مفوضية حقوق الإنسان تؤيد تحقيقاً في أعمال العنف بنيكاراغوا

إغلاق الطرق يسبب خسائر تتجاوز 900 مليون دولار وفقدان 150 ألف وظيفة

محتجون في العاصمة ماناغوا ضد حكومة أورتيغا يحملون أسلحة مصنعة في البيوت (رويترز)
محتجون في العاصمة ماناغوا ضد حكومة أورتيغا يحملون أسلحة مصنعة في البيوت (رويترز)
TT

مفوضية حقوق الإنسان تؤيد تحقيقاً في أعمال العنف بنيكاراغوا

محتجون في العاصمة ماناغوا ضد حكومة أورتيغا يحملون أسلحة مصنعة في البيوت (رويترز)
محتجون في العاصمة ماناغوا ضد حكومة أورتيغا يحملون أسلحة مصنعة في البيوت (رويترز)

تطالب المعارضة في نيكاراغوا منذ شهرين برحيل الرئيس دانيال أورتيغا بطل الثورة التي أطاحت بالديكتاتورية عام 1979. وحكم أورتيغا نيكاراغوا من 1979 إلى 1990 بعد إزاحته اناستازيو سوموزا، ثم عاد إلى السلطة في 2007، وقبل شهرين تصاعدت الاحتجاجات ضد الحكومة سعيا للضغط على الرئيس دانيال أورتيغا للتنحي، قابلتها الحكومة بإجراءات قمعية. وقضى في الاضطرابات 178 شخصا وجرح 1500 على الأقل، كما ذكرت الشرطة. وأمس استنكر المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة زيد بن رعد الحسين أعمال العنف، وطالب بتحقيق للمنظمة الدولية وحض الحكومة على دعوة مراقبين من الأمم المتحدة «بدون تأخير»، وطالبها الوفاء بالتزامها و«توجيه دعوة عاجلة لمكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان لزيارة البلاد كما طلبنا بشكل متكرر». وأكد: «يتعين توجيه هذه الدعوة دون تأخير». وبدأت أعمال العنف في 19 أبريل (نيسان) عندما واجهت الحكومة بإجراءات قمعية مظاهرات محدودة نسبيا لرفض إصلاحات لنظام الضمان الاجتماعي، ما لبث أن ألغيت. وتوسعت الاحتجاجات لتصبح انتفاضة شعبية، واجه فيه المتظاهرون المناهضون للحكومة الشرطة وقوات شبه عسكرية مناصرة لأورتيغا. ويرى المتظاهرون الذين يطالبون برحيله أن فترة حكمه طويلة جدا، مطالبين بتقريب موعد الانتخابات الرئاسية وبإصلاحات دستورية.
وقال الحسين لدى افتتاحه جلسة لمجلس حقوق الإنسان في جنيف: «أستنكر أعمال العنف»، مضيفا: «إن خطورة تلك التطورات ربما تستدعي لجنة تحقيق دولية»، في إشارة إلى أعلى هيئة تحقيق في المنظمة الدولية. وتقوم الكنيسة الكاثوليكية بوساطة بين الحكومة والمعارضة لإعادة إطلاق مفاوضات هشة بين الطرفين. وحض الحسين الحكومة على احترام التزاماتها في استئناف ما يطلق عليه «الحوار الوطني»، بما في ذلك «وقف جميع أشكال العنف والتهديدات».
وكشف الكاردينال ليوبولدو برينيس أن الكنيسة طلبت من أورتيغا تقريب موعد الانتخابات العامة المقبلة. وكان الطرفان علقا مساء السبت محادثاتهما وأعلنا أنها ستستأنف هذا الأسبوع. وسيكون عليهما دراسة اقتراح تقدمت به الكنيسة الكاثوليكية، يقضي بالدعوة إلى انتخابات عامة مبكرة في مارس (آذار) 2019، أي قبل سنتين من موعدها. ويقترح الأساقفة أيضا تعديلا دستوريا يفترض أن يطبق هذه السنة ويمنع رئيس الدولة من الترشح لولاية جديدة. وأكد أورتيغا أنه مستعد للعمل على أحلال الديمقراطية في البلاد لكنه لم يوضح ما إذا كان سيوافق على اختصار ولايته التي يفترض أن تنتهي في يناير (كانون الثاني) 2022، وقال: «نكرر استعدادنا الكامل للاستماع لكل المقترحات في إطار مؤسساتي ودستوري». وتوصلت الحكومة والمعارضة الجمعة إلى اتفاق يسمح لمراقبين في مجال حقوق الإنسان التوجه إلى نيكاراغوا للتحقيق في أعمال العنف. ووافق ممثلو المعارضة من جهتهم على طلب أساسي للرئيس أورتيغا، وهو خطة لإنهاء إغلاق الطرق، كما أعلن المؤتمر الأسقفي الوسيط في الأزمة.
ونصب المحتجون حواجز من جذوع أشجار وصخور على أكثر من ثلثي طرق البلاد لمنع قوات مكافحة الشغب من المرور. وتعرقل هذه الحواجز نقل البضائع وتعطل التجارة الإقليمية. وقد اضطرت مئات الشاحنات التي تعبر نيكاراغوا إلى التوقف.
وأغلقت بعض المدن مثل ماسايا كل مداخلها على أمل أن تتجنب عمليات القتل والنهب وإحراق المحلات التجارية. وبدا الوضع في المدينة أشبه بحظر للتجول، إذ إن الكثير من السكان يفضلون البقاء في بيوتهم مع حلول المساء. وقالت مؤسسة نيكاراغوا للتنمية الاجتماعية والاقتصادية إن خسائر البلاد يمكن أن تتجاوز 900 مليون دولار إذا استمرت الأزمة، مشيرة إلى أن نيكاراغوا يمكن أن تخسر عددا من الوظائف قد يصل إلى 150 ألفا بحلول نهاية السنة الجارية.
وقال عالم الاجتماع والمحلل رينيه فارغاس، لوكالة الصحافة الفرنسية، أن الرئيس أورتيغا يحاول «كسب الوقت» وقلب ميزان القوى لمصلحته، عبر قمع متزايد. وأضاف أن رئيس الدولة لن يغلق باب المحادثات لكنه سيدفع المعارضة إلى مغادرتها وإلى عدم احترام الاتفاقات التي تخرج منها.
وعبر الكاتب سيرجيو راميريز الذي منح العام الماضي جائزة سيرفانتيس الأدبية العريقة للناطقين بالإسبانية، لوكالة الصحافة الفرنسية عن تشاؤمه أيضا. وقال راميريز الذي كان نائبا لرئيس البلاد في السنوات الخمس الأخيرة لحكومة أورتيغا (1979 - 1990) إن حلا للأزمة حاليا يبدو «غير واضح وغير مرجح». وأضاف: «أسمع القليل مما يدل على إرادة لدى الحكومة في إطار المحادثات، في الاعتراف أو على الأقل في العمل على التوبة عن جرائمها والبحث عن حل».



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.