أحدث خريطة لتوزيع القوى المتصارعة في ليبيا

تحالفات متقاطعة... وتمركزات مفاجئة... وحشود عسكرية سريعة الحركة

أحدث خريطة لتوزيع القوى المتصارعة في ليبيا
TT

أحدث خريطة لتوزيع القوى المتصارعة في ليبيا

أحدث خريطة لتوزيع القوى المتصارعة في ليبيا

تُظهر أحدث خريطة لتوزيع القوى المسلحة في ليبيا تحالفات متقاطعة، وتمركزات مفاجئة في المواقع، وحشودا عسكرية سريعة الحركة. وباستثناء قوات الجيش الوطني، بقيادة المشير خليفة حفتر، في الشرق، يبدو أن باقي التنظيمات العسكرية وشبه العسكرية، في الغرب، تفتقر إلى عقيدة واضحة بشأن الهدف من وجودها، وما تريد أن تفعله في الحاضر والمستقبل.
ومنذ سقوط نظام معمر القذافي... ومنذ تفرُّق الجيش تحت ضربات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في 2011، تشكلت في غالبية المدن مجالس عسكرية لتأمين المرافق وحياة الناس فيها، يعد أقواها هو المجلس العسكري لمدينة مصراتة، إلا أن الصراع على النفوذ، تسبب سريعا في حروب صغيرة هنا وهناك، سقط ضحيتها مئات القتلى وآلاف المصابين، وتشريد الألوف.
ومن بين خلافات المجالس العسكرية، تسللت عناصر متطرفة وصلت في بعض المدن إلى تولي رئاسة تلك المجالس، والدخول بليبيا للمجهول، ما أدى إلى ارتفاع أسهم الجيش الوطني في الشرق، بعد أن تمكن من هزيمة المتطرفين، وفرض سلطة موحدة على مساحات شاسعة من البلاد.
وفي المقابل بقيت مدن الغرب، خاصة طرابلس ومصراتة، تحت وطأة تنافس محموم من جانب مسلحين من مشارب متعددة، رغم وجود سلطة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، المدعوم دوليا. وفي التقرير التالي صورة عن أهم مناطق وجود القوى المسلحة في عموم ليبيا، وفقا لما حصلت عليه «الشرق الأوسط» من مصادر عسكرية وأمنية مختلفة في ليبيا.
منذ عام 2014 تمكن المشير خليفة حفتر من إعادة تكوين «القوات المسلحة العربية الليبية»، وهو الاسم الذي كان يطلق على الجيش في عهد العقيد معمّر القذافي. ويبلغ قوام عناصر الجيش القديم التي كانت منتظمة في الخدمة نحو 140 ألف ضابط وجندي. لكن العدد الحالي الذي رجع للعمل تحت إمرة حفتر، يبلغ تقريبا ربع عدد القوات السابقة.
وكان الهدف من تجميع الجيش تحت اسم «عملية الكرامة»، قبل أربع سنوات، هو التصدي للجماعات المتطرفة التي استوطنت بنغازي، ثاني أكبر المدن والعاصمة التاريخية للشرق.
ولم ينجح حفتر فقط في دحر تنظيمات مصنفة دوليا كجماعات إرهابية، بل تمكن أيضاً من بسط سلطة الدولة على بنغازي، وكل مدن الشرق، ومعظمها مطل على البحر المتوسط، لكن ما زالت هناك بؤر إرهابية منتشرة في مدينة درنة التي تبعد نحو 250 كيلومترا من الحدود مع مصر، وبؤر أخرى في الصحراء الجنوبية الشرقية، وهي منطقة وعرة التضاريس.
- تمركزات الجيش
يتمركز الجيش في الوقت الراهن في معسكرات يقع معظمها في شرق البلاد حول مدينة بنغازي، خاصة منطقة الرجمة التي يدير منها المشير حفتر العمليات القتالية. وتمكن خلال الشهور الماضية من فرض حصار محكم على درنة لتضييق الخناق على الجماعات المتطرفة. ونجح في فتح معسكرات له داخل بنغازي، وفي مناطق القبة والبيضاء، وغيرها.
وللجيش وجود في الشمال الأوسط من البلاد أيضا، يمتد من إجدابيا، حتى مشارف مدينة سرت غربا. وإلى الجنوب من سرت انتزع الجيش قاعدة الجفرة الحيوية من أيدي جماعات متباينة التوجهات، لكنها كانت متحدة ضد الجيش.
وفي الجنوب قاتل حفتر بضراوة من أجل استعادة قاعدة براك الشاطئ الاستراتيجية من أيدي متطرفين في الشهور الماضية. وما زال يسيطر عليها، حيث يقوم بين حين وآخر باستخدام قاعدتها الجوية لتنفيذ غارات على جماعات متشددة في أقصى الجنوب.
وتتوزع القوى الرئيسية ذات التسليح القوي بين أربع مناطق الآن هي: الشرق، وطرابلس، ومصراتة في الغرب، وسبها في الجنوب.
- انقسامات طرابلس وما حولها
وقعت في طرابلس وما حولها حروب صغيرة متعددة كان أبرزها الحرب التي دارت في 2014 بين قوات من مدينة الزنتان الواقعة إلى الجنوب الغربي من العاصمة، وقوات من مدينة مصراتة، التي تبعد نحو مائتي كيلومتر إلى الشرق من طرابلس. لكن الأمور تغيرت والتحالفات أيضا. وفيما بعد تمكنت قوات تتكون في معظمها من أبناء العاصمة، من طرد مقاتلي مصراتة وتحالفاتهم مع الإسلاميين المتشددين، من طرابلس في صيف العام الماضي. وتوالي القوات الطرابلسية وجود السراج كحاكم في طرابلس.
- مخاوف من تاجوراء
من ناحية أخرى، الاثنين الماضي، جرى رصد تحرك من عناصر من ميليشيات مصراتة في اتجاه منطقة القره بولي في شرق العاصمة، حيث تتمركز قوات أخرى مناوئة للسراج، منذ شهور، في منطقة تاجوراء التي تفصل القره بولي عن طرابلس. وتعرف هذه القوات باسم كتيبة بشير البقرة، وهي خليط من متعاونين سابقين مع السراج، وجماعات متطرفة.
وفي اليوم التالي وصل عدد القوات الجديدة التي قدمت من مصراتة، إلى أكثر من تسعين سيارة دفع رباعي وعليها نحو خمسمائة مقاتل مدجّجين بالأسلحة. وكان من السهل رؤيتها في منطقتي العلوص والقويعة، بينما أرسلت قوات البقرة وفودا للترحيب بالمقاتلين الذين وصلوا توا.
يقول قائد في إحدى الميليشيات، إن ممثلين عن قوات على خصومة مع السراج جاءت من مقار تمركزها قرب مطار طرابلس الدولي في الجنوب، لتقديم التهنئة بسلامة وصول تلك القوات المصراتية أيضا، و«هذا لا يصب في مصلحة القوات الطرابلسية».
بيد أن هذا لا يمنع من أن تتغير كل هذه الخطط خلال أيام. فقد وقع تململ من جانب بعض العسكريين المنخرطين في القوات التي جاءت مؤخرا من مصراتة، بسبب تأخير ساعة التقدم إلى وسط العاصمة، فكان الرد أنه لم يتم حسم الأمر بعد، لأن هناك آراء، في مصراتة، تقول إن توجيه القوات لاستعادة قاعدة الجفرة العسكرية، من قوات حفتر، أهم من الدخول في حرب مع قوات السراج في طرابلس.
- قوات على حافة التمرد
ولدى القوات المتمركزة في شرق العاصمة تنسيق مع قوات تابعة لقائد عسكري يفترض أنه يعمل تحت قيادة السراج، في غرب وجنوب غربي العاصمة. لكن في الوقت الراهن يبدو أن هذا القائد، وهو برتبة لواء، لم يعد على سابق الوفاق مع السراج. ويعتقد كبار رجال الأمن في طرابلس أنه إذا ما قام هذا اللواء بالاشتراك مع مصراتة في الهجوم على العاصمة من الغرب والشرق، فإنه يمكن لقواتهما السيطرة على المدينة بسهولة. وتتحرك قوات «اللواء» في ورشفانة حيث تسيِّر دوريات عسكرية في مناطق الزهراء، والعزيزية، والساعدية، والتوغار، والماية، والكسارات، وغيرها.
وفي أحدث مؤشر على ما يشبه التمرد في أوساط قيادات عسكرية في الغرب على السراج، يتحدث مصدر عسكري عن مشادة وقعت بين ضباط بالمنطقة الدفاعيـة لطرابلس، بقيادة اللواء عبد الباسط مروان التي تعمل تحت إمرة السراج، وضباط تابعين لقائد المنطقة العسكرية الغربية، المعين من السراج، اللواء أسامة الجويلي.
ولقد لاحظ عسكريو المنطقة الدفاعية لطرابلس، وجود تحركات لأكثر من ألف عنصر من قوات تابعة لجويلي، على تخوم طرابلس، دون أن تحصل على إذن من السراج بصفته القائد الأعلى للجيش... «وهذا مثير للقلق»، كما يشير المصدر نفسه. وتم إخطار السراج بهذه التطورات، إلا أن كل شيء تغير سريعا إلى الأسوأ بالنسبة لرئيس المجلس الرئاسي، إذ تمادت دوريات القوات المشار إليها، في اتجاه طرابلس، دون إبلاغ السراج، ووصلت إلى مناطق متقدمة من جنوب العاصمة مثل العزيزية، على بعد 45 كيلومترا، والسواني على بعد 20 كيلومترا.
- القوات الطرابلسية
توجد حالياً في وسط العاصمة قوات هي خليط من المدنيين والعسكريين، محسوبة على السراج، وإن كانت تعمل بشكل فيه نوع كبير من الاستقلالية. وهذه القوات تتبع قادة معروفين منهم هيثم التاجوري، وعبد الرؤوف كارا، وعبد الغني الككلي. لكن قواتهم تعد متواضعة إذا ما قورنت بالقوات التي تملكها كل من مصراتة والزنتان مجتمعة. وتعمل القوات الطرابلسية باعتبار أنها قوات تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية، لكنها مع ذلك تتصرف في معظم الوقت كقوات مستقلة، ولديها سجون خاصة لا تتبع أي سلطة بما فيها السلطة القضائية. وفي كثير من الأحيان تدخل في مناوشات مع السراج نفسه.
وتسببت مخاوف القوات الطرابلسية من تنامي قوات الحرس الرئاسي، وهي قوة نظامية تابعة للسراج، برئاسة العميد نجمي الناكوع، في التضييق على هذه القوة، وتهميش الناكوع نفسه. بيد أن القوات الطرابلسية ليست على قلب رجل واحد في معظم الوقت. فهي تتنافس أيضا على النفوذ فيما بينها. ودخلت في صراع ضد بعضها بعضا، قبل شهرين، بسبب رغبة كل منها في الاستحواذ على شحنة سيارات «بيك آب» مستوردة من الخارج. ويقول وسيط شارك مرات عدة في حل الخلافات بين القوات الطرابلسية: التاجوري وكارا، هما عمود الدفاع عن طرابلس، إلا أنهما لم يعودا على وفاق كما كانا في الماضي.
- الكرّ والفرّ
هذه ليست المرة الأولى التي تقترب فيها قوات ضاربة تابعة لمصراتة من العاصمة. فقد جرت مثل هذه التحركات في الشهور الماضية، دون تنسيق مع الزنتان. وفي كل مرة يبدأ التحشيد لحرب كبيرة في طرابلس، إلا أن القوات المصراتية إما أنها تعود إلى مدينتها، أو تظل متمركزة قرب العاصمة لعدة أسابيع. لكنها، ومنذ أواخر العام الماضي، حصلت على مكسب من الخلافات التي وقعت بين كتيبة البقرة والسراج. وكان بشير البقرة مكلفا بالمشاركة في تأمين العاصمة، إلى أن قام بمحاولة لاقتحام مطار إمعيتيقة، ما دفع السراج إلى رفع الغطاء القانوني عنه.
ووجد خصوم السراج فرصة لدعم البقرة والتحالف معه. وتتمركز قوات البقرة، المكونة من مئات المقاتلين، في تاجوراء شرق العاصمة، وتتعاون مع قوات من ترهونة والخُمس، بالإضافة إلى مصراتة. وهي حاليا مصدر تهديد كبير.
- قوات وزير دفاع السراج
وزير الدفاع في حكومة المجلس الرئاسي، العقيد المهدي البرغثي، يبدو أنه ليس على وفاق مع السراج. ووقع الخلاف بين الطرفين بعد حادث الهجوم على قاعدة براك الشاطئ، في جنوب البلاد منذ نحو سنة، التي تهيمن عليها قوات من الجيش الوطني الذي يقوده حفتر. وجرى قتل وإصابة عشرات الجنود في القاعدة. وتبادل السراج ووزير دفاعه الاتهامات حول المتسبب في هذه الكارثة التي هزت المجتمع الليبي.
وفي الوقت الراهن يعمل وزير الدفاع بشكل شبه مستقل عن السراج، ولديه قوات في محيط طرابلس، ولا يعلن عادة عن نياته. ولديه اتصالات مع قوى مختلفة، بما فيها قوات تقع في الخانة المناوئة للسراج. ويبلغ عدد القوات الموالية لوزير الدفاع نحو ألف مقاتل، ويوجدون في مجموعات لها أسماء عسكرية منها الكتيبة 28، وموجودة في طريق الشط، وميدان الشهداء، وسوق الثلاثاء، ووسط طرابلس، والكتيبة 92 في شارع الزاوية، ومنطقة صلاح الدين، والكتيبة 301، موجودة في طريق المطار، والسواني، والكريمية، وغيرها.
ودعم وزير الدفاع عملية «البنيان المرصوص» التي أدت إلى طرد تنظيم داعش من مدينة سرت، لكن قيادات «البنيان المرصوص» - ومعظمهم من مصراتة - تفرقت بهم السبل، فبعضهم ما زال مواليا للسراج، والبعض الآخر يناصبه العداء وينحاز للمتطرفين.
ولم يعرف موقف البرغثي من هذه الاختلافات. ولم يسجل أي اشتباك مباشر لقواته في مناطق التماس بين الإخوة الأعداء حول طرابلس، أي في تاجوراء والزاوية، ووادي الربيع، حيث يوجد هناك خليط من المئات من العناصر المسلحة، بعضها من الموالين للسراج وبعضها من خصومه.
- العودة إلى المطار
جدير بالذكر، أنه وقعت الحرب بين مصراتة والزنتان في 2014. وكان آخر مظاهرها الاقتتال الشرس حول مطار طرابلس الدولي. ولقد تحصن مقاتلو الزنتان في المطار، وقامت قوات مصراتة بقصفهم بكل أنواع الأسلحة، ما أدى لحرق المطار بما فيه من طائرات، وانسحاب الزنتان إلى مدينتهم.
واليوم، إذ تخشى أطراف في المجلس الرئاسي من مغبة تحالف هاتين القوتين، يجري بحث مقترحات تقدمتا بها لأطراف في المجلس الرئاسي، بشكل غير رسمي، لكي تقتسم مصراتة والزنتان إدارة المطار وما حوله من أراض ومزارع في جنوب العاصمة.
ويقول مستشار في طرابلس، إن هذا مخرج مهم لتجنب وقوع حرب، لكنه يضيف أن هناك من يعارض هذا المقترح، وعلى رأس هؤلاء القوات الطرابلسية، فأي وجود لمصراتة والزنتان في أي مكان في طرابلس هو بمثابة تهديد مباشر لمئات من قوات التاجوري، وكارا، والككلي، وهي القوات التي يعتمد عليها السراج في نهاية المطاف.
- أنصار النظام السابق
أخيراً، تقول مصادر ممن كانت في الماضي من معاوني القذافي، إن هناك نحو سبعين ألفا من الضباط والجنود ممن لم يلتحقوا، منذ 2011، بالجيش الذي يقوده المشير حفتر، لأسباب سياسية تتعلق بانحياز حفتر إلى الانتفاضة التي أطاحت القذافي. ويشير إلى أن هؤلاء إما أنهم لجأوا إلى المنافي الاختيارية في مصر وتونس والجزائر وغيرها، للحفاظ على أرواحهم، أو اختاروا البقاء داخل ليبيا انتظارا لتغير الظروف على الأرض، خاصة من جانب المجتمع الدولي الذي يرفض عودة قادتهم للواجهة.
ومع ذلك، فإن معظم القيادات العسكرية التي تعمل مع حفتر هم أساساً من الجيش الليبي السابق. لكن بالنسبة لمن هم في داخل ليبيا، وينتظرون تغير الأوضاع، فيتركز وجودهم في مدينة بني وليد التي ما زالت تعلق صور القذافي على جدران المباني. وتوجد بعض البلدات في إقليم فزان، جنوبا، ما زال فيها قادة عسكريون يتمسكون بمبادئ القذافي، رغم أن بعضهم يتولى القيادة في مناطق عسكرية تابعة لحفتر.
- قوات الجضران
> ظهر اسم إبراهيم الجضران آمرا لحرس المنشآت النفطية في المنطقة الواقعة بين مدينتي إجدابيا وسرت. وكان يزعم أن لديه آلاف المقاتلين في تلك المنطقة التي تحوي مصافي لتصدير النفط، ودخل في حروب ضد المشير حفتر لحكم المنطقة بالقوة، لكنه خسرها، ومن ثم تفرق معظم مقاتليه. وجرى إقالته من جانب السلطات الحاكمة في شرق ليبيا وغربها.
وألقي القبض على الجضران قبل سنة، وأودع سجن في بلدة نالوت، جنوب غربي طرابلس، إلا أنه فر من محبسه ثم ظهر قبل أسبوعين في مصراتة، التي أصبح يهيمن عليها تحالف من زعماء «الإخوان» و«القاعدة» و«داعش».
ويقول مصدر أمني: «هناك أطراف محلية وإقليمية تعمل ضد حفتر، هي من ساعد على جمع المقاتلين، من متطرفين ومرتزقة أفارقة، لشن هجوم على المصافي النفطية، انطلاقاً من مركز عمليات يديره متشددون في مصراتة، في محاولة لتشتيت جهود الجيش في درنة. ويخشى المتطرفون من أي تقدم لحفتر في اتجاه غرب البلاد».
- جيش الصحراء
> يوم الخميس من الأسبوع الماضي، وأثناء الإعداد لشن هجوم على منطقة «الهلال النفطي»، شوهدت قوات تابعة لجماعات من متطرفين ومرتزقة في الصحراء الليبية والمعروفة باسم «جيش الصحراء»، وهي في طريقها للالتحاق بالهجوم على مصافي النفط. وتتمركز هذه القوات في مناطق ذات طبيعة صخرية بركانية في وسط الصحراء منها «الهروج» و«الجبال السود» و«أم الغرانيق» و«قرارة خلف الله».
ولا يقتصر وجود المقاتلين هناك على «جيش الصحراء» الذي شكله مقاتلو «داعش»، الفارون من مدن الشمال، ولكن المنطقة تضم مسلحين مناوئين لحكومات بلادهم في أفريقيا ومتطرفين قادمين من دول أفريقية، وآخرين فارين من مناطق القتال في العراق وسوريا. وانخرط مرتزقة من هؤلاء في الهجوم على الهلال النفطي.



دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».