رائدة فيه، عبر بناء القدرات الوطنية، وتطوير السياسات، وتمكين الاستثمار، وتحفيز الابتكار، وتحسين البنية التحتية التقنية، وتعزيز تبني الحلول في القطاعات ذات الأولوية بما يحقق مستهدفات «رؤية 2030».

وقدّمت «سدايا» جهوداً ملموسة نتج عنها تصدر السعودية في تمكين المرأة، عبر مبادرات كثيرة، منها برنامج «Elevate» بالتعاون مع شركة «غوغل كلاود»، الذي سعى لتمكين أكثر من 25 ألف سيدة بمجالات التقنية والذكاء الاصطناعي، ومعسكرات وبرامج تدريبية متخصصة أسهمت في تأهيل كوادر نسائية سعودية قادرة على الريادة في القطاع، بما يُعزّز حضورهن محلياً وعالمياً.

ويأتي تقدُّم السعودية في المؤشر نتيجة مبادرات وبرامج ومشروعات أطلقتها الهيئة لبناء القدرات الوطنية من خلال مبادرات نوعية، أبرزها البرنامج الوطني «أذكى U» الهادف إلى تمكين طلبة الجامعات السعودية في المجال، والأولمبياد الوطني «أذكى» الذي يستقطب المواهب الناشئة، ويصقل مهاراتهم، ومبادرة «سماي» التي تسهم في رفع الوعي التقني، وترسيخ ثقافة الذكاء الاصطناعي في المجتمع.

برامج تدريبية متقدمة وفرص تطوير مهني عزّزت حضور المرأة في مجال الذكاء الاصطناعي (واس)
برامج تدريبية متقدمة وفرص تطوير مهني عزّزت حضور المرأة في مجال الذكاء الاصطناعي (واس)

وعملت «سدايا» على ترسيخ مكانة السعودية ضمن الدول الجاذبة للكفاءات والمهارات في المجال، عبر مبادرات دولية مثل: المرحلة الأولى من «Elevate» ضم نحو 1000 امرأة من 28 دولة، والأولمبياد الدولي للذكاء الاصطناعي، وإطلاق أكاديمية «NVIDIA» بالتعاون مع الشركاء الدوليين، وعقد شراكة استراتيجية مع «مايكروسوفت» للتدريب والتطوير، وإنشاء المركز الدولي لبحوث وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي بمدينة الرياض تحت رعاية منظمة «اليونيسكو»، الذي يُعزز ريادة المملكة العالمية في وضع الأطر الأخلاقية والتشريعية للتقنيات الناشئة.

وأبرزت الهيئة جهود السعودية عبر إدراج النموذج اللغوي الضخم «علام» الذي طوَّرته على منصة «Hugging Face» العالمية، ضمن أفضل النماذج التوليدية باللغة العربية عالمياً، وإدراجه في منصة «watsonx» التابعة لشركة «آي بي إم» خلال مؤتمر «IBM Think 2024» بمرحلته التجريبية، ما يؤكد مكانة البلاد بصفتها قوة فاعلة في تطوير حلول الذكاء الاصطناعي.

وتعمل «سدايا» وفق رؤية استراتيجية عميقة تهدف إلى مواصلة تحديث أجندة البيانات والذكاء الاصطناعي، وتوفير الإمكانات المتعلقة بالبيانات والقدرات الاستشرافية، وتعزيزها بالابتكار المتواصل في المجال، بما يضمن الارتقاء بالمملكة إلى الريادة ضمن الاقتصادات القائمة على المعلومات والبيانات والذكاء الاصطناعي.