الداخلية العراقية: حرق الصناديق متعمد

TT

الداخلية العراقية: حرق الصناديق متعمد

تضاربت التقديرات بشأن عدد صناديق الاقتراع التي التهمها حريق مخازن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية في بغداد، أول من أمس، فيما استبق وزير الداخلية قاسم الأعرجي نتائج التحقيق بقوله إن الحريق كان «متعمداً».
وأشارت مصادر إلى أن الحريق شب في مخزن واحد مخصص للمعدات الفنية، ولم يصل إلى المخازن الثلاثة الأخرى المخصصة لصناديق الاقتراع، لافتة إلى أن «نسبة الضرر لا تتجاوز خمسة في المائة». لكن مصادر أخرى أكدت احتراق «عدد كبير من الصناديق».
ومثلما تتضارب الأنباء حول حجم الأضرار التي لحقت بصناديق الاقتراع، تعددت الآراء حول الجهات المستفيدة من حرقها، إذ يرى البعض أن الائتلافات الفائزة هي الرابح الأكبر، باعتبارها متهمة بالحصول على مقاعد إضافية نتيجة «تزوير» تذهب عملية إحراق الصناديق بأدلته، فيما يميل آخرون إلى الاعتقاد بأن الحادث يصب في مصلحة الجهات الخاسرة؛ لأنه يخلط الأوراق ويقدم لها ذريعة للمطالبة بإعادة الانتخابات.
وعلى الرغم من عدم ظهور نتائج التحقيق في حادث احتراق مخازن المفوضية، فإن وزير الداخلية قال في تصريحات، أمس، إن «حريق مخازن مفوضية الانتخابات كان متعمداً»، مشيراً إلى اختفاء الحراس وكسر أقفال المخازن بمطارق. وكان الأعرجي قد أكد أثناء وصوله إلى موقع الحريق، أول من أمس: «عدم احتراق أي صندوق». وكذلك فعل مدير مديرية الدفاع المدني اللواء كاظم سلمان في يوم الحادث، حين أكد أن «المخازن التي تحتوي على أوراق الاقتراع تمت حمايتها جميعاً ولم تصلها النيران».
وينظر كثير من المراقبين بتشكك إلى مسألة لجان التحقيق التي تشكل عادة بعد كل حادث أو حريق، باعتبار أن أغلب نتائج تلك التحقيقات لم تعلن للجمهور، وظلت حبيسة غرف التحقيق والدهاليز السياسية.
وأكدت مصادر مقربة من مفوضية الانتخابات لـ«الشرق الأوسط» سلامة أغلب صناديق الاقتراع؛ لكنها أشارت إلى «احتراق مجموعة كبيرة من المعدات تقدر قيمتها بملايين الدولارات». واعتبر الناطق باسم المفوضية كريم التميمي، أنها «تواجه هذه الأيام هجمة شرسة تمثلت بالتشكيك في إجراءاتها المتعلقة بالانتخابات الأخيرة».
وقال التميمي لـ«الشرق الأوسط»، إن «الحريق الذي طال مخازن المفوضية في مكتب انتخابات بغداد الرصافة لم يصل إلى صناديق الاقتراع بفضل جهود موظفي مراكز التسجيل». وأضاف أن المفوضية «تستطيع وبسهولة إجراء عملية العد والفرز اليدوي، ولا توجد أي مشكلة حتى في حال احتراق جميع الصناديق». وأشار إلى أن ذلك يستند إلى «وجود نسخ عن أوراق الاقتراع الإلكترونية لكل المحطات، بالإضافة إلى تقارير الافتتاح والإغلاق والنتائج الصادرة من جهاز التحقق ومن جهاز الفرز والعد الإلكتروني». وأكد وجود «تقرير الباركودات الصادر من جهاز التحقق بنسخته الورقية لكل محطات الاقتراع، إضافة إلى تقارير الافتتاح والنتائج الورقية والإلكترونية الصادرة من جهاز الفرز والعد الإلكتروني».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.