«قوارب الموت»... آخر الوسائل لتحقيق أحلام الشباب التونسي

زبائنها أطفال وكهول ونساء وخريجو جامعات وموظفون كبار

TT

«قوارب الموت»... آخر الوسائل لتحقيق أحلام الشباب التونسي

حتى حدود سنة 2016 لم يكن من الصعب على قوات الأمن المنتشرة على طول الساحل البحري لمدينة صفاقس التونسية (وسط شرقي) أن تراقب المقبلين والمغادرين لجزيرة قرقنة، التي لا تبعد سوى نحو 39 كلم عن صفاقس. كما أن أهل الجزيرة باتوا يعرفون بعضهم البعض بسبب الرحلات المتكررة للباخرة البحرية التي تنقل المسافرين بين صفاقس والجزيرة بشكل يومي.
لكن بعد انسحاب عناصر الأمن سنة 2016 من الجزيرة بسبب الاحتجاجات الاجتماعية، التي خرجت للمطالبة بالتنمية والتشغيل، تغير الوضع بشكل كبير، وأصبح هذا الخروج واحدا من العوامل التي جعلت الأجواء تخلو لمنظمي رحلات الموت، الذين باتوا يجنون الكثير من الأموال ويراكمون الثروات، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن كل راغب في الهجرة مطالب بدفع نحو ثلاثة آلاف دينار تونسي، وهو ما يعني أن المهربين يجنون نحو 600 ألف دينار (نحو 240 ألف دولار) في رحلة تقل مائتي مهاجر غير شرعي «حراق».
وبفضل هذه العائدات الخيالية تحولت سواحل جزيرة قرقنة في ظرف زمني سريع إلى مسرح كبير لجماعات تهريب البشر، وتجاوزت سمعتها حدود تونس، فبدأت تستقطب الكثير من المهاجرين الأفارقة، ومن بلدان المغرب العربي، خاصة بعد تشديد أوروبا للرقابة على السواحل الليبية.
ومن خلال التحقيقات التي أجرتها الشرطة المختصة في قرقنة، تبين أن منظمي عملية الهجرة غير الشرعية عادة ما يخططون لتنفيذ ثلاث رحلات بحرية في نفس الوقت، تم يقومون بالإبلاغ عن واحدة بهدف التمويه وتشتيت انتباه وحدات الأمن، فيما تتمكن رحلتان من الوصول إلى السواحل الإيطالية بسلام ودون رقابة، وغالبا ما يتم إنقاذ أفراد الرحلة الثالثة وإغاثتهم، فيحين ينجو ركاب الرحلتين الأخريين من مراقبة خفر السواحل، وهذا بالضبط ما تم خلال الرحلة الأخيرة، التي أودت بنحو 73 شابا، أغلبهم من تونس، وينتمون لثماني ولايات (محافظات) تونسية.
ووفق نفس المصادر، فعادة ما يتم تهريب الشبان الراغبين في الوصول إلى جزيرة قرقنة، للانطلاق منها نحو شواطئ إيطاليا، داخل قوارب بحرية خاصة مقابل 100 دينار (نحو 40 دولارا)، علاوة على مبلغ عملية التهريب الذي يقدر بنحو ثلاثة آلاف دينار (نحو 1200دولار). وفي الغالب فإن هذه القوارب لا تسلك نفس المسار الذي يتخذه «اللود»، أو الباخرة التي تنقل المسافرين بين صفاقس والجزيرة، بل تعتمد طرقا ملتوية يتقنها بحارة المنطقة، بهدف الإفلات من أعين القوات التي برقابة الحدود البحرية التونسية.
ويرى مراقبون ومتابعون للشأن السياسي في البلاد أن الهجرة السرية، أو غير النظامية كما تسميها بعض المنظمات الحقوقية، ليست وليدة اليوم، بل هي ظاهرة معروفة في تونس منذ عقود، حيث كان عشرات الشبان يهاجرون سرا طوال السنة إلى ليبيا المجاورة، فيما كانت هجرات التونسيين نحو إيطاليا تتزامن تقريبا مع هجرة الطيور من القارة الأفريقية إلى القارة الأوروبية مطلع الربيع من كل سنة، حيث تكون أجواء البحر مساعدة على السفر. وقد مثلت مناطق مثل الهوارية وقليبية، المطلة على سواحل إيطاليا (نحو 80 كلم) إحدى النقاط الأكثر استقطابا لتجار رحلات الموت، بالإضافة إلى بعض سواحل بنزرت، مثل غار الملح، ورفراف، ورأس الجبل، التي تمثل بدورها نقاط مرور غير شرعي نحو السواحل الأوروبية. كما تعرف مناطق أخرى بتصديرها للمهاجرين غير الشرعيين، مثل القصرين، والقيروان وسيدي بوزيد، وكلها مناطق تحتل المراتب الأخيرة في سلم مؤشرات التنمية.
وبعد ساعات من ذيوع خبر رحلة الموت الأخيرة على سواحل قرقنة، أفاقت مدينة الحامة بولاية قابس (جنوب شرق) على خبر وفاة أربعة شبان من عائلة واحدة.
يقول الطاهر الزمزمي، والد الفقيد محمد الزمزمي (23 سنة)، إن ابنه كان ينتقل بين حضائر البناء لكسب قوته بعرق جبينه. لكن الظروف الاجتماعية القاسية جعلته يعيش ضغطا نفسيا قويا، مبرزا أنه حاول منعه من المشاركة في قوارب الموت أكثر من مرة. لكن دون جدوى.
وبخصوص نوعية هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين ومستواهم التعليمي، قال مهدي المبروك، أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية، إن «ملامح المشاركين في الهجرة السرية تغيرت بشكل لافت للانتباه خلال العقود الماضية، إذ لم يعد المهاجر بالضرورة شخصا أميا، بل إن المرشحين لها باتوا من باتوا من خريجي الجامعات، ومن أصحاب الوظائف في الدولة كذلك، وهو ما يدق نواقيس الخطر دفعة واحدة».
أما بخصوص التركيبة العمرية للمرشحين للهجرة، فقد أوضح المبروك أن المهاجرين ليسوا شبانا كما الوضع سابقا، بل أصبحت قوارب الموت تضم أطفالا صغارا وكهولا ونساء، وهي ظاهرة في تنام واضح، على حد قوله.
من الناحية العملية، لا يمكن إيقاف هوس الشباب التونسي بترك البلد حتى لو كلفه ذلك ركوب قوارب الموت، وفي هذا السياق أكد علي بالحاج، مدير عام المرصد الوطني للهجرة (مرصد حكومي) إحباط 1996 عملية هجرة غير نظامية سنة 2016. فيما أفادت وزارة الداخلية بأنها أحبطت 1572 عملية هجرة غير نظامية خلال النصف الأول من السنة الماضية.كما كشف مسعود الرمضاني، رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة حقوقية مستقلة) عن تضاعف عدد المهاجرين غير الشرعيين خلال الربع الأول من السنة الحالية بنحو 10 مرات مقارنة بنفس المدة من السنة الماضية، وهو ما يعني أن الشباب التونسي لم يعد يأمل في تغيير أحواله الاجتماعية والاقتصادية في تونس، لأن منوال التنمية الحالي قضى على آخر أحلامه، على حد تعبيره. داعيا إلى الابتعاد عن الحلول الأمنية في معالجة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، بعد أن اتضح أن هذه الحلول لم تردع الشباب عن المغامرة بإلقاء نفسه في البحر لتحقيق أحلام يئس من تحقيقها في وطنه.



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.