إيطاليا ثمرة ناضجة تُهرس في خلاطة الفواكه

الثنائي الشعبوي المتنافر دي مايو وسالفيني يحكمان الوضع الجديد من خلف الستار

إيطاليا ثمرة ناضجة تُهرس في خلاطة الفواكه
TT

إيطاليا ثمرة ناضجة تُهرس في خلاطة الفواكه

إيطاليا ثمرة ناضجة تُهرس في خلاطة الفواكه

إيطاليا في أزمة عميقة رغم تأليف الحكومة الجديدة برئاسة البروفسور المحامي جيوسيبي كونته (54 سنة) بعد ثلاثة أشهر من الانتظار والخلاف والمماحكة والبهلوانيات والشقلبة وانقلاب عقبيها فوق رأسها.
وهذا، رغم تنفس الشعب الإيطالي الصعداء إثر تشكيل الوزارة الجديدة المؤلفة من 18 وزيرا معظمهم من «هواة» السياسة والوافدين الجدد إلى مسرحية الحكم على الطريقة الإيطالية المرحة، بعدما أعرب الناس عن مللهم وغضبهم من النزاع على المناصب مثلما كانت تفعل الأحزاب التقليدية، ولكن الحكام، في أي حال، يسمون الوضع الجديد «الجمهورية الثالثة»!
لاحظت الجماهير أن إيطاليا أصبحت حديث العالم منذ أن وصفت صحيفة «الفايننشال تايمز» البريطانية الوضع بـ«أن البرابرة اقتحموا أسوار روما» مثلما سمعنا في التاريخ عقب انهيار الإمبراطورية الرومانية. ووضعت مؤسسات الاتحاد الأوروبي يدها على قلبها حين سمعت أن وزير الاقتصاد والمالية المقترح البروفسور باولو سافونا (81 سنة) أبدى حنينه للعودة إلى الليرة الإيطالية القديمة والخروج من عملة اليورو، لأنه يعاير أن «ألمانيا سجنت إيطاليا في قفص».
حينذاك بدأ مقياس «سبريد» - أو مؤشر المجازفة بالقياس إلى الثابت المالي الألماني - في الارتفاع، أو بعبارة أخرى الفرق في العائدات المالية بين السندات الحكومية في ألمانيا وإيطاليا، الذي يجعل إيطاليا أكثر خطورة على المستثمرين. هذا يعني إعادة تصنيف الاقتصاد الإيطالي بدرجة أدنى نتيجة زيادة المخاطر في الاستثمار فيها، ما أثار الرعب لدى البنوك إزاء قدرة إيطاليا بالوفاء بديونها المتراكمة. والسبب أن الفائدة على الديون ستزيد بنسبة زيادة «سبريد» الذي تخطى 300 نقطة ثم انخفض إلى 235 نقطة بعد تأليف الحكومة وكان نصف ذلك قبل الانتخابات نتيجة التحسن البطيء للاقتصاد الإيطالي هذا العام.
- أزمة بسبب سافونا
في ظل هذا الوضع، وضع رئيس الجمهورية سيرجيو ماتاريلا (76 سنة) قدمه على مكبح السيارة، وبذل قصارى جهده لإقصاء سافونا عن هذا المنصب الحساس الذي قد يهدد البلاد بإعلان الإفلاس، فاعتذر كونته عن تشكيل الحكومة ومضى عائدا إلى جامعته في فلورنسا بالقطار السريع.
بعد ذلك، استدعى ماتاريلا خبيراً سابقاً في صندوق النقد الدولي هو كارلو كوتاريللي. كوتاريللي جاء من مدينة ميلانو والتحق بالقصر الجمهوري على عجل، ومعه حقيبة السفر لتشكيل الحكومة باعتبار رئيس الجمهورية الحارس الأمين على مبادئ الدستور، ولأن قضية الخروج من اليورو لم تبحث أثناء الحملة الانتخابية. غير أن هذا التطور أثار حنق لويجي دي مايو، زعيم رابطة «خمس نجوم» التي فازت بثلث أصوات الناخبين في 4 مارس (آذار) المنصرم، فطلب في ثورة غضبه عزل رئيس الجمهورية من منصبه.
استمرت هذه الفوضى والمسرحية الهزلية أربعة أيام، أعلن بعدها دي مايو وماتيو سالفيني زعيم حركة «الرابطة» (التي كان اسمها «رابطة الشمال» سابقا لأنها كانت تسعى للانفصال عن بقية إيطاليا) أنهما اتفقا على تبديل سافونا وإعطاء حقيبة وزارة الاقتصاد والمالية للبروفسور جيوفاني تريا (69 سنة) الذي لا يريد الخروج من منطقة اليورو، ومن ثم، إرضاء سافونا بمنصب وزير دون وزارة للشؤون الأوروبية!
وفجأة انتهت «المسرحية»... إذ رجع كوتاريللي إلى القصر الجمهوري ثم اختفى عائداً إلى منصبه السابق في ميلانو، بينما عاد كونته فورا بسيارة تاكسي إلى القصر الجمهوري، وخرج بعد بضع ساعات ليعلن التشكيل النهائي للحكومة. لقد سلم رئيس الوزراء المستقيل باولو جنتيلوني جرس الحكومة الصغير، الذي يضبط فيه رئيس الوزراء مناقشات المجلس بشكل رمزي طبعاً، وجلس كونته بجانب رئيس الجمهورية ماتاريلا إبان العرض العسكري في وسط روما احتفالا بالعيد الوطني يوم 2 يونيو (حزيران) وكأن شيئا لم يكن، وحافظ الجميع على المراسم بأكملها، لكن كان واضحاً أن اليوم التالي ليس يوماً طبيعياً عاديا في حياة إيطاليا.
- السلطة لدي مايو سالفيني
يلحظ أي مراقب محايد منصف أن سلطة الحكم الفعلي ستكون بيد دي مايو وسالفيني، فهما مَن اختار رئيس الوزراء كونته وليس العكس. ذلك أن كونته مقرب من حركة «خمس نجوم»، التي أسسها الممثل الفكاهي الشهير بيبي غريللو قبل 9 سنوات، والتي تكره الطبقة الحاكمة وتفضل ديمقراطية الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بعد رمي الساسة القدامى العجائز الذين «نهبوا الأخضر واليابس وأصبحوا مثل الآثار الرومانية التاريخية» إلى سلة المهملات. وهذا ما ينطبق، في رأس الحركة، على سيلفيو برلوسكوني رئيس الوزراء الأسبق والحليف السابق لسالفيني الذي ما زال يأمل في العودة إلى الواجهة السياسية، وأجنحة الحزب الديمقراطي اليساري المتناحرة والمتشرذمة باستمرار.
لقد تسلّم كل من دي مايو وسالفيني منصب نائب رئيس الوزراء وسيبقيان الحاكمين الفعليين في المستقبل القريب. وما يهم دي مايو (31 سنة)، الذي لم يكمل دراسته الجامعية والمكلف بوزارة العمل ووزارة التنمية الاقتصادية، هو خلق فرص العمل والتقليل من البطالة التي تصل إلى 11 في المائة حسب الإحصائيات الرسمية، وتأمين راتب المواطنة لمن لا عمل لديهم أو ذوي الدخل المحدود ومنحهم 780 يورو (أو 905 دولارات) شهريا. هذا الوعد جلب الكثير من الأصوات في الانتخابات لحركة «خمس نجوم» حتى أن بعض المواطنين في جنوب إيطاليا كانوا يبحثون عن الاستمارة التي يتوجب إملاؤها للحصول على هذا الراتب.
أما سالفيني (45 سنة)، الذي كان يؤيد الحزب الشيوعي الإيطالي في شبابه ثم انحاز إلى أقصى اليمين في السنوات الأخيرة، فهمه الأول كوزير للداخلية هو طرد المهاجرين غير الشرعيين من إيطاليا، ومنع تدفق سفن إنقاذ اللاجئين في البحر الأبيض المتوسط. وهو بالفعل، طالبهم منذ اليوم الأول بحزم حقائبهم والعودة إلى بلدانهم، ثم مفاوضة الدول الأوروبية الأخرى لتخفيض قبول عدد اللاجئين إلى إيطاليا هذا العام واتباع سياسة صارمة إزاءهم، والبحث مع دول شمال أفريقيا منع المهاجرين من ركوب السفن المتجهة إلى إيطاليا. وللعلم، يتهم البعض سالفيني بأنه يفضل غرق المهاجرين في البحر على وصولهم إلى جزيرة صقلية، كما حصل منذ أيام حين غرق 48 من التونسيين في البحر، إذ أنه لا يعتبرهم لاجئين فارين من الحروب والاضطهاد... بحجة أن تونس تعيش بسلام، وأن دوافعهم هي تحسين وضعهم الاقتصادي على حساب العاطلين الإيطاليين. كما أنه اتهم تونس بإرسال المحكومين بالسجن إلى إيطاليا... وهو ما أثار سخط السلطات التونسية ودهشتها.
بطبيعة الحال، في طليعة المعجبين بسالفيني في أوروبا قادة اليمين المتطرف من أمثال مارين لو بين، زعيمة الجبهة الوطنية في فرنسا، وفيكتور أوربان رئيس الوزراء المجري، وفي أميركا ستيف بانون المستشار العقائدي والاستراتيجي السابق للرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي وصل إلى إيطاليا بعد الانتخابات ليبشر بـ«ثورة ترمب» ويهنئ سالفيني ودي مايو كنموذج يحتذى في أوروبا والولايات المتحدة. بل، ودعا بانون إلى تعاون الحركات الشعبوية من اليمين واليسار مثل «الرابطة» و«خمس نجوم» للإطاحة بالطبقة الحاكمة في بلدانها بحجة أنها «سببت» الأزمة الاقتصادية العالمية قبل عشر سنوات، وهي الأزمة التي ما زالت إيطاليا تعاني من نتائجها ومن الركود الاقتصادي المستمر.
- برلوسكوني: غير متجانسين
سيلفيو برلوسكوني يرى أن الحكومة الجديدة «تحمل آراء متضاربة غير متجانسة لمسؤولين قليلي الخبرة سيضطرون إلى الارتجال والتعلم أثناء ممارسة العمل»، على رأسهم رئيس الوزراء كونته الذي لم يسبق له أن شغل منصبا رسميا من قبل، إلا أنه - رغم ذلك - ويلقب نفسه «محامي الشعب» (مثل روبيسبير إبان الثورة الفرنسية).
أما الحزب الديمقراطي اليساري، برئاسة موريتزيو مارتينا، فقد أعلن معارضته القوية للحكومة الشعبوية الراديكالية وأكد تمسكه بـ«الاتحاد الأوروبي» وعملة اليورو وتأييده المطلق لرئيس الجمهورية. ومن ثم، ستتألف المعارضة من حزب برلوسكوني اليميني المسمى «فورتسا إيطاليا» (إلى الأمام يا إيطاليا)، والحزب الديمقراطي وخاصة زعيمه السابق ماتيو رينزي الذي حاول إصلاح النظام لكنه مني بالفشل. وفي ظل الأمر الواقع، تجد الطبقة الحاكمة القديمة نفسه الوضع الجديد الذي لا يعرف أحد كيف سيتطور، أو كيف سينفذ وعوده الانتخابية المكلفة رغم فقر إيطاليا للموارد،... ومَن سيطعن مَن في الظهر للاستئثار بالسلطة بعد أشهر. وهنا، لا ننسى ما قاله غريللو، مؤسس الـ«خمس نجوم» خلال العام الماضي عن سالفيني «إنه خائن سياسي وأفعاله أقبح من برلوسكوني ورينزي معاً». وأيضاً ما قاله دي مايو أيضا «أنا من نابولي... من الجنوب، وسالفيني من الشمال الذي كان يأمل أن تمحو حمم بركان فيزوف مدينة نابولي. إن التحالف معه مستحيل لأنه يبحث فقط عن المناصب وكرسي الحكم». وهكذا، فحركات وتصرفات الحكام الحديثي النعمة تنبئ عن ارتباكهم وصعوبة تصديقهم أنهم تولوا الحكم، حتى رغم فوز الحكومة بالثقة في البرلمان، ثم سفر رئيسها إلى كندا لحضور «قمة الدول الصناعية السبع» (السبعة الكبار) في كندا قبل أن يتمكن من دراسة عميقة للملف بأكمله.
- تحدّيات المستقبل
نعم، تعيش إيطاليا هذه الأيام تحولاً تاريخياً يحمل عدة تحديات قد يؤثر على مستقبل أوروبا بأكملها... وقد ينتهي بفشل سريع.
يكمن التحدي الأول في تحسين الوضع الاقتصادي المأزوم، ومن يتمشّى في شوارع روما هذه الأيام سيرتاع لمدى الإهمال الكبير في صيانة هذه العاصمة الجميلة المليئة بالسائحين. فالحفر في كل مكان، من الأرصفة إلى الشوارع المعبدة، ويسخر بعض الأهالي من عمدة المدينة فيرجينيا راجي (من الـ«خمس نجوم») قائلين «إذا لم تجد المال الكافي لتنظيف الحدائق العامة من الأعشاب الضارة فنقترح عليها جلب الخرفان للرعي فيها مجاناً!
هل ستبقى إيطاليا مرتبطة باليورو وتحاول تحسين علاقاتها المتوترة مع ألمانيا وفرنسا؟ أم ستستمر في الانتقاد الذي يمهد لأزمة مالية عالمية، خاصة إذا تطوّر الوضع إلى إجراء انتخابات نيابية جديدة قبل نهاية العام الحالي مع احتمال فوز حزب «الرابطة» بمزيد من المقاعد النيابية - كما توحي الاستطلاعات الراهنة - لأن سالفيني يعبر بقوة عن فكرة التمرّد والزعامة القوية والنزعة العنصرية المكبوتة منذ أيام زوال موسوليني والحكم الفاشي؟ ولقد رد سالفيني بعنف على انتقادات الاتحاد الأوروبي التي تقول أنه يتوجب على الإيطاليين أن يفكروا بالأرقام لا بالكلمات لتأمين مستقبلهم وعليهم العمل بجهد أكبر وبفساد أقل، فتساءل: هل تقرر الأسواق المالية مستقبل البلاد أم صناديق الاقتراع؟ وماذا تبقى إذاً من الديمقراطية الليبرالية إذا قرر الأغنياء لوحدهم مصيرنا؟
ومن ثم، يعتقد الخبراء أن إيطاليا ستحاول في نهاية المطاف الحصول على تسوية ما لأنها تدرك أنها جزء لا يتجزأ من أوروبا وأن المغامرة في المجهول ستكون مكلفة وربما كارثية. ذلك أن العودة إلى الليرة وتخفيض قيمة العملة باستمرار الذي ساعد في الماضي الفئات الصغيرة ومتوسطي الحال من المنتجين لن يتحقق مجدداً في العصر الحديث لأن التهرب من دفع الضرائب سيكون أكثر صعوبة في التقنيات الحديثة، وكذلك قوانين العمل والتشغيل البائدة والفساد المفضوح والإيحاء بأن الإصلاح يأتي بضغط خارجي. ويتكهن الكثير من المراقبين بأن الإيطاليين سيصوتون بالبقاء في منطقة اليورو إذا قامت الحكومة بإجراء استفتاء عام رغم تضرر الكثر من الالتحاق بالعملة الموحدة.
التحدي الثاني هو في كيفية معالجة مشكلة اللاجئين. لقد بدأ سالفيني عمله كوزير للداخلية فور أدائه اليمين، واستدعى إلى مكتبه في الليل قائد الشرطة وكبار المسؤولين في الوزارة. ثم سافر يوم العطلة الأسبوعية إلى جزيرة صقلية ليراقب بنفسه ما يجري هناك يومياً من تهريب للمهاجرين غير الشرعيين، وغالبيتهم من أفريقيا جاؤوا عبر الموانئ التونسية والليبية من قبل عصابات منظمة. والحق أن فرص العمل ضئيلة في إيطاليا لكنها مجبرة على قبول اللاجئين لأنها المكان الأول لنزولهم من السفن حسب قوانين الاتحاد الأوروبي وضغوط الكنيسة الكاثوليكية لدواع إنسانية.
أما التحدي الثالث، فهو في كيفية تمويل الوعود الانتخابية بينما تفتقر الخزينة إلى الأموال الكافية لتنفيذ الالتزامات الراهنة. خاصة إذا جرت الموافقة على الضريبة الثابتة للدخل بنسبة 15 في المائة لعموم الشعب و25 في المائة للأغنياء. ويكرّر مارتينا، من الحزب الديمقراطي المعارض، أن وعود حكام «الجمهورية الثالثة» ليست سوى كلام معسول لا يمكن الوفاء به. من سيموّل البرنامج الطموح للحكم الجديد؟ وهل ستكون ألمانيا والاتحاد الأوروبي «البقرة الحلوب» لإنجاح التجربة الإيطالية في حين تطبق على نفسها التقشف والميزانية الرشيدة، مع العلم، أن المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل لا تريد أن تصبح أوروبا اتحادا للمديونين؟ ولماذا تتسم مواقف الحكومة الشعبوية الإيطالية بالغموض في المسائل المالية... فهي تنوي تخفيض الضرائب وتخفيض سن التقاعد ما يزيد من الأعباء على الخزينة... فهل سيموّل الشمال الغني في إيطاليا جنوب البلاد الموبوء بالمافيا والفقر؟ للعلم، تقدّر كلفة تنفيذ الوعود مبلغاً ضخماً يزيد على 65 مليار يورو (أو 76 مليار دولار) وربما على ضعفي ذلك المبلغ، ولا يبدو في الأفق القريب مَن يدري كيف سيجري تمويل هذه الأحلام. إذ أن الأنفاق العام المتصاعد محفوف بالمخاطر وما جرى في الأزمة المالية مع اليونان قبل سنوات أفضل مثال. ولعل حل أزمة البقاء لشركة اليطاليا للطيران أمر مستعجل وسيعطي مؤشرا عن طريقة عمل واختيارات الحكومة الجديدة.
أخيراً، التحدي الرابع، هو اتجاه السياسة الخارجية الإيطالية. وزير الخارجية الجديد إنزو موافيرو ميلانيزي (63 سنة) قانوني مستقل مخضرم، عمل سابقاً في الاتحاد الأوروبي، ثم تبوأ منصب وزير للشؤون الأوروبية قبل سبع سنوات في حكومة التقشف - آنذاك - ولا يمكنه استبعاد تأثر سالفيني باعتباره نائبا لرئيس الوزراء وهو من المطالبين دوماً برفع العقوبات الاقتصادية عن روسيا. وكان الملياردير المجري جورج سوروس، المعروف باستثماراته الدولية الضخمة، قد أبدى خلال زيارته الحالية لإيطاليا قلقاً شديداً على مستقبل البلاد نظرا للعلاقات الوطيدة بين بوتين وسالفيني، من منطلق أن روسيا لا تبغي تدمير أوروبا بل استغلالها لأن روسيا تملك المواد الخام الأولية بينما تختص أوروبا بالصناعة المتطورة. ولا يختلف دي مايو كثيرا عن مواقف سالفيني تجاه العلاقات مع روسيا بل يفضل إعادة العلاقات مع النظام الحالي في سوريا والابتعاد عن سياسة الاتحاد الأوروبي الذي يتهمه بأنه «خرّب الاقتصاد الإيطالي بسياسة الصرامة والتزمت». ومن جهة أخرى، أعلن كل من نائبي رئيس الوزراء في العقد الذي يجمعهما لتشكيل الحكومة الحالية عن السياسة الودية التقليدية تجاه الولايات المتحدة والرئيس دونالد ترمب والولاء لحلف الأطلسي (الناتو).
- الإيطاليون على مفترق طرق
> إيطاليا الآن على مفترق طرق. فالنظام الحاكم اليوم يقف ضد الطبقة الحاكمة القديمة وسياساتها المعروفة ومؤسساتها التقليدية، إلا أنه يحتاج إلى طرق عصرية غير مألوفة للنجاح. ولا أحد يعرف كيف ستخرج إيطاليا من عصارة الفواكه بعد هرس الثمرة الناضجة وأي طعم ستكون عليه. الانتخابات التي أجريت قبل 3 أشهر كانت انفجاراً غاضباً على الطرق السائدة والفساد وسوء الإدارة، وضرباً بالعصي على الحزب الديمقراطي الذي أخفق في تبديل المؤسسات وتعديل الدستور، وتوبيخاً قاسيا لبرلوسكوني على مسلكه واستهتاره وتفضيله لطبقة الأغنياء ومصالحه الخاصة.
الرسالة كانت: كفى... نريد تحطيم القديم، ولكن المشكلة تبقى في العاقبة والنتائج. والأهم هو إيجاد الحلول الاقتصادية الواقعية، وهذا أمر لا تضمنه الكلمات والوعود والقرارات الحكومية. إن إيجاد فرص العمل ليست سهلة في عالم يتطور بسرعة في تنافس مستمر وبتقنيات عالية في الذكاء الاصطناعي والإنسان الآلي.
يمتاز الإيطاليون بالذكاء والقدرة على إيجاد الحلول غير المتوقعة، لكن التحديات كبيرة هذه المرة ومن الصعب التكهن بالمستقبل إذا لم يكن الحل مناسباً لحجم إيطاليا.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
TT

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في النظام العالمي. وبديهي أن ولاية ترمب الثانية لا تشكّل أهمية كبرى في السياسة الداخلية الأميركية فحسب، بل ستؤثر إلى حد كبير أيضاً على الجغرافيا السياسية والاقتصاد في آسيا. وفي حين يتوقع المحللون أن يركز الرئيس السابق - العائد في البداية على معالجة القضايا الاقتصادية المحلية، فإن «إعادة ضبط» أجندة السياسة الخارجية لإدارته ستكون لها آثار وتداعيات في آسيا ومعظم مناطق العالم، وبالأخص في مجالات التجارة والبنية التحتية والأمن. وبالنسبة لكثيرين في آسيا، يظل السؤال المطروح هنا هو... هل سيعتمد في ولايته الجديدة إزاء كبرى قارات العالم، من حيث عدد السكان، تعاملاً مماثلاً لتعامله في ولايته الأولى... أم لا؟

توقَّع المحللون السياسيون منذ فترة أن تكون منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ في طليعة اهتمامات السياسة الخارجية عند إدارة الرئيس الأميركي السابق العائد دونالد ترمب. ومعلومٌ أن استراتيجية ترمب في فترة ولايته الأولى، إزاء حوض المحيطين الهندي والهادئ شددت على حماية المصالح الأميركية في الداخل. والمتوقع أن يظل هذا الأمر قائماً، ويرجح أن يؤثّر على نهج سياسته الخارجية تجاه المنطقة مع التركيز على دفع الازدهار الأميركي، والحفاظ على السلام من خلال القوة، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة.

منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ التي يقطن كياناتها نحو 65 في المائة من سكان العالم، تشكل راهناً نقطة محورية للاستراتيجية والتوترات الجيوسياسية، فهي موطن لثلاثة من أكبر الاقتصادات على مستوى العالم (الصين والهند واليابان) ولسبع من أكبر القوات العسكرية في العالم. ويضاف إلى ذلك أنها منطقة اقتصادية رئيسية تمثل 62 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتسهم بنسبة 46 في المائة من تجارة السلع العالمية.

3 محاور

ويرجّح فيفيك ميشرا، خبير السياسة الأميركية في «مؤسسة أوبزرفر للأبحاث»، أنه «في ولاية ترمب الثانية، ستوجّه استراتيجية واشنطن لهذه المنطقة عبر التركيز على ثلاثة محاور تعمل على ربط المجالات القارية والبحرية في حيّزها. وستكون العلاقات الأميركية - الصينية في نقطة مركز هذه المقاربة، مع توقع أن تعمل التوترات التجارية على دفع الديناميكيات الثنائية... إذ لا يزال موقف ترمب من الصين حازماً، ويهدف إلى موازنة نفوذها المتنامي في المجالين الاقتصادي والأمني على حد سواء».

إضافة إلى ما سبق، يرى ميشرا أن «لدى سياسة ترمب في حوض المحيطين الهندي والهادئ توقعات كبيرة من حلفاء أميركا الرئيسيين وشركائها في المنطقة، بما في ذلك اضطلاع الهند بدور أنشط في المحيط الهندي مع التزامات عسكرية أكبر من الحلفاء مثل اليابان وأستراليا». ويرجّح الخبير الهندي، كذلك، «أن تتضمن رؤية ترمب لحوض المحيطين الهندي والهادئ الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، لا سيما من خلال تعزيز التجارة والاتصال مع المنطقة، لتعزيز ارتباطها بالمجال البحري لحوض المحيطين الهندي والهادئ».

الحالة الهندية

هناك الكثير من الأسباب التي تسعد حكومة ناريندرا مودي اليمينية في الهند بفوز ترمب. إذ تقف الهند اليوم شريكاً حيوياً واستثنائياً بشكل خاص في الاستراتيجيتين الإقليمية والدولية للرئيس الأميركي العائد. وعلى الصعيد الشخصي، سلَّط ترمب إبان حملته الانتخابية الضوء على علاقته القوية بمودي، الذي هنأه على الفور بفوزه في الانتخابات.

وهنا يقول السفير الهندي السابق آرون كومار: «مع تأمين ترمب ولاية ثانية، تؤشر علاقته الوثيقة برئيس الوزراء مودي إلى مرحلة جديدة للعلاقات الهندية - الأميركية. ومع فوز مودي التاريخي بولاية ثالثة، ووعد ترمب بتعزيز العلاقات بين واشنطن ونيودلهي يُرتقب تكثّف الشراكة بينهما. وبالفعل، يتفّق موقف ترمب المتشدد من بكين مع الأهداف الاستراتيجية لنيودلهي؛ ولذا يُرجح أن يزيد الضغط على بكين وسط تراجع التصعيد على الحدود. ويضاف إلى ذلك، أن تدقيق ترمب في تصرفات باكستان بشأن الإرهاب قد يوسّع النفوذ الاستراتيجي الهندي في كشمير».

كومار يتوقع أيضاً «نمو التعاون في مجال الدفاع، لا سيما في أعقاب صفقة الطائرات المسيَّرة الضخمة التي بدأت خلال ولاية ترمب الأولى. ومع الأهداف المشتركة ضد العناصر المتطرّفة في كندا والولايات المتحدة، يمهّد تحالف مودي - ترمب المتجدّد الطريق للتقدم الاقتصادي والدفاعي والدبلوماسي... إذا منحت إدارة ترمب الأولوية للتعاون الدفاعي والتكنولوجي والفضائي مع الهند، وهي قطاعات أساسية تحتل مركزها في الطموحات الاستراتيجية لكلا البلدين». وما يُذكر أن ترمب أعرب عن نيته البناء على تاريخه السابق مع الهند، المتضمن بناء علاقات تجارية، وفتح المزيد من التكنولوجيا للشركات الهندية، وإتاحة المزيد من المعدات العسكرية الأميركية لقوات الدفاع الهندية. وبصفة خاصة، قد تتأكد العلاقات الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة، في ظل قدر أعظم من العمل البيني المتبادل ودعم سلسلة الإمداد الدفاعية.

السياسة إزاء الصين

أما بالنسبة للصين، فيتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة، ويرى البعض أنه خلال ولايته الثانية يمتلك القدرة على قيادة مسار احتواء أوسع تجاه بكين. بدايةً، كما نتذكر، حمّل ترمب الحكومة الصينية مسؤولية جائحة «كوفيد - 19»، التي قتلت أكثر من مليون أميركي ودفعت الاقتصاد الأميركي إلى ركود عميق. وسواء عبر الإجراءات التجارية، أو العقوبات، أو المطالبة بالتعويضات، سيسعى الرئيس الأميركي العائد إلى «محاسبة» بكين على «الأضرار» المادية التي ألحقتها الجائحة بالولايات المتحدة والتي تقدَّر بنحو 18 تريليون دولار أميركي.

ووفقاً للمحلل الأمني الهندي سوشانت سارين، فإن دبلوماسية «الذئب المحارب» الصينية، ودعم بكين حرب موسكو في أوكرانيا، والقضايا المتزايدة ذات الصلة بالتجارة والتكنولوجيا وسلاسل التوريد، تشكل مصدر قلق كبيراً لحكومة ترمب الجديدة. ومن ثم، ستركز مقاربة الرئيس الأميركي تجاه الصين على الجانبين الاقتصادي والأمني، مع التأكيد على حاجة الولايات المتحدة إلى الحفاظ على قدرتها التنافسية في مجال التكنولوجيات الناشئة.

آسيا ... تنتظر مواقف ترمب بعد انتصاره الكبير (رويترز)

التجارة والاقتصاد

أما الخبير الاقتصادي سيدهارت باندي، فيرى أنه «يمكن القول إن التجارة هي القضية الأكثر أهمية في جدول أعمال السياسة الأميركية تجاه الصين... وقد تتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ظل حكم ترمب».

وحقاً، في التقييم الصيني الحالي، يتوقع أن تشهد ولاية ترمب الثانية تشدداً أميركياً أكبر حيال بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية؛ ما يؤدي إلى مزيد من التنافر بين الاقتصادين. وللعلم، في وقت سابق من العام الحالي، وعد خطاب ترمب الانتخابي بتعرفات جمركية بنسبة 60 في المائة أو أعلى على جميع السلع الصينية، وتعرفات جمركية شاملة بنسبة 10 في المائة على السلع من جميع نقاط المنشأ. ومن ثم، يرجّح أيضاً أن تشجع هذه الاستراتيجية الشركات الأميركية على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين؛ ما قد يؤدي إلى تسريع الشراكات مع دول أخرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

ما يستحق الإشارة هنا أن ترمب كان قد شن حرباً تجارية ضد الصين بدءاً من عام 2018، حين فرض رسوماً جمركية تصل إلى 25 في المائة على مجموعة من السلع الصينية. وبعدما كانت الصين عام 2016 الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، مع أكثر من 20 في المائة من الواردات الأميركية ونحو 16 في المائة من إجمالي التجارة الأميركية، فإنها تراجعت بحلول عام 2023 إلى المرتبة الثالثة، مع 13.9 في المائة من الواردات و11.3 في المائة من التجارة.

وبالتالي، من شأن هذا التحوّل منح مصداقية أكبر لتهديدات ترمب بإلغاء الوضع التجاري للدولة «الأكثر رعاية» المعطى للصين وفرض تعرفات جمركية واسعة النطاق. ومع أن هذه الإجراءات سترتب تكاليف اقتصادية للأميركيين، فإن نحو 80 في المائة من الأميركيين ينظرون إلى الصين نظرة سلبية.

يتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة إزاء الصين

الشق العسكري

من جهة ثانية، يتوقع أن يُنهي ترمب محاولات الشراكة الثنائية السابقة، بينما يعمل حلفاء الولايات المتحدة الآسيويون على تعزيز قدراتهم العسكرية والتعاون فيما بينهم. ومن شأن تحسين التحالفات والشراكات الإقليمية، بما في ذلك «ميثاق أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة»، وميثاق مجموعة «كواد» الرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)، وتحسين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية بشكل كبير، والتعاون المتزايد بين اليابان والفلبين، تعزيز موقف ترمب في وجه بكين.

شبه الجزيرة الكورية

فيما يخصّ الموضوع الكوري، يتكهن البعض بأن ترمب سيحاول إعادة التباحث مع كوريا الشمالية بشأن برامجها للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وفي حين سيكون إشراك بيونغ يانغ في هذه القضايا بلا شك، حذراً وحصيفاً، فمن غير المستبعد أن تجد إدارة ترمب الثانية تكرار التباحث أكثر تعقيداً هذه المرة.

الصحافي مانيش تشيبر علَّق على هذا الأمر قائلاً إن «إدارة ترمب الأولى كانت لها مزايا عندما اتبعت الضغط الأقصى الأولي تجاه بيونغ يانغ، لكن هذا لن يتكرّر مع إدارة ترمب القادمة، خصوصاً أنه في الماضي كانت روسيا والصين متعاونتين في زيادة الضغوط على نظام كوريا الشمالية». بل، وضعف النفوذ التفاوضي لواشنطن في الوقت الذي قوي موقف كوريا الشمالية. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا وبعد لقاء الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر (أيلول) 2023، عمّقت موسكو وبيونغ يانغ التعاون في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا.

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون (رويترز)

مكاسب حربية لكوريا الشمالية

أيضاً، تشير التقديرات إلى أن كوريا الشمالية كسبت على الأرجح 4.3 مليار دولار من شحنات المدفعية إلى روسيا خلال الحرب وحدها، وقد تكسب أكثر من 21 مليون دولار شهرياً من نشر قواتها في روسيا. وفي المقابل، تستفيد من روسيا في توفير الأسلحة والقوات والتكنولوجيا لمساعدة برامج الصواريخ الكورية الشمالية. وتبعاً لمستوى الدعم الذي ترغب الصين وروسيا في تقديمه لكوريا الشمالية، قد تواجه إدارة ترمب القادمة بيونغ يانغ تحت ضغط دبلوماسي واقتصادي متناقص وهي مستمرة في تحسين برامج الأسلحة وتطويرها.

أما عندما يتعلق الأمر بكوريا الجنوبية، فيلاحظ المحللون أن فصلاً جديداً مضطرباً قد يبدأ للتحالف الأميركي - الكوري الجنوبي مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. ويحذر المحللون من أن سياسة «جعل أميركا عظيمة مجدداً» التي ينتهجها الحزب الجمهوري قد تشكل مرة أخرى اختباراً صعباً للتحالف بين سيول وواشنطن الذي دام عقوداً من الزمان، مذكرين بالاضطرابات التي شهدها أثناء فترة ولايته السابقة من عام 2017 إلى عام 2021. ففي ولايته السابقة، طالب ترمب بزيادة كبيرة في المساهمة المالية لسيول في دعم القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية. وأثناء حملته الانتخابية الحالية، وصف كوريا الجنوبية بأنها «آلة للمال» بينما يناقش مسألة تقاسم تكاليف الدفاع، وذكر أن موقفه بشأن القضية لا يزال ثابتاً. وفي سياق متصل، قال الصحافي الكوري الجنوبي لي هيو جين في مقال نشرته صحيفة «كوريان تايمز» إنه «مع تركيز الولايات المتحدة حالياً على المخاوف الدولية الرئيسية كالحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، يشير بعض المحللين إلى أن أي تحولات جذرية في السياسة تجاه شبه الجزيرة الكورية في ظل إدارة ترمب قد تؤجل. لكن مع ذلك؛ ونظراً لنهج ترمب الذي غالباً يصعب التنبؤ به تجاه السياسة الخارجية، يمكن عكس هذه التوقعات».

حقائق

أميركا والهند... و«اتفاقية التجارة الحرة»

في كي فيجاياكومار، الخبير الاستثماري الهندي، يتوقع أن يعيد الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب النظر مجدداً بشأن المفاوضات حول «اتفاقية التجارة الحرة»، وكانت قد عُرفت مفاوضات مكثفة في الفترة 2019 - 2020 قبل أن يفقد السلطة، والتي لم يبدِ الرئيس السابق جو بايدن أي اهتمام باستكمالها.وعوضاً عن الضغط على نيودلهي بشأن خفض انبعاثات الكربون، «من المرجح أن يشجع ترمب الهند على شراء النفط والغاز الطبيعي المسال الأميركي، على غرار مذكرة التفاهم الخاصة بمصنع النفط والغاز الطبيعي المسال في لويزيانا لعام 2019، والتي كانت ستجلب 2.5 مليار دولار من الاستثمارات من شركة (بترونيت إنديا) إلى الولايات المتحدة، لكنها تأجلت لعام لاحق».ثم يضيف: «بوجود شخصيات مؤثرة مثل إيلون ماسك، الذي يدعو إلى الابتكار في التكنولوجيا والطاقة النظيفة، ليكون له صوت مسموع في دائرة ترمب، فإن التعاون بين الولايات المتحدة والهند في مجال التكنولوجيا يمكن أن يشهد تقدماً ملحوظاً. ومن شأن هذا التعاون دفع عجلة التقدم في مجالات مثل استكشاف الفضاء، والأمن السيبراني، والطاقة النظيفة؛ ما يزيد من ترسيخ مكانة الهند باعتبارها ثقلاً موازناً للصين في حوض المحيطين الهندي والهادئ».في المقابل، لا يتوقع معلقون آخرون أن يكون كل شيء على ما يرام؛ إذ تواجه الهند بعض التحديات المباشرة على الأقل، بما في ذلك فرض رسوم جمركية أعلى وفرض قيود على التأشيرات، فضلاً عن احتمال المزيد من التقلبات في أسواق صرف العملات الأجنبية. وثمة مخاوف أيضاً بشأن ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة في أعقاب موقفها المالي والتخفيضات الأقل من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما قد يخلف تأثيراً غير مباشر على قرارات السياسة النقدية في بلدان أخرى بما في ذلك الهند.