تونسيون غاضبون يحرقون مقراً للشرطة احتجاجاً على غرق مهاجرين

ارتفاع ضحايا المركب إلى 74 قتيلاً... ومنظمة الهجرة تتوقع أعداداً أكبر

عائلة تونسية تنتظر تسلم جثمان ابنها الذي مات في حادثة غرق المركب الأحد الماضي (أ.ب)
عائلة تونسية تنتظر تسلم جثمان ابنها الذي مات في حادثة غرق المركب الأحد الماضي (أ.ب)
TT

تونسيون غاضبون يحرقون مقراً للشرطة احتجاجاً على غرق مهاجرين

عائلة تونسية تنتظر تسلم جثمان ابنها الذي مات في حادثة غرق المركب الأحد الماضي (أ.ب)
عائلة تونسية تنتظر تسلم جثمان ابنها الذي مات في حادثة غرق المركب الأحد الماضي (أ.ب)

أقدم محتجون فجر أمس على حرق مقر لمركز الشرطة في مدينة بني خداش، التابعة لولاية مدنين جنوب تونس، احتجاجاً على غرق مهاجرين من الجهة بجزيرة قرقنة.
وذكرت الإذاعة التونسية، أمس، أن محتجين أحرقوا مقراً للشرطة، ومقر المعتمدية في بني خداش بالكامل، بعد احتجاجات انطلقت ليلة أول من أمس في الجهة، حسب تقرير بثته وكالة الأنباء الألمانية أمس.
وتأتي التحركات على خلفية غرق مركب لمهاجرين غير شرعيين في جزيرة قرقنة التابعة لولاية صفاقس (وسط تونس) ليل الأحد الماضي، مخلفاً عشرات المفقودين والضحايا، بينهم أربعة ينحدرون من المدينة.
وقال «منتدى جمعيات بني خداش المدني» في الجهة، إن عدداً من المندسين أرادوا استغلال الحدث وإثارة البلبلة في المدينة، وإخراج مسيرة الاحتجاجات عن سياقها الرسمي. لكن عاد الهدوء صباح أمس في بني خداش، وكان مقرراً خروج مسيرة سلمية وسط المدينة. لكن منتدى الجمعيات أعلن تأجيلها إلى وقت لاحق.
يذكر أن رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد أعلن أول من أمس عن إقالة وزير الداخلية لطفي براهم، وقبلها أوقفت الوزارة 10 أمنيين ضمن تحقيقاتها حول الحادثة، التي كشفت عن وجود فراغ أمني كانت تعيشه جزيرة قرقنة لأشهر عدة. وهو ما ساعد بشكل كبير على تغذية الهجرة السرية وأنشطة عصابات تهريب البشر، بعضهم من تونس ونسبة كبيرة منهم مهاجرون قادمون من دول أفريقية تحكمها الحروب والأزمات.
وكانت تونس قد شهدت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي احتجاجات مماثلة في ولايات عدة، وذلك عقب غرق مركب قرب جزيرة قرقنة اصطدم بخافرة عسكرية أثناء عملية مطاردة؛ ما أدى إلى غرق 46 مهاجراً غير شرعي، كانوا يعتزمون الوصول إلى السواحل الإيطالية.
وفي سياق متصل، أعلنت وزارة الداخلية التونسية، أمس، انتشال 74 جثة جراء حادث غرق قارب المهاجرين غير شرعيين قبالة سواحل جزيرة قرقنة. وقالت في بيان صحافي، إن عمليات البحث عن مفقودين في البحر جراء الحادث استمرت صباح أمس، حيث جرى انتشال جثتين أخريين، لترتفع بذلك الحصيلة إلى 74 جثة. إلا أن منظمة الهجرة الدولية تتوقع أعداداً أكبر للغرقى.
من جهته، أكد المتحدث باسم وزارة الداخلية خليفة شيباني لوكالة الصحافة الفرنسية أن قرقنة، البالغ عدد سكانها 16 ألف نسمة، تحولت في السنتين الماضيتين إلى نقطة انطلاق نحو أوروبا بسبب «الفراغ الأمني» فيها. ولفت إلى أنه تم إحصاء نحو ستة آلاف مهاجر في تونس حاولوا عبور البحر منذ مطلع العام، بينهم 2064 انطلقوا من قرقنة.
وبحسب المسؤول ذاته، فإن «الفراغ الأمني» ناجم عن الاضطرابات التي هزت الجزيرة عام 2016، حين قام متظاهرون بإحراق مراكز لقوات الأمن على خلفية خلاف اجتماعي محتدم مع مجموعة «بتروفاك» النفطية البريطانية، التي تؤمّن القسم الأكبر من الوظائف في الجزيرة. ومنذ ذلك الحين «انخفض عدد الشرطيين بشكل كبير» بحسب شيباني.
كما لفت مسؤول أمني كبير طلب، عدم كشف اسمه، إلى أنه حين يتم توقيف مهاجرين، فإن القضاء يأمر في غالب الأحيان بالإفراج عنهم. موضحاً أن طالبي الهجرة «يعرفون أنه في حال توقيفهم في منطقة صفاقس وقرقنة، فسوف يتم إطلاق سراحهم بصورة سريعة».
وإدراكاً منه للمشكلة، زار رئيس الوزراء يوسف الشاهد المنطقة الثلاثاء، بعدما حض الاثنين على «تتبع الشبكات الإجرامية المختصة في استغلال الشباب الراغب في الهجرة، والمتاجرة بهم والمخاطرة بحياتهم، وتفكيك هذه الشبكات في أسرع وقت».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.