تغييرات في إثيوبيا ومصالحة مع إريتريا وزيارة لمصر

أصدر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، خلال الأيام الماضية، قرارات مهمة، تضمنت إقالة أقوى رجلين في الائتلاف الحاكم، وهما قائدا الجيش والمخابرات، وأعلن قبول ترسيم الحدود مع جارته إريتريا وتطبيع علاقات بين البلدين، بعد عقدين من الحرب والجفاء، ويقوم اليوم بزيارة مفاجئة للعاصمة المصرية القاهرة، ما لفت الأنظار إلى أن هناك سياسات جديدة تتشكل في إثيوبيا، داخلياً وإقليمياً.
فقد فاجأ آبي أحمد المراقبين أول من أمس، بتعيين سيري ميكونن قائداً للجيش بديلاً لسامورا يونس، وقائد القوات الجوية آدم محمد رئيساً لجهاز الاستخبارات والأمن الوطني خلفاً لغيتاتشو أسافا، اللذين ظلا في منصبيهما الحساسين لعقود دون تغيير. قرار الإطاحة بأقوى رموز الحرس القديم، كما يراه الخبير في شؤون القرن الأفريقي عبد المنعم أبو إدريس، هو محاولة من الرجل لإحكام سيطرته على الأوضاع عن طريق الإتيان بقيادات جديدة تنسجم مع خطواته الإصلاحية.
ويقول في إفادته لـ«الشرق الأوسط»: «القرارات بإطلاق المعتقلين، وبدء التفاوض مع المعارضة، واتخاذ خطوة تصالحية مع الجارة إريتريا التي تعد أعدى أعداء إثيوبيا، كلها تؤشر إلى حاجة إثيوبية لقيادات عسكرية وأمنية جديدة، تنسجم مع التوجه السياسي لرئيس الوزراء». ويتابع: «هناك بعض مكونات التحالف الحاكم لا توافق بنسبة مائة في المائة على الخطوات التي اتخذها آبي أحمد، وهي تملك مراكز نفوذ داخل الأجهزة الأمنية يمكن أن توظفها في معارضة هذا التوجه، لذلك أقدم آبي أحمد على إقالة الرجلين».
ويقطع أبو إدريس بأن إطلاق برنامج الإصلاح وبناء الثقة بين أجهزة الحكم والشعوب الإثيوبية، يجعل من الإتيان بقيادات جديدة قضية جوهرية.
يذكر أن آبي أحمد كان قد قطع بعد توليه المنصب في أبريل (نيسان) الماضي، بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية، مستجيباً لمطالب الاحتجاجات التي شهدتها بلاده منذ 2015، أطلق بموجبها سراح معتقلين سياسيين، وأعلن عن بادرة تصالحية أسقط بموجبها التهم عن زعيم حركة «قنبوت سبات» المعارضة برهانو نيقا، التي كانت تصنفها الحكومة الإثيوبية «حركة إرهابية».
ونقلت تقارير صحافية أن أحمد ومنذ توليه الحكم بدأ تحركات جدية لتغيير رموز في التحالف الحاكم، والعمل على ضخ دماء جديدة بديلاً للقيادات التي أججت السخط الشعبي مطالباً بتغييرها، وكان إعلانه الجمعة، إطاحة قائد الجيش سامورا يونس، بسيري ميكونن، وإطاحة رئيس جهاز المخابرات والأمن جيتاتشو أسافا، وتعيين قائد القوات الجوية آدم محمد بديلاً عنه مفاجأة كبيرة للمراقبين.
وعلى الرغم من آبي أحمد لم يقدم أي تفسيرات للقرارات التي اتخذها وأطاح بموجبها بيونس وأسافا، اللذين ظلا في منصبيهما لقرابة عقدين من الزمن، فإن التحليلات الصحافية اللاحقة اعتبرت القرار خطوة باتجاه تحقيق وعود قطعها الرجل قبل توليه المنصب، استجابة لمطالبات المحتجين في المظاهرات التي بدأت منذ عام 2015.
على المستوى الإقليمي، فإن دعوة آبي أحمد لإنهاء التوتر بين بلاده وإريتريا وتعزيز العلاقات بين الجارتين، وتنفيذ اتفاقية السلام الإثيوبية - الإريترية، وتطبيق قرارات لجنة التحكيم بشأن النزاع الحدودي مع إريتريا. وأنهت اتفاقية الجزائر 2000 الحرب بين إثيوبيا وإريتريا (1998 – 2000)، ودعت لعدم اللجوء إلى القوة، وأقرت تكوين مفوضية من 5 قضاة دوليين لترسيم حدود الدولتين قضت بتبعية المنطقة المتنازعة المعروفة بـ«مثلث بادمي» لإريتريا، لكن أديس أبابا لم تنفذ القرار.
وفي هذا الصدد، نقلت التقارير عن أحمد قوله: «إثيوبيا تتحمل مسؤولية الحفاظ على السلام في المنطقة، ومن الضروري توحيد الشعبين الإريتري والإثيوبي عبر تعزيز العلاقات بين البلدين، وإنهما لم يحققا أي مكاسب من العلاقات المتوترة». ويقول الكاتب محمد الدابولي في دراسة نشرها مركز البديل للتخطيط والدراسات الاستراتيجية، إن المساومات التي أتت بآبي أحمد لرئاسة الوزارة تثير أسئلة كثيرة، من بينها ما إن كانت اختيارات الرجل امتداد طبيعي للسياسات التي أرسى دعائمها رئيس الوزراء السابق ملس زيناوي، أم أنه يحمل رؤى جديدة حول مستقبل السياسة الإثيوبية.
ويضيف: «لكونه أول رئيس وزراء إثيوبي من عرقية الأورومو ذات الأغلبية، فإن اختياره يضع السياسة الإثيوبية الداخلية والخارجية أمام محكات وتحديات كبيرة وحقيقية»، يقع في مركز القلب منها ملف «النزاع على سد النهضة» الذي يتوقع أن يبحثه الرجل بتعمق مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مباحثاتهما التي تجري اليوم.
وفي هذا المنحى يرى الخبير بشؤون القرن الأفريقي عبد المنعم أبو إدريس، أن زيارة آبي أحمد «الغريبة والمفاجئة» للقاهرة من عنتيبي وليس من أديس أبابا، يمكن أن تفهم ضمن سياق الأمور المرتبطة باتفاقية «عنتيبي» لتقاسم مياه النيل التي ترفضها القاهرة والخرطوم. كما توقع أبو إدريس أن يقدم الجانب الإثيوبي أثناء الزيارة تنازلاً لصالح مصر في الجانب المتعلق بسنوات ملء بحيرة سد النهضة، لأن المسافة قريبة بين مقترحي الطرفين، فالإثيوبيون يرون أن يتم الملء خلال 7 سنوات، فيما يرى المصريون أن يتم الملء خلال 10 سنوات، حتى لا يؤثر كثيراً في حصتهم من مياه النيل.
ويصف أبو إدريس شكل الزيارة وتوقيتها بأنه محاولة لإيصال رسالة إيجابية للقاهرة بأن أديس أبابا تتعامل معها باعتبارها دولة حدودية، انطلاقاً من الزيارات التي قام بها آبي أحمد إلى كل الدول المحادة لبلاده، ورسالة أخرى لطمأنة حلفاء إثيوبيا الخليجيين، الذين هم في الوقت ذاته حلفاء لمصر. في الملفات الداخلية، يقول الدابولي إن إثيوبيا تواجه تحديات حقيقية تتمثل في مواجهتها اختلالات بنيوية واضطرابات سياسية كامنة في بنية نظامها السياسي الإثيوبي، نتيجة فشل تطبيق نظرية «الديمقراطية التوافقية» وتحقيق العدالة بين الإثنيات المختلفة وأدت في النهاية إلى سيطرة مجموعة محددة على السلطة والثروة.
وعلى الرغم من تحقيق إثيوبيا معدلات نمو سريعة، فإن معدلات الفقر لم تتأثر بها وظلت مرتفعة، ما عزز مشاعر الحرمان الاقتصادي داخل الجماعات الإثنية ودفعها للاحتجاج والتظاهر وخلق التوتر، وهو ما يضع حكومة آبي أحمد أمام امتحان مصداقية حقيقي. مطلوب من حكومة آبي أحمد بحسب الخبراء، العمل بجد لاحتواء توتر جماعتي الأورومو والأمهرا وتحقيق مطالبهما، وتطبيق سياسات اقتصادية للقضاء على البطالة، وتضمين التعاطف مع ضحايا الاحتجاجات ضمن الأجندة السياسية، وتجديد دماء النظام والدفع بقيادات جديدة... بدأها الرجل من أعلى سلمها بإعفاء قائدي الجيش والمخابرات.