موسكو الجديدة رافعة للتيار الشعبوي في الغرب

TT

موسكو الجديدة رافعة للتيار الشعبوي في الغرب

- *لم يكن فلاديمير بوتين ليحلم بعد اندلاع المواجهة التي تخوضها روسيا مع الغرب، منذ عام 2014، بسبب قرار ضم القرم الذي فجر الحرب الأهلية في أوكرانيا، بأن يشهد بعد مرور سنوات قليلة حالاً من الفوضى والارتباك في المعسكر الذي يواجهه.
في 2016، رد واحد من أبرز الخبراء المقربين من الكرملين على سؤال حول التوقعات الروسية في ظروف الحصار والعزلة بالإشارة إلى أن الكرملين يضع رهانه على أن المعسكر المقابل سيتفكك أولاً. الأسباب التي بُني عليها الرهان كثيرة، ومنها الداخلي في المجتمعات الغربية الناجم عن التباينات السياسية والتحولات التي يفرضها تداول السلطة، والضغوط المتواصلة على النخب الغربية من جانب وسائل الإعلام، ومجتمع المال والأعمال الذي يتحمل مسؤولية القرارات السياسية ومنظمات المجتمع المدني الناشطة.
كل هذه الآليات لا تأثير كبيراً لها في روسيا، حيث تتركّز السلطات بيد قيادة مركزية مدعومة بتيار شعبي قومي واسع، تم حشده بتأثير دعاية إعلامية وسياسية قوية، مسنودة بقبضة أمنية لا تفسح مجالات واسعة لتحركات المعارضة أو النخب المدنية.
في هذه الأجواء، كان الرهان على تفكك المعسكر الغربي المعادي لروسيا أولاً يبدو منطقياً، ويمكن البناء عليه، لكن الكرملين لم يوفر آلية يمكن استخدامها لتحفيز القوى الساعية إلى التغيير في الغرب، وتعميق مأزقه.
إذ لم يمر عام منذ 2014 من دون أن تستقبل روسيا مؤتمرات جامعة للقوى والتيارات الشعبوية والقومية المتطرفة من كل أنحاء أوروبا، وبعضها جاء حتى من الولايات المتحدة. ولَم تستقبل موسكو تلك المؤتمرات وتوفر الأرضيّة المناسبة لعملها بشكل يعزّز من توحيد جهودها وتنسيق مواقفها وحسب، بل عملت أيضاً على إرساء قواعد ثابتة لتنظيم جهودها في إطار مشترك، استفادت منه لاحقاً في تحقيق شرخ مهم في عدد من المجتمعات الأوروبية حيال ملفات مهمة، بينها سوريا وأوكرانيا. ويكفي ذكر عدد المرات التي نظمت فيها موسكو رحلات لبرلمانيين وإعلاميين وسياسيين غربيين إلى سوريا وإلى شرق أوكرانيا لتعزيز حملاتها الإعلامية والسياسية في الغرب. وجاءت النجاحات المتتابعة لروسيا في عدد من الاستحقاقات السياسية الداخلية لتتوج هذا الجهد بشكل عزّز «براغماتية» بوتين وحلمه باسترداد نفوذ الاتحاد السوفياتي السابق، وتعزيز دور روسيا كقوة إقليمية كبرى.
ومن انتصار دونالد ترمب في الولايات المتحدة إلى التأثيرات المتتالية لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلى النتائج التي أفرزها التأثير على عدد من الاستحقاقات الداخلية في بعض البلدان... واصلت روسيا حصد ثمار «صمودها»، وهي اليوم تراقب مرتاحة «التفكك الحتمي» للمعسكر الآخر. كذلك، تبدو الأطراف السياسية الأوروبية الأكثر حذراً في التعامل مع مسألة عزل روسيا هي صاحبة الصوت المسموع في المجتمعات الأوروبية، حتى في بلدان تقود قاطرة العمل ضد تفرد روسيا في ملفات مهمة، مثل فرنسا وألمانيا. وتزامن ذلك مع وصول المقرّبين من روسيا إلى الحكم في بلغاريا ومولدافيا، رومان راديف وإيغور دودون.
ورأى محللون أن أسباب الدعم الروسي للرئيس الأميركي في أثناء حملته انطلقت أساساً من أن دوائر صنع القرار في موسكو تراهن على أن اختيار ترمب يعمق المأزق الأميركي، في ما يخص السياسات الخارجية، وانكفاء واشنطن، وتدهور علاقاتها مع حلفائها، خصوصاً في أوروبا. وكذلك يعزز فرص الشعبويين في أوروبا والعالم. وبالتالي، يقوي حضور روسيا في المسرح العالمي. ورأت ماريا ليبمان، الخبيرة لدى مركز كارنيغي موسكو، أن «هذا المشهد الجديد جاء نتيجة سياسة وضعت منذ أمد بعيد، وبدأ بوتين يجني ثمارها اليوم»، وأضافت: «إذا كانت شعبية بوتين تزداد فلأن الناس باتوا أكثر انجذاباً إلى القادة الذين يعارضون الوضع القائم الذي أضعفته أزمات سياسية واقتصادية كثيرة». وعلى الجانب الآخر من الأطلسي «أثر الفشل المتكرر للسياسة الخارجية الأميركية على نفوذ واشنطن في العالم، خصوصاً في الملف السوري حيث أخذت روسيا زمام المبادرة».
ويرى محللون روس أن الحماسة الناشئة لسياسات بوتين في أوساط اليمين الأوروبي والأميركي ناجمة خصوصاً عن رغبة في الخروج من عالم أحادي القطب، وإيجاد توازن عالمي جديد، لكنهم لا يتحدثون كثيراً في المقابل عن الآليات التي استخدمها الكرملين للتأثير على وسائل الإعلام الغربية، وعلى آليات صنع القرار في عدد من البلدان.
ويكفي كمثال تذكر أنه في غمار تأهب السويد للتصويت على الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) قبل سنتين، سيطرت تغطيات دعائية واسعة، وتبين لاحقاً أن مصدرها مجموعات قريبة من روسيا شنت «بروباغاندا» على أساس أن ظهور جنود «ناتو» في المدن السويدية سيؤدي إلى انتشار حالات الاغتصاب والجرائم. وفي حالات أخرى، مثل التغطيات التي رافقت استحقاقات انتخابية في فرنسا وإيطاليا وألمانيا، كانت الأدوات مختلفة، لكن في كل الحالات وجهت أصابع اتهام إلى أوساط مدعومة من جانب الكرملين يشن حملات دعائية للتأثير على مزاج الناخب.



القضايا الرئيسية في انتخابات 2024 الكشميرية

طابور اقتراع في كشمير (رويترز)
طابور اقتراع في كشمير (رويترز)
TT

القضايا الرئيسية في انتخابات 2024 الكشميرية

طابور اقتراع في كشمير (رويترز)
طابور اقتراع في كشمير (رويترز)

برز إلغاء المادة 370 وتأسيس دولة مستقلة في جامو وكشمير قضيتَين رئيسيتين في هذه الانتخابات، بينما تشكّل البطالة مصدر قلق مزمن كبير. الصحافي زاهور مالك قال: «ثمة استياء عميق في العديد من الدوائر تجاه إلغاء المادة 370. إلا أنه بدلاً من مقاطعة الانتخابات، دفع القرار الكشميريين إلى التصويت على نحو يتناقض مع الـ30 إلى الـ40 سنة الماضية. في وقت سابق، جرى استغلال مثل هذا الاستياء لدعم النزعة الاستقلالية والتطرف؛ ما أدى إلى صعود تهديدات وتحذيرات من مقاطعة الانتخابات، لكن هذه المرة، لم تسمح الطوابير الطويلة للناخبين بحدوث ذلك. وتبقى الميزة الأهم في هذه الانتخابات، أنها جاءت سلمية تماماً. وتكشف حقيقة خروج حشود من الناس للتصويت كيف أصبح التصويت في حد ذاته عملاً من أعمال المقاومة والتضامن».

وشرح مالك أن «السنوات الست الماضية من الحكم المستمر لنيودلهي دفع شعب جامو وكشمير للشعور بالتهميش السياسي. وأثار تنفيذ الحاكم غير المنتخب بل المعيّن مركزياً للعديد من القوانين مخاوف عامة الناس. إذ يرى أهل جامو وكشمير أن البيروقراطية التي تديرها الحكومة المركزية - حيث يتولى مسؤولون غير محليين المناصب الإدارية العليا - لا تتناسب مع القضايا والحساسيات المحلية».

من جهته، علّق المحلل السياسي مفتي شوكت فاروقي بأن «قرار الحكومة الهندية إجراء انتخابات يبدو ظاهرياً بمثابة خطوة نحو استعادة الوضع الطبيعي في الإقليم. ولكن، من دون معالجة السبب الجذري للصراع في كشمير - الوضع السياسي غير المحلول، وتطلعات الشعب الكشميري، وانعدام الثقة العميق بين الدولة ومواطنيها - فإن هذه الانتخابات لن تعدو مجرد ممارسة سطحية للديمقراطية».

والحقيقة، كان إلغاء المادة 370 عام 2019، الذي جرّد جامو وكشمير من وضعها الخاص واستقلالها كولاية داخل الاتحاد الهندي، سبباً في تفاقم التوترات. بل تسبّب القرار في انهيار الثقة بين السكان الكشميريين والحكومة الهندية. ونظر كثيرون إلى العملية الانتخابية في ظل الإطار السياسي الحالي، باعتبارها «غير شرعية»؛ لأنها لم تعد تمثل الهوية المميزة للإقليم أو تطلعات أبنائه للحكم الذاتي.

وفي قلب القضية، تكمن الحاجة إلى حل سياسي شامل يعالج تاريخ كشمير الفريد وتطلعاتها ومظالمها. ولا يمكن تحقيق ذلك عبر الانتخابات فقط، بل عبر الحوار الهادف بين الحكومتين الهندية والباكستانية والجهات السياسية المحلية وجماعات المجتمع المدني، بما في ذلك أولئك الذين يدافعون عن فكرة تقرير المصير، ويدعون إلى استقلال كشمير.

وبالانتقال إلى الانتخابات في كشمير، نجد أن حلبة التنافس راهناً تضم الأحزاب الإقليمية الكشميرية، على رأسها «المؤتمر الوطني» و«حزب الشعب الديمقراطي»، والعديد من الاستقلاليين الذين يتنافسون بصفتهم «مستقلين» سعياً إلى استعادة المادة 370 والوضع الخاص لجامو وكشمير. ويتواجه هؤلاء عملياً مع حزب «بهاراتيا جاناتا». وفي تصريح له، قال الرئيس السابق لحكومة الإقليم عمر عبد الله إن كشمير في حاجة إلى «استعادة هويتها» عبر إلغاء الخطوة التي اتخذتها حكومة مودي عام 2019. وفي المقابل، صرح أميت شاه، وزير داخلية مودي، خلال الشهر، بأن وضع الإقليم شبه المستقل «أصبح تاريخاً ولا أحد يستطيع إعادته». وأضاف أنه «لا يمكن للساعة أن تعود إلى وضع 370 عندما كان لدينا دستوران وعَلمان».

في سياق موازٍ، بين القضايا الرئيسية الأخرى في الانتخابات، احتجاز العديد من الشباب الكشميريين في السجون الهندية، وتحديات محلية مثل تفشي المخدرات والبطالة. وتشير تقديرات الحكومة منذ يوليو (تموز)، إلى أن معدل البطالة في كشمير يبلغ 18.3 في المائة، أي أكثر عن ضعف المتوسط الوطني.

وفي هذا الصدد، قال خورشيد أحمد (50 سنة): «هناك الكثير من القضايا التي نواجهها هنا. نحن سعداء لأننا سنرى تغييراً. نريد حكومتنا الإقليمية ونهاية حكم ممثل نيودلهي. قد تفهمنا حكومتنا الإقليمية، لكن لا أحد من الخارج يستطيع ذلك. أنا أدلي بصوتي اليوم لأننا نتعرض للقمع، وقد سُجن الأطفال، ويتعرضون لأفعال غير عادلة. نحن نصوّت اليوم ضد تصرفات مودي في كشمير».

وقال فايز أحمد ماجراي (46 سنة): «كانت السنوات الأربع الماضية صعبة. لقد اتخذت قوات الأمن إجراءات صارمة، والإذلال الذي ألحقه المسؤولون من الخارج بالسكان غرس شعوراً بالعجز. صيغت القوانين المعادية للشعب من دون استشارة السكان المحليين. أنا أصوّت لإنهاء عجزنا. نحن في مرحلة حرجة من التاريخ، والتصويت وسيلتي للتعبير عن رفضي ضد القوى العازمة على تدمير جامو وكشمير مع كل يوم يمرّ».

مع ذلك، يبدو أن بعض مواطني كشمير فقدوا الأمل باستعادة استقلال منطقتهم، مثل سهيل مير - وهو باحث - الذي قال: «لا أعتقد أن المادة 370 ستعود ما لم تحدث أي معجزة»، وتابع أن الأحزاب كانت تقدم وعوداً بشأن استعادة الحكم الذاتي في خضم أجواء «مشحونة سياسياً» للحصول على الأصوات.

في هذه الأثناء، وفي سابقة هي الأولى من نوعها، دعت سلطات نيودلهي دبلوماسيين أجانب إلى جامو وكشمير لمتابعة الانتخابات. وبالفعل، زار ما يقرب من 20 دبلوماسياً من سفارات مختارة، بينها سفارات الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وسنغافورة والفلبين وماليزيا، جامو وكشمير لمراقبة الانتخابات.