تشبثنا بالجذور مكسب وليس مأخذاً

فنجان قهوة مع المصمم السعودي حاتم العقيل

لقطة تظهر فيها بنان لنجاوي وهي تقود سيارة
لقطة تظهر فيها بنان لنجاوي وهي تقود سيارة
TT

تشبثنا بالجذور مكسب وليس مأخذاً

لقطة تظهر فيها بنان لنجاوي وهي تقود سيارة
لقطة تظهر فيها بنان لنجاوي وهي تقود سيارة

مثل الكثير من المصممين، سرقت الموضة السعودي حاتم العقيل من مجال المال والأعمال. نقلته جاءت بتدرج، فمن العمل في بنك عمل في مجال الإعلانات قبل أن يبدأ في تصميم الثوب السعودي وتطعيمه بلمسات شبابية. في وقت وجيز استطاع أن يستقطب شرائح كبيرة من الرجال الذين كانوا تواقين للتغيير من دون التنازل عن تقاليدهم وجذورهم. استقطب أيضاً مشاهير عالميين من أمثال سنوبي دوغ، والمصمم كريستيان لوبوتان ممن عشقوا أثوابه. لكن قبل أن يكون حاتم العقيل مصمماً فهو سعودي يعرف أنه يعيش فترة مهمة في تاريخ المملكة، ويريد أن يسجلها حتى تبقى راسخة. ومن هنا جاءته فكرة تسجيل فيلم قصير بعنوان «سأقود» قال، إنه من أجل تمكين المرأة السعودية، لكن يمكن اعتباره أيضاً بمثابة حملة ترويجية ذكية بحكم أن لنجاوي ظهرت فيه بأزياء من تصميمه... مع المصمم الشاب كان لـ«الشرق الأوسط» هذه الدردشة التي شرح فيها وجهة نظره بصفته مصمماً وطموحاته وتوقعاته للموضة السعودية والأسباب وراء تصويره فيلم «سأقود»:
- هو فيلم قصير عن تمكين المرأة السعودية المعاصرة؛ لهذا اخترت له شخصية مؤثرة وناجحة من جيل الألفية هي بيان لنجاوي. بصفتي مصمم أزياء وشخصية عامة شعرت بأنه من واجبي أن أسلط الضوء على مفاهيم تعكس مجتمعنا وثقافته.
فعملية التصميم والإبداع بكل مراحلها ما هي إلا انعكاس للزمن الذي نعيشه والإنجازات التي حققناها. وهذا ما شجعني على تصوير الفيلم: أن احتفل بما حققته المرأة، وما اكتسبته من حق في القيادة، كما احتفل فيه بالعهد الجديد والتطورات التي نعيشها. كلمة «سأقود» لا تحتاج إلى شرح؛ فهي تعتبر عن قدرة المرأة على القيادة، بالمعنين الحرفي والمجازي.
- لا أرى أن العملية الإبداعية يجب أن تقتصر على مجال واحد، فكما أعشق التصميم أعشق تصوير الأفلام، فلِمَ لا أجمع بين الاثنين، ولا سيما أن الصورة التي أريد أن أوصلها إلى العالم تهمني على المستوى الشخصي. أعتقد أن لكل مصمم الحق في أن يكتب رسالته بيده ولغته وأدواته، سواء كانت هذه الأدوات مقصاً أو كاميرا أو غيرهما. الأفلام في الوقت الحالي أكثر تأثيراً من عروض الأزياء التقليدية؛ كونها تمنح المصمم كامل الحرية لكي يتحكم في الصورة التي يريد أن يوصلها. المسألة تحتاج فقط إلى مضمون قوي، وتوفير قاعدة جيدة تصل إلى أكبر عدد من الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لكن دائماً أضع في بالي أنه عندما استعمل أي منبر لأخاطب به الغير، عليّ أن أستعمله باحترام وذكاء في الوقت ذاته.
- أسلوبي في التصميم يعتمد على البساطة التي تحترم التقاليد، فأنا أؤمن بأن القليل كثير على شرط أن يكون مميزاً. فاحترام التقاليد لا يعني التقيد بها، بقدر ما يعني الارتقاء بها. فقد تأثرت في مسيرتي بالجماليات الأوروبية؛ لأني قضيت سنوات عدة في صباي في المعهد الفرنسي. لكن عوض أن أتنصل من جذوري وأركب موجة الغرب، كان هدفي دائماً أن أحقق المعادلة بين تصميم الثوب السعودي وأي قطعة أخرى بشكل مفصل على طريقة «سافيل رو»، وبمفهوم الأزياء الجاهزة ودائماً ببصمتي الخاصة.
- عايشت تغيرات عدة في السعودية فيما يتعلق بالموضة، وهناك حالياً تطورات إيجابية تُثلج الصدر. لكن مع ذلك لا بد من الاعتراف بأنه لا يزال ينقصنا الكثير من إمكانات الإنتاج والتصنيع. علينا أن نبدأ في التأسيس لبنية تحتية تدعم هذه الصناعة إذا كنا نريد أن نرفع شعار «صُنع في السعودية» عوض الاتكال على الغير لتصنيعها. أنا شخصياً أشعر بأننا لا يمكن أن نحقق كل ما نأمل فيه ونطمح إليه من دون هذه اللوجيستيات. فنحن لا نفتقد إلى القدرة على الابتكار والعطاء، بل إلى هذا الجانب الصناعي.
- أنا سعيد أنه أصبح لنا أسبوع موضة بالرياض؛ لأنه سيكون منبراً قوياً يفتح الأبواب أمام المصممين ويُشجعهم على إخراج مهاراتهم، فضلاً عن التنافس البناء بينهم على تقديم الأفضل. لكن لا بد من توفير مشترين من محال عالمية. فأي أسبوع موضة لا يقوم على الابتكار وحده، بل يجب أن يتوفر فيه جانب التسويق أيضاً. فقط، عندما يبدأ المشترون في حضور الأسبوع يمكننا القول إنه حقق المراد. هذه نقطة أعتقد أن الكثير من المنظمين يتجاهلونها أو يجهلونها. ومع ذلك، أنا متفائل، وأتمنى أن ينجح أسبوعنا أكثر، فكما يقولون «روما لم تُبنى في يوم واحد». فهو مشروع رائع ولا يزال في بدايته، وبالتالي أمامه الكثير من التحديات.
- السعودية تحتضن عدداً كبيراً من المواهب. القاسم المشترك بين أغلبهم، إن لم نقل كلهم، حلمهم بالعالمية وإتقانهم لغة الغرب مع تشبثهم بجذورهم الثقافية والحضارية، وهذا ما أراه مكسباً وليس مأخذاً عليهم. فعندما تكون لأي مصمم هويته ولا يتنكر لأصله وجذوره فإنه يزيد ثقة وقوة؛ لأنه يخط لنفسه خطاً يختلف به عن غيره. لكن بصفتنا مصممين محليين علينا أن نفهم أهمية التنويع، بمعنى عدم تقديس هذا الإرث والتشبث بكل تفاصيله، بل علينا أن نطوعه بلغة يفهمها الآخر. ولا يجب أن نستهين هنا بأهمية التنسيق وكيف نوصل هذه التصاميم بطريقة أنيقة وجذابة يمكن أن تناسب أي مكان وزمان. فمهما قضى الواحد منا سنوات يدرس الموضة في المعاهد فإنه لن ينجح إذا لم تكن له عين تلقط الجمال وحس فني. ربما تولد الموهبة مع الإنسان، إلا أنه من الممكن أيضاً صقلها بالتجربة والدراسة.
- العنصر الذي أراه عائقاً في وجه اختراقنا للعالمية حتى الآن عدم توفرنا على صناعة موضة، أي بنية تحتية صلبة، لكن في ظل التغيرات الحالية، أشعر بأننا سنؤسس لها قريباً. فأنا ألاحظ أن أسلوبنا يتم تقليده من قبل علامات عالمية في بعض الأحيان، وهذا يؤكد أنه لدينا القدرة على تقديم تصاميم يمكن تسويقها في الخارج.
- كانت السعودية ولا تزال سوقاً مهمة بالنسبة للغرب، ونحن لا ننكر ذلك، لكن كنت أتمنى لو أن بيوت الأزياء العالمية أظهرت المزيد من التفهم والاحترام للمنطقة بعقد شراكات وتعاونات مع علامات محلية عوض أن يطرحوا أزياء تقليدية مأخوذة من المنطقة، من دون الاستعانة بخبرات الصناع المحليين. فنحن كما قلت لا نفتقد إلى مصممين موهوبين وكل ما نحتاج إليه أن نمنحهم فرصة ونوفر لهم منبراً.


مقالات ذات صلة

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن…

«الشرق الأوسط» (لندن)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
TT

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره ومستقبله. ولحد الآن لا يُحدد المصمم هذا المستقبل. لكن المؤكد أنه ضاعف مبيعات «سيلين» خلال الست سنوات التي قضاها فيها مديراً إبداعياً. غادرها وهي قوية ومخلفاً إرثاً لا يستهان به، يتمثل في تأسيسه قسماً جديداً للعطور ومستحضرات التجميل. فهو لم يكن يعتبر نفسه مسؤولاً عن ابتكار الأزياء والإكسسوارات فحسب، بل مسؤولاً على تجميل صورتها من كل الزوايا، ومن ثم تحسين أدائها.

العطور ومستحضرات التجميل جزء من الحياة ولا يمكن تجاهلهما وفق هادي سليمان (سيلين)

نجح وفق تقديرات المحللين في رفع إيراداتها من 850 مليون دولار حين تسلمها في عام 2018، إلى ما يقرب من 3.27 مليار دولار عندما غادرها. الفضل يعود إلى أسلوبه الرشيق المتراقص على نغمات الروك أند رول من جهة، وإدخاله تغييرات مهمة على «لوغو» الدار وإكسسواراتها من جهة أخرى. هذا عدا عن اقتحامه مجالات أخرى باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة المترفة تعكس روح «سيلين» الباريسية، مثل التجميل واللياقة البدنية.

اجتهد في رسم جمال الدار في عام 2023 وكأنه كان يعرف أن الوقت من ذهب (سيلين)

بعد عام تقريباً من تسلمه مقاليد «سيلين» بدأ يفكر في التوسع لعالم الجمال. طرح فعلاً مجموعة من العطور المتخصصة استوحاها من تجاربه الخاصة والأماكن التي عاش أو عمل فيها. استعمل فيها مكونات مترفة، ما ساهم في نجاحها. هذا النجاح شجعه على تقديم المزيد من المنتجات الأخرى، منها ما يتعلق برياضة الـ«بيلاتيس» زينها بـ«لوغو» الدار.

يعمل هادي سليمان على إرساء أسلوب حياة يحمل بصماته ونظرته للجمال (سيلين)

مستحضرات التجميل كان لها جُزء كبير في خطته. كان لا بد بالنسبة له أن ترافق عطوره منتجات للعناية بالبشرة والجسم تُعزز رائحتها وتأثيرها. هنا أيضاً حرص أن تشمل كل جزئية في هذا المجال، من صابون معطر يحمل رائحة الدار وكريمات ترطيب وتغذية إلى بخاخ عطري للشعر وهلم جرا.

في عام 2019 طرح مجموعة عطور متخصصة أتبعها بمنتجات للعناية بالبشرة والجسم (سيلين)

كانت هذه المنتجات البداية فقط بالنسبة له، لأنه سرعان ما أتبعها بمستحضرات ماكياج وكأنه كان يعرف أن وقته في الدار قصير. كان أول الغيث منها أحمر شفاه، قدمته الدار خلال أسبوع باريس الأخير. من بين ميزاته أنه أحمر شفاه يرطب ويلون لساعات من دون أن يتزحزح من مكانه. فهو هنا يراعي ظروف امرأة لها نشاطات متعددة وليس لديها الوقت الكافي لتجدده في كل ساعة.

بدأ بأحمر شفاه واحد حتى يجس نبض الشعر ويُتقن باقي الألوان لتليق باسم «سيلين» (سيلين)

حتى يأتي بالجودة المطلوبة، لم تتسرع الدار في طرح كل الألوان مرة واحدة. اكتفت بواحد هو Rouge Triomphe «روج تريومف» على أن تُتبعه بـ15 درجات ألوان أخرى تناسب كل البشرات بحلول 2025 إضافة إلى ماسكارا وأقلام كحل وبودرة وظلال خدود وغيرها. السؤال الآن هو هل ستبقى الصورة التي رسمها هادي سليمان لامرأة «سيلين» وأرسى بها أسلوب حياة متكامل يحمل نظرته للجمال، ستبقى راسخة أم أن خليفته، مايكل رايدر، سيعمل على تغييرها لكي يضع بصمته الخاصة. في كل الأحوال فإن الأسس موجودة ولن يصعب عليه ذلك.