قطاعا الإعلام والاتصالات في أميركا مهددان بالاحتكار

صفقة اندماج «إيه تي آند تي» و«تايم وارنر» ستكشف قدرة الشركات التكنولوجية على معرفة عادات المستهلك واستغلالها

قطاعا الإعلام والاتصالات في أميركا مهددان بالاحتكار
TT

قطاعا الإعلام والاتصالات في أميركا مهددان بالاحتكار

قطاعا الإعلام والاتصالات في أميركا مهددان بالاحتكار

يبدو أن عصراً جديداً للاستحواذات الإعلامية والتكنولوجية يبدأ في أميركا، حيث أثار الحكم القضائي الذي أصدره قاضٍ فيدرالي أميركي بواشنطن، الأسبوع الماضي بالموافقة على صفقة اندماج ما بين شركة الاتصالات الأميركية «إيه تي آند تي» (AT&T) وشركة «تايم وارنر» العالمية لصناعة الترفيه والأفلام، الكثير من القلق والتوتر في السوق المالية، وفي حقل صناعة الإعلام في الولايات المتحدة.
فالمسائل لا تتعلق باندماج شركتين كبيرتين، وإنما يتعلق الأمر بالتغيرات الكبيرة في صناعات الإعلام والتكنولوجيا، ويتعلق الأمر بالمحتوى الذي تقدمه هذه الشركات الضخمة وبالأسلوب الذي تتبعه هذه الشركات في الحصول على بيانات حول عادات المشاهد وسلوك المستهلك، وأيضاً مخاوف الاحتكار والتحكم بشكل كبير في سوقي الإعلام والاتصال حينما يمنح الاندماج بين شركتين كبيرتين مثل AT&T وشركة «تايم وارنر» الكثير من القدرة على التحكم في إنتاج المحتوي الإعلامي وتوصيله للمستهلك.

مكتبة مرئية عملاقة وباقات للمستخدمين
تعد شركة AT&T هي أكبر شركة اتصالات في العالم، وهي شركة أميركية قابضة متعددة الجنسيات مقرها في برج وايتاكر في وسط مدينة دالاس بولاية تكساس، وتعد أكبر شركة لخدمات الهاتف الثابت في الولايات المتحدة، وثاني أكبر شركة لخدمات الهاتف المحول.
أما شركة «تايم وارنر»، فهي تعد ثالث أكبر شركة ترفيه في العالم (من حيث العائد) بعد شركة «كومكاست» Comcast، وشركة «والت ديزني»، وتعد أكبر تكتل إعلامي في العالم، وتضم شبكة «سي إن إن» الإخبارية وقنوات HBO للأفلام، وعدداً من الشركات الإعلامية تحت مظلتها.
وتسعى شركة AT&T من هذه الصفقة إلى جذب ملايين المشاهدين إلى الاشتراك في باقات للمحتوى التلفزيوني المدفوع مقدماً، حيث ستطرح عرضاً جديداً تحت مسمي «WATCH»، أو «شاهد»، وهو عبارة عن حزمة تلفزيونية مقابل 15 دولاراً في الشهر، تشمل برامج رياضية وعروضاً تجتذب فئات عريضة من الشباب من Game of thrones مع عروض خدمات تلفونية.
وستمتلك الشركة بهذا الاندماج مكتبة ضخمة من القنوات التلفزيونية، أهمها شبكة HBO وشبكة CNN الإخبارية، وعدد من القنوات الرياضية الكثيفة المشاهدة، إلى جانب انتشار واسع لخدمات التلفزيون على الهاتف المحمول. أي أن هذا الاندماج سيمنح شركة الاتصالات العملاقة AT&T أن تقدم لعملائها باقات تمكّن المستهلك من مشاهدة قنوات ترفيهية ورياضية، والحصول على أحدث الأفلام السينمائية، وإنتاج أشكال ومحتوى إعلامي خاص يجذب المستهلكين للبقاء على أجهزة الهاتف المحمول طوال اليوم في مشاهدة الأفلام ومقاطع الفيديو والألعاب الرياضية، وذلك مقابل اشتراك مالي مع فاتورة الهاتف المحمول والترويج لعروض دفع متنوعة.

الإعلام التقليدي يواكب
يقول المسؤولون التنفيذيون، إن إنشاء المحتوى الإعلامي وتوزيعه هو السبيل الوحيد للبقاء على قيد الحياة في مواجهة شركات تكنولوجية ضخمة مثل «أمازون» و Netflix، وقد بدأت هذه الشركات إنتاج برامجها الخاصة في السنوات الماضية بما يمكّن المستخدمين من بث فيديوهات على الأجهزة المحمولة؛ وهو ما سبب ضغطاً على شركات الإعلام التقليدية.
يقول الخبراء، إن هذا الاندماج سيؤدي إلى تمركز السيطرة على الإعلام والاتصالات وخلق قطب جديد، وإعادة تشكيل المشهد في هذه الصناعات. من جانب آخر، توقع الخبراء أن يفتح هذا الحكم القضائي الباب أم موجة واسعة من الاستحواذات على الشركات والاندماجات بين الشركات العملاقة. وتدور تسريبات بأن شركة «كومكاست» Comcast العملاقة أيضاً ترغب في الاستحواذ على شركة «والت ديزني» وبعض أصول شركة 21st century Fox وقدمت «كومكاست» آخر الأسبوع الماضي عرضاً بنحو 65 مليار دولار.
القضية كانت أطرافها وزارة العدل الأميركية التي كانت ترفض الصفقة من منطلق أنها تكافح الاحتكار، مقابل شركة AT&T، وأصدر القاضي ريتشارد جيه ليون حكمه بالموافقة على صفقة الاندماج البالغة 85 مليار دولار، وقال إن وزارة العدل فشلت في إثبات أن امتلاك شركة الاتصالات العملاقة AT&T لشركة «تايم وارنر» ستؤدي إلى خيارات أقل للمستهلكين وأسعار أعلى لخدمات التلفزيون والإنترنت.

صفقة وراء أبواب محكمة
وقد جادل محامو وزارة العدل من خلال أستاذ الاقتصاد كارل شابيرو بجامعة كاليفورنيا، الذي استخدام نموذجاً اقتصادياً للتنبؤ بأن العملاء سيواجهون زيادة في الأسعار (نتيجة الاندماج) تتراوح بين 235 مليون دولار و561 مليون دولار، أي أقل من دولار واحد لكل عميل شهرياً. وأشار محامو وزارة العدل إلى أن الأمر لا يتعلق بتوجه الشركات في إنتاج برامج مبتكرة ومثيرة تجذب ملايين المشاهدين، لكنهم يجمعون أيضاً بيانات عن عملائهم بما يسمح لهم بفهم تفضيلات المستهلكين. فشركة «تايم وارنر» لا تستطيع معرفة من يشاهد ماذا ومتى وكيف.
بينما أكد محامو شركة الاتصالات العملاقة، أن الاندماج بين شركة AT&T وشركة «تايم وارنر»، والقدرة على معرفة تفضيلات المشاهدين والمستهلكين سيؤدي إلى تقديم خدمة أفضل للعملاء عن طريق إنشاء المحتوى الذي يريدونه، وتقول الشركة إن معرفة بيانات المستهلك ستساعد أيضاً على الترويج لإعلانات مستهدفة؛ مما قد يؤدي إلى خفض فواتير المستهلك؛ لأن الشركة ستحصّل رسوماً أقل لأنها تحقق المزيد من الأموال من الإعلانات.
ويدعم عدد من السياسيين اليساريين في واشنطن وخبراء مكافحة الاحتكار توجه الحكومة لتفكيك شركات عملاقة مثل «غوغل» و«فيسبوك» و«أمازون»، وبخاصة مع شكوك حول الخصوصية وقدرة تلك الشركات على الحصول على بيانات المستهلك وتحليل عاداته وتوجهاته الشرائية.
ومثلما تتصاعد الدراما والأحداث في الأفلام السينمائية، شهدت قاعات المحكمة يوم الثلاثاء الماضي، نوعاً مثيراً من الدراما خلال نظر القضية، وتم منع الصحافيين من مغادرة قاعة المحكمة حتى ينطق القاضي بحكمه، ومُنعوا من استخدام هواتفهم المحمولة. وامتلأت قاعة المحكمة بحشد كبير من الرؤساء التنفيذيين ومديري صناديق التحوط والمحللين الماليين.
وقد ظلت القضية لمدة 18 شهراً في أروقة المحكمة، وأنفقت وزارة العدل عشرات الملايين من الدولارات في القضية، واستخدمت نحو 32 محامياً من الخبراء العاملين في الوزارة ومن الخبراء المستقلين. وهو ما قاد كثيراً من الصحف الأميركية إلى اتهام وزارة العدل بإهدار أموال دافعي الضرائب الأميركيين، وطرح تساؤل ما إذا كانت تحركات وزارة العدل تحكمها أغراض سياسية (تتعلق بموقف إدارة ترمب من قناة «سي إن إن» - الذراع الإخبارية لشركة «تايم وارنر» - والإعلام بصفة عامة وإطلاق الاتهامات بتزييف الأخبار) أكثر من الأهداف الاقتصادية.

مخاوف من اندثار التنافسية
قرار القاضي بالاندماج أثار أيضاً قلق شركات خدمات الإنترنت الذين انتقدوا القرار وتخوفوا من هذا الاندماج، وقالوا إنه سيؤدي إلى تقليل التنافسية بين الشركات المالكة والموزعة للمحتوى وسيصيب المستهلك بأضرار اقتصادية.
القضية أيضاً لها بالفعل إبعاد سياسية فشركة AT&T هي شركات خدمات تليفونية مقرها ولاية دالاس، وهي ولاية اشتهرت بالتصويت للحزب الجمهوري (مما يطلق عليهم ولايات حمراء الرمز اللوني للحزب الجمهوري) بينما شركة «تايم وارنر» هي شركة إعلامية لها مقرات ضخمة في كل من مدينة نيويورك ولوس انجلوس، وهي ولاية اشتهرت بالتصويت للحزب الديمقراطي (مما يطلق عليهم الولايات الزرقاء الرمز اللوني للحزب الديمقراطي)، ولها بعد آخر يتعلق بحرب الرئيس ترمب على ذراع شركة «تايم وارنر» الإخبارية واتهامه للإعلام بتزييف الأخبار.
ويقول ستيفن سالوب، أستاذ الاقتصاد والقانون بجامعة جورج تاون، إن القرار القضائي بالموافقة على صفقة الاندماج سيعطي شركة AT&T قوة سوقية كبيرة تدفعها لرفع سعر المحتوى الإعلامي الذي ستحصل عليه من شركة «تايم وارنر»، وثانياً سيؤدي هذا الاندماج إلى مزيد من عمليات الدمج العمودية في هذه الصناعة؛ مما سيضر في النهاية بالمستهلكين.
في عام 2000، تم بيع شركة «تايم وارنر» بمبلغ 100 مليار دولار، واشترتها شركة AOL الأميركية التابعة لشبكة «دوت كوم» في عملية اندماج قائمة على الأسهم، لكن الصفقة انتهت إلى الفشل الذريع، واعتبرت أسوأ حالة اندماج بين شركتين في التاريخ. فقد انهارت شبكة «دوت كوم» واضطرت AOL إلى خسارة 99 مليار دولار من القيمة الدفترية للصفقة؛ وهو ما أدى إلى انخفاض قيمة شركة AOL في السوق من 226 مليار دولار إلى نحو 20 مليار دولار، ويرجع السبب إلى عدم قدرة الشركة على الاستجابة لمطالب الوصول السريع إلى الإنترنت، وفقدت شركة AOL موقعها التنافسي ولم تستطع الخروج من الأزمة المالية التي واجهتها في أعقاب صفقة الاندماج.
وبعد سنوات عدة قامت شركة «تايم وارنر» بفصل إدارة «تايم وارنر كابل» عن شركة AOL، وقامت شركة «فيرايزون» VERIZON بشراء شركة AOL عام 2015 مقابل 4.4 مليار دولار فقط.


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
TT

هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)

يبدو أن ثمة تطوراً جديداً ربما يظهر داخل «غرف الأخبار»، بعدما سعت صحف بارزة، مثل «واشنطن بوست»، لاجتذاب صُنّاع المحتوى بهدف «تعزيز التواصل مع الجمهور»، في حين أثارت مساعي دمج صُنّاع المحتوى (المؤثرون) داخل غُرف الأخبار تساؤلات بشأن «ضمانات التوازن بين المعايير المهنية والتكيّف مع تطلّعات الجمهور».

ووفق تقرير معهد «رويترز لدراسة الصحافة»، العام الماضي، فإن «الجمهور من الفئات الأقل من أربعين عاماً يعيرون اهتماماً أكبر لصُنّاع المحتوى، أو ما يطلقون عليهم لقب (مؤثرون)، بوصفهم مصدراً للمعلومات وكذلك الأخبار».

كما أشارت دراسة استقصائية ضمن مبادرة «بيو-نايت» الأميركية، المعنية برصد التغيرات في كيفية استهلاك الأخبار والمعلومات، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن أكثر من خُمس البالغين في الولايات المتحدة يعتمدون بانتظام على «المؤثرين» للحصول على الأخبار.

ومع ذلك، فإن معظم هؤلاء «المؤثرين» الذين ينشرون الأخبار لا ينتمون إلى مؤسسات إخبارية ولا يخضعون لتدريب صحافي. وحسب دراسة أجرتها منظمة «اليونيسكو» ونُشرت نتائجها، نهاية نوفمبر الماضي، فإن غالبية هؤلاء المؤثرين (62 في المائة) لا يتحقّقون من صحة المعلومات التي يشاركونها مع جمهورهم، ما يُثير مخاوف من انتشار «المعلومات الزائفة».

ومعروف أن ثمة تجارب بدأت تخوضها أخيراً غرف الأخبار للدمج بين الصحافي المدرب وصانع المحتوى صاحب الكاريزما والجمهور. وظهرت، في هذا الإطار، نماذج؛ مثل: «واشنطن بوست»، والمنصة الأميركية «مورنينغ بيرو» التي أطلقت بالفعل مبادرات يقودها صُنّاع محتوى على منصات التواصل الاجتماعي، غير أن الاتجاه لا يزال قيد التجربة والتقييم، حسب ما يبدو.

الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا»، مهران كيالي، رهن نجاح تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار بـ«تنظيم العلاقة بين الطرفين»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «على غرف الأخبار أن توفّر لصُنّاع المحتوى أدوات؛ مثل: التحقق من المصادر، والالتزام بأخلاقيات الصحافة، في حين يقدّم صُنّاع المحتوى خبراتهم في الإبداع الرقمي وفهم الجمهور على المنصات الحديثة». وأضاف: «كما يجب تقنين العلاقة من خلال وضع إطار واضح يحدّد المسؤوليات وأسلوب العمل».

غير أن كيالي أشار إلى «تحديات أمام تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار»، قائلاً: «هناك نظرة سلبية من قِبل بعض الصحافيين التقليديين تجاه صُنّاع المحتوى، بل هم يعدونهم دخلاء على المهنة، رغم امتلاكهم جمهوراً واسعاً وتأثيراً كبيراً». وأضاف: «بعض المؤسسات الصحافية تعاني صعوبة التكيّف مع أسلوب المحتوى السريع والبسيط الذي يتناسب مع منصات التواصل الاجتماعي، خشية خسارة الصورة الوقورة أمام الجمهور».

وعدّ كيالي أن غرف الأخبار قبل أن تستعين بصُنّاع المحتوى، هي بحاجة إلى «التجهيزات والإجراءات التي تمكّن الصحافيين من إنتاج ونشر محتوى رقمي جذاب بسرعة».

وعن الحلول لتجاوز هذه التحديات، أوضح الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» أنه «يجب على المؤسسات تحديث سياساتها وتوفير الدعم الفني والتدريب اللازم للصحافيين، مع تغيير النظرة السلبية تجاه صُنّاع المحتوى والبحث عن تعاون».

وأشار كذلك إلى أهمية تحقيق التوازن بين المهنية والتطوير، قائلًا: «بعض غرف الأخبار تحتاج إلى تعزيز مصداقيتها بالالتزام بمبادئ الصحافة، من خلال تجنّب المصادر غير الموثوقة وتدقيق المعلومات قبل نشرها»، و«لجذب الجمهور، يجب تقديم محتوى يلامس اهتماماته بأسلوب مبسط مع استخدام أدوات حديثة مثل الفيديوهات القصيرة؛ مما يضمن الجمع بين الدقة والجاذبية لتعزيز الثقة بعصر المنافسة الرقمية».

المحاضرة في الإعلام الرقمي بالجامعة البريطانية في القاهرة، ياسمين القاضي، ترى أن بعض المؤسسات الإخبارية لا تزال تعتمد الاستراتيجيات «القديمة» نفسها على وسائل التواصل الاجتماعي، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «منذ سنوات تبنّت بعض وسائل الإعلام مفهوم (التحويل إلى منصات) من خلال جمع المعلومات وتدقيقها، وهو الدور الأصيل للصحافة، ثم نشرها بأسلوب يحاكي وسائل التواصل الاجتماعي، غير أن هذا الاتجاه ربما لن يكون كافياً في ضوء احتدام المنافسة مع صُنّاع المحتوى، مما أفرز اتجاه الاستعانة بـ(المؤثرين)».

وأوضحت القاضي أن «الغرض من دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار، هو تقديم المعلومات المدققة بأسلوب مبتكر». وأضافت أن «الاستعانة بشخصية مؤثرة لنقل المعلومات لا تعني بالضرورة المساس بمصداقية المحتوى ودقته، فالأمر يعتمد على مهارة كُتّاب المحتوى، فكلما كان الكُتاب صحافيين محترفين يسعون لتطوير أدواتهم ضمنت منصة الأخبار تقديم معلومات دقيقة وموثوقة».