المخلفات الإلكترونية... كنز من المعادن في أجهزتك التالفة

استخلاص الرصاص والنحاس بجهود محلية

المخلفات الإلكترونية... كنز من المعادن في أجهزتك التالفة
TT

المخلفات الإلكترونية... كنز من المعادن في أجهزتك التالفة

المخلفات الإلكترونية... كنز من المعادن في أجهزتك التالفة

ما الذي يمكن أن يفعله شخص بهاتفه الذي لم يعد صالحاً للاستخدام... وماذا تفعل الشركات والحكومات بأجهزة الكومبيوتر والتلفاز القديمة التي عفا عليها الزمن؟
أغلب الظن أن حاويات القمامة ستكون هي الطريق الأشهر لتصريف مثل هذه المخلفات، لتتخذ مثل هذه المخلفات بعد ذلك مسارين كلاهما خاطئ، أولها أن تقوم شركات إعادة التدوير بشرائها وطحن دوائرها الكهربائية وتصدير هذا المطحون للخارج لاستخراج المعادن منه، والمسار الثاني هو حرق مثل هذه المخلفات.
المسار الأول يبدو أفضل كثيرا من الثاني، إلا أن باحثين في جامعة عين شمس المصرية سعوا إلى استكمال دورته بتوصيف طرق رخيصة تساعد شركات إعادة التدوير مستقبلا على ألا يقتصر دورها على تصدير مطحون الدوائر إلى الخارج، ولكن يمكن أن يقوموا باستخراج المعادن منها، ليفتح لهم البحث العلمي باباً واسعاً لكشف عشرة معادن أثمنها الذهب والفضة، ويمكن استعادتها من الدوائر.
معادن ثمينة
يحتوي الكنز الموجود في الدوائر الرئيسية لمخلفات الأجهزة الإلكترونية، على معدن النحاس الذي تبلغ نسبته (20: 25 في المائة)، الألمنيوم (4 في المائة)، الرصاص (1 - 5 في المائة)، الزنك (1 في المائة)، النيكل (1 - 3 في المائة)، والحديد (5 - 7 في المائة)، القصدير (1 - 3 في المائة)، وعناصر غالية الثمن مثل الفضة والذهب والبلاديوم (0.3 - 0.4 في المائة).
وتستخدم طريقتان لاستخراج هذه المعادن من مطحون الدوائر، الأولى كيميائية، والثانية بيولوجية، حيث تعتمد الأولى على إذابة مطحون الدوائر في مادة تقوم بعملية السحب (leaching) للعنصر المراد أخذه منها، ثم يتم استخلاص هذا العنصر من تلك المادة باستخدام المذيب أو طرق الترسيب أو التبادل الأيوني، بينما تعتمد الطريقة البيولوجية على استخدام بعض الكائنات الدقيقة التي تقوم بسحب هذه العناصر من مطحون البوردات الكهربائية.
وتحتاج الطرق البيولوجية إلى إمكانيات خاصة تتعلق بوجود أنظمة تحكم عالية الدقة في المختبرات وهو غير متوفر في أغلب الجامعات المصرية، وكان التركيز من الباحثين على مشاركة العالم جهوده في توصيف بعض الطرق الكيميائية.
ويقول د. أيمن حلمي كامل، الأستاذ بقسم الكيمياء بجامعة عين شمس، والباحث الرئيسي في دراسة نشرتها مجلة «نتشر» خلال شهر أبريل (نيسان) الماضي، حول إعادة تدوير المخلفات الإلكترونية: «نجحنا في توصيف طريقة لاستخلاص عنصري النحاس والرصاص، ووصلنا إلى نسب استخلاص عالية وصلت إلى 85 في المائة بالنسبة للأول ومن 90 إلى 92 في المائة بالنسبة للثاني».
ويضيف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «استخلاص الرصاص والنحاس من مطحون الدوائر الكهربائية ليس جديدا، ولكن الجديد في الجهد البحثي المصري يتمثل في المواد المستخدمة في الاستخلاص ونسبة الاستخلاص العالية التي وصلنا إليها».
عقبات التدوير
واستخدم الفريق البحثي المصري لاستخلاص الرصاص محلولا قلويا (هيدروكسيد الصوديوم) لإذابة مطحون الدوائر، ثم تمت إضافة مركب مخلبي اديتا (EDTA) للرصاص، ثم استخدمت طريقتين لاستخلاص الرصاص من المركب، وهما الترسيب الكهربي أو إضافة عامل مختزل (حامض اسكوربيك، بعض العوامل المرسبة مثل الكبرتيد) لتحويله إلى عنصر الرصاص في الصورة النانوية.
أما عنصر النحاس فتم استخلاصه عن طريق وضع مطحون الدوائر في حامض الهيدروكلوريك مع عامل مؤكسد مثل فوق أكسيد الهيدروجين لإذابة النحاس ثم استخدام فيتامين سي (حامض أسكوربيك) لترسيب النحاس بعد اختزاله في صورة نانوية.
ويأمل الفريق البحثي المصري في أن تساهم تلك الأبحاث في تعظيم الاستفادة من المخلفات الإلكترونية، حيث قال برنامج الأمم المتحدة للبيئة في أحدث تقاريره إن كمية المخلفات الإلكترونية بمصر التي يحدث لها إعادة تدوير لا تتعدى نسبة من 15 إلى 20 في المائة.
وتصطدم مطامح د. حلمي بعقبات أبرزها أنه لا يوجد قانون محدد لتنظيم وإدارة المخلفات، كما لا توجد قاعدة معلومات دقيقة عن حجم المخلفات بكل محافظة مصرية، ونوعية المخلفات التي تشتهر بها كل محافظة، وغياب خبرة التعامل مع هذه المخلفات، وهو ما يعوق الاستفادة من هذا الكنز الغني بالمعادن، والذي يزداد عاما عن آخر كما يكشف البحث المنشور في دورية نيتشر.
وأورد البحث عدة إحصائيات تتعلق بحدوث زيادة في استهلاك الأجهزة المحتوية على الدوائر الكهربائية بمصر، ومنها الأدوات المنزلية التي حدثت زيادة في استهلاكها بنسبة 15 في المائة، والكومبيوتر (95 في المائة)، والهواتف الجوالة التي بلغ عددها في عام 2015 نحو 90 مليون هاتف.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«محاصيل ذكية مناخياً»... استراتيجية علمية لتحقيق أعلى إنتاجية

الدكتور كاو شو وفريقه يفحصون ثمار الطماطم التي خضعت للتعديل الجيني ضمن الإستراتيجية الجديدة (الأكاديمية الصينية للعلوم)
الدكتور كاو شو وفريقه يفحصون ثمار الطماطم التي خضعت للتعديل الجيني ضمن الإستراتيجية الجديدة (الأكاديمية الصينية للعلوم)
TT

«محاصيل ذكية مناخياً»... استراتيجية علمية لتحقيق أعلى إنتاجية

الدكتور كاو شو وفريقه يفحصون ثمار الطماطم التي خضعت للتعديل الجيني ضمن الإستراتيجية الجديدة (الأكاديمية الصينية للعلوم)
الدكتور كاو شو وفريقه يفحصون ثمار الطماطم التي خضعت للتعديل الجيني ضمن الإستراتيجية الجديدة (الأكاديمية الصينية للعلوم)

بحلول عام 2050، من المتوقع أن يرتفع عدد سكان العالم إلى 10 مليارات نسمة، ما يتطلب زيادة في إنتاجية المحاصيل الزراعية بنسبة 60 في المائة، لتلبية احتياجات الغذاء. ومع ذلك، فإن الإنتاج الحالي لا يكفي، ومن المتوقع أن يتفاقم هذا العجز بسبب الضغوط الناتجة عن تغير المناخ.

على سبيل المثال، يؤدي ارتفاع درجات الحرارة بمقدار درجتين مئويتين خلال موسم النمو إلى انخفاض في الإنتاجية يصل إلى 13 في المائة. لذا، يركز العلماء حالياً على تطوير محاصيل «ذكية مناخياً» قادرة على تحقيق إنتاجية أعلى في الظروف الطبيعية، مع الحفاظ على إنتاجية مستقرة تحت ضغوط الحرارة.

وفي خطوة نحو تحسين إنتاج المحاصيل في ظل الظروف المناخية المتغيرة، عمل علماء في الصين على تحسين أدوات التعديل الجيني لتطوير استراتيجية جديدة تعزز خصائص نمو وتطور النباتات.

وطوَّر فريق من معهد علم الوراثة التابع للأكاديمية الصينية للعلوم استراتيجية تعتمد على تعديل جين، يلعب دوراً حاسماً في تنظيم آلية طبيعية في النباتات، تؤثر بشكل كبير على إنتاجية النبات وحلاوة الثمار وجودة الحبوب. ونُشرت نتائج الدراسة في عدد 15 ديسمبر (كانون الأول) الماضي من دورية «Cell».

«المصدَر والمستقبِل»

تحتاج النباتات إلى المياه والعناصر الغذائية والضوء لتنمو؛ حيث يعتمد كل جزء منها على هذه المكونات الأساسية. فالجذور تتطلب طاقة من عملية التمثيل الضوئي لامتصاص المياه والعناصر الغذائية من التربة، بينما تحتاج الأوراق للمياه والعناصر الغذائية التي تمتصها الجذور لتقوم بعملية التمثيل الضوئي، وتصنيع الغلوكوز الذي يعد المصدر الأساسي للطاقة في النبات.

وتُمتص هذه الموارد وتُنتَج في أماكن مختلفة داخل النبات، ما يتطلب نظاماً معقداً لنقلها بين الأماكن التي تُنتج أو تُستخدم فيها.

ويستخدم العلماء مصطلحَي «المصدَر» (Source) و«المستقبِل» (Sink) لوصف هذه العمليات؛ حيث يكون «المصدر» هو المكان الذي يتم فيه امتصاص أو إنتاج الموارد اللازمة لنمو النباتات، بينما «المستقبِل» هو المكان الذي تُستخدم فيه هذه الموارد. ويحدد التوازن في هذه العملية قدرة النباتات على النمو والإثمار.

ومع تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة، تتعرض هذه العمليات الحيوية للخطر، ما يؤدي لتدهور إنتاجية وجودة المحاصيل.

يقول الدكتور كاو شو، الباحث الرئيسي للدراسة في المركز الوطني لبحوث جينات النبات، في معهد علم الوراثة التابع للأكاديمية الصينية للعلوم، إن علاقة «المصدَر والمستقبِل» هي نظرية كلاسيكية عمرها قرن من الزمان؛ لكنها ما زالت تحظى باهتمام مستمر في مجال علم الأحياء النباتية، وتعد مجالاً بحثياً مهماً وصعباً.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن هذه النظرية تركز على إنتاج وتوزيع المركبات الكربونية -مثل السكروز- التي تلعب دوراً محورياً في حياة النباتات، من أعضاء المصدر (كالأوراق) إلى المستقبِل (مثل الجذور والثمار والبذور) التي تخزن أو تستهلك هذه المركبات لتوفير الغذاء والمواد الأساسية للإنسان. وأشار إلى أن تحسين العلاقة بين «المصدَر والمستقبِل» يمكن أن يسهم في زيادة الإنتاجية بنسبة تتراوح بين 40 و60 في المائة.

تعديل جيني

تستند الاستراتيجية الجديدة على تحسين استجابة النباتات للحرارة، من خلال التحكم في توزيع الكربون على الأجزاء المستقبلة للطاقة في النباتات.

وركز الباحثون في دراستهم على جين يُعرف باسم «CWIN»، المسؤول عن تنظيم العلاقة بين «المصدَر» و«المستقبِل» في النبات. وعند تعرض النبات للإجهاد الحراري، ينخفض نشاط هذا الجين، ما يؤدي إلى فقدان التوازن بين «المصدر» و«المستقبل»، ويقلل توزيع الكربون على الثمار، ما يؤثر سلباً على نمو وجودة وإنتاجية المحاصيل.

ولحل هذه المشكلة، أجرى الفريق تعديلاً للجين، عن طريق إدخال تسلسل جيني خاص يتفاعل مع درجات الحرارة المرتفعة، في أصناف الأرز والطماطم، باستخدام تقنيات التحرير الجيني المتطورة.

وأوضح شو أن هذا التعديل يساعد على تنشيط التعبير عن الجين عند التعرض للحرارة العالية، ما يضمن استقرار تدفق الكربون إلى الثمار، ويعزز الإنتاجية. كما يعزز التعديل توزيع الكربون على الثمار في الظروف الطبيعية، ما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية.

وأظهرت الاختبارات المتعددة على الطماطم أن هذه الاستراتيجية زادت المحصول بنسبة تصل إلى 47 في المائة في الظروف العادية، وبنسبة 33 في المائة تحت الإجهاد الحراري. كما حسَّنت جودة الثمار من حيث توحيد الحجم ونسبة الحلاوة.

وطبَّق فريق البحث الأسلوب نفسه على الأرز، ما أدى إلى زيادة الإنتاجية بنسبة 13 في المائة في الظروف العادية، و25 في المائة تحت الإجهاد الحراري، ما ساهم بشكل كبير في تعويض خسائر الإنتاج الناتجة عن الحرارة العالية.

وفق شو، فإن الاستراتيجية الجديدة تعتمد على مجموعة شاملة من تقنيات التحرير الجيني لتحسين المحاصيل وتقييم الإنتاجية، ما يمهد الطريق لتطوير محاصيل ذكية مناخياً تحقق إنتاجية عالية في الظروف الطبيعية، وتقلل من خسائر الإنتاج تحت ظروف الإجهاد المختلفة. وطُبقت هذه الاستراتيجية أيضاً على محاصيل مثل فول الصويا والقمح والذرة.