أوروبا تشدد الخناق على عمالقة الإنترنت

تشريع يضع حداً لمشاعية النشر والبث

تشريعات أوروبية جديدة ستقلص تحكم شركات الإنترنت العملاقة في المحتوى (غيتي)
تشريعات أوروبية جديدة ستقلص تحكم شركات الإنترنت العملاقة في المحتوى (غيتي)
TT

أوروبا تشدد الخناق على عمالقة الإنترنت

تشريعات أوروبية جديدة ستقلص تحكم شركات الإنترنت العملاقة في المحتوى (غيتي)
تشريعات أوروبية جديدة ستقلص تحكم شركات الإنترنت العملاقة في المحتوى (غيتي)

يشتد الخناق الأوروبي رويداً رويداً على رقبة عمالقة الإنترنت، لا سيما مجموعة الخمس الأميركية المسماة «غافام»، أي غوغل وآبل وفيسبوك وأمازون ومايكروسوفت، وذلك بعدما أقر البرلمان الأوروبي مبدئياً تشريعاً خاصاً بالصحافة الإلكترونية وآخر يسمح برقابة أكبر على المحتوى الموسيقي أونلاين. وتريد المفوضية في بروكسل دفع شركات الإنترنت وتقنية المعلومات نحو عقد اتفاقات تراخيص بث ونشر مع أصحاب الحقوق. على أن تلك التشريعات ستناقش أيضاً لتقر نهائياً في جلسة عامة في يوليو (تموز) أو سبتمبر (أيلول) المقبلين.
وأكدت مصادر نواب في البرلمان الأوروبي أنه تعديل دقيق وحساس لتشريعات الملكية الفكرية، تعديل بخصوصية عالية في هذا العصر الرقمي.
فبعد أشهر من النقاشات الحامية، أقر النواب في مفوضية الشؤون القانونية بنود قوانين، تعيد خلط الأوراق مع منتجي المحتوى، وذلك بأغلبية طفيفة (13 مع البنود، مقابل 12 ضدها). والأهم هو البند الذي يفرض على منصات مثل غوغل وفيسبوك تقاسم إيرادات مع مواقع إلكترونية تابعة لصحف ووكالات أنباء وناشرين آخرين عندما يرد محتوى هؤلاء في تلك المنصات.
ويقول نائب شارك في النقاشات إن «الهدف هو منح الناشرين أدوات قانونية تسمح لهم بالاعتراض على نشر ما ينتجونه من محتوى، أو نقاش عقد اتفاقات مع تلك المنصات حتى لا يبقى ذلك المحتوى مستباحاً كما هو الحال الآن».
الإجراء الثاني الذي أتت التشريعات الجديدة على ذكره، والذي أقر بصعوبة أيضاً (15 مع مقابل 10 ضد)، هو دفع حقوق لأصحاب المحتوى المبثوث عبر منصات فيديو مثل يوتيوب. فعلى يوتيوب وفيسبوك على سبيل المثال، وضع محددات تقنية تسمح بالتعرف بسهولة على المحتوى الثقافي والمهني المحمي بحقوق ملكية فكرية، وهذا يفتح الباب أمام أصحاب المحتوى لطلب سحبه أو المطالبة بإبراز منتجهم أكثر من باب الدعاية المجانية أو منحهم حق طلب حقوق مادية مقابل بثه.
وتؤكد مصادر النواب المؤيدين للتعديلات أن ما أقر يعتبر تغييراً مهماً وأساسيا، ويفتح كوة في جدار تختبئ خلفه المنصات الرقمية التي تدعي أنها لا تنشر أو تبث أي محتوى نصي أو مرئي ومسموع، بل إن المستخدمين يفعلون ذلك، أي أن دور تلك المنصات محايد في ذلك ولا تنتهك أي حقوق بشكل مباشر. أما التعديلات فهدفها إنهاء حالة الالتباس هذه، والتي تجعل أصحاب المحتوى عاجزين عن طلب حقوق مادية مقابل نشر أو بث ما ينتجونه في نطاق معروف شيق ثم يجدونه في فضاء رقمي واسع النطاق.
ويجمع المهنيون المتابعون أن ما يفقده المنتجون جراء ذلك الالتباس كبير جداً، وأن التعديلات التشريعية ستسمح بمكافأة هؤلاء بشكل أفضل يسمح لهم بالاستمرار والنمو بدلاً من حالة التقهقر التي يعيشونها الآن، وما أزمة الصحف الورقية إلا خير مثال على تلك المعاناة التي يفترض أنها ستخف حدتها مع التشريعات الأوروبية الجديدة. ويشير نائب أوروبي إلى هذا التقدم على أنه «إنجاز كبير»، لأنه حصل رغم قوى الضغط الهائلة التي استخدمتها مجموعة «غافام» لعدم تمرير تشريعات تضر بمصالحها. ويضيف: «بات بإمكان المبدعين أن ينعموا بحماية في هذه الأدغال الرقمية التي تحيط بنا من كل جانب. وبات بإمكان المنتج والمبدع الأوروبي، سواء كان كاتباً أو موسيقياً أو فناناً، أن يحظى برعاية خاصة تحفظ حقوقه وتدعم عمله الثقافي والفني والإبداعي».
وسارعت النقابات المهنية مثل اتحادات الصحافيين ونقابات إنتاج الأعمال الفنية إلى الترحيب بالتشريعات الجديدة معتبرة إياها «نصراً حقيقياً على عمالقة الإنترنت الذين اعتقدوا أنهم يفرضون قواعد لعبتهم بلا حسيب أو رقيب».
في المقابل، عبر ليبراليون عن امتعاضهم لا سيما أولئك المنادين بـ«حرية الإنترنت»، بالإضافة إلى بعض القانونيين المشككين بجدوى التعديلات وحدود تطبيقها وكيف أنها ستؤثر سلباً على المستخدمين أولاً، لأنهم أول المستفيدين من الشيوع الحالي للمحتوى بفضل الفضاء الرقمي. وهناك أيضاً من يعترض لأن ذلك الشيوع، برأيه، كسر الاحتكارات وعزز ديمقراطية الوصول إلى المعلومة على نحو زاد معه الوعي الجماعي بشكل لم يشهده التاريخ من قبل. إلى ذلك، ظهرت أصوات منددة بالتمييز الذي قد يظهر عند تطبيق التشريعات الجديدة التي تصب أولاً في مصلحة المجموعات الإعلامية والصحافية الكبيرة صاحبة الموقع التفاوضي القوي، كما في مصلحة شركات الإنتاج الموسيقي المعروفة والقوية، أما صغار المنتجين للنصوص والموسيقى وأي عمل إبداعي آخر فلن يستطيعوا مقاومة عمالقة الإنترنت، وليسوا في موقع تفاوضي قوي ليحصلوا على حقوق كالتي سيحصل عليها كبار منتجي المحتوى. لذا سيكون هناك تمييز في التعامل ولا مساواة في التعاطي.
وهناك أيضاً من يعارض أي زيادة في الرسوم لأنها برأيه ضارة وقد تحجب محتوى عن أناس لتتيحه لآخرين، لأن الإيرادات التي أتى التشريع على ذكرها تشبه برأي هؤلاء الرسوم الجمركية التي دخل العالم اليوم في حرب وحرب تجارية مضادة من خلالها. وأي مزايدة في هذا الملف ستعقد حرية التبادل حول العالم وتعد نوعاً من الحمائية المهددة لحرية تجارة السلع والخدمات.
ويشير معترضون إلى أن تبادل نص قصير أو مقطع فيديو مضحك أو حتى صورة عادية بشكل بريء بين المستخدمين سيتحول إلى وجع رأس وملاحقات إذا قرر المنتج الأول لذلك المحتوى رفع دعوى حق ملكية فكرية.
بناء على ذلك الانقسام الحاد، يرى مراقبون أن التصويت النهائي في يوليو (تموز) أو سبتمبر (أيلول) المقبلين لن يمر مرور الكرام، وسترتفع حدة النقاشات أكثر من الآن وحتى ذلك التاريخ المفصلي. لكن المتفائلين بالتعديل يؤكدون أن الإقرار آتٍ لأن ما يقر في المفوضية لا يسقط في التصويت النهائي إلا نادراً جداً. ويذكر أنه بعد الإقرار التشريعي على مستوى البرلمان سيتحول الأمر إلى الوزراء المختصين وإلى المجلس الوزاري الأوروبي. ويتوقع ذلك قبل نهاية 2018. وبذلك يدخل العالم مرحلة جديدة كلياً من حيث استخدام الإنترنت بشكل عام. وإذا نجحت أوروبا في هذا الصدد سيلحقها العالم نحو تقييد سيكون مزعجاً جداً لعمالقة الإنترنت الذين «يسرحون ويمرحون الآن كما يحلو لهم»، بحسب تعبير نائب اشتراكي أوروبي مناهض بشدة لقوة مجموعة «غافام».


مقالات ذات صلة

تقرير استخباراتي: تزايد التهديدات السيبرانية خلال الانتخابات الأميركية

تكنولوجيا حذّرت شركة «فورتينت» من تهديدات سيبرانية متزايدة استهدفت انتخابات الرئاسة الأميركية 2024 (أدوبي)

تقرير استخباراتي: تزايد التهديدات السيبرانية خلال الانتخابات الأميركية

بيّن التقرير تسجيل أكثر من 1000 نطاق وهمي جديد يحمل محتوى انتخابياً منذ بداية عام 2024، يستهدف خداع الناخبين.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا أصبحت ثقة نحو 3 أرباع المستهلكين (72%) بالشركات أقل مقارنة بعام 2023 (أدوبي)

65 % من العملاء يشعرون بأن الشركات تتعامل مع بياناتهم باستهتار وتهوّر

تظهر دراسة جديدة لشركة «سايلزفورس» تراجع الثقة بالشركات لدى 72 في المائة من العملاء حول العالم.

نسيم رمضان (لندن)
الاقتصاد إيلون ماسك متحدثاً (عن بُعد) عن الابتكار والذكاء الاصطناعي في الاجتماع السنوي السادس عشر للمنتدى الدولي لصناديق الثروة السيادية الذي تستضيفه سلطنة عمان الاثنين (العمانية)

تحذير من مخاطر الذكاء الاصطناعي والتهديدات السيبرانية على صناديق الثروة السيادية

حذر خبير دولي في إدارة صناديق الثروة السيادية، من التحديات المخاطر التي تمثلها عمليات الذكاء الاصطناعي.

«الشرق الأوسط» (مسقط)
العالم الجهاز القضائي للاتحاد الأوروبي يعلن نجاح إغلاق خوادم إحدى أكبر منصات البرامج الضارة في العالم التي استهدفت ملايين الضحايا (رويترز)

تعاون عالمي مكن الشرطة من إحباط برمجيات خبيثة استهدفت الملايين

أعلن الجهاز القضائي للاتحاد الأوروبي (يوروجست) اليوم الثلاثاء أن عملية للشرطة العالمية نجحت في إغلاق خوادم إحدى أكبر منصات البرامج الضارة في العالم.

«الشرق الأوسط» (لاهاي)
خاص شارك في القمة مئات الخبراء والباحثين في مجال الأمن السيبراني من حول العالم (الشرق الأوسط)

خاص قمة «محللي الأمن» في إندونيسيا تناقش أخطر التهديدات السيبرانية في الشرق الأوسط

هجمات تعتمد على الذكاء الاصطناعي لإنشاء مواقع وهمية لزيادة المصداقية وأخرى تستغل ثغرات في رقائق الأجهزة الإلكترونية.

نسيم رمضان (بالي (إندونيسيا))

السعودية تسطر التاريخ باعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم

جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)
جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)
TT

السعودية تسطر التاريخ باعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم

جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)
جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)

سطرت السعودية التاريخ، بعد أن جمعت البلدان الأعضاء في المنظمة العالمية للملكية الفكرية، المكونة من 193 دولة، للاتفاق على معاهدة الرياض لقانون التصاميم، وهي تركز على تعظيم الأثر والقيمة على المنظومة بشكل عام، وذلك بعد مرور 20 عاماً على هذه المعاهدة التي لم تر النور إلا من عاصمة المملكة.

جاء ذلك مع ختام أعمال مؤتمر الرياض الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم، في حدث لأول مرة منذ أكثر من عقد من الزمن تعقد فيها المنظمة العالمية للملكية الفكرية «الويبو» مؤتمراً دبلوماسياً خارج جنيف، وهو الأول الذي يُقام في السعودية والشرق الأوسط، ليمثل المرحلة الأخيرة للمفاوضات الخاصة باعتماد معاهدة هذا القانون، التي تستهدف تبسيط إجراءات حماية التصاميم، من خلال توحيد المتطلبات.

وشهد الحدث، خلال الأسبوعين الماضيين، نقاشات وحوارات مكثفة بين البلدان الأعضاء من أجل الوصول إلى معاهدة تلتزم فيها الدول الأعضاء بالمتطلبات الأساسية لتسجيل التصاميم، وأثرها الإيجابي على المصممين، لتصبح هناك إجراءات موحدة تُطبَّق على جميع الدول.

العائد الاقتصادي

وفي رده على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، خلال المؤتمر الصحافي مع ختام هذا الحدث، اليوم الجمعة، قال الرئيس التنفيذي للهيئة السعودية للملكية الفكرية، عبد العزيز السويلم، إنه من خلال الدراسات يوجد هناك نسب عالية جداً للشباب والفتيات في إبداع التصميم بالمملكة، وستكون ذات أثر اقتصادي بمجرد أن يكون المنتج قابلاً للحماية، ومن ثم للبيع والشراء.

وأكد الرئيس التنفيذي أن اختيار اسم «معاهدة الرياض» يعكس المكانة التي تحتلها المملكة بوصفها جسراً للتواصل بين الثقافات، ومركزاً لدعم المبادرات العالمية، كما أن اعتماد المعاهدة يُعد إنجازاً تاريخياً يعكس تعاون ومساهمة البلاد في الإطار الدولي للملكية الفكرية، وفتح آفاق جديدة للتعاون بين الدول الأعضاء.

ووفق السويلم، هذه المعاهدة ستسهم في وضع أسس قانونية مهمة تحقق الفائدة للمصممين، وتدعم الابتكار والإبداع على مستوى العالم.

وتعكس «معاهدة الرياض» رؤية المملكة في تعزيز التعاون الدولي بمجال الإبداع ودورها القيادي في صياغة مستقبل مستدام للمصممين والمبتكرين؛ وقد استكملت المفاوضات في الوصول إلى اتفاق دولي للمعاهدة.

توحيد الإجراءات

وتُعد نقلة نوعية في مجال توحيد إجراءات إيداع التصاميم، لتسجيلها على مستوى دول العالم، وتوفير بيئة قانونية تدعم الابتكار والإبداع في مختلف القطاعات.

هذا الإنجاز يرسخ مكانة المملكة بصفتها وجهة عالمية لدعم المبادرات المبتكرة، ويعكس التزامها بتوفير بيئة مشجِّعة للإبداع تحمي حقوق المصممين وتسهم في ازدهار الصناعات الإبداعية على مستوى العالم.

وكانت الهيئة السعودية للملكية الفكرية قد استضافت، في الرياض، أعمال المؤتمر الدبلوماسي المعنيّ بإبرام واعتماد معاهدة بشأن قانون التصاميم، خلال الفترة من 11 إلى 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، بمشاركة الدول الأعضاء في المنظمة العالمية للملكية الفكرية، بحضور رفيع المستوى من أصحاب القرار.