خورخي سانتشيز: أحكام القانون الدولي غير كافية لحماية الآثار

خورخي سانتشيز: أحكام القانون الدولي غير كافية لحماية الآثار
TT

خورخي سانتشيز: أحكام القانون الدولي غير كافية لحماية الآثار

خورخي سانتشيز: أحكام القانون الدولي غير كافية لحماية الآثار

يرى الباحث المكسيكي خورخي سانتشيز كورديرو أن أحكام المواد السارية في القانون الدولي المنوط بها حماية الممتلكات الثقافية للدول، ما زالت غير كافية لإيجاد حلول ملائمة لمواجهة ووقف الأفعال التي ترتكبها مجموعات إرهابية أو إجرامية ضد التراث الثقافي العالمي.
ودعا سانتشيز في كتابه «الفن والثقافة والتراث العالمي... أفكار مكسيكية» إلى إنشاء قانون دولي متكامل يسعى للدفاع عما أنتجته البشرية عبر تاريخها من أعمال فنية ومنحوتات، ومعابد وقلاع وحصون، وتوقع عليه دول العالم وتراقب تفعيله وتنفيذ بنوده بشفافية تامة، تحاصر مافيا الاتجار في الآثار. وكان لسانتشيز نفسه دور بارز في مساندة بعض البلدان لاستعادة ممتلكات تراثية لها استولت عليها بشكل غير مشروع بعض دول من منطلق عضويته في اليونيسكو والمجلس الدولي للمتاحف، وبوصفه رئيساً للجنة التراث الثقافي في معهد البلدان الأميركية للجغرافيا والتاريخ.
ويضم كتابه الذي صدر حديثا في القاهرة عن دار ميريت، بترجمة لاله توفيق غفار زادة، ثلاثين مقالاً نشرها سانتشيز في مجلة بروسيسو المكسيكية، تتنوع بين مجالات وشؤون الثقافة العالمية بشكل عام، والمكسيكية بشكل خاص.
في الجزء الأول من الكتاب يركز سانتشيز على ما يحدث حول العالم من تدمير ممتلكات هامة من التراث الثقافي للبشرية جراء الحروب والعنف الذي ترتكبه المجموعات المسلحة على أرض المنازعات، فضلاً عن اللامبالاة والمشاركة الإجرامية لبعض الحكومات في الشرق والغرب على السواء، وتنتاب المؤلف عبر مقالاته مسحة شك وتشاؤم في مستقبل الثقافة والفنون العالمي.
ويتحدث سانتشيز عن النظام الاجتماعي للدول، مشيرا إلى أن تقييد الحرية الثقافية يناقض جوهرها، كما أن أي تطور فيها يرتبط بتطور موازٍ في المجتمعات، فمن الواجب حسب وجهة نظره رؤية الثقافة كنمط حياة خاص، لا يعبر عن معانٍ وقسم معينة في الفن فحسب، بل ينبغي أن ينسحب إلى وعي المؤسسات الحكومية وسلوكها تجاه القضايا الثقافية المختلفة.
ويعتقد المؤلف أن العلاقة القائمة بين السلطة والفن اتسمت عبر التاريخ بطابع معقد، إذ سعت السلطة إلى التدخل في نطاق النشاطات الفنية، غير أن استغلال الفن في القرن العشرين لصالح توجهاتها أثار قلقاً خاصاً وهو ما برز في دور النظام السوفياتي وسعيه لترسيخ الواقعية الاشتراكية، والسلطات النازية التي نعتت أعمال فنانين كبار بما أسمته «الفن المنحط»، ولم تكن المكسيك استثناء من هذا، فقد كان تدخل السلطات في شؤون الفن مرتبطاً بالآيدلوجيا الحاكمة ومصالح النخب هناك، وهو دليل واضح حسب سانتشيز على أن السلطات المكسيكية استخدمت الفن لإثبات مشروعيتها، أو توطيد مكانة الدائرين في فلكها، وذلك باستخدام فن الرسم الجداري الذي انتشر في حقبة الثورة المكسيكية والمطالب الاجتماعية لها.
وعلى صعيد الانتهاكات التي تتعرض لها الأعمال الفنية والآثار من سرقات واتجار غير مشروع، أشار سانتشيز إلى أن الإيرادات الناتجة عنها على الصعيد العالمي بلغت ثمانية بلايين دولار تقريبا. وهذه المعلومات التي استقاها المؤلف من بيانات مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، أتبعها بحقيقة مفجعة تقول إن خمسة وتسعين في المائة من المسروقات التراثية لا تعود مطلقا إلى بلدانها بعد أن يتم تهريبها، وهو ما يعني أنها تتحرك ضمن سوق سوداء ذات تنظيم عال جداً، حيث تعبر الحدود وتنتقل من يد لأخرى في سلسلة متشابكة إلى حد يصعب الكشف عنها، ويطلق عليها في علم الاستدلال الجنائي «الربطة»، تكتسب خلالها القطعة الأثرية في خط سيرها تاريخاً وهمياً يزيف منشأها بمعرفة تاجر لديه خبرات ومعارف بتاريخ الفن وعلم الآثار.
وأفرد سانتشيز في كتابه مقالا خاصا عن الحرب في سوريا، والفظائع التي ارتكبتها القوى المتنازعة ضد التراث الثقافي هناك، حيث لم تتردد في استخدام معالمه كغطاء لعملياتها العسكرية، الأمر الذي يشكل انتهاكاً فادحاً لمجموعة القوانين الدولية، وفي معرض استنكاره لمحاولات الحكومة السورية إخفاء الحقائق حول ما جرى، وادعائها أن الخسائر انحصرت في تضرر تمثال ذهبي آرامي في متحف حماه، وآخر مرمري من متحف أفاميا، ذكر أن الأحداث أثبتت أنه تم نهب 12 من 36 متحفاً سورياً، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد لحقت بكثير من المعالم الأثرية الأخرى مخاطر أصابتها بأضرار جسيمة، مثل الجامع الأموي الكبير وقلعتي حلب، والرقة، والكنيسة الصغيرة بقلعة الحصن، والمعبد الأشوري بتل الشيخ حمد، وقد استتبع هذا تأسس شبكة معقدة لتهريب الآثار والممتلكات الثقافية المنهوبة من هناك.


مقالات ذات صلة

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

يوميات الشرق الأمير فيصل بن سلمان يستقبل الأمير خالد بن طلال والدكتور يزيد الحميدان بحضور أعضاء مجلس الأمناء (واس)

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

قرَّر مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية تعيين الدكتور يزيد الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية خلفاً للأمير خالد بن طلال بن بدر الذي انتهى تكليفه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

مرَّت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الصعد، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب «حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

صدر عن دار «السرد» ببغداد كتابان مترجمان عن الإنجليزية للباحثة والحكواتية الإنجليزية فران هزلتون.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
كتب كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

يتناول كتاب «حكايات في تاريخ مصر الحديث» الصادر في القاهرة عن دار «الشروق» للباحث الأكاديمي، الدكتور أحمد عبد ربه، بعض الفصول والمحطات من تاريخ مصر الحديث

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

كتب أحلم بقراءتها 2025

كتب أحلم بقراءتها 2025
TT

كتب أحلم بقراءتها 2025

كتب أحلم بقراءتها 2025

هناك كتب عديدة أحلم بقراءتها في مطلع هذا العام الجديد المبارك. لكني أذكر من بينها كتابين للمفكر الجزائري المرموق لاهوري عدي. الأول هو: «القومية العربية الراديكالية والإسلام السياسي». والثاني: «أزمة الخطاب الديني الإسلامي المعاصر - ضرورة الانتقال من فلسفة أفلاطون إلى فلسفة كانط». وربما كان هذا أهم كتبه وأشهرها. والدكتور لاهوري عدي اشتهر، منذ عام 1992، ببلورة أطروحة لافتة عن صعود موجة الإسلام السياسي، بعنوان: «التراجع الخصب أو الانتكاسة الخصبة والمفيدة». هذا المصطلح شاع على الألسن وبحق. ما معناه؟ ما فحواه؟ مصطلح التراجع أو الانتكاسة شيء سلبي وليس إيجابياً، على عكس ما يوحي به المؤلف للوهلة الأولى، ولكنه يتحول على يديه إلى شيء إيجابي تماماً، إذا ما فهمناه على حقيقته. ينبغي العلم أنه بلوره في عز صعود الموجة الأصولية الجزائرية و«جبهة الإنقاذ». قال للجميع ما معناه: لكي تتخلصوا من الأصوليين الماضويين اتركوهم يحكموا البلاد. هذه هي الطريقة الوحيدة للتخلص من كابوسهم. وذلك لأن الشعب الجزائري سوف يكتشف بعد فترة قصيرة مدى عقم مشروعهم وتخلفه عن ركب الحضارة والعصر، وسوف يكتشف أن وعودهم الديماغوجية الراديكالية غير قابلة للتطبيق. سوف يكتشف أنها فاشلة لن تحل مشكلة الشعب، بل وستزيدها تفاقماً. وعندئذ يلفظهم الشعب وينصرف عنهم ويدير ظهره لهم ويفتح صدره للإصلاحيين الحداثيين الليبراليين. هذه الأطروحة تذكرنا بمقولة «مكر العقل في التاريخ» لهيغل، أو بـ«الدور الإيجابي للعامل السلبي في التاريخ». بمعنى أنك لن تستطيع التوصل إلى المرحلة الإيجابية قبل المرور بالمرحلة السلبية وتذوُّق طعمها والاكتواء بحرِّ نارها. لن تتوصل إلى الخير قبل المرور بمرحلة الشر. لن تتوصل إلى النور قبل المرور بمرحلة الظلام الحالك. ينبغي أن تدفع الثمن لكي تصل إلى بر الخلاص وشاطئ الأمان. وقد سبق المتنبي هيغل إلى هذه الفكرة عندما قال:

وَلا بدَّ دونَ الشَّهْد من إِبرِ النحلِ

هذه الأطروحة تقول لنا ما معناه: الأصولية المتطرفة تشكل وهماً جباراً مقدساً يسيطر على عقول الملايين من العرب والمسلمين. إنهم يعتقدون أنها ستحلّ كل مشاكلهم بضربة عصا سحرية، إذا ما وصلت إلى الحكم. ولا يمكن التخلص من هذا الوهم الجبار الذي يخترق القرون ويسيطر على عقول الملايين، إلا بعد تجريبه ووضعه على المحك. عندئذ يتبخر كفقاعة من صابون. ولكن المشكلة أنه لم يتبخر في إيران حتى الآن. بعد مرور أكثر من 40 سنة لا تزال الأصولية الدينية المتخلفة تحكم إيران وتجثم على صدرها. فإلى متى يا ترى؟ إلى متى ستظل الأصولية الدينية القروسطية تحكم بلداً كبيراً وشعباً مثقفاً مبدعاً كالشعب الإيراني؟ بعض الباحثين يعتقدون أن هذا النظام الرجعي لولاية الفقيه والملالي انتهى عملياً، أو أوشك على نهايته. لقد ملَّت منه الشبيبة الإيرانية، ومِن الإكراه في الدين إلى أقصى حد ممكن. وبالتالي، فإما أن ينفجر هذا النظام من الداخل وينتصر محمد جواد ظريف وبقية الليبراليين الإصلاحيين المنفتحين على التطور والحضارة الحديثة. وإما أن يعود ابن الشاه من منفاه ويعتلي عرش آبائه مرة أخرى. ولكم الخيار.

وبخصوص إيران، أحلم بقراءة مذكرات فرح بهلوي للمرة الثانية أو ربما الثالثة. وهو كتاب ضخم يتجاوز الأربعمائة صفحة من القطع الكبير. وتتصدره صورة الشاهبانو الجميلة الرائعة. ولكنها لم تكن جميلة فقط، وإنما كانت ذكية جداً وعميقة في تفكيرها. من يُرِد أن يتعرف على أوضاع الشعب الإيراني قبل انفجار الثورة الأصولية وفيما بعدها أنصحه بقراءة هذا الكتاب. مَن يرد التعرف على شخصية الخميني عندما كان لا يزال نكرة من النكرات، فليقرأ الصفحات الممتازة المكرَّسة له من قبل فرح ديبا. كان مجرد شيخ متزمت ظلامي معادٍ بشكل راديكالي لفكرة التقدُّم والتطور والإصلاح الزراعي الذي سنَّه الشاه في ثورته البيضاء التي لم تُسفَك فيها قطرة دم واحدة. كان مع الإقطاع والإقطاعيين الكبار ضد الفلاحين البسطاء الفقراء. وكان بإمكان الشاه أن يعدمه، ولكنه لم يفعل، وإنما تركه يذهب بكل حرية إلى منفاه. بعدئذ تحول هذا الشيخ القروسطي الظلامي إلى أسطورة على يد أشياعه وجماعات الإسلام السياسي أو المسيَّس. هذا لا يعني أنني أدافع عن الشاه على طول الخط، كما تفعل فرح ديبا؛ فله مساوئه ونقائصه الكبيرة وغطرساته وعنجهياته التي أودت به. ولكن ينبغي الاعتراف بأنه كانت له إيجابيات، وليس فقط سلبيات مُنكَرة. ولكن الموجة الأصولية دمرته ودمرت سمعته كلياً، وقد آن الأوان لتدميرها هي الأخرى، بعد أن حكمت إيران مدة 45 سنة متواصلة. وعلى أي حال، فإن أفعالها وأخطاءها الكبرى هي التي دمرتها أو ستدمرها. لقد أشاعت الحزازات المذهبية في المنطقة، وأعادتنا 1400 سنة إلى الوراء. هل سننتظر مليون سنة لكي نتجاوز الفتنة الكبرى التي مزقتنا؟ هنا يكمن خطأ التفكير الأصولي الرجعي المسجون في عقلية ماضوية عفى عليها الزمن. متى ستتحقق المصالحة التاريخية بين كافة المذاهب والطوائف عندنا مثلما تحققت المصالحة التاريخية الكاثوليكية - البروتستانتية في أوروبا وأنقذتهم من جحيم الانقسامات الطائفية والمذهبية؟ متى ستنتصر الأنوار العربية الإسلامية على الظلمات العربية الإسلامية؟ بانتظار أن يتحقق ذلك ينبغي على جميع الأقليات أن تلتف حول الأكثرية، لأنها هي العمود الفقري للبلاد، ولأن نجاحها سيكون نجاحاً للجميع، وفشلها (لا سمح الله) سيرتد وبالاً على الجميع.

أضيف بأن الحل الوحيد للتطرف هو الإسلام الوسطي العقلاني المعتدل السائد في معظم الدول العربية، إن لم يكن كلها. «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً»، كما يقول القرآن الكريم. وهو الذي نصّت عليه «وثيقة الأخوة الإنسانية» في أبوظبي عام 2019، و«وثيقة مكة المكرمة» الصادرة عن «رابطة العالم الإسلامي»، في العام ذاته، وهو الذي تعلمته أنا شخصياً في ثانوية مدينة جبلة الساحلية السورية، على يد أستاذ التربية الدينية الشيخ محمد أديب قسام. كان فصيحاً بليغاً أزهرياً (خريج الأزهر الشريف). كان يحببك بدرس الديانة غصباً عنك. لا أزال أتذكر كيف كان يشرح لنا الحديث التالي: «دخلت النار امرأة في هرة حبستها، فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت». كأني أراه أمام عيني الآن وهو يشرح لنا هذا الحديث النبوي الشريف. هنا تكمن سماحة الإسلام ومكارم الأخلاق. فإذا كان الإسلام يشفق على الهرة أو القطة أو الحيوانات؛ فما بالك بالبشر؟ هنا يكمن جوهر الإسلام الذي جاء رحمة للعالمين لا نقمة عليهم ولا ترويعاً لهم.