لبنان يقترب من احتواء الأزمة مع الأمم المتحدة

الاستعدادات مستمرة لعودة آلاف اللاجئين في الأيام المقبلة

وزير الخارجية جبران باسيل (أ.ف.ب)
وزير الخارجية جبران باسيل (أ.ف.ب)
TT

لبنان يقترب من احتواء الأزمة مع الأمم المتحدة

وزير الخارجية جبران باسيل (أ.ف.ب)
وزير الخارجية جبران باسيل (أ.ف.ب)

يتّجه لبنان لاحتواء تداعيات قرارات وزير الخارجية جبران باسيل، التي كان آخرها إيقاف طلبات الإقامة لصالح «مفوضية شؤون اللاجئين» في حين لا تزال الاستعدادات مستمرة لعودة آلاف النازحين السوريين إلى بلداتهم خلال الأيام القليلة المقبلة.
كانت معلومات شبه رسمية تحدثت عن طلب رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري من باسيل العودة عن قراره الأخير. وعقد لقاء بين الطرفين، مساء أول من أمس، من دون أن يعلن عن نتائجه، بينما قالت مصادر مطلّعة على الاجتماع إن الكرة اليوم باتت في ملعب وزير الخارجية، موضحة لـ«الشرق الأوسط»: «الحملة التي بدأها باسيل في مواجهة الأمم المتحدة ستقف عند هذا الحد، وعليه بدأ البحث عن مخرج لتصحيح الخطأ الذي ارتكبه بعدما طلب منه الحريري التراجع عن قراره الذي يخالف سياسة الحكومة، ودعوته لتقديم ما لديه ضد سياسة المفوضية بدل اتخاذ قرارات فردية». من جهته رجّح وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي أن يعود باسيل عن قراره، وهو ما لفتت إليه مصادر وزارية، متوقعةً أن يصدر قرار جديد أو أي خطوة من قبل باسيل لتعليق قراره الأخير يوم الاثنين المقبل انطلاقاً من أن يومي السبت والأحد عطلة رسمية في لبنان. وكرّر المرعبي وصفه قرار باسيل الأخير بـ«غير القانوني وغير الشرعي» في ظل حكومة تصريف الأعمال، إضافة إلى أن قرارات كهذه لا بد أن تصدر من مجلس الوزراء، وهو ما لم يحصل. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إذا استمر باسيل في سياسته التي تهدف إلى التطبيع مع النظام السوري سيوصل لبنان إلى الهاوية»، متّهماً وزير الخارجية بمحاولة فتح خطوط اعتماد مع هذا النظام تمهيداً لمرحلة إعادة إعمار سوريا.
وفي انتظار ما سيقدم عليه باسيل، ذكر مدير الشؤون السياسية والقنصلية في الخارجية اللبنانية السفير غدي الخوري، أن قرار تعليق الطلبات لا يزال ساري المفعول ما لم يصدر قرار آخر، إذ قال لـ«الشرق الأوسط»: «ملتزمون حتى الآن بقرار باسيل، ووزارة الخارجية لا تزال تنتظر ما ستقدمه مفوضية شؤون اللاجئين حيال الخطة التي طلبتها منها لعودة النازحين خلال أسبوعين، ليُبنى بعد ذلك على الشيء مقتضاه»، مؤكداً «ما تقوم به المفوضية لجهة إعاقة عودة اللاجئين عبر إخافتهم من الوضع غير المقبول وخطة عودتهم بدأت ولا عودة عنها». وفي بيان قرار وزارة الخارجية، كان باسيل قد أشار إلى أن تدبير إيقاف طلبات الإقامة جاء بعد عدة تنبيهات من الوزارة لمديرة المفوضية في بيروت واستدعائها مرتين إلى وزارة الخارجية وتنبيهها إلى هذه السياسة، وبعد مراسلات مباشرة منه إلى الأمين العام للأمم المتحدة، ومراسلات من الوزارة إلى المفوضية والأمم المتحدة، دون أي تجاوب لا بل أمعنت المفوضية في نفس سياسة التخويف. وحذّر كذلك من اتخاذ قرارات تصعيدية في حال إصرار المفوضية العليا لشؤون اللاجئين على اعتماد السياسة نفسها. إلا أن المتحدث باسم المفوضية في جنيف ويليام سبيندلر نفى أن تكون المنظمة لا تشجع اللاجئين على العودة، قائلاً: «نحن لا نعوق أو نعارض العودة إن كانت خياراً شخصياً، هذا حقهم (...) لكن من وجهة نظرنا، فإن الظروف في سوريا ليست مواتية بعد للمساعدة على العودة رغم أن الوضع يتغير، ونحن نتابع الوضع عن كثب».
في موازاة ذلك، تستمر الاستعدادات لعودة آلاف النازحين في وقت تضاربت المعلومات حول الموعد وعما إذا كان سيتم ذلك قبل عيد الفطر أو بعده. ولفت رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري لـ«الشرق الأوسط» إلى أن المعطيات لديهم تشير إلى أن التنفيذ سيكون بداية الأسبوع المقبل، بينما رجّح السفير غدي خوري أن تؤجَّل إلى ما بعد العيد إلى حين الانتهاء من الإجراءات اللوجيستية، أهمها تلك المتعلقة بكيفية انتقال آليات نقل اللاجئين وغيرها. وأكد أن العائلات تمّنت على وفد الخارجية، الذي التقى معها قبل أيام، التسريع في العودة ليُمضوا عيد الفطر في بلدهم. وحسب الحجيري، سجّل 3600 شخص أسماءهم للعودة إلى القلمون من أصل 30 ألفاً موجودين في عرسال يتحدرون من المنطقة نفسها إلى جانب 30 ألفاً آخرين هربوا من القصير وحمص، وهؤلاء لا حديث أو معلومات عن أي عودة قريبة لهم. وبعد عودة المجموعة الأولى من عرسال من المتوقع أن تنظم عودة مماثلة للاجئين من شبعا إلى بيت جن الذين يبلغ عددهم 5 آلاف بعدما كان قد غادر نحو 500 منهم قبل نحو شهرين.
وعن لاجئي ريف حمص في لبنان قال المرعبي، «هناك أكثر من خمسة آلاف شخص سجلوا أسماءهم وأبدوا استعدادهم للعودة الفورية إلى بلداتهم إذا خرج (حزب الله) منها، أو إذا تعذّر ذلك المغادرة إلى جرابلس، لكن هذا الأمر لم يتحقق»، وأوضح «نظراً إلى تعذر تحقيق الأمر الأول طلبت أنا شخصياً من تركيا تسهيل الذهاب إلى جرابلس لكنهم أيضاً رفضوا ذلك انطلاقاً من أن هذا الأمر يؤدي إلى قطع جذور هؤلاء من أراضيهم ومساعدة النظام في تحقيق هدفه».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم