برلين: 3 آلاف خبير دولي في مؤتمر خاص «للوقاية» من التطرف

ألمانيا توظف 200 مليون يورو سنوياً في برامج الوقاية من إرهاب «داعش»

إجراءات أمنية في محطة قطارات برلين («الشرق الأوسط»)
إجراءات أمنية في محطة قطارات برلين («الشرق الأوسط»)
TT

برلين: 3 آلاف خبير دولي في مؤتمر خاص «للوقاية» من التطرف

إجراءات أمنية في محطة قطارات برلين («الشرق الأوسط»)
إجراءات أمنية في محطة قطارات برلين («الشرق الأوسط»)

شهدت مدينة دريسدن الألمانية مؤتمراً حول الوقاية من التطرف ساهم فيه أكثر من 3000 خبير.
وذكرت العالمية القانونية كاترينا ليبماخ، التي شاركت في المؤتمر، أمس الثلاثاء، أن المؤتمر ضم تربويين وقانونيين وخبراء شرطة وعلماء نفس من جميع أنحاء العالم لمناقشة سبل وقف انتشار التطرف السياسي بين الشباب. وأضافت ليمباخ أن وزيرة العائلة والشباب الاتحادية فرانسيسكا غيفي، من الحزب الديمقراطي الاشتراكي، وظفت في هذه السنة 200 مليون يورو في برامج حماية الشباب من تطرف التنظيم الإرهابي «داعش». وكانت الوزارة خصصت أكثر من 200 مليون يورو لهذه البرامج في السنة الماضية.
وواقع الحال أن المؤتمر، الذي نظمته وزارة العائلة والشباب، درس سبل الوقاية من التطرف الأصولي واليساري واليميني، إلا أن البرنامج ركز على إرهاب المتشددين. وفي رأي الخبيرة القانونية ليمباخ فإن الحكومة لا تقصر في تخصيص الأموال اللازمة لتنفيذ هذه البرامج، إلا أنها تفتقد إلى خطة موحدة للتصدي لخطر زيادة تطرف الشباب، وأن هذه الثغرة كانت موضع نقاش المؤتمر. وذكرت ليمباخ أنها أجرت مقابلات تفصيلية مع 27 خبيراً في الإرهاب وعلم النفس والتربية وأنهم كانوا متفقين مع رأيها بأن ألمانيا تفتقد لصيغة واضحة لتوحيد هذه الجهود. وكان المعلمون والتربويون ورؤساء النوادي والجمعيات، وغيرهم يعرفون كثيرا عن كيفية مواجهة النشاط اليميني المتطرف، إلا أنهم لا يعرفون ما يكفي عن أساليب المتطرفين الإسلاميين.
وتحتضن شرطة الجنايات الاتحادية أكثر من 900 مشروع للوقاية من خطر التطرف، بحسب معطيات ليمباخ. وتنشط معظم هذه المشروعات بشكل جيد ضد النازيين والإرهابيين الإسلاميين وضد التشدد والحض على الكراهية بين الأديان، إلا أن هناك قصوراً في 50 مشروعاً فقط تتعلق بمكافحة التطرف اليساري.
إلى ذلك، وبعد أكثر من سنة ونصف على جريمة الدهس الإرهابية ببرلين، التي راح ضحيتها 12 شخصاً، دخل التحقيق حول تهاون الشرطة في الموضوع طوراً جديداً أمس.
وتسعى أحزاب معارضة في البرلمان الألماني «بوندستاغ» أمام المحكمة للسماح للجنة تقصي الحقائق بشأن هجوم الدهس الإرهابي في البرلمان، بالاطلاع على ملفات وكالة المخابرات الألمانية «بي إن دي» ودائرة حماية الدستور الاتحادية (مديرية الأمن العامة). وقدم منسقو الكتل البرلمانية لحزبي اليسار والخضر والحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) في لجنة تق صي الحقائق بالبرلمان، بشأن قضية الإرهابي التونسي أنيس العامري، بالعاصمة برلين طلباً بهذا المحتوى إلى المحكمة الاتحادية الأوروبية. وما يهم الكتل البرلمانية بشكل مباشر هو معرفة أي المستندات كانت قد حصلت عليها لجنة الرقابة البرلمانية المعنية بمراقبة عمل الأجهزة الاستخباراتية من هذه الهيئات.
وقال رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الخضر كوستانتين فون نوتس إن لديه انطباعاً أن الحكومة الاتحادية لديها «علاقة تكتيكية بالحقيقة»، لافتاً إلى أنها اتبعت نهجاً متباطئاً في الإجراءات بعد الهجوم الذي وقع في التاسع عشر من شهر ديسمبر (كانون الأول) سنة 2016.
وأشار إلى أنها كانت تصنف أنيس العامري في البداية على أنه مجرم تافه فحسب، ولكنه اتضح بعد ذلك أنه من المحتمل جداً أن العمري تحرك في دوائر سلفية - بعلم السلطات.
جدير بالذكر أن العامري قاد شاحنة كبيرة في سوق لأعياد الميلاد في برلين يوم 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي وتسبب بمقتل 12 شخصاً وإصابة كثيرين. ونجح العامري بالهرب من ألمانيا عبر هولندا وفرنسا وصولاً إلى إيطاليا حيث تعرف عليه شرطيان في محطة للقطارات في ميلانو وأردياه قتيلاً.
واتهم برونو يوست، المحقق الخاص في عملية الدهس الإرهابية ببرلين، القوى الأمنية بالتقصير بتقريره الذي نشر في أكتوبر (تشرين الأول)2017. وجاء في تقرير يوست، رئيس النيابة العامة الاتحادية السابق، أن عملية الدهس كان من الممكن «على الأغلب» تجنبها لولا تقصير السلطات الأمنية في ولايتي الراين الشمالي فيستفاليا وبرلين في اعتقال العامري. واستخدم المحقق الخاص كلمات مثل «الضعف» و«القصور» و«التأخر» و«الخطأ» في وصف موقف السلطات الأمنية من التونسي الذي كان مصنفاً في قائمة «الخطرين».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟