جنوب السودان.. «موسم الهجرة إلى الشمال»

انهيار حلم الدولة في مستنقع الحرب والفساد

جنوب السودان.. «موسم الهجرة إلى الشمال»
TT

جنوب السودان.. «موسم الهجرة إلى الشمال»

جنوب السودان.. «موسم الهجرة إلى الشمال»

لم يحدث طيلة فترة الصراع الطويل الذي اندلع في جنوب السودان، أن شهد ما حدث في جوبا يوم 15 ديسمبر (كانون الأول) الماضي والأيام التي تلته.
يقول رياك مشار نائب رئيس جنوب السودان السابق، الذي يحمل حاليا راية التمرد على جوبا، إن «الجنوب لم يشهد مثل هذه الوحشية وهذا القتل على الهوية، طوال فترة حكم الرئيس إسماعيل الأزهري في ستينات القرن الماضي، ومحمد أحمد محجوب، وجعفر النميري، وسوار الذهب، والصادق المهدي، وعمر البشير»، في حديث أدلى به لصحيفة «اليوم التالي» الخرطومية، وهم حكام الخرطوم الذين خاض الجنوبيون ضدهم حربًا امتدت لأكثر من نصف قرن من أجل التحرير.
قال الرجل ما لم يقله الانفصاليون الشماليون الذين كانوا يرون أن جنوب السودان ستطحنه حرب القبائل إذا نال استقلاله، وما لم يقله دعاة الوحدة الذين يرون في الانفصال خطرًا ماحقًا. يضيف مشار: «كل هؤلاء الرؤساء لم يفعل واحد منهم ما فعله رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت الذي قتل شعبه بوحشية شديدة». وأضاف: «ما حدث في عهده لم يحدث في كل العهود، هو رئيس يرتدي الزي العسكري ويقتل مواطنيه، ويذهب بنفسه ليفتش المنازل، ويسأل: هل هذا منزل فلان؟ ما قبيلته؟ ثم يصدر أوامره.. اقتلوه فورًا».

* حرب الرفاق
* كانت هذه الدولة حلما بالنسبة إلى الجنوبيين السودانيين، قاتلوا لأكثر من نصف قرن من أجل تحقيقه.. قتل نحو ثلاثة ملايين، وشرد مثلهم، بين الدول المجاورة، وعانى من بقي في أرضه ويلات الحرمان والجوع وقلة الموارد. وعندما تحقق الحلم حصدوا السراب والخراب.. قامت حرب أهلية بين أبنائها هي الأعنف منذ الحروب مع الشمال.. دولة تعاني فقرا مدقعا بلا بنيات أساسية.. بلا مؤسسات تعليم أو صحة أو خدمات.. كل ما تملكه جيش يقاتل جيشا آخر في صراع على السلطة.
استقلت هذه الدولة بعد استفتاء أقرته اتفاقية السلام السودانية المعروفة باتفاقية «نيفاشا»، وأعلنت دولة مستقلة، منهية بذلك أطول حرب أهلية اندلعت منذ قبيل استقلال السودان في عام 1955، ولم تتوقف إلا فترة وجيزة هي عمر السلام الذي تحقق باتفاقية «أديس أبابا» على عهد الرئيس جعفر النميري في سنة 1973 بين الخرطوم وقوات «أنانيا» بقيادة جوزيف لاقو، ثم اندلعت الحرب مجددًا في سنة 1983 إثر إعلان الرئيس النميري لقوانين الشريعة الإسلامية وقبوله تقسيم جنوب السودان إلى ثلاثة أقاليم.
وخاضت الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة زعيمها الراحل جون قرنق الحرب مرة أخرى ضد الجيش السوداني، واستمرت حتى عام 2005 بتوقيع اتفاقية السلام السودانية التي وقعت في «نيفاشا» الكينية، وقضت ضمن ما قضت به بإعطاء أهل جنوب السودان حق الاستفتاء على مصيرهم بالبقاء ضمن دولة السودان الموحدة، أو الاستقلال عنهم وتكوين دولتهم المستقلة. وعند الاستفتاء، صوت الجنوبيون للانفصال عن السودان - يطلقون عليه الاستقلال - وقرروا تأسيس دولتهم «دولة جنوب السودان»، بنسبة تجاوزت 98 في المائة في استفتاء أجري في الفترة من 9 يناير (كانون الثاني) إلى 15 منه سنة 2011، وفي 9 يوليو (تموز) 2011 أعلن استقلال دولة «جنوب السودان» رسميًّا عن السودان، واعترفت بها كل دول العالم، بما في ذلك السودان، لتدون بوصفها أحدث دول العالم، وأحدث أعضاء الأمم المتحدة.
بتحقيق استقلالهم، بدأ الجنوبيون يحلمون بدولة تحقق تطلعاتهم ورفاهيتهم، لكن هل تحقق الحلم الجنوبي الطويل؟ لقد أجمع المحللون والمراقبون ودول الإقليم على أن الحلم تبعثر بعد مرور أقل من سنتين على استقلال الدولة الوليدة التي تكون بحلول 9 يوليو المقبل قد أكملت عامها الثاني دولة مستقلة.
وسرعان ما اندلعت حرب جديدة بين «أبطال التحرير»، أو هذا ما يطلقونه على أنفسهم، في الحركة الشعبية لتحرير السودان. واشتعلت «حرب رفاق النضال»، منذ منتصف ديسمبر من العام الماضي وما تزال، بين مجموعتين داخل الحزب الحاكم، مجموعة الرئيس سلفا كير ميارديت ومجموعة نائبه السابق رياك مشار، وكلاهما كانا من قادة التمرد الجنوبي الكبار الذين سعوا لاستقلال بلادهم.
ودخل الرجلان في صراع على السلطة لم يلبث أن تطور سريعًا إلى حرب قبلية لاهبة بين أكبر قبيلتين في البلاد، هما الدينكا التي ينحدر منها الرئيس سلفا كير، وقبيلة النوير التي ينحدر منها نائبه السابق رياك مشار.
وفي فترة لا تتجاوز نصف السنة لقي عشرات الآلاف مصرعهم قتلًا على الهوية، فيما شرد الملايين من المواطنين الجنوبيين، وتحولوا إلى نازحين بعضهم احتمى بمقرات بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان، وبعضهم عاد للسودان مجددًا، حتى إن تقارير غير رسمية تقول إن أكثر من مليوني جنوبي عادوا مجددًا إلى السودان بعد أن غادروه عشية استقلال بلادهم، جلهم يعيشون الآن في العاصمة الخرطوم.
المحللون السياسيون يعتقدون أن أعداد القتلى الذين لقوا حتفهم في الصراع الجنوبي الجنوبي قد يتجاوز أعداد الذين قتلوا طوال الحرب الأهلية بين السودان وجنوب السودان، التي امتدت طوال الفترة من 1983 حتى 2005، والتي راح ضحيتها 1.9 مليون، ونزح بسببها أكثر من أربعة ملايين خلال 11 سنة هي عمر الحرب، حال استمرار الحرب لفترة أطول.

* فقدان البوصلة
* ترجع المجموعة المنشقة عن الحركة الشعبية بقيادة نائب الرئيس السابق رياك مشار الإعاقة التي تعرض لها الجنوب إلى حكومة الرئيس سلفا كير، وإلى فشلها في تحقيق تطلعات شعب جنوب السودان. يقول المتحدث باسم الحركة الشعبية الموالية لرياك مشار، يوهانس موسس في حديث هاتفي لـ«الشرق الأوسط»، منذ فترة طويلة قالها رياك مشار والأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم، إن الحركة الشعبية فقدت البوصلة، وطالبوا بتغيير الرئيس والإتيان برئيس جديد. وتتهم المجموعة الرئيس سلفا كير شخصيًّا بأنه «سبب كل المشاكل». ويقول موسس: «الرئيس هو من يقف أمام التغيير، ويمنع عقد اجتماعات الحركة، فمنذ آخر مؤتمر عقد سنة 2008، لم تعقد الحركة الشعبية أي اجتماعات عدا الاجتماعات التي يعقدها الرئيس لتحقيق بعض الأغراض». ويضيف أن الرئيس تعمد تعطيل عمل الحزب، وهو الأمر الذي عطل تطلعات الشعب، أما فيما يتعلق بدور نائب الرئيس رياك مشار، فهو حسب المتحدث باسمه لا يستطيع فعل أي شيء، لأن الرئيس لم يكن يستشيره، أو يأخذ بكلامه. وأوضح أن المجموعة المكونة من الموالين لرياك مشار، بالإضافة إلى مجموعة المعتقلين المفرج عنهم بقيادة الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم عقدوا مؤتمرًا صحافيًّا في 6 ديسمبر العام الماضي، ودعوا فيه لمؤتمر استثنائي للحزب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكن النتيجة كانت أن دبر الرئيس سلفا كير ميارديت عملية 16 ديسمبر، واتهمهم بأنهم دبروا انقلابًا ضده، وكانت نتيجة ذلك الحرب الدائرة حاليًّا.

* ليست فاشلة ولكن..
* أستاذ الاستراتيجية بجامعة الزعيم الأزهري السودانية اللواء أمن متقاعد محمد العباس الأمين، يرى أن دولة جنوب السودان بوضعها الراهن لم تصل إلى مرحة الفشل، بل يقول إنها دولة قابلة للاستمرار بما تملكه من مقدرات زراعية واقتصادية وبشرية.
ويضيف أن مشكلتها الأساسية تتمثل في القبلية والاقتتال القبلي، وأنها فقدت السودان الذي كان يلعب دور «الضامن» قبيل الانفصال، وبمجرد الانفصال خرجت القبلية من القمقم وأدت للحرب الحالية.
ويوضح اللواء العباس أن الشمال ظل على الدوام يلعب دور الضامن في منع انفلات القبلية في جنوب السودان، أو دور العازل الذي يحول دون الاحتكاك بين قبائل الجنوب، وأن المشكلة القبلية لم تبرز أول مرة في النزاع الحالي، أو بعد الانفصال، بل ظهرت بسفور بعد اتفاقية أديس أبابا 1973، التي منح بموجبها جنوب السودان الحكم الذاتي. فبعد الاتفاقية أدت هيمنة قبيلة الدينكا على الجنوب إلى تقسيم جنوب السودان إلى ثلاث مديريات على أيام الرئيس جعفر النميري، حسبما يرى اللواء العباس.. «وهو الأمر الذي عجل بنشوب الحرب مرة أخرى». يقول: «كنت شاهدًا على تلك الفترة، وشاركت في الأحداث عندما كنت برتبة رائد، قرار التقسيم لم يكن قرار الرئيس جعفر النميري، بل كان مقترحًا من مجموعة القبائل الاستوائية، آزرتها فيه بقية القبائل للحد من سيطرة قبيلة الدينكا».
ويوضح اللواء العباس أن الجنوب تنقصه الأحزاب السياسية، والموجودة لا مجال لها للعمل بشكل حر، ودون تأثير من القبائل، ويضيف: «أحزاب جنوب السودان هي أحزاب القبيلة».

* تبخر الحلم
* تبخر الحلم الجنوبي بدولة تحقق للمواطن كرامته وتحفظ أمنه وتطور البلاد وتنميها منذ وقت باكر من استقلال جنوب السودان، وقبيل اندلاع الحرب الجارية حاليًّا، يقول زعيم ومؤسس حزب الحركة الشعبية لتحرير السودان - التغيير الديمقراطي، لام أكول أجاوين في حديثه الهاتفي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحلم الجنوبي ضاع منذ زمان.. والناس ظلوا يصفون الحكومة التي تكونت بأنها حكومة فساد وفشل؛ لأنها فشلت في تقديم أي خدمات للمواطن». ويضيف أجاوين: «الحلم انتهى قبل الحرب، وهي آخر الحلقات، فبعد أن فشل النظام في تحقيق أي شيء لمواطن الجنوب، اتجه للحرب ليكسر الإنسان، والبنيات التحتية». ويصف أجاوين نظام الحكم بالفشل في تقديم أي خدمات للمواطنين، وعلى الشعب السعي لتغييره، وأن الحرب كانت نتيجة طبيعية لفشله في مواجهة متطلبات مواطني جنوب السودان.

* أزمة ثلاثية
* ورغم عدم وجود إحصاءات يعتمد عليها، فإن وكالات الإغاثة تقول إن الحرب في الجنوب أدت لمقتل الآلاف، وأرغمت أكثر من 1.5 مليون شخص على النزوح.
ونقلت تقارير عن المسؤولة عن وكالة أوكسفام الإنسانية في جنوب السودان، إيما جاين، أن الحرب أسفرت عن سقوط آلاف القتلى، ودمرت سبل كسب العيش للملايين. وأضافت: «سكان جنوب السودان يواجهون أزمة ثلاثية، تتمثل في النزاع والمجاعة والأمراض، وحذرت من تفاقم الوضع في موسم الأمطار».
وأطلقت الأمم المتحدة السبت الماضي نداءً لجمع الأموال، وطلبت أكثر من مليار دولار لإغاثة أربعة ملايين متأثر بالمعارك والحرب، ونقل عن المسؤول عن العمليات الإنسانية للأمم المتحدة في جنوب السودان توبي لانزر: «الآن مع موسم الأمطار، تسوء ظروف العيش في جنوب السودان يوما بعد يوم، ويعيش السكان في الوحل».
وأضاف: «وباء الكوليرا تفشى، وكذلك الملاريا، ويعاني الكثير من الأطفال سوء التغذية، ويحتاج الملايين إلى علاج طبي وأغذية ومياه الشرب، وشروط صحية مناسبة وملجأ بصورة ملحة هذه السنة، وأن أكثر من 50 ألف طفل قد يتوفون هذا العام بسبب الأمراض والجوع».

* موسم العودة
* لا توجد إحصاءات رسمية، لكن هنا في الخرطوم يقول الناس إن قرابة مليوني مواطن جنوبي عادوا إلى السودان، معظمهم وصل إلى العاصمة الخرطوم، فيما تعاني أعداد كبيرة في المناطق الحدودية بين البلدين، بعضهم فشلت حكومة جوبا في نقلهم لجنوب السودان منذ إعلان الاستقلال. وهو الأمر الذي أثار «شماتة» الانفصاليين الشماليين، الذين كانوا منذ وقت مبكر يقولون إن الجنوبيين غير قادرين على حكم أنفسهم، وإن القبلية المتفشية هناك ستقضي على الدولة الوليدة.
قد لا تكون الأمور هكذا، لكن ما حدث ونزوح المدنيين شمالًا، جعل هؤلاء يخرجون ألسنتهم طويلة على حال جنوب السودان، لكن هل هذه الدولة التي حارب أهل جنوب السودان لنصف قرن من الزمان من أجلها؟ لا يظنن أحد أنها تلك الدولة.
كان الجنوبيون يقولون إنهم يقاتلون طوال فترة الحرب الأهلية من أجل الكرامة والتنمية ومنعًا للتمييز العرقي واللوني والديني الذي يمارس ضدهم.. فهل استطاعت حكومتهم، التي تسنم عرشها الثوار السابقون الذين حققوا الانفصال، الاستقلال؟ سؤال سهل ويجيب عليه واقع الحال، كأن أهل الجنوب تخلصوا من سيد ظالم، وخضعوا لسيد آخر أكثر ظلمًا.

* غيرة ومطامع
* اندلعت المعارك في 15 ديسمبر بين القوات الحكومية والقوات الموالية لمشار، واتهم سلفا كير مشار بالتخطيط لانقلاب فاشل ضده، واتهم مشار بدوره سلفا كير بالسعي بشن حرب لتصفية خصومه السياسيين.
وتعود جذور النزاع إلى المنافسة السياسية بين الرجلين، ما أدى لتعميق الخلافات داخل جيش الجنوب خاصة بين قبيلتي الدينكا والنوير، اللتين ينحدر منهما كل من سلفا كير ومشار على التوالي.
ورغم أن الصراع بدأ صراعًا سياسيا على السلطة بين الرجلين، فإن كلا منهما استعان بقبيلته ضد الآخر، ونتيجة لذلك حدثت عمليات تصفية عرقية متبادلة قتل فيها الآلاف، سخرت فيها الأحقاد القبلية القديمة، والمنافسة بين القبيلتين، وتعود جذورها إلى فترة الحرب الأهلية التي كان يواجه فيها فرقاء اليوم مجتمعين حكومة الخرطوم.

* «موسم الهجرة للشمال»
* ما يدلل على صحة ما ذهب إليه د. لام أكول أجاوين، هو أن بعض أهل جنوب السودان الذين فرحوا كثيرًا بدولتهم الوليدة، عادوا سريعًا إلى السودان، بعد أن اكتشفوا أن ما يحدث هناك ليس كما كانوا يتوقعون، لم يجدوا الخدمات التي كانوا يحلمون بها، لم يجدوا من يهتم بهم، لم يجدوا عملًا، ولم يجدوا حتى مساكن تؤويهم، فعادوا لأشغالهم القديمة ومنازلهم القديمة.
تقول مارتا، وتنتمي لجنوب السودان، وتعمل بائعة شاي في الخرطوم، إنها لم تغادر أصلًا، ولا تنوي المغادرة لأنها كانت تعرف منذ البداية أن الأوضاع هناك لن تكون على ما يرام، وتضيف: «من دخلي المحدود أجد نفسي مضطرة لمساعدة عائلتي هناك في بانتيو، هم هناك بلا عمل، وبلا مصدر دخل».
ومثلها أروك، وهو من الذين قرروا العودة إلى «وطن الأحلام»، بعد أن اكتشف زيف ما زين لهم من أحلام، يقول: «كنت أملك منزلًا هنا في الخرطوم، لكني بعته عشمًا في الجنة الموعودة، ومن عجب اضطررت أن أعود لمنزلي القديم ذاته، لكن هذه المرة مستأجرًا، بعد أن صرفت عائد بيعه خلال عام من وجودي في جوبا بلا عمل، وفي أجواء غلاء لا يطاق».
وردًّا على مسؤول في حكومة يقول كيمي جيمس أواي في موقع «فشودة دوت نت»: «لقد فشلت حكومة الجنوب على مدار أربع سنوات هي عمرها، في بناء بنية تحتية تذكر في الجنوب».
ويضيف: «لم تشق الطرق ولم تبن الكباري والسكك الحديدية وشبكات الاتصالات والمدارس والمشافي». وساخرًا يقول: «ليس تشييد مصانع الجعة والمياه المعدنية وفنادق الكرواميك».
ويضيف: «إنها فشلت في دفع مرتبات الموظفين والأطباء والمعلمين في مواعيدها، وفشلت في إنارة جوبا وتوفير مياه الشرب الصالحة للمواطنين، كما فشلت الحكومة في حماية مواطنيها من هجمات (جيش الرب) وغارات لصوص البقر».
ويوضح أن فشل الحكومة ليس بسبب «ضيق ذات اليد»، يقول: «حكومتنا ما شاء الله ولدت وفي فمها ملعقة من ذهب، بل ويحسدها بعض جيراننا الأفارقة».

* الحلم الضائع
* لوقف الحرب، وليس تحقيق الحلم، دخل طرفا النزاع الجنوبي في سلسلة من المفاوضات منذ يناير الماضي، ووقعا اتفاقًا لوقف إطلاق النار انهار سريعًا، ثم ضغطت عليهما الهيئة الحكومية لتنمية دول شرق أفريقيا (إيقاد) التي تتولى الوساطة بينهما، ليتعهدا مجددًا الأسبوع الماضي بوقف إطلاق النار، وتشكيل حكومة انتقالية في غضون 60 يومًا.
الحرب وشلل الدولة تركا حملًا ثقيلًا على كاهل سكان جنوب السودان، ولا يوجد هناك متفائل واحد يرى في آخر النفق حلًّا سهلًا وقريبًا. وهو الأمر الذي يجعل من الأحاديث التي تتردد هنا وهناك بوضع الدولة الوليدة «تحت الوصاية الدولية»، ممكن الحدوث، سيما بعد مطالبة مجموعة المتمردين بضرورة وضع عائدات النفط في بنوك دولية للحيلولة بين جوبا وتوظيفها في الحرب.
فهل يتحقق الحلم الجنوبي على أيدي «ذوي البيريهات الزرقاء»، أم أن جنوب السودان سيشفى من الجنون الذي أصاب قادته، فيستعيد عافيته ويسعى باتجاه حلمه الضائع، الذي أزهقت في سبيله مئات الآلاف من الأرواح، وأسيلت في الدرب إليه بحيرات من الدماء؟



صراعا «الكتلة الأكبر» و«الثلث المعطل» يفتحان باب التأويلات في بغداد

TT

صراعا «الكتلة الأكبر» و«الثلث المعطل» يفتحان باب التأويلات في بغداد

صراعا «الكتلة الأكبر» و«الثلث المعطل» يفتحان باب التأويلات في بغداد

في انتخابات عام 2010، حال تفسير سابق للمحكمة الاتحادية العليا في العراق دون تمكن «القائمة العراقية» بزعامة إياد علاوي، رئيس الوزراء الأسبق، من تشكيل الحكومة آنذاك. ثم حال «الثلث المعطّل» في انتخابات 2021 دون تمكن زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر من تشكيل حكومة غالبية سياسية... الأمر الذي جعله ينسحب من الانتخابات ويسحب معه نوابه الـ73 الذين كانوا فازوا بأكبر عدد من المقاعد آنذاك.

 

 

في عام 2010، كانت «القائمة العراقية»، التي تشكّلت من قوائم في غالبيتها سنية - وإن كان زعيمها إياد علاوي شيعياً - فازت بأكبر عدد من مقاعد البرلمان العراقي (92) مقعداً في حين حصل ائتلاف «دولة القانون» بزعامة نوري المالكي على (89) مقعداً.

وبالتالي، بينما كان ينبغي، وفق الدستور، أن تشكل «القائمة العراقية» بوصفها الفائزة بأكبر عدد المقاعد، فإن قائمة المالكي، التي حلّت في المرتبة الثانية، قدّمت في حينه شكوى للمحكمة الاتحادية التي خرجت «بتفسير» جديد تحوّل إلى عُرفٍ سياسي يقضي بأن «الكتلة الأكبر» هي التي «يُمكن» بعد إعلان النتائج أن تكون القائمة صاحبة أكبر عدد من المقاعد، أو تلك التي تشكّل بعد إعلان النتائج الكتلة الأكبر داخل البرلمان.

لا نص دستورياً حول «الثلث المعطل»

وبشأن «الثلث المعطل»، يقول خبراء قانونيون لـ«الشرق الأوسط» إن «الثلث المعطّل» لا يستند إلى نصّ في الدستور العراقي أو في قوانين الانتخابات. ويوضح الباحث القانوني سيف السعدي أن هذا المفهوم «ابتُكر سياسياً من قبل قوى (الإطار التنسيقي) الشيعي لمنع تمرير انتخاب رئيس الجمهورية (آنذاك)، وبالتالي، تعطيل تكليف رئيس الوزراء». وأردف أن «هذا الأسلوب لا ينسجم مع أحكام الدستور التي تحدّد آليات واضحة لتشكيل الحكومة».

من جانبه، يقول الخبير القانوني علي التميمي إن «الدستور العراقي لا يتضمّن أي إشارة إلى الثلث المعطّل، وإنما هي ممارسة سياسية تظهر عند اختيار رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء».

ويتابع أن انتخاب رئيس الجمهورية يتطلب تصويت ثلثَي أعضاء مجلس النواب؛ أي ما لا يقل عن 220 نائباً، وفي حال غياب هذا النصاب لا يمكن المضي بعملية الانتخاب، ما يؤدي إلى تعطّل تشكيل الحكومة.

ويضيف التميمي أن «الثلث المعطّل يعكس خلافات سياسية أكثر ممّا يعبّر عن قاعدة دستورية»، مشيراً إلى أن «تحقيق نصاب الثلثين يتطلّب توافقاً بين عدة كتل برلمانية». ويستطرد موضحاً: «المحكمة الاتحادية سبق لها أن أصدرت قراراً استثنائياً بهذا الشأن، لكن الأصل الدستوري هو انعقاد الجلسة بالغالبية المطلقة (النصف زائد واحد)، ومن الممكن طلب تفسير جديد من المحكمة لإزالة الغموض حول هذه المسألة».

للعلم، في انتخابات عام 2021، حاول مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، الذي كانت قائمته فازت بأكثر المقاعد - بحصوله على 73 مقعداً - تشكيل حكومة غالبية سياسية مع كل من الحزب «الديمقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني وحزب «تقدم» بزعامة محمد الحلبوسي. غير أن القوى الشيعية - آنذاك - حالت دون تمكينه من تشكيل الحكومة، بأن وضعت ما يُعرف بشرط «الثلث المعطل»، الذي لا وجود له في الدستور العراقي، حائلاً دون انتخاب رئيس الجمهورية الذي يحتاج إلى ثلثي أعضاء البرلمان.

وفي حين أدى ذلك إلى انسحاب الصدر من المشهد السياسي كلّه، وتحوّله إلى المعارضة لكن من خارج البرلمان، فقد رشّحت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعي محمد شياع السوداني لتشكيل الحكومة.

الانتخابات الأخيرة

في الانتخابات التي انتهت بالأمس، يظلّ باب المفاجآت مفتوحاً على كل الاحتمالات، بينما بدا واضحاً التشظي داخل كتلة «الإطار التنسيقي» الشيعي في أعقاب انشقاق ائتلاف «الإعمار والتنمية» بزعامة رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني عنها، ليس بإرادته بل بإرادة قوى «الإطار» نفسه.

ثم إنه مع توقّع كثيرين ازدياد الموقف تعقيداً أكثر فأكثر من قبل السوداني حيال قوى الإطار، وبالعكس، يؤكد هؤلاء بقاء كل الاحتمالات قائمة. ذلك أن السوداني أظهر تفوقاً واضحاً في الانتخابات المنتهية بحصوله على 45 مقعداً برلمانياً، وهو - بناءً عليه - الأول من حيث حجم الكتل والقوائم؛ إذ إنه يتقدّم بفارق كبير نسبياً عن أقرب خصومه من داخل «البيت» الشيعي، أي ائتلاف المالكي. وهو ما يعني أنه سيكون لاعباً قوياً في حال أراد تشكيل الحكومة عبر تشكيله الكتلة الأكبر.

ومع أن الحسابات الأولية تظهر أن قوى «الإطار التنسيقي» مجتمعة قد تتمكن من «تجميع» الكتلة الأكبر من حيث العدد متفوقة على السوداني، فإن الأخير وبسبب كونه صاحب أكبر عدد المقاعد، وكونه مَرضياً عنه أميركياً، لا تبدو فرصه في المناورة من أجل كسب ولاية ثانية مستبعدة أبداً. أضف إلى ذلك أن بعض قوى «الإطار التنسيقي» ليس لديها «فيتو» على السوداني بل لديها خلافات معه يمكن تسويتها عبر التفاوض ومنحها ما تريد من مناصب وامتيازات في الحكومة المقبلة في حال شكلها السوداني، الذي حظي بمباركة أميركية مبكّرة بعد يوم واحد من إعلان النتائج.

سافايا يشعل المنافسة

سارع مارك سافايا، مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترمب للعراق، إلى إشادة مبكرة بنتائج الانتخابات العراقية. وقدّم «تهانيه الخالصة» للشعب العراقي بمناسبة استكمال الانتخابات البرلمانية الأخيرة بنجاح، مقدماً شكره إلى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.

وقال سافايا في تصريح له نشره عبر حسابه الرسمي، إن «الشعب العراقي أثبت مرة أخرى التزامه بالحرية وسيادة القانون وبناء مؤسسات دولة قوية»، مشيداً بـ«حرص رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وحكومته على إجراء الانتخابات في وقتها وبسلاسة»، ومعتبراً أن «ذلك دليلٌ واضح على أن العراق يسير في طريق الازدهار والسيادة».

أيضاً، أكد المبعوث الأميركي - وهو عراقي الأصل - أن «الولايات المتحدة تبقى ملتزمة بقوة بدعم سيادة العراق وجهود الإصلاح والحد من التدخلات الخارجية والمجاميع المسلحة... وتظل تتطلع إلى العمل مع الحكومة العراقية لتعميق الشراكة الاستراتيجية في مجالات الأمن والطاقة والتنمية والمساهمة في بناء مستقبل مستقر ومزدهر لجميع العراقيين».

هذا، وبينما كان الثنائي الأميركي - الإيراني يدخل على خط اختيار رئيس الوزراء خلال الانتخابات البرلمانية السابقة في العراق بدءاً من أول انتخابات عام 2005 وإلى آخر انتخابات عام 2021 - التي لم يفلح فيها زعيم التيار الصدري الفائز الأول في تشكيل حكومة غالبية سياسية - فإنه، في ظل تراجع الدور الإيراني خلال الفترة الأخيرة، يرى مراقبون أن ثمة مخاوف تساور قوى «الإطار التنسيقي» الشيعي من أن تنفرد واشنطن هذه المرة بتحديد شخصية رئيس الوزراء المقبل، لا سيما أن واشنطن، وطبقاً لمضمون رسالة سافايا، تريد إكمال ما بدأته على صعيد الشراكة السياسية الاقتصادية مع رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني.

وفي هذا السياق، يقول الدكتور غالب الدعمي، أستاذ الإعلام في جامعة الكوفة لـ«الشرق الأوسط»، إن «التكهن بالسيناريوهات المقبلة يبدو صعباً حتى الآن، لكن مع ذلك يمكن القول إن رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني لا يزال هو الأكثر ترجيحاً... وإذا تمكن من إقناع بعض أطراف (الإطار التنسيقي) الشيعي فسيصار إلى تكليفه؛ لأن لا فيتو دولياً على السوداني بعكس أوضاع منافسين آخرين يمكن أن يكونوا مقبولين من الخارج لكن عليهم اعتراضات كبيرة من بعض قوى الداخل».

ويضيف الدعمي: «مع هذا، يبقى هناك منافسون آخرون للمنصب من بينهم رئيسا الوزراء السابقان حيدر العبادي ومصطفى الكاظمي. كذلك، فإن السيناريوهات متباينة حيث لا يستبعد أن يكون أحد قادة الأجهزة الأمنية مطروحاً هو الآخر لمنصب رئيس الوزراء مع أن المتغيرات الإقليمية والدولية يمكن أن تكون حاكمة في هذا السياق أيضاً».

من جهته، وخلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، يرى الدكتور صلاح العرباوي، رئيس حركة «وعي» الوطنية، أنه «قد لا يكون هناك جديد في هذه الانتخابات»، لكنه يرجح إمكانية إجراء انتخابات مبكرة نظراً لوضع التيار الصدري القلق، وأن «هذه الانتخابات لم تأت بأي جديد، حيث إن التنافس كان قوياً بين قوى (الإطار التنسيقي) الشيعي... ومن بين الملامح الأخرى لهذه الانتخابات هي غياب شبه تام للقوى المدنية والليبرالية والحركات المنبثقة عن (تشرين)».

وبحسب الدكتور العرباوي، «قوى (الإطار التنسيقي) الشيعي ستجتمع فيما بينها لتشكيل الكتلة الأكثر عدداً مثل كل انتخابات، وقد نشهد خلال شهر مارس (آذار) المقبل تشكيل الحكومة الجديدة وربما لن يكون السوداني رئيسها... لكن الأهم من ذلك كله هو ترتيب عودة آمنة للتيار الصدري، وذلك لن يكون إلا بإجراء انتخابات مبكرة؛ لأن التيار لن يستمر وجوده خارج أروقة السلطة طويلاً».

مارك سافايا مبعوث الرئيس الأميركي إلى العراق سارع

إلى الإشادة مبكراً بنتائج الانتخابات

صراع ومنافسات

على صعيد متصل، سجّل هذه المرة ارتفاع نسبة المشاركة في هذه الانتخابات؛ إذ بلغت 65 في المائة، وفق المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وهو ما يمثل فارقاً كبيراً عن آخر انتخابات، تلك التي أجريت عام 2021. فيومها بلغت النسبة 40 في المائة، ما يشير إلى قفزة كبيرة من حيث المشاركة الشعبية رغم غياب أكبر تيار شيعي معارض (أي التيار الصدري).

في المقابل، أظهرت نتائج الانتخابات تراجعاً واضحاً للتيارات المدنية. ذلك أن ما أدى إلى زيادة نسبة المشاركة هو التنافس الداخلي بين المكوّنات «الشيعية والسنية والكردية»، بعدما انتقل الصراع من صراعات «بين» المكوّنات إلى صراع «داخل» المكونات. وهذا ما جعل كل حزب أو تجمع يحشد أكبر عدد من التابعين له للمشاركة في الانتخابات من أجل إحداث فارق على صعيد نسب المشاركة.

وللعلم، كان رئيس تحالف «البديل» عدنان الزرفي، النائب في البرلمان والمرشح السابق لرئاسة الوزراء، الذي لم يتمكن تحالفه من الحصول على مقعد في البرلمان الحالي قد أعلن أنه خاض معركة انتخابية غير متكافئة. وأضاف في بيان له بعد إقراره بالخسارة: «لقد خضنا معركةً انتخابية غير متكافئة بين المال السياسي واستغلال السلطة في مواجهةِ مشروع مدني رافعته الانتخابية الوحيدة قناعة الناس ببرنامج (البديل) وإيمانهم بالتغيير».

ومن ثم، دعا المفوضية إلى «ممارسة دورها على أعلى وجه، ومحاسبة كُلِّ من سعى لتشويه العملية الانتخابية من خلالِ شراء الأصوات العلني والموثق في محافظة النجف، وتبادل العيارات النارية بين أنصار المرشحين، فهذه تعتبر (دگة سياسية) تمس جوهر العملية الديمقراطية وإرادة الناخب الحر».

وفي حين لم يحالف الحظ رئيس البرلمان العراقي، محمود المشهداني، الذي كان يحمل «الرقم واحد - بغداد» ضمن «قائمة السيادة» لنيل مقعد في البرلمان العراقي، صرّح لـ«الشرق الأوسط» بأن العراق «تخطى العقبة الأولى بإجراء الانتخابات في موعدها المحدد دون تأخير... أما التحدي الثاني الذي اجتزناه فيتمثل في سير العملية الانتخابية بانسيابية عالية وروح ديمقراطية، مع تسجيل خروق قليلة جداً تكاد لا تذكر». وهذا قبل أن يضيف: «تحديد نسبة المشاركة النهائية يتطلب انتظار انتهاء اليوم الانتخابي... والمرحلة المقبلة تتطلب الانتقال من الصراع على السلطة إلى بناء الدولة»، معتبراً أن هذا الهدف يحتاج إلى «حكومة كفاءات في ظل أمن مزدهر واقتصاد ناجح، لا حكومة قائمة على الولاءات السياسية».

 

قوى «الإطار التنسيقي»... مستعجلة

من جانب آخر، ومع أن الطريق لا يزال طويلاً على تشكيل الحكومة المقبلة - سواء طبقاً للمُدد الدستورية التي تستغرق نحو أربعة أشهر أو الخلافات السياسية المتوقع أن تكون عنيفة - فإن قوى «الإطار التنسيقي» الشيعي بدأت تعلن عن عزمها تشكيل «الكتلة النيابية الأكبر»، بعد التصديق على نتائج الانتخابات. وفي هذا مسعى واضح منها لعزل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الفائزة كتلتُه بأكبر عدد من المقاعد؛ إذ أعلن مختار الموسوي، القيادي في منظمة «بدر» (إحدى مكوّنات «الإطار التنسيقي») في تصريح صحافي، أن «قوى (الإطار التنسيقي) ستعلن عن تشكيلها القائمة، أو الكتلة النيابية الأكبر، بعد تصديق النتائج الرسمية للانتخابات... فقوائم (الإطار التنسيقي) حصلت على أصوات ومقاعد تمكنها من المضي بالكتلة الأكبر التي يقع على عاتقها تسمية رئيس الحكومة الجديدة، وليس بالضرورة أن تكون مع ائتلاف الإعمار والتنمية (أي كتلة السوداني)».

مع ذلك، فإنه بالنسبة للمراقبين السياسيين، وبغض النظر عن دقة نسب المشاركة أو عدمها، فإن الفوز الذي حققه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني سيعيد ترسيم قواعد اللعبة داخل قوى «الإطار التنسيقي»، وهو بعدما تمكن من الوصول إلى منصب رئيس الوزراء في الدورة الماضية وهو يملك فقط مقعدين برلمانيين، فإنه حصل هذه المرة على 45 مقعداً. وهذا واقع يجعله لاعباً أساسياً داخل الفضاء الإطاري، ومنافساً لشغل منصب رئاسة الوزراء لدورة ثانية، وكان قد أعلن بوضوح عن هذه الرغبة.أخيراً، مع أن الأمور لا تبدو بهذه السهولة، فإن ما يساعد رئيس الوزراء على ذلك حصول متغيرات إقليمية ودولية لصالحه، أبرزها تراجع النفوذ الإيراني في العراق مقابل تزايد النفوذ الأميركي، وبالأخص، بعد دخول المبعوث الرئاسي الأميركي مارك سافايا على خط التكهنات والتأويلات بشأن تشكيل الحكومة العراقية العتيدة.


«ماما سامية»... طموح نسائي محاط بـ«فخ الديكتاتورية»

واصلت الرئيسة بناء علاقات متوازنة مع القوى الكبرى المتنافسة أفريقياً، بالذات الصين والولايات المتحدة، محاولةً الحفاظ على استقلال القرار التنزاني
واصلت الرئيسة بناء علاقات متوازنة مع القوى الكبرى المتنافسة أفريقياً، بالذات الصين والولايات المتحدة، محاولةً الحفاظ على استقلال القرار التنزاني
TT

«ماما سامية»... طموح نسائي محاط بـ«فخ الديكتاتورية»

واصلت الرئيسة بناء علاقات متوازنة مع القوى الكبرى المتنافسة أفريقياً، بالذات الصين والولايات المتحدة، محاولةً الحفاظ على استقلال القرار التنزاني
واصلت الرئيسة بناء علاقات متوازنة مع القوى الكبرى المتنافسة أفريقياً، بالذات الصين والولايات المتحدة، محاولةً الحفاظ على استقلال القرار التنزاني

قبل أربع سنوات، كان من الصعب تخيّل أن تتولى امرأة مسلمة من جزيرة زنجبار رئاسة دولة تنزانيا شرق القارة الأفريقية. إلا أن سامية صلوحو حسن، التي اكتسحت الانتخابات الرئاسية الأخيرة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، اعتادت على المفاجآت والجدل المستمر. فقد بدأت رحلتها بطموح نسائي إصلاحي قادته صدفة إلى السلطة بعد وفاة الرئيس السابق جون ماجوفولي، لكنها، حسب مراقبين، تنزلق اليوم تدريجياً بصناديق الاقتراع نحو نفق يُخشى أن يتحول إلى «ديكتاتورية دامية».

بداية مشوار سامية صلوحو حسن (65 سنة) مع كرسي الرئاسة في تنزانيا كانت بمثابة حقبة انتقالية فرضها ظرف استثنائي لمدة 4 سنوات، إلا أنها حولت تلك الفرصة العابرة، أخيراً، إلى حضور لخمس سنوات أخرى، فارضة نفوذها عبر صناديق الاقتراع وسط احتجاجات دامية، في مشهد يختزل التحديات المستمرة في مشاهد الانتقال الديمقراطي الأفريقي.

في خطوات صلوحو حسن الأولى على أبواب القصر الرئاسي عام 2021، كان لقبها الشعبي «ماما سامية» ترميزاً للحكمة والاحترام الأمومي، وتفاؤلاً ببداية إصلاحات واعدة. ولكن مع مرور الوقت، فُقد هذا البريق تدريجياً، وتحوّلت صورتها من زعيمة معتدلة إلى شخصية مثيرة للجدل، تتهمها المعارضة بتكريس نهج الحزب الواحد وإعادة إنتاج سياسات القمع... بل حتى ذهب البعض إلى تشبيهها بالرئيس الأوغندي الراحل الجنرال عيدي أمين.

تجلّى هذا الأمر على نحو واضح بعد فوزها الساحق بنسبة 97 في المائة في انتخابات وُصفت بأنها «غير نزيهة» شهدت اعتقال عشرات المعارضين بتهم «الخيانة العظمى». ويرى محللون محليون أن الرئيسة ما عادت كما كانت عند توليها الحكم عام 2021. وهذه هي أيضاً رؤية المحلل السياسي التنزاني خليفة سعيد، رئيس تحرير منصة «تشانزو»، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «التوقّعات في الماضي كانت تدور حول ازدهار اقتصادي شامل وتعزيز التعددية السياسية واحترام حقوق الإنسان، لكن هذه الآمال تبخرت خلال أربع سنوات من حكمها».

نشأة وسط أجواء متوترة

الأجواء المتوترة في تنزانيا راهناً لا تتباين كثيراً مع مرحلة تشكُّل الوعي المبكّر لرئيستها في مسقط رأسها، جزيرة زنجبار، حيث كانت تتبدّل ديناميكيات السلطة ويأخذ التغيير الاجتماعي مجراه.

وُلدت سامية صلوحو حسن يوم 27 يناير (كانون الأول) 1960 لأسرة مسلمة متواضعة - الأب يعمل مدرّساً - حين كانت جزيرة زنجبار تعيش اضطرابات سياسية متلاحقة. ولقد بلغت تلك الاضطرابات التاريخية ذروتها بثورة عام 1964 التي أطاحت بنفوذ سلطنة عُمان على الجزيرة، وأسفرت عن مذابح راح ضحيتها الآلاف، ومهّدت، من ثم، الطريق لاتحاد زنجبار مع تنجانيقا، «جارتها» الكبيرة على اليابسة الأفريقية، وبذلك «الاتحاد» ولدت دولة تنزانيا الحديثة.

أهدت تنزانيا في ثوبها الجديد فرصاً حياتية مهمة لرئيسة المستقبل، إذ كانت من بين قلةٍ من الفتيات اللواتي واصلن التعليم في زمنٍ كانت الفرص محدودة للنساء. إذ درست في مدارس زنجبار، ثم تلقّت تدريباً عالياً في الإدارة العامة والاقتصاد في معاهد بينها معهد إدارة التنمية (جامعة مزومبي حالياً) في تنزانيا، ثم واصلت تعليمها فحصلت على دبلوم دراسات عليا من جامعة مانشستر البريطانية، ثم ماجستير في التنمية الاقتصادية ضمن برنامج مشترك بين جامعة جنوب نيوهامبشاير الأميركية وجامعة تنزانيا المفتوحة.

هذا المسار الأكاديمي منحها قاعدة صلبة مكّنتها من العمل في مؤسسات حكومية وبرامج الأمم المتحدة، قبل أن تدخل البرلمان وتشغل مناصب وزارية مختلفة، إلى أن اختارها الرئيس ماغوفولي - من حزب الثورة (اليسار المعتدل الاشتراكي) - نائبةً له عام 2015.

رئيسة لتنزانيا

لكن في مارس (آذار) 2021 بعد وفاة ماغوفولي (61 سنة) المفاجئة، وجدت صلوحو حسن نفسها - من دون أي حسابات مسبقة - على قمة السلطة. بالفعل، أقسمت في حينه اليمين الدستورية، وغدت أول امرأة تترأس تنزانيا، ما يعني أنها لم تصل مباشرة عبر صناديق الاقتراع، بل على وقع الصدمة الوطنية.

ورغم الشكوك الأولى حول قدرتها على القيادة، بادرت الرئيسة الجديدة إلى طرح سياسة «آر إس 4» التي تضمنت نهجاً رباعياً يتمثل في المصالحة، والصمود، والإصلاح، وإعادة البناء، محاولةً طي صفحة إرث سلفها الثقيل.

لقد حاولت الـ«ماما سامية» إظهار انفتاح معلن، وطيّ صفحة الماضي عبر رفع القيود عن الإعلام وتسهيل عمل المعارضة. كذلك أطلقت لجنة للإصلاح السياسي للتشاور مع المجتمع المدني، كما أفرجت عن بعض المعتقلين السياسيين، وفتحت قنوات حوار مع الخصوم، فبدت في بداياتها وكأنها تبشّر بعصر جديد من الانفتاح والديمقراطية.

اقتصادياً، وضعت صلوحو مسألة التنمية في صدارة أولوياتها، وركّزت على مشاريع البنية التحتية والطاقة، وسعت لجذب الاستثمارات الأجنبية رافعةً للنمو الذي حقق نمواً ملحوظاً، بيد أن الفقر والبطالة كانا يطالان نحو نصف السكان، في بلدٍ يعتمد بشكل كبير على الزراعة والخدمات والسياحة.

ومن جهة ثانية، تواكبت جهود الرئيسة الاشتراكية مع إطلاق سلسلة مبادرات لمواجهة تغير المناخ وتعزيز الأمن الغذائي، فضلاً عن برامج لتمكين النساء والفتيات وتشجيع الشباب على المشاركة في الحياة العامة. هذه السياسات الاجتماعية ساعدت في الحفاظ على قاعدة دعم نسائية وشبابية، رغم اتساع الهوة بينها وبين الطبقة السياسية المعارضة.

السياسة الخارجية وسط التنافس القاري

على صعيد السياسة الخارجية، انتهجت صلوحو حسن نهجاً حذراً ومتوازناً. فقد أدانت الحرب على غزة، ودعت إلى وقف فوري لإطلاق النار، لكن من دون التحرك الجنائي المباشر على غرار جنوب أفريقيا أو الانخراط المباشر في جهد دبلوماسي في الصراع، مؤثرة دعم الحلول الدولية السلمية. وعملت على تعزيز علاقات بلادها مع دول خليجية، خصوصاً سلطنة عُمان ودولة الإمارات العربية المتحدة، ووقّعت معهما مذكّرات تفاهم اقتصادية وتجارية عزّزت حضور تنزانيا الإقليمي.

في الوقت نفسه، واصلت بناء علاقات متوازنة مع القوى الكبرى المتنافسة أفريقياً، بالذات الصين والولايات المتحدة، محاولة الحفاظ على استقلال القرار التنزاني وتجنّب التبعية لأي محوَر دولي.

هذا التوازن ساعدها في جذب استثمارات ومساعدات تنموية، لكنه لم يُخف الانتقادات الغربية المناوئة لخطها السياسي، بذريعة «سجّلها في مجال الحريات السياسية»، لا سيما من جانب واشنطن.

ومع اقتراب نهاية ولايتها الأولى، بدا أن الصورة «الإصلاحية» للرئيسة الاشتراكية تهتزّ في الغرب على الرغم من المؤشرات الاقتصادية الجيدة، ففي استطلاع أجرته مؤسسة «أفروباروميت» وشمل 2400 مواطن، أظهر أن 68 في المائة من التنزانيين يقدرّون مستوى أداء الحكومة بين «الجيد والجيد جداً» في تحسين الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم.

إذ ترى مصادر غربية أن الأرقام في الاستطلاع نفسه كشفت أن الإصلاح الاقتصادي لم يتوازَ مع تحسن مماثل في الحريات العامة، بدليل أن 75 في المائة ممن استُطلعت آراؤهم أعربوا عن خوفهم من الانتقام إذا تكلّموا عن الفساد. وبينما قال 61 في المائة إنهم يشعرون بحرية نسبية في التعبير، قال 58 في المائة إنهم يفضّلون الحذر في النقاشات السياسية.

صدام مع الغرب

بالفعل، في الأمتار الأخيرة من ولايتها الرئاسية الأولى، دخلت سامية صلوحو حسن في أول صدام مع الغرب، لا سيما الولايات المتحدة، بعد دعوات لإجراء تحقيق مستقل في مقتل المعارض علي محمد كيباو، الزعيم السابق لحزب «تشاديما» اليميني، الذي عُثر على جثته المشوّهة في دار السلام، لكنها ردت بلهجة حاسمة قائلة «نحن لسنا هنا ليُقال لنا كيف ندير بلادنا».

وهنا، حسب المحلّل التنزاني خليفة سعيد، بدا أن الرئيسة «تُظهر تراجعاً في الثقة بالنفس، وتعتمد بشكل متزايد على الأجهزة الأمنية بدلاً من الحلول السياسية، وتتعامل مع النقد كعداء شخصي». وكذلك تتبدل ملامح صورة الرئيسة «من أنجيلا ميركل أفريقيا إلى زعيمة متهمة بالقمع وإقصاء خصومها»، وفق الباحث محمد الجزّار في دراسة لمركز «قراءات أفريقية».

وبالتالي، يرى البعض أن الانتخابات الرئاسية التنزانية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي «رسخت» صورة هذا التحوّل السلبي؛ إذ استُبعد أبرز المرشحين المعارضين واعتُقل بعضهم، ما جعل السباق الرئاسي شبه محسوم لصالح حزب الثورة (تشاما تشا مابيندوزي) الاشتراكي الحاكم.

بل بعد إعلان فوز صلوحو حسن بنسبة 97 في المائة، اندلعت احتجاجات عنيفة في عدة مدن أسفرت عن مقتل مئات، وتفجرت معها إدانات من الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية.

هكذا تحوّلت الرئيسة التي كانت تُوصف ذات يوم بـ«أمل الإصلاح» إلى شخصيةٍ تواجه اتهامات بالقمع والفساد السياسي، وتدشن ولايتها الثانية حاملةً ثلاثة ملفات ثقيلة:

الأول: ترميم الثقة السياسية بعد تراجع الحريات وتضرّر صورتها الدولية.

الثاني: تحقيق وعود الإصلاح الدستوري والإفراج عن قادة المعارضة لتهدئة الداخل.

الثالث: معالجة الأزمات المعيشية في ظل البطالة والفقر وتحديات المناخ.

ثم إن صلوحو حسن تواجه تحدياً خارجياً يتمثّل في «الموازنة» بين علاقاتها مع القوى الكبرى وحماية الهوية الأفريقية والإسلامية لبلادها، وسط تصاعد الانتقادات من الحكومات الغربية.

أخيراً، فإن المفارقة وسط هذا الزخم السياسي الدرامي والتوازنات المعقدة تظل في بقاء الرئيسة التنزانية محافظة على خصوصية حياتها الأسرية بعيداً عن الأضواء؛ إذ لم يظهر زوجها حافظ أمير أو أبناؤها الأربعة في الإعلام، كما لم تُدْلِ هي بتفاصيل دقيقة عن حياتها اليومية مع زوجها أو أسلوب إدارة شؤون المنزل.

واليوم، وبينما تدخل «ماما سامية» ولايتها الرئاسية الثانية، يبدو المشهد السياسي التنزاني وكأنه رقعة شطرنج مليئة بالمخاطر... وترى هي نفسها أمام مفترق حقيقي بين طموح الإصلاح الذي وعدت به، وفخ القمع الذي يتهمها الغرب بالانزلاق فيه.


الانتخابات الرئاسية تهزّ صورة تنزانيا «المستقرة»

عنف ما بعد الانتخابات في تنزانيا (آ ب)
عنف ما بعد الانتخابات في تنزانيا (آ ب)
TT

الانتخابات الرئاسية تهزّ صورة تنزانيا «المستقرة»

عنف ما بعد الانتخابات في تنزانيا (آ ب)
عنف ما بعد الانتخابات في تنزانيا (آ ب)

مع أن تنزانيا بقيت لعقودٍ نموذجاً للاستقرار السياسي، بل موضع فخر لوجود امرأة في الرئاسة، يرى مراقبون أن الانتخابات الأخيرة «قلبت» هذه الصورة رأساً على عقب.

إذ اكتسحت الرئيسة سامية صلحو حسن نتائجها، في غياب منافسٍ حقيقي، لتصبح البلاد محور اهتمام الإعلام الدولي، ليس كقصة نجاح ديمقراطي، بل كساحة صراع دموي بين القمع القديم وأمل الشباب بالإصلاح.

كانت أجواء الانتخابات الرئاسية في تنزانيا مشحونة بشكل غير مسبوق، رغم الكلام عن تغييرات اقتصادية واسعة، إذ وصفتها صحيفة «لوموند» الفرنسية مبكّراً بأنها «بلا منافسة حقيقية»، على خلفية اعتقال المُعارض البارز توندو ليسو، ومنع حزبه اليميني «تشاديما» من الترشح، في مقابل هيمنة الرئيسة سامية صلحو حسن وحزبها - حزب الثورة - على المشهد العام، لتغدو المنافسة شكليّة أكثر منها حقيقية.

بل استبقت صحف غربية هذا المشهد الانتخابي مبكراً بتسليط الضوء على بنية السلطة والحكم في تنزانيا نفسها، إذ رأت صحيفة «الغارديان» البريطانية أن «الحزب الحاكم بنى، عبر عقود، شبكة تنظيمية متغلغلة في مؤسسات الدولة والمجتمع، تجعل من الصعب على أي منافس أن يتحداه بفاعلية». وكانت الملاحظة الأبرز لصحيفة «دويتشه تاغِس تسايتونغ» الألمانية، أن الرئيسة غضّت الطرف عن «شبكة النفوذ الأمني التي أسسها سَلَفها جون ماغوفولي، حيث لا يزال مُوالوه يمارسون التضييق على المعارضة، مما خنق الحياة السياسية قبل الانتخابات الأخيرة».

ومن ثم، حين أعلنت لجنة الانتخابات فوز الرئيسة صلحو حسن بولاية جديدة بنسبة كاسحة بلغت 97.7 في المائة من الأصوات، تفجرت احتجاجات، وأسفرت الاضطرابات - وفق أحدث تقديرات لمكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان - عن مقتل المئات، وسط اتهامات للقوات الأمنية بإخفاء جثث المتظاهرين.

وعلى وقْع قلق الأمم المتحدة من العنف والانتهاكات التي صاحبت الانتخابات التنزانية وتشكيك الاتحاد الأوروبي في نزاهة الاقتراع، بدا المشهد صادماً في الصحافة الغربية، كما جاء في تقارير وتعليقات لـ«لوموند» الفرنسية، والـ«نيويورك تايمز» الأميركية، والـ«واشنطن بوست» الأميركية، و«إل باييس» الإسبانية.

وفي تحليل عميق، ذهب «معهد الدراسات الأمنية في جنوب أفريقيا» إلى القول إن ما حدث في تنزانيا ليس معزولاً، بل هو جزء من «تحوّل جذري في نمط الانتخابات عبر قارة أفريقيا»، لافتاً إلى تكرر «السيناريوهات» نفسها في كوت ديفوار والكاميرون وموزمبيق، حيث يقود احتكار السلطة إلى احتجاجاتٍ متصاعدة. ومع حقيقة أن 65 في المائة من سكان أفريقيا دون سن الخامسة والثلاثين، يرى المركز البحثي الجنوب أفريقي أن «هذه التركيبة الديموغرافية الشابة تعيد صياغة الخطاب السياسي، وتجعل من تجاهل أصوات الأجيال الجديدة خطراً يفوق أي فوز انتخابي».

وبالفعل، جاء في تقديرات محللين أن «تنزانيا لن تعود بعد هذه الانتخابات إلى ما كانت عليه». وقد نقلت «الغاريان» البريطانية عن ديوس فالنتاين، الرئيس التنفيذي لمركز التقاضي الاستراتيجي (مقره في دار السلام بتنزانيا) قوله: «نحن أمام لحظة فاصلة، فإما نموذج جديد بالكامل، أو مستوى غير مسبوق من الإفلات من العقاب!».