تراكم الأزمات الداخلية يفجّر الخلاف بين جنبلاط و«الوطني الحر»

تشكيل الحكومة ومرسوم التجنيس وإدارة ملف النازحين

TT

تراكم الأزمات الداخلية يفجّر الخلاف بين جنبلاط و«الوطني الحر»

انفجر الخلاف بين «الحزب التقدمي الاشتراكي» و«التيار الوطني الحر» على خلفية انتقاد الزعيم الدرزي وليد جنبلاط العهد الرئاسي، متهماً إياه بالفشل، وهو ما كان حافزاً لموجة ردود عنيفة عليه، ردّ عليها «الاشتراكي» بتأكيده «استحالة تطبيع العلاقات مع النظام السوري من بوابة النازحين»، متهماً «الوطني الحر» بـ«تجاوز اتفاق الطائف».
وقال جنبلاط في تغريدة له على حسابه في «تويتر» أمس: «أما المهجرون في الأرض فلا عيد لهم ولا راحة، يلاحقهم الموت في البحار وفي الصحاري تجار البشر، يهربون من الظلم والحروب من أجل حياة أحسن، فإذا بجدران الكراهية والعنصرية ترتفع في كل مكان». وتابع: «وفي لبنان يطالبون بتسليمهم إلى الجلاد، بحجة تحميلهم سوء الأحوال، ومصيبتنا في عهد فاشل منذ أول لحظة».
وردت مجموعة من نواب «الوطني الحر» ووزرائه على جنبلاط، متهمين فريقه بـ«الفشل والفساد في كل الملفات» التي تسلمها وزراء «الاشتراكي»، فضلاً عن اتهامه شخصياً بـ«العنصرية» على خلفية ملف النزوح السوري.
غير أن هذا الملف، يمثل جزءاً من تراكمات كثيرة ظهرت بشكل بارز خلال الانتخابات النيابية الماضية، والنقاشات التي تلتها حول تشكيل الحكومة، حيث يطالب «الاشتراكي» بأن يكون الوزراء الدروز الثلاثة في حكومة ثلاثينية من حصته في الحكومة، بينما يسعى «الوطني الحر» إلى منح حليفه الدرزي النائب طلال أرسلان حقيبة حكومية. وتفاقم الخلاف إثر مرسوم التجنيس الأخير الذي طعن به «الاشتراكي» أمام المجلس الدستوري، بموازاة معارضته إدارة «الوطني الحر» لملف النازحين والتطورات التي أنتجت تشنجات في العلاقة اللبنانية مع المجتمع الدولي.
وقالت مصادر «الاشتراكي» إن هناك «مجموعة ملفات لم يحقق فيها العهد أي تقدم»، مشيرة إلى «تراجع على أكثر من صعيد». وأوضحت المصادر أن «إدارة ملف النازحين ووضع لبنان بصدام مع المجتمع الدولي هو ليس الطريق الأنسب لحل المشكلة». وإذ تحدثت المصادر عن أن بعض المقاربات للملفات «يمثّل تهديداً لعلاقات لبنان الخارجية والعربية»، أكدت أنه «إذا كان البعض يظن أنه يريد تعويم العلاقات مع النظام السوري من بوابة النازحين فهو مخطئ، وهذه مسألة لن تنطلي على أحد».واتهمت المصادر «الوطني الحر» في الوقت نفسه بـ«تجاوز الصلاحيات الدستورية واتفاق الطائف» في ملفات داخلية. وقالت: «المفاخرة بتعديل الطائف بالممارسة من خلال الرئيس القوي، هو تجاوز للطائف والدستور»، مشيرة إلى «محاولة التعرض للتوازنات التاريخية للبلد التي كرستها الانتخابات النيابية وسعيها إلى الإخلال بالتوازنات مع كل ما يعنيه من أخلال بالواقع في البلد». كما لفتت المصادر إلى انتقاد «الاشتراكي» إدارة ملفات الكهرباء في الحكومة و«مرسوم التجنيس الفضيحة الذي قدمنا فيه طعناً أمام مجلس شورى الدولة».
وسرعان ما أشعلت تغريدة جنبلاط سلسلة تغريدات من «التيار الوطني الحر»، فقال وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال سيزار أبي خليل: «أنجز هذا العهد بسنة واحدة ما لم تنجزه كل العهود التي كنتم من أركانها.. يشهد اللبنانيون على فشلكم وفسادكم في كل الملفات التي تسلمتموها... قدرنا والتزامنا أن نصلح ما أفسدتم»، في حين سأل وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال رائد خوري: «هل يدفع وليد بيك من جيبه الكبيرة إذا انهار الاقتصاد من جراء عبء النزوح؟».
واعتبر النائب إلياس بوصعب أنه «من يبوح بكلام عنصري تجاه أبناء وطنه يفقد المصداقية عندما يدّعي الدفاع عن حقوق النازحين من باب العنصريّة، وكلامه ذاته تجاه كل العهود هو من باب هذه العنصرية».
من جهته، استغرب النائب فريد البستاني ما ورد في تغريدة جنبلاط، وقال: «هل العهد فاشل لأنه يريد إعادة هؤلاء (النازحين) إلى مناطق آمنة؟». وقال: «ليس العهد من يسلّم هؤلاء إلى الجلاد، بل العالم الذي يرفض المساعدة وتأمين العودة الآمنة لهم. والعهد الذي يصفه جنبلاط بالفاشل هو من حقق الإنجازات التي أصبحت معلومة للجميع»، معتبراً أن «جنبلاط يغرد خارج سربه وأن العراقيل التي يحاول وضعها أمام العهد لن تجديه نفعاً».
ودخل النائب طلال أرسلان على خط السجال متضامناً مع العهد، فقال: «كل من يدّعي حرصه على النازحين، كان وراء نزوحهم وتهجيرهم بمواقفه الدامية ودعواته لهدر الدماء، نحن أخبر وأعلم الناس بأوضاع سوريا والحل يبدأ بعودة آمنة لهم وبالتنسيق بين الدولتين». وقال: «نحن أدرى في الفضائح التي ارتكبت بحق المهجرين والمقيمين في الجبل على حد سواء من ظلم وتعدٍ وبيع حقوقهم».
في المقابل، رد وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال مروان حمادة، عبر جريدة «الأنباء»، قائلاً: «منذ الأسابيع الأولى بمشاركتي في الحكومة، بعد الإنفراد بعدم التصويت للعماد ميشال عون في أكتوبر (تشرين الأول) 2016 وشعوري بأن عملية إسقاط اتفاق الطائف وضرب علاقات لبنان العربية قد انطلقت، أستطيع أن أصف في أول تجربة هذا العهد بالأكثر فشلاً منذ الاستقلال وهذه الحكومة بإنجازاتها الفضائحية بالأسوأ في تاريخ الحكومات». وأضاف حمادة: «والأفظع في هذه المرحلة أن بعض زملائنا قرروا الاستفادة من الوقت الضائع بعد الاستحقاق الانتخابي لتمرير ما تبقى من صفقات كهربائية وموبقات تجييشية واستعمال المزور أحياناً في محاضر مجلس الوزراء».
كذلك، رد مفوّض الإعلام في «الحزب التقدمي الاشتراكي» رامي الريس على ردود نواب ووزراء «الوطني الحر»، قائلاً: «علامات فشل العهد لا تكفيها أحرف تغريدة، بعضها: مراسيم تجنيس فضائحية، صفقات بواخر مشبوهة، تعيين الأقارب والأصهار والأحفاد، نبش القبور والعظام، صدام مع المجتمع الدولي، غياب العداء الآيديولوجي مع إسرائيل، تدجين المؤسسات». وأضاف: «اللائحة تطول... ولا يبقى من الإصلاح إلا الشعار!».
من جهته، كتب عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب هادي أبو الحسن عبر حسابه على «تويتر»، قائلاً: «‏مهلاً يا أصحاب النخوة المستجدة، يا من تدّعون الديمقراطية والشفافية، وتتغنّون بحرية الرأي والتعبير، هالكم قول الحقيقة من قِبل وليد جنبلاط، يا ليتكم ساهمتم ببناء الوحدة بدل نبش القبور، ولجمتم من هدد بتكسير الرؤوس. اتعظوا ولا تتسرعوا.. كفى».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.