كرة القدم في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي... تاريخ كراهية وعنصرية وتمييز

منتخب فلسطين شارك في تصفيات كأس العالم سنة 1934

أطفال فلسطينيون يلعبون الكرة في أحد المخيمات
أطفال فلسطينيون يلعبون الكرة في أحد المخيمات
TT

كرة القدم في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي... تاريخ كراهية وعنصرية وتمييز

أطفال فلسطينيون يلعبون الكرة في أحد المخيمات
أطفال فلسطينيون يلعبون الكرة في أحد المخيمات

تُعد لعبة كرة القدم، الأكثر ممارسة وشعبية، اللعبة الأكثر محاكاة وتأثيراً في السياسات الداخلية والخارجية للدول الكبرى والصغرى، القوية والضعيفة.
ووسط السجالات الساخنة حول الفصل بين الرياضة والسياسة، وضرورة استبدال تسييس الرياضة بترويض السياسة، أي تعميم الروح الرياضية، تبرز أهمية مقاربة طبيعة الاختلافات بين الرياضة والسياسة، من خلال طرح رزمة من التساؤلات والإشكاليات، منها: هل تُصلح الرياضة ما تفسده السياسة؟ وهل يعد اقتراح الرئيس السابق لـ«فيفا»، جوزيف بلاتر، لحل قضية فلسطين، برعاية مباراة سلام في كرة القدم بين منتخب إسرائيل ومنتخب فلسطين اقتراحاً عقلانياً ومفيداً؟ ثم كيف تستغل الدول كرة القدم في خدمة أغراضها وأجنداتها السياسية داخلياً وخارجياً؟ وما حجم تأثير كرة القدم على المستوى السياسي الداخلي والخارجي للدولة؟ وكيف يمكن لكرة القدم أن تساعد القيادة السياسية في تعزيز شرعيتها وتأمين التأييد للنظام القائم، والتحكم في السلوك السياسي للأفراد والجماعات؟

ساهم عدد من الباحثين والكتاب في الإجابة عن رزمة الأسئلة المُثارة، ودرسوا أثر الألعاب الرياضية على السياسة والعلاقات الدولية. فأثبت محمد مفتي، في كتابه «الدور السياسي للألعاب الرياضية»، العلاقة بين الألعاب الرياضية والسياسة الدولية. وأوضح محمد السيد سليم، في كتابه «تحليل السياسة الخارجية»، أن الدول توظف الألعاب الرياضية في تنفيذ سياستها الخارجية؛ ذلك لأن الألعاب الرياضية تمتاز بخصائص عدة، فهي أداة آمنة لتنفيذ السياسة الخارجية.
وتحدث أندريه ماركوفيتز ولارس رينسمان، عن قضية تحويل العالم إلى قرية صغيرة، وتوحيد ثقافة البشر، في كتاب «Gaming the world: how sports are reshaping global politics and culture». وقام المحرران روجر ليفرمور وأدريان باد، في كتاب «Sport And International Relations، An Emerging Relationship» بجمع الكثير من الدراسات التي كتبت حول موضوع العلاقة بين الرياضة والسياسة، وتركزت حول بناء الدولة والعلاقات بين الدول بمساعدة الألعاب الرياضية.
وأسس فلاسفة وعلماء اجتماع، تياراً أطلقوا عليه «النظرية الناقدة للرياضة»، وفي مقدمتهم جان ماري بروم، مؤلف كتاب «السوسيولوجيا السياسية للرياضة»، ومارك بيريلمان، وروبير ريديكه، ولوي - فانسان توما. وأكد الفرنسي فابيان أولييه في كتاباته، أن الرياضة وسيلة قمع، وأن قطاعها هو مجال لنمو الرأسمالية، وأنها مصنع لأدلجة الأجساد، ونمذجتها. وأصدر الكتب التالية: «الوهم الرياضي: سوسيولوجيا الآيديولوجيا الشمولية»، «تزمت كرة القدم»، محللاً فيه، وبالتعاون مع هنري فوغران، مونديال عام 2002، بحيث قدمه كاحتفالية لتكريس المجاعة السياسية والاقتصادية في العالم؛ «الهوس الكروي: نقد لظاهرة شمولية»؛ «مرض الـPCF الطفولي»؛ وكتاب «أساطير رياضية وقمع جنسي» عن الإرث السوفياتي للحزب الشيوعي الفرنسي وعلاقته بالرياضة.

- في شباك السياسات
يبين التاريخ السياسي لكرة القدم في الشرق الأوسط، محطات وأشكال التداخل والتأثر والتأثير المتبادل، سلباً وإيجاباً، بين هذه الرياضة، على نحو حصري، وسياسات الحكومات، والاستغلال السياسي لها من قبل بعض الأنظمة السياسية.
وبما أن لكرة القدم جماهير غفيرة من الشباب، وهم القوة الأساسية في المجتمع، فإن النظام السياسي، يستفيد من انخراطهم في نوادٍ رياضية وانشغالهم بالتعصب الكروي بدلاً من انخراطهم في نشاطات سياسية. أو يستغل تلك النوادي جماهيرياً وسياسياً، ويقوم بتوجيهها إعلامياً، وبذل المال والامتيازات لقادتها وفرقها من الأموال العامة. فضلاً عن تسخير كرة القدم نفسها للتنفيس وتفريغ الضغوط والأزمات النفسية مؤقتاً، داخل الملاعب وأمام شاشات العرض في المقاهي والساحات العامة.
ويعتقد جيمس دورسي، صاحب المدونة «العالم المضطرب لكرة القدم في الشرق الأوسط»، أن ملاعب كرة القدم في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: «أصبحت، على مدار السنوات الكثيرة الماضية، ميادين معارك للحقوق السياسية والجنسانية والعمالية، فضلاً عن قضايا الهوية الوطنية والآيديولوجية والعرقية. وأن فحص الدور الحديث والتاريخي لمشجعي كرة القدم المتشددين في مصر، والأردن، وإيران، وبلدان أخرى، يمكن أن يساعد في إلقاء الضوء على موقف كل مجتمع حيال هذه القضايا في الوقت الحاضر».

- الصراع الرياضي الفلسطيني - الإسرائيلي
تتكثف علاقة معقدة بين السياسة والرياضة، وعلى نحو خاص رياضة كرة القدم والصراع العربي - الصهيوني في مستواه الفلسطيني - الإسرائيلي. فالقضية الفلسطينية تبدو أقرب إلى الكرة، وجغرافية فلسطين هي الملعب، وحدودها الانتدابية هي حدود الملعب، بينما حدود الاحتلال لعام 1967 هي حدود التماس، والقدس هي منطقة الجزاء، والمستوطنون والمتطرفون الإسرائيليون هم الهوليغانز، أو المشجعون المتعصبون. وتحل روح الكراهية والعنصرية محل الروح الرياضية. ويقوم رئيس الحكومة الإسرائيلية بدور المدرب وليبيرو الفريق الإسرائيلي، ويقابله الفريق الفلسطيني الذي يفتقد خطة لعب سياسي واضحة المعالم، في أشواط المفاوضات وركلاتها الترجيحية أو المباشرة.
تعود جذور الحركة الرياضية في فلسطين إلى نهاية القرن التاسع عشر، عندما بدأت بعض الإرساليات الأجنبية في تأسيس مدارس خاصة بها في الكثير من المدن الفلسطينية. وجرى تشكيل أول فريق لكرة القدم على مستوى مدرسي، في عام 1908 في مدرسة المطران St. George في القدس.
ويعتبر الاتحاد الفلسطيني الذي تأسس عام 1928، من أوائل الاتحادات العربية والآسيوية التي شاركت، لمرتين متتاليتين، في تصفيات كأس العالم عام 1934 و1938، وهو أكثر الاتحادات نشاطاً وحيوية، ونجح رغم الصعوبات الكبيرة التي ما زالت تعترض طريقه، في تنظيم ست مسابقات لبطولتي الدوري والكأس لأندية الضفة الغربية وقطاع غزة.
وانضمت فلسطين رسمياً، للاتحاد الدولي لكرة القدم عام 1929، وشاركت في تصفيات كأس العالم، الذي أقيم في إيطاليا سنة 1934، وكانت نتيجة مباراتي فلسطين أمام مصر، هما الفاصلتان في الوصول إلى نهائيات مونديال إيطاليا 1934. وقد خسرت فلسطين مباراتيها أمام مصر في القدس والقاهرة، وتأهلت مصر إلى النهائيات. وشاركت فلسطين في تصفيات كأس العالم 1938، وفي ضوء ذلك كان المنتخب الوطني الفلسطيني لكرة القدم، أول منتخب عربي آسيوي يشارك في تصفيات كأس العالم.
وازدهرت الكرة الفلسطينية في بداية الثلاثينات والأربعينات، ونشأت فرق فلسطينية منها: نادي الدجاني والأرثوذكسي في القدس، ونادي إسلامي يافا وإسلامي حيفا، والنادي القومي وعكا الرياضي في عكا، ونادي غزة الرياضي والنادي العربي والنادي الأرثوذكسي في غزة. ومن أشهر اللاعبين الفلسطينيين في تلك الفترة، جبر الزرقة، جورج مارديني، ميشيل الطويل، عبد الرحمن الهباب وحيدر عبد الشافي.
وشهد قطاع غزة في ستينات القرن الماضي، تقدماً كروياً في ظل انتظام المسابقات الرسمية للدوري والكأس، حيث شاركت الفرق الفلسطينية في الضفة الغربية بمسابقات الدوري الأردني.
ومع عودة السلطة الوطنية الفلسطينية إلى الوطن عام 1994، دخلت الكرة الفلسطينية عهداً جديداً بإعادة تشكيل وانتخاب الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، وإعادة عضويته في الاتحاد الدولي لكرة القدم والاتحاد الآسيوي.

- قدم الكراهية
أدركت الحركة الصهيونية منذ تأسيسها، أن عليها العمل مع القطاعات كافة، بما فيها الشباب. فعملت على صقل هوية الشاب اليهودي الجديد، الذي ارتبط بشكل كبير بالرياضة بشتى فروعها، وبدأت في تطبيق الفكرة عمليّاً منذ المؤتمر الصهيوني الأول في بازل عام 1897. وأسس في ألمانيا أول نادٍ يهودي للألعاب البدنية عام 1898، تحت اسم «بار كوخبا». وفي عام 1903، أقامت الحركة الصهيونية حركة النوادي الرياضية البدنية.
ومع بداية الهجرات الكبرى في أواسط العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، بدأت تتأسس النوادي والاتحادات المصبوغة آيديولوجيّاً. فتأسس اتحاد هبوعيل سنة 1927، التابع للتيار القومي، الذي يمثّله اليوم حزب العمل، واتحاد بيتار التابع للتيار اليميني غير الديني، والذي يمثّله اليوم حزب الليكود وحزب إسرائيل بيتنا، وكذلك نادي إليتسور ذو الصبغة اليمينية الدينية، وهو «اتحاد رياضي ديني، أقيم من قِبل حركات الصهيونية الدينية، ويمثّلها حزب البيت اليهودي حاليّاً، والاسم توراتي نسبة إلى زعيم قبيلة روبن في فترة تيه بني إسرائيل في سيناء».
ويعود إلى سنة 1928 تأسيس الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم، الذي نشط ضمن إطار ألعاب «فيفا». في سنة 1929 حاول ممثلو الاتحاد الإسرائيلي إقامة منتخب وطني من أجل المشاركة في ألعاب المونديال الأولى، التي أُقيمت في الأوروغواي سنة 1930، لكن سلطات الانتداب البريطاني، التي سيطرت على البلاد، قاطعت، في ذلك الوقت، منظمة «فيفا» التي تأسست من قِبل فرنسا؛ لذلك لم يتمكن المنتخب من المشاركة في المونديال.
اعتمد اتحاد كرة القدم الإسرائيلي (إفا) IFA عضواً في «فيفا» منذ 1929. وهو أيضا عضو في «يويفا» (الاتحاد الأوروبي لكرة القدم). و«إفا» هي جمعية غير ربحية، بإجمالي إيرادات يقدر عام 2014، بـ85 مليون شيقل (23 مليون دولار)، معظمها من الحكومة الإسرائيلية (عن طريق اليانصيب العام)، ومبيعات التذاكر وحقوق البث والأموال المحولة من «فيفا» و«يويفا» لتنظيم مسابقات وتطوير البنية التحتية. أعلن «إفا» عام 2013، عن 1076 موظفاً يعملون لديه ويتلقون أجوراً.
وتتضمن نفقات «إفا»، بالإضافة إلى الرواتب، تكاليف دعم الأندية الإسرائيلية، وتنظيم المباريات، والتدريب، وأجور الحكّام، وصيانة «الملعب الوطني»، وتعزيز صناعة كرة القدم. ينظم «إفا» فعاليات لأندية كرة القدم الإسرائيلية، ويعزز أنشطتها ويكسب المال منها أيضاً، من خلال مبيعات التذاكر وحقوق بث المباريات.
وتأسس في شهر أبريل (نيسان) عام 1930، المنتخَب الأول لاتحاد كرة القدم، الذي نشط تحت رعاية الانتداب البريطاني، وتكون من ستة لاعبين يهود، ولاعب عربي واحد وتسعة لاعبين بريطانيين. ولعب المنتخَب ضد فرق محلية مصرية من القاهرة والإسكندرية.
ومقابل الرواية الفلسطينية، يُزعم أنه بتاريخ 16 مارس (آذار) عام 1934، أُقيمت، وكجزء من المباريات الأولى لمونديال 1934، مباراة بين المنتخب الإسرائيلي المكوّن من لاعبين يهود فقط، وبين المنتخب المصري، الذي لعب بقيادة النجم محمد مختار من فريق آرسنال، وقد فاز فيها المصريون.
ويعتبر منتخب إسرائيل لكرة القدم الممثل الرسمي لدولة إسرائيل في رياضة كرة القدم، ويشرف عليه اتحاد إسرائيل لكرة القدم الذي أسس عام 1928، وهو عضو حالياً، في الاتحاد الأوروبي لكرة القدم منذ عام 1991.
عندما أسس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم كأس آسيا الأول عام 1956 في هونغ كونغ، انتصر منتخب إسرائيل في 1 سبتمبر (أيلول) 1956 على حساب هونغ كونغ 3:2 ليضمن المركز الثاني. وفي 1960 وصل أيضاً إلى النهائي مع كوريا الجنوبية وفيتنام الجنوبية وتايوان، حيث حصل على مركز الوصيف أيضاً. وفي عام 1964، استضافت إسرائيل البطولة وفازت بها، بعد فوزها على الهند وكوريا الجنوبية وهونغ كونغ. وفي إيران في 19 مايو (أيار) 1968، لعبت إسرائيل ضد إيران لتخسر 2:1 وتأخذ الموقع الرابع في البطولة، وبورما، وتايوان، وهونغ كونغ.
وشارك عدد من فلسطينيي 1948 حاملي الجنسية الإسرائيلية، في تركيب المنتخب الإسرائيلي، ومنهم: علي عثمان ابن قرية بيت صفافا، أول عربي يرتدي زي المنتخب الإسرائيلي. ومن ثم جاء كثيرون ومميّزون بعده، وكان من بينهم زاهي أرملي من شفاعمرو، ووليد بدير من كفر قاسم، الذي سجل هدفاً ضد فرنسا في تصفيات كأس العالم لكرة القدم 2006 في ألمانيا. وكذلك، رفعت ترك من يافا، ولعب مع المنتخب في أولمبياد 1976، وعباس صوان الذي أحرز هدف التعادل في الدقيقة الأخيرة، في مباراة المنتخب مع آيرلندا في الدور التمهيدي لمونديال عام 2006، وسليم طعمة ابن مدينة اللد.
أثارت مشاركة أولئك اللاعبين التوترات لدى الفلسطينيين، الذين قالوا إنه يجب مقاطعة المنتخب الوطني الإسرائيلي، وبين الإسرائيليين على حدِّ سواء. وعانوا من مواقف عنصرية من الجمهور الإسرائيلي.

- أقدام العنصرية وكرة الكراهية
من أبرز الأندية الإسرائيلية، الأندية التابعة لهبوعيل ومكابي. ففي الدرجة الممتازة في كرة القدم، يلعب أربعة عشر فريقاً، منها فريق عربي واحد، هو فريق أبناء سخنين، وست فرق تابعة لهبوعيل، وثلاثة لمكابي.
واستطاع فريق أبناء سخنين، الذي يضم لاعبين يهوداً أيضاً، الوصول إلى الدرجة الممتازة في كرة القدم عام 2003.
ولم تموّل الحكومة الإسرائيلية بناء وتجهيز أي ملعب للفرق العربية. وقد ربطت وزيرة الثقافة والرياضة ميري ريجف، بين الحصول على الدعم وبين قبول يهودية الدولة. وطالبت فريق أبناء سخنين بإلغاء كل المظاهر العربية ورفْع العلم الإسرائيلي فوق أسوار النادي، من أجل الحصول على الدعم، علماً بأن كل الاتحادات الرياضية اليهودية، سواء المكابي أو البيتار أو هبوعيل، يُسمح لها بتأكيد الهوية الخاصة بها، والحفاظ عليها.
ومنذ ارتقاء فريق أبناء سخنين إلى الدرجة الأولى في إسرائيل، تحولت اللقاءات مع بيتار القدس إلى لقاءات مشحونة بالمنافسة والعداوة؛ إذ تتسم هذه اللقاءات بحضور أمني كبير، وبإبعاد الكثير من المشجعين عن الملاعب. وفي الجانب الآخر، تحولت اللقاءات إلى واحدة من أفضل الأحداث الرياضية في إسرائيل لأجل الخصومة بين الطرفين.
ويسود الإحساس أثناء هذه اللقاءات، بأن اللعبة تتحول إلى حرب عابرة للرياضة، وتلبس قالباً سياسياً ووطنياً، وتصبح مباراة بين إسرائيل وفلسطين. فيمتلئ الملعب بأعلام إسرائيل من جهة، وأعلام فلسطين من جهة أخرى؛ ما يشعل مشاعر الطرفين.

- نوادي هوليغانز المستوطنات
هناك أندية لكرة القدم أعضاء في «إفا»، تقيم ملاعبها الرسمية في مستوطنات إسرائيلية بالضفة الغربية، وهي: مكابي آرييل لكرة قدم الصالات؛ نادي آرييل البلدي لكرة القدم؛ بيتار غفعات زئيف شابي؛ بيتار معاليه أدوميم؛ هبوعل أورانيت، وفريق هبوعيل وادي الأردن، الذي يلعب مبارياته في مستوطنة تومر بالضفة الغربية، ويتدرب في إينات داخل إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، هناك نادي هبوعيل قطمون أورشليم، ولديه ملعبان رسميان في القدس الغربية، كما يلعب بعض المباريات «على أرضه» في مستوطنة معاليه أدوميم.
وبسبب التمييز المتأصل في المستوطنات الإسرائيلية، ليس للأندية خيار سوى تقديم هذه الخدمات بطريقة تمييزية. لا يسمح الجيش الإسرائيلي للفلسطينيين بدخول المستوطنات، التي يعتبرها مناطق عسكرية مغلقة، باستثناء عمال حاصلين على إذن خاص. لهذا السبب؛ يمكن للاعبين الإسرائيليين، وليس الفلسطينيين من الضفة الغربية، دخول المستوطنات للتدرب والمنافسة. يمكن للمشاهد الإسرائيلي وليس الفلسطيني، حضور المباريات. يمكن للأطفال الإسرائيليين وليس الفلسطينيين، اللعب في بطولات الشباب أو الانضمام إلى معسكرات كرة القدم.
وتعاني كرة القدم الفلسطينية، من عدم القدرة على إقامة دوري متكامل؛ نتيجة تقطيع الاحتلال الإسرائيلي للضفة إلى نحو 64 منطقة، وعزل المناطق والمحافظات عن بعضها بعضاً، إضافة إلى تقطيع غزة إلى خمس مناطق.
وقد شملت الانتهاكات الإسرائيلية بحق الرياضة الفلسطينية ما يلي:
- البنية التحتية: منع سلطات الاحتلال وعرقلتها تشييد الملاعب، وكل ما له علاقة بالبنية التحتية الأخرى، وتدمر أحياناً، ما هو موجود منها. وتقييد حركة اللاعبين المحليين أو اللاعبين الزوار والإداريين، وأعضاء مجلس إدارة الاتحاد والصحافيين داخل أراض السلطة الفلسطينية وخارجها. وتمنع كذلا، أو تؤخر أو تسلم الشحنات المرسلة من «فيفا» والاتحاد الآسيوي أو التبرعات، التي تبادر إليها الاتحادات القارية والهيئات الرياضية الأخرى. وتتدخل إسرائيل في تنظيم اللقاءات الكروية الودية بين فلسطين وغيرها من الاتحادات، وعادة ما تحول دون إقامة الكثير منها.
وخلال الحرب الإسرائيلية على غزة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012؛ قصفت الطائرات الحربية من نوع «إف16» ملعب فلسطين في غزة؛ ما أدى إلى إلحاق أضرار جسيمة في بنيته التحتية. ولم يقتصر الأمر على الملعب؛ بل تعداه ليشمل لائحة طويلة من الأهداف، وهي: مبنى اللجنة الأولمبية الفلسطينية، واتحاد كرة القدم، وملعب اليرموك، وملعب رفح، ونادي اتحاد الشجاعية، ونادي الشمس، ونادي الشهداء، ونادي أهلي النصيرات، ونادي خدمات دير البلح، ونادي شباب جباليا، ونادي شباب رفح والمدينة الرياضية، ونادي الهلال.
ولم تقتصر ممارسة العنصرية ضد الرياضة الفلسطينية على حكومة إسرائيل، ممثلة بوزيرة الرياضة، وإنما تشمل أيضاً، الجمهور اليهودي المعادي للعرب، الذي تمادى في إطلاق الشعارات العنصرية ضد العرب، وضد وجودهم. وفيما يلي بعض هذه النماذج:
- عند فوزه ببطولة الكأس عام 2004، وقف لاعبو سخنين العرب واليهود، وقاموا بمصافحة وزيرة الرياضة، حينها، ليمور ليفنات، في حين رفض لاعبو وإداريو نادي بيتار في موقف مماثل عام 2009، مصافحة وزير الرياضة حينها غالب مجادلة، وهو عربي من حزب العمل.
- قيام اللاعب الإسرائيلي عميت بن شوشان، بالهتاف مع الكثير من لاعبي المنتخب الإسرائيلي، ضد زميلهم العربي المسيحي في المنتخب سليم طعمة، ووصفه بالمخرب، وهتافهم «الموت للعرب»، و«نحن نكره العرب».
- إطلاق هتافات عنصرية من فرق بيتار، وبخاصة بيتار القدس، الذي يُعتبر قائد موجة العنصرية، ووصف اللاعبين العرب بالقردة.
من يمارس «الإرهاب» الرياضي؟
زعم حاييم شاين، الكاتب في صحيفة «إسرائيل اليوم»، أن جبريل الرجوب، رئيس اتحاد كرة القدم الفلسطيني، كان من الأسباب الأساسية لإلغاء مباراة منتخب الأرجنتين مع المنتخب الإسرائيلي في القدس. واقترح إحراق قمصان ميسي، ونظّم مظاهرات أمام ممثلية الأرجنتين في رام الله، وحوّل مباراة كرة قدم إلى حدث سياسي. ولا شك أنه نجح في إدخال الإرهاب إلى الرياضة. وتناسى شاين قصداً، السجل الكبير للانتهاكات وأشكال الإرهاب الإسرائيلي المتعدد الذي يصاحبه النفخ في أبواق الكراهية والحقد على العرب، وعلى نحو خاص الفلسطينيون منهم.

- باحث فلسطيني


مقالات ذات صلة

ساوثغيت: لن أقصر خياراتي المستقبلية على العودة إلى التدريب

رياضة عالمية ساوثغيت (أ.ب)

ساوثغيت: لن أقصر خياراتي المستقبلية على العودة إلى التدريب

يقول غاريث ساوثغيت إنه «لا يقصر خياراته المستقبلية» على العودة إلى تدريب كرة القدم فقط.

The Athletic (لندن)
رياضة عربية هايف المطيري (الاتحاد الكويتي)

الحكم ببراءة الرئيس السابق للاتحاد الكويتي لكرة القدم

قضت دائرة جنايات بالمحكمة الكلية في الكويت ببراءة الرئيس السابق لاتحاد كرة القدم هايف المطيري ونائبه أحمد عقلة والأمين العام صلاح القناعي من التهم المنسوبة لهم.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
رياضة سعودية حسين الصادق بجوار مانشيني خلال مباريات الدوري السعودي (المنتخب السعودي)

الصادق يعتذر عن إكمال مهمته... ويغادر إدارة المنتخب السعودي

كتب حسين الصادق مدير المنتخب السعودي الأول لكرة القدم، الفصل الأخير في مشواره مع «الأخضر»، بعد أن تقدم باستقالته رسمياً من منصبه واعتذاره عن عدم الاستمرار>

«الشرق الأوسط» (الرياض )
رياضة سعودية المسحل قال إن التحكيم الآسيوي ارتكب بعض الأخطاء ضد الأخضر (تصوير: عدنان مهدلي)

المسحل: لن نتعذر بالتحكيم «رغم أخطائه» وثقتنا في الصادق مستمرة

أكد ياسر المسحل، رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم، أن أخطاء الحكام أثّرت على مسيرة المنتخب السعودي في تصفيات آسيا المؤهلة لكأس العالم 2026.

خالد العوني (بريدة)
رياضة سعودية ياسر المسحل خلال تكريمه ماجد عبد الله الفائز بجائزة من جوائز المسؤولية الاجتماعية (الاتحاد السعودي)

ياسر المسحل: حظوظ المنتخب السعودي لا تزال قائمة في بلوغ كأس العالم 2026

قال ياسر المسحل رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم إن حظوظ الأخضر في نيل البطاقة المباشرة لنهائيات كأس العالم 2026 لا تزال قائمة، موضحاً أن الثقة حاضرة في اللاعبين

«الشرق الأوسط» (الرياض)

في ذكرى 7 أكتوبر... «إسرائيل التي تعرفونها لم تعد قائمة»

TT

في ذكرى 7 أكتوبر... «إسرائيل التي تعرفونها لم تعد قائمة»

دمار واسع جراء الغارات الإسرائيلية على خان يونس في 26 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)
دمار واسع جراء الغارات الإسرائيلية على خان يونس في 26 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)

بعد يومين اثنين من هجوم «حماس» على البلدات والمواقع العسكرية القائمة في غلاف غزة، يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، طلب عدد من الضباط الإسرائيليين الاجتماع بنظرائهم من أجهزة الأمن الفلسطينية، وأبلغوهم بأن «إسرائيل التي يعرفونها حتى اليوم لم تعد قائمة. ستتعرفون على إسرائيل أخرى».

لم يقولوا هذه الكلمات بلهجة توحي بمضمون العداء والتهديد. لكنها قيلت بمنتهى الصرامة. كان الوجوم طاغياً على الوجوه. فهؤلاء الضباط يعرفون بعضهم جيداً. هم الطاقم الذي يمثّل حكومة إسرائيل، من جهة، والحكومة الفلسطينية، من جهة ثانية، والمهمة الموكلة إليه هي القيام بما يعرف على الملأ بـ«التنسيق الأمني» بين الطرفين. اجتماعات هؤلاء الضباط مستمرة منذ توقيع اتفاقات أوسلو وإقامة السلطة الفلسطينية قبل 30 سنة، وهي تُعقد تقريباً بشكل يومي.

وعلى عكس الانطباع السائد لدى كثيرين، لم يقتصر التنسيق بينهم أبداً على الملفات الأمنية. كانوا يجتمعون في البداية لغرض تطبيق الاتفاقات ومنحها طابعاً إنسانياً. اهتموا بقضايا تحسين العلاقات التجارية والاجتماعية والاقتصادية، وأيضاً الأمنية. اهتموا ذات مرة بمنح تصاريح العودة لعشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين عادوا من الشتات واستقروا في الوطن. واهتموا بتسهيل خروج وعودة الطلبة الفلسطينيين الجامعيين وجلب عمال فلسطينيين إلى إسرائيل واستيراد البضائع الفلسطينية إلى إسرائيل أو تصديرها إلى الخارج. نظموا دوريات مشتركة لضمان سلطة نفاذ القانون التي كان فيها الضباط والجنود يتناولون الطعام معاً، وصاروا فيها يتقاسمون رغيف الخبز.

دمار واسع جراء الغارات الإسرائيلية على خان يونس في 26 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)

وقد شهدت العلاقات بينهما طلعات ونزلات كثيرة، وكان عليهم أن يمتصوا الأحداث العدائية. ففي الطرفين توجد قوى حاربت الاتفاقات ولم تطق سماع عبارة «عملية السلام». بدأ الأمر عام 1994 بمذبحة الخليل التي نفذها طبيب إسرائيلي مستوطن، والتي رد عليها متطرفون فلسطينيون بسلسلة عمليات انتحارية في مدن إسرائيلية. وعندما تمكن اليمين المتطرف في إسرائيل من اغتيال رئيس الوزراء، اسحق رابين، بهدف تدمير الاتفاقات مع الفلسطينيين، حصل تدهور جارف في العلاقات بين الطرفين.

وعندما فاز بنيامين نتنياهو بالحكم، أول مرة سنة 1996، زاد التوتر وانفجر بمعارك قتالية بين الجيش الإسرائيلي وبين ضباط وجنود في أجهزة الأمن الفلسطينية. وعند اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، كادت تقع حرب بينهما. وعاد الجيش الإسرائيلي ليكرس الاحتلال وعادت الأجهزة الفلسطينية إلى قواعد منظمة التحرير وأيام الكفاح. لكن قادة الطرفين، بمساعدة الأميركيين ودول مختلفة، حاولوا تطويق الأوضاع.

وظل أعضاء فريقي التنسيق الأمني يلتقون وينسقون. تعاملوا مع بعضهم البعض على أساس المصالح المشتركة «بيزنِس»، لضمان الحد الأدنى من التواصل. وكل من الطرفين يعترف بأن الأمر ضروري وحيوي، برغم أن الشعبويين في إسرائيل يعتبرون ذلك استمراراً لاتفاقات أوسلو وتمهيداً للاعتراف بدولة فلسطينية، فيما بعض الفلسطينيين يعتبر ذلك تهادناً مع إسرائيل وتعاوناً معها «ضد المقاومة». ولكن رغم هذه الانتقادات من أطراف في الجانبين، يصمد فريق التنسيق في وجه تشويه جهوده. فالضباط من الطرفين يدركون أن فك التنسيق ثمنه باهظ، فلسطينياً وإسرائيلياً.

والجديد الآن أن الضباط الإسرائيليين يأتون إلى الاجتماعات وهم يؤكدون أنهم ينوون الاستمرار في التنسيق لكن الفلسطينيين «سيجدون إسرائيل مختلفة». كانوا صادقين. ورسالتهم هذه كانت موجهة ليس فقط للضباط أو المسؤولين الفلسطينيين، بل للشعب الفلسطيني كله... ومن خلاله إلى كل العالم.

دمار واسع في قطاع غزة بعد سنة على الحرب الإسرائيلية (الشرق الأوسط)

«واحة الديمقراطية».. لم تعد موجودة

مع مرور سنة كاملة على الحرب في غزة، يمكن القول إن إسرائيل تغيّرت بالفعل، منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. مقولة الجنرالات الإسرائيليين لنظرائهم الفلسطينيين يرددها جميع القادة الإسرائيليين السياسيين سواء كانوا في الحكومة أو المعارضة، كما يرددها القادة العسكريون من كل الأجهزة. يريدون تثبيت فكرة أن إسرائيل تغيّرت في عقول شعوب المنطقة والعالم. والواقع، أن هذه الفكرة باتت حقيقة مُرّة.

فإذا كان هناك من يعتبر إسرائيل «فيلّا جميلة في غابة موحشة» أو «واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط» أو «دولة حضارية» أو «جبهة متقدمة للغرب في الشرق» أو «دولة التعاضد السكاني» أو «دولة القيم وحقوق الإنسان»، فإن كثيراً من قادتها وقسماً كبيراً من شعبها تنازلوا، كما يبدو، عن هذه المفاهيم تماماً، في أعقاب ما حصل في 7 أكتوبر. صاروا معنيين باستبدال هذه الصفات. فالفيلّا أصبحت الغابة. والواحة باتت منطقة جرداء. والدولة الحضارية باتت تتصرف كوحش جريح. والتعاضد السكاني صار جبهة واحدة ضد العرب. والقيم وحقوق الإنسان ديست بأقدام الجنود ودباباتهم وغاراتهم. كأن إسرائيل تريد أن يتم النظر إليها بوصفها جرافة تدمر كل ما ومن يعترض طريقها، أو كأنها «دولة الانتصار على كل أعدائها».

تُعبّر الأرقام في الواقع عن نتيجة هذا التغيّر في طريقة تصرف الإسرائيليين. إذ تفيد إحصاءات الحرب في قطاع غزة بأن 60 في المائة من البيوت والعمارات السكنية مدمرة، والبقية متصدعة أو آيلة إلى الانهيار وغير آمنة. وفي مقدمها المستشفيات والعيادات الطبية والمساجد والكنائس والجامعات والمدارس ومخيمات اللاجئين. كلها دُمّرت بقرارات لا يمكن سوى أن تكون «مدروسة» ولأغراض «مدروسة»، بحسب ما يعتقد كثيرون. أما حصيلة القتلى فتقترب من 42 ألفاً، ثلثاهم نساء وأطفال. والجرحى أكثر من 100 ألف. وهكذا تدخل الحرب في غزة التاريخ كواحدة من أكثر الحروب دموية في القرن الحادي والعشرين، وفق تقرير لصحيفة «هآرتس» اعتمد تدقيقاً للبيانات بما في ذلك معدل ووتيرة الوفيات، إضافة إلى الظروف المعيشية للسكان في القطاع.

تقول الصحيفة إنه في الوقت الذي يتشبث فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وغيره من المتحدثين الإسرائيليين بحجتهم المفضلة، وهي اتهام المجتمع الدولي بالنفاق فيما يتعلق بالحرب في قطاع غزة، والادعاء بأنه يتجاهل الصراعات والكوارث الإنسانية الأخرى، فإن الأرقام المسجلة حتى الآن تجعل الحرب في غزة تتجاوز دموية النزاعات في كل من العراق وأوكرانيا وميانمار (بورما). وبما أن عدد سكان غزة لا يتجاوز مليوني شخص، وعدد القتلى يضاهي 2 في المائة من السكان، فإن مقارنة بسيطة مع إسرائيل تبيّن أنه لو قُتل في إسرائيل 2 في المائة من السكان لأصبح عدد القتلى 198 ألفاً.

يقول البروفسور، مايكل سباغات، من جامعة لندن للصحيفة: «من حيث العدد الإجمالي للقتلى، أفترض أن غزة لن تكون من بين أكثر 10 صراعات عنفاً في القرن الحادي والعشرين. ولكن بالمقارنة مع النسبة المئوية للسكان الذين قتلوا، فإنها بالفعل ضمن الخمسة الأسوأ في المقدمة». ويضيف سباغات، وهو باحث في الحروب والنزاعات المسلحة ويراقب عدد الضحايا في تلك الأزمات: «إذا أخذنا في الاعتبار مقدار الوقت الذي استغرقه قتل واحد في المائة من هؤلاء السكان، فقد يكون ذلك غير مسبوق».

ووفق حساباته، فإنه في الإبادة الجماعية للروهينغا في ميانمار، على سبيل المثال، قتل نحو 25 ألف شخص، وفقاً للأمم المتحدة. وفي الإبادة الجماعية للإيزيديين على يد تنظيم «داعش»، في عام 2015، تشير تقديرات الخبراء إلى أن 9100 شخص قتلوا، نصفهم من خلال العنف المباشر والنصف الآخر بسبب الجوع والمرض، بالإضافة إلى الآلاف الذين اختطفوا.

عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تشكو من أن الحكومة تتجاهل مصيرهم (أ.ف.ب)

ومنذ بدء الحرب في غزة، بلغ متوسط معدل الوفيات نحو 4 آلاف وفاة شهرياً. بالمقارنة، في السنة الأولى من الحرب في أوكرانيا، بلغ معدل الوفيات 7736 شهرياً، بينما في أكثر سنوات الحرب دموية في العراق، في عام 2015، كان عدد القتلى نحو 1370 شهرياً. في هاتين الحربين، كان العدد الإجمالي للقتلى أعلى بكثير مما كان عليه في الحرب في غزة، لكن هذين الصراعين استمرا، وما زالا مستمرين، لفترة أطول بكثير.

الحرب في غزة تبرز أيضاً بالمقارنة مع حروب تسعينات القرن العشرين، على غرار الحرب في دولة يوغوسلافيا السابقة. واحدة من هذه المناطق كانت البوسنة، وفي أسوأ عام من الصراع، 1991، كان متوسط عدد القتلى شهرياً 2097، والعدد الإجمالي للقتلى على مدى أربع سنوات كان 63 ألفاً.

الفرق الأبرز بين بقية حروب القرن الـ21 والحرب في قطاع غزة هو حجم الأراضي التي تدور فيها المعارك وعدم قدرة المدنيين غير المشاركين على الفرار من المعارك، وخاصة نسبة الضحايا بين إجمالي السكان. امتدت الجبهات في أكبر حروب هذا القرن، في سوريا والعراق وأوكرانيا، على مدى آلاف الكيلومترات ووقعت المذابح في مئات المواقع المختلفة. والأهم من ذلك، أن المدنيين في تلك الأماكن يمكنهم، حتى ولو بثمن مؤلم، الفرار إلى مناطق أكثر أماناً. ففي سوريا، غادر ملايين اللاجئين إلى بلدان أخرى، مثل الأردن وتركيا ودول أوروبية. كما غادر مئات الآلاف من اللاجئين الأوكرانيين مناطق خط المواجهة وانتقلوا غرباً.

أما في غزة البالغة مساحتها 360 كلم مربعاً، أي جزءاً بسيطاً من حجم أوكرانيا، فقد اندلع القتال في كل مكان تقريباً من أرجائها، ولا يزال مستمراً. لقد تم تهجير معظم سكان القطاع، لكن هروبهم إلى المناطق التي حددها الجيش الإسرائيلي كمناطق آمنة لم يساعد دائماً، وقتل العديد منهم في هذه المناطق أيضاً. بالإضافة إلى ذلك، فإن الظروف المعيشية في هذه المناطق المصنفة إنسانية، قاسية للغاية، إذ يعاني اللاجئون من الاكتظاظ والمرض ونقص المأوى الآمن ونقص الأدوية وأكثر من ذلك.

والمشكلة الأكبر أن كثيراً من هذه الفظائع تم ويتم بقرارات واعية من المسؤولين الإسرائيليين. فإذا وصلت معلومة للمخابرات الإسرائيلية أو شبهة بأن فلاناً ناشط في «حماس»، كان يتم قصف بيته على من فيه، بلا انذار أحياناً أو بإنذار وجيز. وإذا دخل عنصر يعتبر «مطلوباً»، من أي تنظيم فلسطيني، إلى مقهى، كان يتم قصف المقهى على من فيه. وحتى المسجد كان يتم تدميره أيضاً في حال اشتبهت إسرائيل بأن شخصية ما تختفي داخله.

التغيير الجديد... نظرة فوقية

في الماضي كان الإسرائيليون يقومون بمثل هذه الممارسات، لكنهم كانوا يخجلون منها. يحاولون التستر عليها. كانوا يكسرون ويجبرون. فمقابل القتل والبطش كانوا يبرزون قصصاً لجنود قدموا المساعدة. ظهر معترضون نددوا بالبطش ضد الفلسطينيين الأبرياء. أما اليوم فلم يعد هناك شيء من هذا. كثيرون في إسرائيل باتوا يقولون إنه لا يوجد في نظرهم أناس أبرياء. فالعائلات الفلسطينية تساند أولادها، ولذلك يجوز معاقبتها. الطفل الفلسطيني سيكبر ويصبح جندياً، ولذلك فلا يجب أن ترحمه.

وإذا كان شبان مخيمات اللاجئين يقاومون، فيمكن أن يتم حرمان كل سكان المخيم من الماء والكهرباء والبنى التحتية، عقاباً لهم. بات الفلسطينيون «حيوانات»، بحسب وصف وزير الدفاع يوآف غالانت المفترض أنه من يرسم سياسة الجيش. والحقيقة أن هذه النظرة الفوقية تجاه الفلسطينيين صارت سائدة اليوم في المجتمع الإسرائيلي، ورغم أن هذا الاستعلاء هو بالذات ربما ما أوقع إسرائيل في إخفاقات 7 أكتوبر. باغتتها «حماس»، بلا شك، بهجوم شديد يومها. ولولا أن مقاتلي الحركة وقعوا في مطب أخلاقي شنيع، ارتكبت خلاله ممارسات مشينة ضد المدنيين الإسرائيليين، لكان هجومهم اعتُبر ناجحاً، بغض النظر عن النتائج التي أدى إليها لاحقاً. فقد احتلوا 11 موقعاً عسكرياً وأسروا عدداً من جنود وضباط الجيش الإسرائيلي.

صور وتذكارات لإسرائيليين خُطفوا أو قُتلوا في هجوم «حماس» على موقع «سوبر نوفا» الموسيقي في غلاف غزة يوم 7 أكتوبر العام الماضي (إ.ب.أ)

لكن التغيير الذي أرادت إسرائيل أن يظهر للعرب، انسحب أيضاً على إسرائيل نفسها. لقد تغيرت تجاه الإسرائيليين أنفسهم. انتهى الخجل في السياسة الداخلية. فالائتلاف اليميني الحكومي، في نظر منتقديه، بات يسن قوانين تتيح الفساد، مثل القوانين التي تضرب استقلالية القضاء، والقانون الذي يضعف المراقبة على التعيينات الحكومية بحيث يمكن تعيين موظفين غير مؤهلين في مواقع إدارية رفيعة، والقانون الذي يوفر لرئيس الحكومة المتهم بالفساد تمويلاً لمصاريف الدفاع عن النفس في المحكمة من خزينة الدولة. أما القضاة في إسرائيل فباتوا يخافون الحكومة ويصدرون قراراتهم وفقاً لأهوائها، في كثير من الأحيان.

والأكثر من ذلك، لم تعد إسرائيل اليوم تتعامل مع حياة الإنسان الفلسطيني أو اللبناني بأنها رخصية، بل أيضاً مع حياة الإنسان الإسرائيلي. فالحكومة باتت تستخدم منظومة «بروتوكول هنيبعل»، الذي يقضي بقتل الجندي الإسرائيلي مع آسريه، حتى لا يقع في الأسر.

في معركة مارون الراس الأخيرة في الجنوب اللبناني، أمر الضباط جنودهم بخوض القتال لمنع عناصر «حزب الله» من أسر جثة جندي، وكلفها الأمر مقتل ستة جنود وجرح أكثر من عشرة. والمواطنون الإسرائيليون المحتجزون لدى «حماس» في غزة، مهملون، كما تقول أسرهم التي تتهم نتنياهو بأنه يرفض التوصل إلى صفقة تبادل تضمن إطلاق سراحهم.

وبدل احتضان عائلات هؤلاء المحتجزين، ينظم مناصرون للائتلاف اليميني الحاكم حملة تحريض عليهم ويعتدون على مظاهراتهم الاحتجاجية. وفوق ذلك كله، تبدو الحكومة وكأنها تشجع اليمين المتطرف على مهاجمة قيادة الجيش، فهي لم تحاسب مجموعات منهم نظّمت اعتداءات على معسكر للجيش، ولم تمنع حتى اعتداءات مستوطنين على الجنود الذين يحمونهم في الضفة الغربية.

إسرائيل اليوم صارت خانقة أيضاً للإسرائيليين الذين يفكرون بطريقة مختلفة عن الحكومة. كلمة سلام صارت لعنة. والخناق يشتد حول حرية الرأي والتعبير. واتهام المعارضين بالخيانة صار أسهل من شربة ماء.

والتغيير الأكبر، على الصعيد الداخلي، هو أن رئيس الحكومة ورؤساء ووزراء ائتلافه الحكومي، يعملون على المكشوف لتغليب مصالحهم الذاتية والحزبية على مصالح الدولة. ويقول منتقدو نتنياهو إنه يعرف أن الجمهور لا يريده في الحكم وينتظر أن تنتهي الحرب حتى يسقطه، ولذلك هو يعمل، ببساطة، على إطالة الحرب ليبقى في السلطة.

في ذكرى 7 أكتوبر، تبدو إسرائيل بالفعل وكأنها تغيّرت. قيادتها الحالية مصممة على تأجيج الصراع أكثر وتوسيعه. لا يهدد ذلك فقط بمزيد من التأجيل للتسوية مع الفلسطينيين، بل يخاطر أيضاً بحروب فتاكة قادمة تورثها إسرائيل لأبنائها وبناتها.