النفايات البلاستيكية... صداع عالمي ومحاولات لعلاجه

الأمم المتحدة تدعو لاتخاذ إجراءات عالمية أقوى لمكافحة آثارها الضارة

هندية تجمع حقائب البلاستيك في منطقة صناعية بالقرب من مدينة جامو بالهند (أ.ب)
هندية تجمع حقائب البلاستيك في منطقة صناعية بالقرب من مدينة جامو بالهند (أ.ب)
TT

النفايات البلاستيكية... صداع عالمي ومحاولات لعلاجه

هندية تجمع حقائب البلاستيك في منطقة صناعية بالقرب من مدينة جامو بالهند (أ.ب)
هندية تجمع حقائب البلاستيك في منطقة صناعية بالقرب من مدينة جامو بالهند (أ.ب)

النفايات البلاستيكية أصبحت الهم الأكبر لدول العالم التي تحاول التغلب على أضرارها على الإنسان وعلى الحيوان. أول من أمس، نشرت وسائل الإعلام العالمية صورة لحوت نفق في تايلاند رغم محاولات لإنقاذه، بسبب ابتلاعه 80 قطعة من المخلفات البلاستيكية، وهو ما أثار موجة جديدة من التعهدات الدولية للحد من استخدامات البلاستيك الذي يمثل ضرراً على أنواع الحياة المختلفة على الأرض.
وأمس أطلقت الأمم المتحدة يوم البيئة العالمي تحت شعار «التغلب على التلوث البلاستيكي»، وأصدرت تقريراً بالمناسبة جاء فيه أنه على الرغم من تبني أكثر من 60 دولة إجراءات مختلفة للتقليل من التلوث الناتج عن البلاستيك، فإن هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات أقوى في الوقت الذي يواجه فيه العالم أزمة بسبب النفايات البلاستيكية، وذلك حسب ما نقلت وكالة الأنباء الألمانية. وصدر التقرير في الهند، المضيف العالمي لـ«يوم البيئة العالمي»، تحت عنوان «اقهر التلوث بنفايات البلاستيك».
وجاء في التقرير أن دولاً مثل رواندا وكينيا وسريلانكا، فرضت حظراً ورسوماً للحد من استخدامات البلاستيك لمرة واحدة، وهو ما يشتمل على استخدام الأكياس البلاستيكية ومنتجات الستايروفوم.
من جانبه قال إريك سولهيم، رئيس برنامج البيئة في الأمم المتحدة، إن النفايات البلاستيكية تتكدس في مقالب القمامة، وتؤدي إلى انسداد الأنهار وتجد طريقها إلى المحيطات بكميات هائلة.
وقال سولهايم في ما يتعلق بالحاجة إلى إنقاذ البيئة والمحيطات «هدفنا هو إعادة تعريف علاقة العالم بالمواد البلاستيكية... ما نحتاج إليه هو ثورة». وأوضح التقرير أنه لم تتم إعادة تدوير سوى 9% فقط من أصل 9 مليارات طن من البلاستيك.
وكان برنامج الأمم المتحدة للبيئة قد ذكر أن نحو 8 ملايين طن من المواد البلاستيكية -ما بين زجاجات وأغلفة وغيرها- تلقى في المحيطات كل عام، مما يتسبب في تدمير الحياة البحرية وفي دخول هذه المواد إلى السلسلة الغذائية للبشر.
وقالت الأمم المتحدة في تقريرها، أمس: «إن قدرتنا على التعامل مع النفايات البلاستيكية، مُلتَهَمة بالفعل»، موضحة أنه يتم استخدام ما يصل إلى 5 تريليونات من الحقائب البلاستيكية سنوياً في أنحاء العالم. وأشار التقرير إلى أنه إذا تم ربط بعضها ببعض، فسوف تغطي مساحة تبلغ ضعف مساحة فرنسا.
وتظل الصين أكبر مصدر لنفايات التغليف البلاستيكية في أنحاء العالم، إلا أن الولايات المتحدة تنتج أكبر نسبة نفايات للفرد، ثم تليها اليابان والاتحاد الأوروبي.
وأوضح التقرير أن سياسات مكافحة النفايات البلاستيكية أسفرت حتى الآن عن نتائج متفاوتة، وعلى الرغم من أن هناك لوائح في العديد من الدول بشأن المواد البلاستيكية، فإن تطبيق هذه اللوائح ظل ضعيفاً.
وقال التقرير إن «فرض رسوم وحظر مستهدف -حيث يكون التخطيط له وتنفيذه بشكل صحيح- من بين أكثر الاستراتيجيات فعالية للحد من الإفراط في استخدام المنتجات البلاستيكية التي يمكن التخلص منها».
ووفقاً للأمم المتحدة، فإن 30% من الدول التي فرضت حظراً مستهدفاً وقيوداً سجلت انخفاضاً حاداً في استهلاك الأكياس البلاستيكية. وقد شهدت 20% من الدول تغييراً بسيطاً أو لم تشهد تغييراً على الإطلاق. بينما فشلت نسبة الـ50% المتبقية في تسجيل أثر للوائح.
يذكر أن الاتحاد الأوروبي يدرس حالياً حظر الشفاطات (الخاصة بالعصائر مثلاً) والصحون البلاستيكية والنكاشات القطنية (الخاصة بالأذن) وعصيّ البالونات ضمن عدد من المواد البلاستيكية في الاتحاد الأوروبي، بموجب مقترح جديد لمكافحة النفايات البحرية.
وقالت المفوضية إن أكثر من 80% من النفايات البحرية تكون مصنوعة من البلاستيك، وتهدف القواعد المقترحة إلى استهداف أكثر 10 أدوات بلاستيكية تُستخدم لمرة واحدة شيوعاً في بحار وشواطئ أوروبا. وترغب المفوضية في حظر أي شيء بلاستيكي يُستخدم لمرة واحدة ويكون له بديل غير بلاستيكي متاح بسهولة. ويشمل هذا النكاشات القطنية ذات العصيّ البلاستيكية وأدوات المائدة والأطباق البلاستيكية والشفاطات وأعواد تحريك السوائل وعصي البالونات، ولكن ليس البالونات نفسها. وبحلول عام 2025، ترغب المفوضية في أن تجمع الدول الأعضاء 90% من زجاجات المشروبات البلاستيكية من خلال مخططات استرداد الفوارغ. وتعد النفايات البلاستيكية مشكلة خاصة للمحيطات في العالم، حيث يعني معدل تحللها البطيء أن آثار المادة غالباً ما توجد في الأنواع البحرية مثل السلاحف البحرية والحيتان والطيور، بالإضافة إلى المأكولات البحرية التي ينتهي بها الحال في السلسلة الغذائية للإنسان.
ووفقا لحسابات المفوضية، فإن الإجراءات، التي تتطلب موافقة حكومات ومشرعي الاتحاد الأوروبي، تهدف إلى تفادي أضرار بيئية بقيمة تبلغ 22 مليار يورو (6.‏25 مليار دولار) بحلول عام 2030.وطرحت المفوضية أيضاً بشكل منفصل فكرة فرض رسوم على الدول الأعضاء عقاباً على إلقاء نفايات بلاستيكية من المواد القابلة لإعادة التدوير.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».