دوريات أميركية وتركية قرب منبج تنفيذاً لخريطة الطريق

دوريات من الجيش التركي تدخل إلى ريف منبج أمس (صفحة عفرين)
دوريات من الجيش التركي تدخل إلى ريف منبج أمس (صفحة عفرين)
TT

دوريات أميركية وتركية قرب منبج تنفيذاً لخريطة الطريق

دوريات من الجيش التركي تدخل إلى ريف منبج أمس (صفحة عفرين)
دوريات من الجيش التركي تدخل إلى ريف منبج أمس (صفحة عفرين)

أعلنت تركيا بدء تسيير دوريات عسكرية من قواتها والقوات الأميركية بشكل منفصل في محيط مدينة منبج في شمال سوريا أمس في إطار خريطة الطريق التي تم الاتفاق عليها مع الولايات المتحدة في اجتماع لوزيري خارجية البلدين في واشنطن في 4 يونيو (حزيران) الجاري وأكدت أن قواتها ستدخل منبج تدريجيا بعد إخراج عناصر وحدات حماية الشعب الكردية منها بحسب الاتفاق.
وقالت رئاسة هيئة الأركان العامة للجيش التركي في رسالة عبر «تويتر»: «بدأ الجيشان التركي والأميركي اليوم (أمس) تسيير دوريات مستقلة على طول الخط الواقع بين منطقة عملية درع الفرات ومدينة منبج شمال سوريا». وأضافت: «تسيير الدوريات المستقلة يأتي التزاماً بالمبادئ الأمنية وخريطة الطريق التي جرى الاتفاق عليها بين الجانبين التركي والأميركي حول منبج».
وأكدت مصادر محلية لوسائل الإعلام التركية أن القوات التركية دخلت عبر حاجز «الدادات» الفاصل بين مناطق سيطرة الجيش السوري الحر شمال شرقي حلب ومدينة منبج، وأن الدوريات سارت على طول خط نهر الساجور الذي يفصل بين مدينة جرابلس الخاضعة لسيطرة الجيش السوري الحر ومدينة منبج، واستمرت نحو 3 ساعات.
وقال الرئيس رجب طيب إردوغان أمام حشد من أنصار حزب العدالة والتنمية الحاكم في مدينة سامسون (شمال شرقي تركيا) أمس: «قواتنا بدأت بالفعل تسيير دوريات على حدود مدينة منبج شمالي سوريا بموجب الاتفاق مع الإدارة الأميركية»، لافتاً إلى أن الاتفاق يشمل إخراج عناصر الوحدات الكردية، بشكل كامل، من المدينة.
من جهته، أكد رئيس الوزراء بن علي يلدريم أن الجيشين التركي والأميركي، في خطاب جماهيري في إسطنبول، بدء تسيير دوريات في محيط منبج وأنهما سيباشران مهامهما في «تطهير المنطقة من الإرهابيين» على حد تعبيره.
وأكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن دوريات عسكرية بدأت في مدينة منبج في شمال سوريا وأن القوات التركية ستدخل المدينة «خطوة بخطوة».
وقال جاويش أوغلو في تصريحات في أنطاليا (جنوب تركيا) إن منبج سيجري تطهيرها من وحدات حماية الشعب الكردية وعناصر حزب العمال الكردستاني بأسرع وقت ممكن.
وفي وقت سابق، قالت مصادر تركية إن وحدات من الجيش التركي وصلت إلى محيط مدينة منبج، في إطار الاتفاق الذي جرى التوصل إليه مع الولايات المتحدة الذي ينص على إخراج الوحدات الكردية من المدينة وتسليم أسلحتها وتسيير دوريات تركية وأميركية مشتركة لحفظ الأمن في المدينة.
وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان بدء تنفيذ الاتفاق الأميركي التركي بشأن منبج وبدء تسيير دوريات أميركية وتركية «غير مشتركة» على محاور التماس في المنطقة بين مناطق سيطرة مجلس منبج العسكري المنضوي تحت لواء تحالف قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ومناطق سيطرة فصائل درع الفرات، حيث تتواجد الدوريات الأميركية عند نقطة التماس من الجانب الخاضع لسيطرة مجلس منبج العسكري، أي جنوب الساجور، بينما تتواجد الدوريات التركية في نقطة التماس من الجانب الخاضع لسيطرة فصائل درع الفرات، شمال منطقة الساجور، بهدف مراقبة ومنع أي احتكاك أو إطلاق نار من الطرفين.
في غضون ذلك، ترددت أنباء عن اتفاق روسيا وتركيا على موعد تنفيذ اتفاق مدينة تل رفعت بريف حلب الشمالي وتم تحديده بالأول من يوليو (تموز) المقبل بعد عرض البنود على أهالي المدينة وقبولهم بها كخطوة أولى.
ونقلت وسائل إعلام تركية أمس عن «مصادر مطلعة» على تنفيذ البنود أن الموعد المحدد يعقب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة التي ستجرى الأحد المقبل، الأمر الذي تم الاتفاق عليه بعد تسجيل أسماء الدفعة الأولى من الأهالي الراغبين بالعودة.
وأضافت المصادر أنه تم تعيين مسؤول تركي خلال الأيام الماضية لإدارة العمليات الإنسانية وعودة الأهالي.
وتحظى تل رفعت وما حولها برمزية كبيرة لدى أهالي المنطقة، وتعتبر من أوائل المدن التي انتفضت ضد النظام في الشمال السوري وخسرتها فصائل المعارضة في مطلع عام 2016. لصالح تحالف قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، الذي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية قوامه الرئيسي.
وعقد وجهاء تل رفعت اجتماعا الأربعاء الماضي مع مسؤولين أتراك في مدينة أعزاز بريف حلب الشمالي لتحديد مصير المدينة، وخرجوا بعدد من البنود تضمن عودة جميع المدنيين إليها، حيث اتفق على خروج قوات النظام والميليشيات المساندة لها من المدينة واستبداله بوجود تركي - روسي مشترك، ودخول أهالي تل رفعت فقط إلى المدينة بعيداً عن الفصائل العسكرية، كما يمنع وجود السلاح في المدينة، ويُشكل مجلس محلي من شرطة يتم انتقاؤها من شباب المدينة.
وبدأ وجهاء المدينة تسجيل أسماء الدفعة الأولى من الراغبين بالعودة، على أن يتم تحديد الأسماء المرفوض دخولها.
ويتشابه اتفاق تل رفعت مع خريطة الطريق في منبج التي توصلت إليها أنقرة مع واشنطن، والذي يعتبر نموذجا غير مسبوق في سوريا منذ بدء الأزمة من حيث تشكيل إدارة دولية مشتركة بعيدا عن القوى المحلية على الأرض والتي من شأنها أن تشكل عائقاً في تحقيق ما تم الاتفاق عليه.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.