كيزل عمر: ندرّس كل أنواع الشعر العربي... من العمودي إلى قصيدة النثر

أستاذ اللغة العربية بجامعة كيرلا الهندية يتحدث عن مكانة العربية في بلاده

كيزل عمر يقدم بحثه في المؤتمر الدولي السابع للغة العربية في دبي
كيزل عمر يقدم بحثه في المؤتمر الدولي السابع للغة العربية في دبي
TT
20

كيزل عمر: ندرّس كل أنواع الشعر العربي... من العمودي إلى قصيدة النثر

كيزل عمر يقدم بحثه في المؤتمر الدولي السابع للغة العربية في دبي
كيزل عمر يقدم بحثه في المؤتمر الدولي السابع للغة العربية في دبي

الدكتور سهيل بلاونتي كيزل عمر، هو أستاذ مساعد في كلية الأدب العربي بجامعة كيرالا (Kerala) الحكومية. وتقع ولاية كيرلا على ساحل المحيط الهندي جنوب الهند، وعدد سكانها زهاء 34 مليون نسمة، بينهم 25 في المائة مسلمون، واللغة العربية الثانية في ولاية كيرلا بعد اللغة الرسمية الإنجليزية، وأغلب المسلمين في الولاية يقرأ ويكتب اللغة العربية، لكن يصعب عليهم التحدث بها. في هذا الحوار، يتحدث بلاونتي، الذي قدم أخيراً بحثاً في المؤتمر الدولي السابع للغة العربية الذي نظم في دبي، عن تجربته في تعليم العربية، والإقبال عليها في الدراسات العليا، والدعم الذي تقدمه حكومة الولاية، وكذلك تدريس الأدب العربي، القديم والحديث. وفيما يلي نص الحوار:

- دكتور سهيل بلاونتي كيزل عمر، حدّثنا عن تجربتك مع تعلم وتعليم اللغة العربية؟
- حصلت على دكتوراه في آداب اللغة العربية من جامعة كيرلا، ومنذ ثماني سنوات أدرّس في الكلية نفسها، حيث أشرف على طلبة الماجستير. لدينا 100 طالبة وطالبة يدرسون الماجستير في اللغة العربية، وتقدم حكومة كيرلا رسمياً الدعم المالي لتدريس اللغة العربية، وهذا الدعم لا نجده في أي بلد غير عربي تُدرس فيها اللغة العربية لغير الناطقين بها.
- منذ متى بدأ تدريس اللغة العربية في ولايتكم كيرلا، وهل ثمة أسباب دفعت لتدريسها؟
- بدأ تدريس اللغة العربية رسمياً في جامعة كيرلا الحكومية عام 1912، وفي عام 2012 احتفلنا بمرور مائة عام على تدريسها بجامعتنا، هذا من حيث التدريس الرسمي للغة العربية، بينما تدريسها في المدارس الدينية لتعليم القرآن بدأ منذ زمن بعيد بحكم العلاقات الوثيقة بين الهند والبلاد العربية منذ القديم، ويعود تدريسها في ولاية كيرلا إلى وجود مسلمين يشكلون ما لا يقل عن ربع السكان، الذين رفضوا إبان الاستعمار الإنجليزي للهند التعلم في مدارس الاحتلال الإنجليزي؛ لأنهم كانوا يناهضون وجود الإنجليز في الهند. حينها فكرت الحكومة بطريقة تجذب المسلمين الأميين للدراسة، فوجدت ضالتها في تعليم القرآن الكريم وهو الكتاب المقدس للمسلمين، وأصبح القرآن يُدرس رسمياً في المدارس الحكومية، فأقبل المسلمون على مزاولة الدراسة فيها، وهكذا كانت بداية تدريس اللغة العربية في ولاية كيرلا، بالإضافة إلى مدارس أهلية دينية كثيرة منتشرة في كيرلا تدرس اللغة العربية.
- هل هناك فرص عمل في القطاع الحكومي لحملة شهادات في اللغة والأدب العربيين؟
- نعم، توجد فرص كثيرة، فهناك أكثر من 10 آلاف مدرس يعملون مدرسين للغة العربية في أكثر من 6 آلاف مدرسة تُدرس فيها هذه اللغة من الصف الأول إلى الصف الثاني عشر (بكالوريا). وتخصص حكومة كيرلا منحة دراسية لدارسي اللغة العربية، ويوجد مجلس مهمته إعداد الكتب والمناهج التعليمية للمدارس والمعاهد والجامعات تحت إشراف وزارة التربية والتعليم العالي في كيرلا.
- كم يبلغ عدد الحصص المكرسة لتدريس العربية؟
- في المدارس من الصف الأول إلى الصف العاشر هناك 4 حصص في الأسبوع لدراسة اللغة العربية. والنظام الدراسي عندنا ينقسم إلى أربع مراحل؛ المرحلة الابتدائية من الصف الأول إلى الصف الرابع، والمرحلة الابتدائية العالية من الصف الخامس إلى الصف السابع، والمرحلة الثانوية من الثامن إلى العاشر، والمرحلة الثانوية العالية من الحادي عشر إلى الثاني عشر.
بعد الصف العاشر، أي المرحلة الثانوية العالية، هناك 6 حصص أسبوعياً لتدريس اللغة العربية. والطلاب يختارون اللغة العربية لغةً ثانيةً، ويختارون معها لغات ثانية أخرى مثل لغتنا الهندية، واللغة المحلية ماليالمية، إلى جانب اللغة الإنجليزية التي هي اللغة الأولى.
وفي كلية الأدب العربي ندرس البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في اللغة العربية وآدابها. والمنهج الدراسي الجامعي يغطي الأدب الجاهلي وحتى العصر الحديث، بما فيه الشعر والرواية والقصة والمسرح والترجمة والنحو والبلاغة، وغير ذلك.
- أيوجد تعاون مع الجامعات العربية لإيفاد مدرسين في اللغة العربية إلى كيرلا، أم أن كادر التدريس هندي بالكامل؟
- في معظم الأحوال الهنود يدرسون اللغة العربية، لكن في بعض المعاهد الدينية غير الحكومية أو في الجامعات الخاصة، يوظف أساتذة من بلاد العرب لتدريس اللغة العربية، بينما التعليم الرسمي مقصور على المدرسين الهنود، لكن بعض الجامعات الرسمية لها يحق لها توظيف أساتذة من غير الهنود لتدريس اللغة العربية.
- هل تمنح وزارة التعليم العالي بكيرلا منحاً دراسية لمتابعة الدراسة في الجامعات العربية؟
- نعم، يوجد تعاون مع بعض المعاهد وبعض الجامعات، ونحن نبعث طلاباً لبعض البلدان العربية ليدرسوا اللغة وطرائق تدريسها لغير الناطقين بغيرها. ونتعاون مع بعض المعاهد الدينية في مصر مثل جامعة الأزهر، وكذلك مع معاهد دينية حكومية في السعودية. نرسل كذلك مدرسين لورش تدريب ينظمها «مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي لخدمة اللغة العربية»، وقد اشتركت في ورشة هناك استمرت ستة أيام.
لكن لدينا مشكلة وهي أننا تعلمنا اللغة العربية من الكتب وهي اللغة الفصحى ولم نتعايش مع المجتمع العربي لنعرف لغته العامية، فلا نعرف الدارجة في البلدان العربية، كما أن دارسي اللغة العربية في كيرلا يعرفون القراءة والكتابة، لكنهم لا يجيدون التحدث بالعربية.
- أنت مدرس اللغة العربية وشاعر، هل ثمة علاقة بين الشعر العربي والشعر الهندي؟
- هناك بعض الإشارات في الشعر العربي تدلل على العلاقة الوثيقة بين الهند والعرب، منها ما ورد في قصيدة «البردة» للشاعر كعب بن زهير في مدح الرسول - صلى الله عليه وسلم:
إنَ الرَسُولَ لَنورٌ يُسْتَضاءُ بِه
مُهَنَدٌ مِنْ سُيوفِ اللهِ مَسْلُولُ
واسم السيف «مهند» يعني مصنوع في الهند، وهناك بيت شعر في معلقة امرئ القيس يُبين علاقة العرب بالهند:
تَـرَى بَـعَرَ الأرآمِ فـي عَرَصاتِها
وقِـيـعانِها كـأنَـهُ حَـبٌ فُـلفُلِ
يقول امرؤ القيس: انظر كيف تغير حال الديار، وأصبحت مقفرة كثرت فيها الظباء، التي تناثر بعرها على الرمال كأنه حب فلفل منثور في رحباتها. «حب فلفل»، من التوابل الهندية كانت تستورده البلاد العربية.
- للشعر العربي أنواع ؛ الشعر العمودي وشعر التفعيلة والشعر الحر وقصيدة النثر، هل هذه الألوان الشعرية تدرس في جامعتكم؟
- نعم، ندرّس في الجامعات كل أنواع الشعر العربي من العمودي إلى شعر التفعيلة وقصيدة النثر. لكن في المدارس نهتم فقط بالشعر العمودي؛ لأن هذا الشعر له موسيقى وقواف، والطلاب الذين لا يعرفون اللغة العربية ينجذبون إلى موسيقى هذه الأشعار، فالطلاب يستمعون إلى الشعر إلى نبرة كلماته ومخارج الحروف ونغمه وموسيقاه فيحفظونه. ومع التكرار والشرح يعرفون معانيه فتزداد ثروتهم اللغوية العربية.
- أي الشعراء أكثر تمثيلاً في مناهج كلية الأدب العربي بجامعة كيرلا؟
- نحن نهتم بتدريس أشعار أحمد شوقي، وحافظ بك إبراهيم، وبعض أشعار أبو القاسم الشابي، كما ندرس المعلقات، الشعراء الأمويين مثل عمر بن أبي ربيعة، ومن العصر العباسي أشعار أبي تمام وأشعار المتنبي.



رحيل ماريو فارغاس يوسا... حائز «نوبل» وعملاق الأدب اللاتيني

الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا في صور خلال مقابلة بمنزله 7 أكتوبر 2009 (أ.ف.ب)
الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا في صور خلال مقابلة بمنزله 7 أكتوبر 2009 (أ.ف.ب)
TT
20

رحيل ماريو فارغاس يوسا... حائز «نوبل» وعملاق الأدب اللاتيني

الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا في صور خلال مقابلة بمنزله 7 أكتوبر 2009 (أ.ف.ب)
الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا في صور خلال مقابلة بمنزله 7 أكتوبر 2009 (أ.ف.ب)

تُوفي الكاتب البيروفي، الحائز جائزة نوبل للآداب، وأحد أعلام الأدب في أميركا اللاتينية، والكاتب بصحيفة «الشرق الأوسط»، ماريو فارغاس يوسا، يوم الأحد، عن 89 عاماً، وفقاً لما أعلنه نجله.

الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا في الأكاديمية الفرنسية بباريس فبراير 2023 (أ.ف.ب)
الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا في الأكاديمية الفرنسية بباريس فبراير 2023 (أ.ف.ب)

وجاء في رسالة وقَّعها أولاده ألفارو وغونزالو ومورغانا، ونشرها ألفارو على منصة التواصل الاجتماعي «إكس»: «ببالغ الحزن والأسى نعلن أن والدنا ماريو فارغاس يوسا تُوفي بسلام في ليما، اليوم، محاطاً بعائلته». وجاء في الرسالة أنه سيجري حرق جثمانه، ولن تقام أي مراسم عامة.

وأضافوا: «إن رحيله سيُحزن أقاربه وأصدقاءه والقُراء في جميع أنحاء العالم، لكننا نأمل أن يجدوا العزاء كما نجده نحن في حقيقةِ أنه تمتَّع بحياة طويلة ومثمرة ومليئة بالمغامرات»، مشيرين إلى أنه ترك إرثاً يتألف من مجموعة من الأعمال الأدبية ستظل باقية.

ماريو فارغاس يوسا يحضر حفل منحه درجة الدكتوراه الفخرية في جامعة نوفا لشبونة بالبرتغال (أ.ف.ب)
ماريو فارغاس يوسا يحضر حفل منحه درجة الدكتوراه الفخرية في جامعة نوفا لشبونة بالبرتغال (أ.ف.ب)

وُلد فارغاس يوسا في عائلة بيروفية من الطبقة المتوسطة، وكان أحد أبرز الأسماء في «الفورة» الأدبية الأميركية اللاتينية خلال الستينات والسبعينات مع الكولومبي غابريال غارسيا ماركيز، والأرجنتيني خوليو كورتازار.

وكان يوسا كاتباً وكاتب مقالات غزير الإنتاج، وله روايات شهيرة مثل «زمن البطل»، و«عيد التيس»، وفاز بجوائز لا حصر لها، بما في ذلك جائزة نوبل لعام 2010.

ونشر فارغاس يوسا، الموجة الجديدة من كُتاب أميركا اللاتينية، مجموعته القصصية الأولى «الأشبال وقصص أخرى» (Los Jefes) عام 1959، لكنه اقتحم الساحة الأدبية عام 1963 بروايته الأولى الرائدة «زمن البطل»، وهي رواية استوحى فيها من تجاربه في أكاديمية عسكرية بيروفية وأثارت غضب الجيش في البلاد. أحرقت السلطات العسكرية ألف نسخة، ووصف بعض الجنرالات الكتاب بأنه زائف، ووصف فارغاس يوسا بأنه شيوعي.

رئيس الإكوادور غييرمو لاسو (يسار) يُكرّم ماريو فارغاس يوسا بوسام الصليب الأعظم تقديراً لإسهاماته بالأدب العالمي في كيتو بالإكوادور 27 سبتمبر2021 (أ.ب)
رئيس الإكوادور غييرمو لاسو (يسار) يُكرّم ماريو فارغاس يوسا بوسام الصليب الأعظم تقديراً لإسهاماته بالأدب العالمي في كيتو بالإكوادور 27 سبتمبر2021 (أ.ب)

وأكد محامي الكاتب وصديقه المقرَّب، إنريكي غيرسي، الوفاة، لوكالة أسوشييتد برس، وتذكَّر عيد ميلاد الكاتب الأخير في 28 مارس (آذار) الماضي بمنزل ابنته مورغانا. قال غيرسي: «لقد أمضى حياته سعيداً؛ أحاط به أصدقاؤه المقرَّبون، وتناول كعكته، وكنا نمزح في ذلك اليوم بأن هناك 89 عاماً أخرى متبقية، لقد عاش حياة طويلة ومثمرة وحرة».

وتُعد رواية «زمن البطل»، وروايات لاحقة مثل «محادثة في الكاتدرائية» عام 1969، من الروايات التي رسّخت مكانة فارغاس يوسا بصفته واحداً من رواد ما يُسمى «الطفرة» أو الموجة الجديدة من كُتّاب أميركا اللاتينية خلال الستينات والسبعينات، إلى جانب غابرييل غارسيا ماركيز، وكارلوس فوينتس.

الكاتب الحائز جائزة نوبل للآداب ماريو فارغاس يوسا يضبط قبعته خلال احتفالات منحِه درجة الدكتوراه الفخرية في الآداب بجامعة دي لا سال بمانيلا بالفلبين 8 نوفمبر 2016 (أ.ب)
الكاتب الحائز جائزة نوبل للآداب ماريو فارغاس يوسا يضبط قبعته خلال احتفالات منحِه درجة الدكتوراه الفخرية في الآداب بجامعة دي لا سال بمانيلا بالفلبين 8 نوفمبر 2016 (أ.ب)

وبدأ فارغاس يوسا الكتابة مبكراً، وفي سن الخامسة عشرة عمل مراسلاً بدوام جزئي لأخبار الجريمة في صحيفة «لا كرونيكا». ووفقاً لموقعه الرسمي، شملت وظائفه الأخرى العمل مدرساً في مدرسة بيرلتز بباريس، ولفترة وجيزة في قسم اللغة الإسبانية بـ«وكالة الصحافة الفرنسية» في باريس، كما أنه استمر في نشر مقالات بالصحافة طوال معظم حياته، وأبرزها عمود رأي سياسي نصف شهري بعنوان «بيدرا دي توكي (أحجار الاختبار)»، الذي نُشر في عدد من الصحف.

الكاتب البيروفي والمرشح الرئاسي عن ائتلاف جبهة يمين الوسط آنذاك ماريو فارغاس يوسا يتلقى عناقاً من أحد مؤيديه خلال تجمع انتخابي ببلدة تشينتشا على بُعد 300 كيلومتر جنوب ليما 20 مارس 1990 (أ.ف.ب)
الكاتب البيروفي والمرشح الرئاسي عن ائتلاف جبهة يمين الوسط آنذاك ماريو فارغاس يوسا يتلقى عناقاً من أحد مؤيديه خلال تجمع انتخابي ببلدة تشينتشا على بُعد 300 كيلومتر جنوب ليما 20 مارس 1990 (أ.ف.ب)

وأصبح فارغاس يوسا مدافعاً شرساً عن الحريات الشخصية والاقتصادية، متخلياً تدريجياً عن ماضيه المرتبط بالشيوعية، وهاجم بانتظامٍ قادة اليسار في أميركا اللاتينية الذين عَدَّهم ديكتاتوريين.

ورغم أنه كان من أوائل المؤيدين للثورة الكوبية، بقيادة فيدل كاسترو، لكنه شعر بخيبة أمل لاحقاً وندَّد بكاسترو. وبحلول عام 1980، أعلن أنه لم يعد يؤمن بالاشتراكية حلاً للدول النامية.

وفي حادثة شهيرة بمدينة مكسيكو عام 1976، لكَمَ فارغاس يوسا زميله الحائز جائزة نوبل وصديقه السابق غارسيا ماركيز. ولم يتضح قط ما إذا كان الشجار سياسياً أم شخصياً، إذ لم يرغب أيٌّ من الكاتبين في مناقشته علناً. ومع تحول مساره السياسي تدريجياً نحو السوق الحرة المحافظ، خسر فارغاس يوسا دعم عدد من معاصريه الأدبيين من أميركا اللاتينية، وتعرَّض لانتقادات شديدة، حتى من المعجبين بأعماله، وفق وكالة أسوشييتد برس.

حياة مبكرة مدللة و«جحيم» في مدرسة عسكرية

وُلد خورخي ماريو بيدرو فارغاس يوسا في 28 مارس 1936، بمدينة أريكيبا جنوب بيرو، الواقعة في أعالي جبال الأنديز عند سفح بركان ميستي.

وترك والده، إرنستو فارغاس مالدونادو، العائلة قبل ولادته. ولتجنُّب الفضيحة العامة، أخذت والدته، دورا يوسا يوريتا، طفلها إلى بوليفيا، حيث كان والدها قنصلاً لبيرو في كوتشابامبا. وقال فارغاس يوسا إن حياته المبكرة كانت «صادمة بعض الشيء»، إذ دلّلته والدته وجَدَّته في منزل كبير مع الخدم، مُلبّيتين جميع رغباته.

ولم يعلم فارغاس يوسا أن والده على قيد الحياة إلا في سن العاشرة، بعد أن انتقلت العائلة إلى مدينة بيورا الساحلية في بيرو. تصالح والداه وانتقلت العائلة إلى ليما، عاصمة بيرو. كما وصف فارغاس يوسا والده بأنه رجل صارم عَدَّ حب ابنه لجول فيرن وكتابة الشعر طريقاً مؤكَّداً للموت جوعاً، وكان يخشى على مستقبله.

ماريو فارغاس يوسا يلقي كلمة في تجمع جماهيري بليما 21 أغسطس 1987 أمام حشدٍ تجاوز 50 ألف شخص (أ.ب)
ماريو فارغاس يوسا يلقي كلمة في تجمع جماهيري بليما 21 أغسطس 1987 أمام حشدٍ تجاوز 50 ألف شخص (أ.ب)

وبعد فشله في تسجيل ابنه بأكاديمية بحرية لصِغر سنه، أرسله والده إلى أكاديمية ليونسيو برادو العسكرية، وهي تجربةٌ ستبقى في ذاكرة يوسا، وستُفضي إلى تأليف رواية «زمن البطل»، إذ حاز الكتاب جائزة النقاد الإسبان.

قال فارغاس يوسا لاحقاً إن الأكاديمية العسكرية «كانت بمثابة اكتشاف الجحيم». والتحق بجامعة سان ماركوس في بيرو لدراسة الأدب والقانون، «الأول كمهنة، والثاني لإرضاء عائلتي، التي كانت تعتقد، ليس دون سبب وجيه، أن الكُتّاب يموتون جوعاً».

 

وبعد حصوله على شهادة الآداب عام 1958 - لم يُكلّف نفسه عناء تقديم أطروحته النهائية في القانون - فاز فارغاس يوسا بمنحة دراسية للحصول على الدكتوراه في مدريد.

استلهم فارغاس يوسا كثيراً من إلهامه من وطنه البيروفي، لكنه فضّل العيش في الخارج، مقيماً لفترات سنوية في مدريد ونيويورك وباريس.

الكاتب ماريو فارغاس يوسا في منزله بليما عام 1978 (أ.ب)
الكاتب ماريو فارغاس يوسا في منزله بليما عام 1978 (أ.ب)

كشفت رواياته الأولى عن عالم بيروفيّ من الغطرسة والوحشية العسكرية، والانحطاط الأرستقراطي، وهنود الأمازون في العصر الحجري الذين تعايشوا، في الوقت نفسه، مع تدهور المدن في القرن العشرين. وكتب فارغاس يوسا، في عام 1983: «البيرو مرضٌ عضال، وعلاقتي بها شديدةٌ وقاسيةٌ ومليئةٌ بعنف العاطفة».

وبعد 16 عاماً في أوروبا، عاد عام 1974 إلى بيرو، التي كانت آنذاك تحت حكم ديكتاتوري عسكري يساري. قال: «أدركتُ أنني أفقد صلتي بواقع بلدي، وخصوصاً لغته، التي قد تكون قاتلة للكاتب».

الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا يتحدث في مؤتمر صحافي بنادي الصحافة الوطني بواشنطن 21 سبتمبر 1989 (أ.ف.ب)
الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا يتحدث في مؤتمر صحافي بنادي الصحافة الوطني بواشنطن 21 سبتمبر 1989 (أ.ف.ب)

في عام 1990، ترشّح لرئاسة بيرو، متردداً في بلدٍ مزّقته حرب العصابات الماوية المتشددة، واقتصاد يعاني تضخماً مفرطاً وحالة من الضعف، لكنه هُزم على يد عميد جامعة غير معروف آنذاك، ألبرتو فوجيموري، الذي حلَّ جزءاً كبيراً من الفوضى السياسية والاقتصادية، لكنه أصبح، في نهاية المطاف، زعيماً فاسداً ومستبداً، وفق وكالة أسوشييتد برس.

واعترف الكاتب الكوبي غييرمو كابريرا إنفانتي، صديق فارغاس يوسا القديم، لاحقاً بأنه عارض ترشيح الكاتب، قائلاً: «إن مكسب بيرو غير المؤكَّد سيكون خسارة للأدب. الأدب هو الخلود، والسياسة مجرد تاريخ».

الكاتب البيروفي والمرشح الرئاسي عن الجبهة الديمقراطية البيروفية آنذاك ماريو فارغاس يوسا يلوّح لأنصاره بعد مؤتمر صحافي أشاد فيه بسياسة السوق المفتوحة التي انتهجتها الحكومة العسكرية التشيلية 19 أغسطس 1989 (أ.ف.ب)
الكاتب البيروفي والمرشح الرئاسي عن الجبهة الديمقراطية البيروفية آنذاك ماريو فارغاس يوسا يلوّح لأنصاره بعد مؤتمر صحافي أشاد فيه بسياسة السوق المفتوحة التي انتهجتها الحكومة العسكرية التشيلية 19 أغسطس 1989 (أ.ف.ب)

واستخدم فارغاس يوسا أيضاً مواهبه الأدبية لكتابة عدد من الروايات الناجحة عن حياة أشخاص حقيقيين، بما في ذلك الفنان الفرنسي ما بعد الانطباعية بول غوغان وجَدَّته فلورا تريستان، في رواية «الطريق إلى الجنة» عام 2003، والقومي الآيرلندي والدبلوماسي السير روجر كيسمنت في القرن التاسع عشر، في رواية «حلم السلتي» عام 2010. وكانت آخِر رواية منشورة له هي «أوقات عصيبة» عام 2019 عن انقلاب مدعوم من الولايات المتحدة في غواتيمالا عام 1954. كما أصبح عضواً في الأكاديمية الملكية الإسبانية عام 1994، وشغل مناصب أستاذ زائر وكاتب مقيم في أكثر من اثنتي عشرة كلية وجامعة حول العالم.

فارغاس يوسا مع إيزابيل بريسلر على السجادة الحمراء لحفل توزيع جوائز غويا السينمائية في مدريد 6 فبراير 2016 (أ.ب)
فارغاس يوسا مع إيزابيل بريسلر على السجادة الحمراء لحفل توزيع جوائز غويا السينمائية في مدريد 6 فبراير 2016 (أ.ب)

وفي عام 1965، تزوَّج ابنة عمه الأولى، باتريشيا يوسا، التي تصغره بعشر سنوات، وأنجبا ثلاثة أطفال، ثم انفصلا بعد 50 عاماً، وبدأ علاقة مع شخصية اجتماعية إسبانية بارزة، إيزابيل بريسلر، الزوجة السابقة للمغني خوليو إغليسياس ووالدة المغني إنريكي إغليسياس، ثم انفصلا عام 2022.