شبل... بيان مبكّر من أجل إسلام تنويري

الباحث الجزائري يقدم سبعة وعشرين مقترحاً لإصلاح الأوضاع

مالك شبل
مالك شبل
TT
20

شبل... بيان مبكّر من أجل إسلام تنويري

مالك شبل
مالك شبل

بداية سوف أطرح هذا السؤال: ماذا سيبقى من مالك شبل الذي رحل مبكراً قبل الأوان (63 سنة فقط)؟ والجواب: تبقى مؤلفاته، وهي عديدة وغنية. ثم يبقى بالأخص هذا المصطلح الذي شهره أو اشتهر به: إسلام الأنوار أو إسلام التنوير. وقد كرس له كتاباً كاملاً هو: «بيان من أجل إسلام الأنوار».
وللقيام بذلك ينخرط مالك شبل في دراسة طويلة عريضة عن الموضوع تتجاوز المائتي صفحة. وهو يبتدئ كتابه بمقدمة عامة تحمل العنوان التالي: هل إسلام التنوير شيءٌ ممكنٌ يا تُرى؟ بمعنى آخر إذا كنا قد فهمناه جيداً: هل يمكن أن ينتصر الفهم التنويري للإسلام على الفهم الإخوانجي الداعشي الظلامي السائد حالياً؟ والجواب هو بالطبع بالإيجاب. فمن دون انتصار إسلام الأنوار على إسلام الإخوان لن تقوم للعرب قائمة ولن يحظوا بأي احترام على مسرح التاريخ بين الأمم.
ثم يقدم الباحث الجزائري بعدئذ سبعة وعشرين مقترحاً لإصلاح الأوضاع داخل العالم الإسلامي. وأول مقترح يقدمه هو ضرورة بلورة تفسير جديد للنصوص الإسلامية المقدسة من قرآن كريم وحديث نبوي شريف وكذلك كتب الفقه والتشريع والعقائد. ففي رأيه أن التفسير السائد حالياً حرفي جداً وسطحي وخاطئ في معظم الأحيان لأنه لا يهتم إلا بالقشور ولا يفهم جوهر الرسالة القرآنية أو الإسلامية. كما أنه أصبح قديماً بالياً لم يعد يقنع أحداً ولم يعد يخاطب العصر. ولذلك وجب على المثقفين وعلماء الأمة أن يقدموا تفسيراً علمياً جديداً يليق بالحداثة والعصر والقرن الحادي والعشرين. فنحن لا نستطيع أن نعيش إلى الأبد على تفسيرات قديمة، متحنطة، متكلسة، متحجرة، عفا عليها الزمن... نحن لا نستطيع أن نعيش إلى الأبد على فتاوى القتل والذبح والتكفير التي روّعت العالم.
أما المقترح الثاني الذي يقدمه شبل فيتلخص في العبارة التالية: تأكيد تفوق العقل على كل أشكال التصورات والاعتقادات الأخرى. فالعقل هو القاسم المشترك الأعظم بين البشر. أما المذاهب والعقائد فتبقى خصوصية ومحصورة في أتباعها فقط مهما اتسع نطاقها. أما على أرضية العقل فيلتقي الإنسان الإنجليزي والعربي والصيني والروسي، إلخ... وهذا ما اكتشفه أبو العلاء المعري قبل مالك شبل وكل فلاسفة الأنوار المعاصرين:
كذب الظن لا إمام سوى العقل
مشيراً في صبحه والمساء
والمقترح الثالث يقول بأن مفهوم الجهاد كما ينادي به المتطرفون الحاليون خاطئ تماماً وخارج على الفهم الصحيح للشرع الإسلامي. فالإسلام لم يقل في أي يوم من الأيام بمشروعية تفجير المباني والحافلات والمخازن والمقاهي وحصد المدنيين بشكل عشوائي كيفما اتفق بالمئات أو بالآلاف... لاحِظ ما فعلته ولا تزال تفعله الحركات الإخوانجية المختلفة في مشارق الأرض ومغاربها من سوريا إلى العراق إلى درنة في ليبيا... وهؤلاء يعتبرونهم ثواراً من أجل الحرية! تحية إلى درنة الجميلة الرائعة وهي تُحرر من براثنهم وإرهابهم وظلامياتهم في هذه اللحظة بالذات. وبالتالي فهذا الفهم الخاطئ للجهاد أو للحرب المقدسة في الإسلام ينبغي أن يتوقف فوراً لكي يحل محله فهم آخر جديد يتناسب مع الشرع والعقل والعصر. فالجهاد يكون أولاً من أجل تصحيح انحرافات النفس ونوازعها والتغلب على نواقصها. ثم بعدئذ يعني أو ينبغي أن يعني التنمية الشاملة والنهوض الحضاري وتخليص شعوبنا من مستنقع الأمية والجهل والفقر. هذا هو الجهاد العظيم الذي تحتاج إليه مجتمعاتنا العربية والإسلامية اليوم. هذا هو الجهاد الأكبر لا الأصغر. ولكن الجميع نسوه.
أما المقترح الرابع لصاحب «إسلام الأنوار» فيتمثل في ما يلي: منع صدور أي فتوى تشرّع الاغتيال والقتل والتفجيرات العمياء. فهذا شيء مضاد لروح الإسلام وللفهم الصحيح لرسالته وجوهره. وبالتالي فلا يحق لأي شيخ كائناً من كان أن يصدر فتوى دينية تحلل اغتيال هذا المثقف أو ذاك لمجرد أن كتاباته لم تعجبه... هذا شيء خطير يؤدي إلى انتشار الفوضى والفتنة والرعب في المجتمع. كما وينقلب بالعاقبة السيئة على الجميع. انظر الفتاوى التي كفّرت بعض روائع نجيب محفوظ أو حيدر حيدر أو سواهما. وانظر الفتوى التي أدت مباشرة إلى اغتيال المفكر المصري فرج فودة، إلخ... وهناك فتاوى أدهى وأخطر تدعو إلى تكفير طوائف بأسرها وإبادتها. وهي التي أشعلت الحروب الدموية في المشرق العربي مؤخراً ودمّرت النسيج الاجتماعي وجعلت التعايش مستحيلاً بين أبناء الوطن الواحد!
وهناك مقترحات أخرى عديدة لا نستطيع أن نتوقف عندها كلها من مثل: ضمان حرية الاعتقاد والضمير والتفكير في العالم الإسلامي. وكذلك احترام الآخر وعقائده سواء أكان هندوسياً أو صينياً كونفشيوسياً أو يهودياً أو بوذياً، إلخ. وكذلك ينبغي تحديث القانون المدني وقانون الأحوال الشخصية الخاص بالزواج، والطلاق، والإرث، إلخ... ينبغي احترام المرأة وإعطاؤها حقها كاملاً، فهي ليست ناقصة عقل أو دين كما توهمت العصور القديمة.
وفي ما يخص حرية المعتقد والضمير فيرى مالك شبل أنها ستكون أصعب مقترح يمكن فرضه على العالم الإسلامي. لماذا؟ لأن المحافظين والمتشددين يعتبرون أن حرية الاعتقاد تؤدي إلى الفوضى أو حتى الإلحاد. وبالتالي فينبغي تحريمها بشكل قاطع. ولكن الفكر الحديث يقول لنا: هذا غير صحيح، فالحرية الفكرية تعني التعددية العقائدية والمناظرات الخصبة بين أتباع المذاهب المختلفة. وهذا الشيء كان مقبولاًً سابقاً إبان العصر الذهبي للإسلام. انظر المناظرات الرائعة التي كانت تحصل في جلسات الخليفة العظيم المأمون والتي خلّدها مؤخراً أندريه ميكيل في كتاب ممتع بعنوان «محاورات بغداد»... وكنا قد استعرضناه سابقاً هنا على صفحات «الشرق الأوسط».
وأخيراً، هذه هي الثورة الكوبرنيكية -أو التنويرية- التي يدعونا إليها تيار إسلام الأنوار الذي يتجاوز مالك شبل بكثير. ينبغي العلم بأن عبد الوهاب المؤدب كان أكثر جرأة وقد ذهب في نقد الأصولية إلى أبعد منه بكثير. وقيل الأمر ذاته عن الفيلسوف عبد النور بيدار الذي جدد الفكر الإسلامي بشكل غير مسبوق مؤخراً من خلال عدة كتب مهمة فعلاً وتنويرية حقاً وينبغي أن تُترجم فوراً إلى العربية. وهناك آخرون حتماً لا تستطيع هذه العجالة أن تذكرهم كلهم للأسف الشديد... ولكن يبدو واضحاً أن باريس التي نوّرت أوروبا في القرن الثامن عشر هي التي ستنور العرب في القرن الحادي والعشرين. فـ«إسلام الأنوار» ظهر فيها ومنها سيشع على العالم العربي. ولكن لكي تنتصر الأنوار ينبغي على المجتمعات العربية أن تنفض غبار القرون الوسطى عن برامج التعليم الديني في كل المدارس والجامعات بل وحتى الفضائيات. كما ينبغي منع التيارات الإخوانجية الظلامية من بث أفكارها وسمومها في المدارس وكليات الشريعة والتعليم العام. لماذا؟ لأنها لم تعد ملائمة للعصر، ولأنها تزرع بذور الشقاق والفتنة الطائفية المذهبية بين تلامذة الوطن الواحد وهم على مقاعد الدرس. إنها طائفية تكفيرية على المكشوف. وهي التي دمرت المشرق العربي أو توشك أن تدمره من خلال فتاوى ابن تيمية التي أحياها مؤخراً يوسف القرضاوي على شاشات «الجزيرة» داعياً بشكل علني إلى ارتكاب الجريمة. هذا هو إسلام الظلام الذي يريد إسلام الأنوار استئصاله عن بكرة أبيه!
هل حقاً أن مالك شبل هو مخترع مصطلح: إسلام الأنوار؟
هذا ما كان يعتقده هو شخصياً. وهذا ما صرح به لجريدة «المساء» البلجيكية. ولكن يبدو أن المصطلح أقدم من ذلك. وربما كان قد ظهر في العربية أولاً قبل الفرنسية. وربما كان قد ظهر في مصر أو لبنان أو تونس أولاً للتعبير عن تيار تجديدي طويل عريض يريد أن يضع حداً للموجة الأصولية الطاغية. أقول ذلك وأنا أفكر بالمرحوم الدكتور محمد الشرفي الذي نشر كتاباً بعنوان «الإسلام والحرية»، وآخر بعنوان «معركتي من أجل الأنوار». وأعتقد أنه تمت ترجمة كل ذلك إلى اللغة العربية من قبل رابطة العقلانيين العرب التي أسسها الدكتور محمد عبد المطلب الهوني ووضع على رأسها أحد كبار التنويريين العرب في هذا العصر: الأستاذ جورج طرابيشي. ومن أبرز ممثلي هذا التيار المفكر التونسي الشهير العفيف الأخضر، ونصر حامد أبو زيد، وعبد المجيد الشرفي، ومحمد الحداد، ورجاء بن سلامة، وريتا فرج، وأحلام أكرم، وعشرات الآخرين من المثقفات والمثقفين العرب. والواقع أنه يصعب تحديد من هو أول مخترع لهذا المصطلح. وربما لم يكن ذلك مهماً جداً. المهم أنه أصبح شائعاً ويعبّر عن حاجة تاريخية ماسّة، وإلا لما نجح وانتشر على أوسع نطاق.
وما يدعم ذلك أن الدكتور مالك شبل نفسه يقول لنا ما معناه: ربط الإسلام بالأنوار ليس جديداً. إنه يندرج داخل ديناميكية فكرية بدأت في القرن التاسع عشر إبان عصر النهضة واستمرت حتى اليوم. وقد جسدها مفكرون إصلاحيون كثيرون. ولكنهم اتُّهموا بالهرطقة أو الزندقة من قبل الإخوان المسلمين ومن شاكلهم. انظروا هجوم الجماعة المتزمتة على طه حسين أو علي عبد الرازق أو عباس محمود العقاد أو سواهم. والآن تعود المناقشة إلى الساحة كأقوى ما يكون. وأصبح السؤال المطروح هو التالي: هل ينبغي تعديل الإسلام لكي يتماشى مع الحداثة أم تعديل الحداثة لكي تتماشى مع الإسلام؟ بمعنى آخر: هل ينبغي تحديث الإسلام أم أسلمة الحداثة؟ وأنا شخصياً أعتقد أنه ينبغي أن نأخذ من التراث أفضل ما فيه ومن الحداثة أفضل ما فيها ونصهرهما في بوتقة واحدة. ولكن القول سهل والفعل هو الصعب.
وأخيراً، فإن إسلام الأنوار وأضواء العقل كان موجوداً في العصر الذهبي. فهو الذي قدم للعالم علم الجبر والحساب وبيت الحكمة للمأمون والفلسفة والعلوم. وهو الذي قدم للبشرية بعضاً من أعظم الفلاسفة والمفكرين والأدباء والشعراء: كالكندي، والجاحظ، والفارابي، وابن سينا، والتوحيدي، والمتنبي، وأبي العلاء المعري، وبقية العباقرة الكبار. بهذا المعنى، فالتنوير العربي سبق التنوير الأوروبي بعدة قرون. وهو الذي علّم المسلمين احترام الآخر وهضم كل منجزات الحضارات السابقة وصهرها في بوتقة العروبة والإسلام بغية تشكيل حضارة عظيمة. وبالتالي فالإسلام هو دين النزعة الإنسانية ومكارم الأخلاق. إنه دين الأنوار الحضارية لا الظلمات التكفيرية الداعشية التي تبث الرعب والذعر في شتى أنحاء العالم.



مجامر من موقع سمهرم في سلطنة عُمان

أربع مجامر موقع سمهرم في سلطنة عُمان
أربع مجامر موقع سمهرم في سلطنة عُمان
TT
20

مجامر من موقع سمهرم في سلطنة عُمان

أربع مجامر موقع سمهرم في سلطنة عُمان
أربع مجامر موقع سمهرم في سلطنة عُمان

كشفت أعمال المسح المستمرة في سلطنة عُمان عن سلسلة من المواقع الأثرية، من أبرزها موقع خور روري الذي ضمَّ في الماضي مدينة عُرفت باسم سمهرم، وميناء اشتهر بتجارة اللبان من جنوب شرقي شبه الجزيرة العربية. خرجت من هذه المدينة الأثرية مجموعات متنوعة من اللقى، منها مجموعة من المجامر الحجرية، دخل عدد كبير منها المتحف المعروف باسم «متحف أرض اللبان» في مدينة صلالة بولاية ظفار.

عُثر على عدد من هذه المجامر في المعبد الكائن وسط الجانب الشمالي من سمهرم، وعُثر على عدد آخر منها في مبانٍ سكنية، والأكيد أنَّها كانت مخصَّصة لحرق البخور. شاعت صناعة المجامر بشكل واسع في الشرق القديم، وارتبطت بشكل كبير بالعبادات الدينية، كما يشهد كثير من النصوص الأدبية، وأشهرها تلك التي وردت في التوراة. حسب ما ورد في «سفر الخروج»، كان هارون يوقد البخور ليكون «بخوراً دائماً أمام الرب» (30: 8)، وكان هذا البخور مزيجاً من مواد عدَّة: «ميعة وأظفاراً وقنة عطرة ولباناً نقياً»، في «أجزاء متساوية»، تُنتج «بخوراً عطراً صنعة العطَّار، مملحاً نقياً مقدساً» (30: 34-36).

مُنع استعمال هذا البخور خارج «بيت الرب»، وعهد إلى الكهنة وحدهم بإشعاله، وهم «الكهنة من بني هارون المقدّسين للإيقاد»، كما جاء في سفر الأخبار الثاني (26: 18). هكذا ارتبط هذا البخور المتّقد بالعبادة، وكان رمزاً للصلاة، كما يقول المزمور 141: «لتستقم صلاتي كالبخور قدامك».

شاع تقديم البخور في الاحتفالات الدينية في سائر أنحاء الشرق القديم، وبات لكل أمة من هذه الأمم تقليد خاص بهذه الخدمة. كان هذا البخور يُحرَق في آنية تحوي جمرات مشتعلة، وهي المجمرة، وكانت صناعة هذه المجامر تعتمد على أساليب محلّية متعدّدة تتجلّى في صياغتها.

خرجت من جنوب الجزيرة العربية مجموعة كبيرة من المجامر، تشهد لأسلوب خاص تعدّدت فروعه على مرّ قرون طويلة من الزمن. ومن شرق هذه الجزيرة، خرجت مجموعة أخرى من المجامر تعكس أثر هذا التقليد، وأبرزها تلك التي تعود إلى قرية الفاو التابعة لمحافظة وادي الدواسر في منطقة الرياض.

تشكّل مجامر سمهرم فرعاً آخر من فروع هذا التقليد، كما تشهد تكويناتها ونقوشها المختلفة. يصعب تأريخ هذه المجامر، والأكيد أنها تعود إلى القرون التي شهدت ازدهار سمهرم واندثارها التدريجي، في الفترة الممتدة بين القرن الثالث قبل الميلاد والقرن الخامس للميلاد.

تعتمد هذه القطع في أغلب الأحيان تكويناً مختزلاً يتألف من وعاء مكعّب يستقر فوق قاعدة مستطيلة. تزيّن هذه الأوعية المكعّبة نقوش يغلب عليها الطابع الهندسي، تمتدّ على مساحة قواعدها المستطيلة.

يظهر هذا التقليد بشكل جلي في 3 مجامر وصلت بشكل شبه كامل، تُعرَض اليوم في «متحف أرض اللبان» الذي شُيّد في متنزه البليد الأثري بمنطقة الحافة، في مدينة صلالة التابعة لمحافظة ظفار.

تتكوّن أصغر هذه المجامر من مكعب عريض يستند إلى قاعدة هرمية قصيرة. يزيّن واجهة هذا المكعّب نقش ناتئ يمثّل هرماً هو قاعدة لهلال يحتضن قرصاً دائرياً. يُعرف هذا العنصر التشكيلي بالزخرف الكوكبي، وهو من العناصر التي اعتُمدت بشكل واسع في جنوب شبه الجزيرة العربية منذ القرن الخامس قبل الميلاد، ودخلت نواحي أخرى من الجزيرة، كما يشهد كثير من القطع الأثرية التي خرجت من جزيرة الفاو. يُعد الهلال والقرص الدائري من الرموز الكوكبية، والأكيد أن هذه الرموز لم ترتبط حصرياً بمعبود واحد؛ إذ نجدها على مذابح ومجامر مهداة إلى كثير من المعبودين، منهم ودّ والمقه وشمس.

يحتلّ هذا الزخرف الكوكبي واجهة مجمرة أخرى من سمهرم يبلغ طولها 31 سنتيمتراً؛ حيث يحضن هلالاً آخر أصغر حجماً يستقرّ في وسط أعلى التأليف. في المقابل، تزين جنبَي مكعّب هذه المجمرة شبكة من النقوش المكعّبة المتوازية الناتئة، وتزين قاعدتها العمودية المستطيلة سلسلة من 4 أدراج أفقية متراصة ناتئة. تظهر هذه الشبكة من المكعبات المتوازية على مجمّرة طولها 36 سنتيمتراً، تستقرّ فوق قاعدة هرمية مجرّدة من أي زينة. تحتل هذه الشبكة الهندسية واجهة المجمّرة، وتتألف من 3 صفوف أفقية، يحوي كلّ منها سلسلة من المكعّبات الناتئة. يعلو هذه الصفوف شريط أفقي مجرد، وتحدّها في القسم الأسفل سلسلة من الأسنان تتدلّى منها كتل دائرية، في تأليف غير مألوف يهب هذه القطعة طابعاً محليّاً مميزاً.

يظهر الزخرف الكوكبي على مجمّرة أخرى من سمهرم يبلغ طولها 30 سنتيمتراً، وهي من القطع التي عُرضت في معرض خاص بميراث سلطنة عُمان، أقيم في مدينة ليون الفرنسية في خريف 2022، وحمل عنوان «رحلة في بلاد البخور». عُثر على هذه القطعة خلال عام 2008، ودخلت المتحف الوطني في مسقط، وهي مكوّنة من قاعدة هرمية تزيّنها مساحات عمودية ناتئة، ومكعّب عريض يحمل نقوشاً تصويرية حيوانية، تحضر هنا بشكل استثنائي.

يحتلّ الزخرف الكوكبي واجهة المكعّب وفقاً للتقليد السائد. يحضر الهلال فوق الهرم، ومن فوقه يستقرّ القرص الذي يرمز إلى الشمس أو إلى كوكب الزهرة. يظهر طير يفتح جناحيه العريضين على أحد طرفي المكعّب، ويبدو هذا الطير أشبه بالنسر. ويظهر حيوان ذو 4 قوائم في وضعية جانبية على الطرف المقابل، ويبدو هذا الحيوان أشبه بالفهد. في المقابل، تظهر شبكة مكعبات على الواجهة الخلفية، وهي على شكل تخطيط رقعة الشطرنج، حُدّد بخطوط غائرة بسيطة.

تمثّل هذه النماذج الأربعة النهج المتبع في صناعة المجامر الحجرية في هذه الناحية من جنوب شرقي شبه الجزيرة العربية. يعكس هذا التقليد الأثر الكبير الذي تركه في جنوب شبه الجزيرة العربية، كما يعكس خصوصية محلية تظهر بوجه خاص في الأسلوب المختزل الذي ساد ما وصلنا من نتاج سمهرم في هذا الميدان.