ليبيا... مراكز القوى

يقول الشيخ جميعي، وهو أحد قادة القبائل، قرب مدينة بنغازي، إن اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يقود حملة عسكرية ضد المتطرفين في ليبيا، يشبه الرجل الذي اضطر إلى قيادة سيارة، لكنه سيضطر أيضا إلى تركها قبل أن تصل إلى محطتها الأخيرة. ويضيف: «حرك حفتر المياه الراكدة، وتمكن من إيقاظ الكثير من القطاعات لتتنبه إلى خطر المتشددين في ليبيا، لكن هذا لا يعني أنه سيظل ممسكا بقيادة العملية إلى نهاية المطاف». ويأتي هذا وسط تراجع لنفوذ الإسلاميين في البرلمان المنتظر، مما يمكن أن يغير قواعد اللعبة في عموم البلاد. وتمكن حفتر، في وقت وجيز، من تشكيل قطاع مهم في المعادلة السياسية الليبية، لكن، ووفقا للشيخ جميعي، وكذا وفقا للدكتور موسى قريفة، الأستاذ في جامعة طرابلس، فإن المتغيرات الجارية في ليبيا الآن، خاصة بعد تلقي الإسلاميين ضربة كبيرة في انتخابات البرلمان، تجعل أبواب المستقبل مشرعة على كثير الاحتمالات. ويضيف قريفة: «ليبيا الآن فيها معادلة (البرلمان الجديد)، ومعادلة (عملية الكرامة)».

وفقا لروايات قادة عسكريين كانوا يعملون في الجيش الليبي السابق، تتحدد مراكز القوى الفاعلة على الأرض في ليبيا في خمسة قطاعات رئيسة، بعضها أخذ يتآكل ويتراجع وبعضها الآخر بدأ بالظهور على السطح. ومن مراكز القوى مجموعات الجهاديين الموالين لتنظيم القاعدة، وفي القلب من هذه المجموعات «أنصار الشريعة»، التي تضم تونسيين ومصريين وجزائريين وترفع الرايات السوداء، وصنفتها الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية.
ويهيمن على هذا القطاع، بشكل غير مباشر، قيادات كانت تتزعم «الجماعة الإسلامية المقاتلة» التي تأسست لأول مرة في أفغانستان منذ نحو ربع قرن، قبل أن تنتقل إلى ليبيا لمقاتلة القذافي في منتصف تسعينات القرن الماضي، وقبل أن تعود مرة أخرى لتشارك في اقتحام وكر القذافي بطرابلس في 2011. وهذا القطاع الذي يملك آليات وأسلحة عسكرية وصواريخ محمولة على الكتف ومدرب على حرب العصابات، يتركز وجوده، من الشرق إلى الغرب، في درنة ثم بنغازي إضافة إلى بعض الجيوب في العاصمة نفسها، وبعض النقاط قرب الحدود الجنوبية الغربية.
ويقول ضابط سابق في الاستخبارات الليبية: «توجد خيوط قوية بين هذا القطاع وجماعة الإخوان المسلمين وقادة من البرلمان السابق وقادة في الحكومة أيضا، من بينهم متهمون بقتل اللواء عبد الفتاح يونس الذي كان يقود (الثوار) ضد قوات القذافي في 2011. ومتهمون أيضا بتدبير تفجير القنصلية الأميركية في بنغازي في 2012». ويضيف أنه «معلوم أن عناصر وزعماء الكتائب والميليشيات في هذا القطاع، الذي يعد الأخطر، تتلقى رواتب شهرية ومكافآت ربع سنوية من خزانة الدولة»، لكن في حال جرى إقصاء نفوذ الإسلاميين عن البرلمان والحكومة والأموال، فإن المعادلة ستتغير.
والقطاع الثاني هم «مجموعات الدروع»، وهي تشكيلات شبه عسكرية تهيمن على القيادة فيها شخصيات من مدينة مصراتة التجارية والثرية، والواقعة على البحر المتوسط على بعد نحو مائتي كيلومتر إلى الشرق من طرابلس. ومنذ مقتل القذافي وتشكيل البرلمان والحكومة، تتحرك مجموعات الدروع هذه كأذرع ضاربة لصالح الشق الإخواني داخل منظومة الحكام الجدد، سواء السلطة التشريعية أو التنفيذية.
ويقول العقيد سعيد الذي عمل سنوات في الجيش الليبي السابق، إن عناصر الدروع وقادتها يحصلون على نصيب الأسد من مخصصات الدولة للدفاع والحماية. ولوحظ أن مصراتة لم تمثل في أي من التجمعات القبلية والجهوية التي انعقدت أخيرا في داخل البلاد وخارجها، ويخشى كثير من الأطراف الليبية أن تتحول مصراتة بما تملكه من هيمنة إخوانية وعتاد عسكري وخصوصية في العمل الداخلي والعلاقات الخارجية، إلى حجر عثرة أمام توحيد الليبيين في الفترة المقبلة.
أما القطاع الثالث الذي بدأ الظهور على الساحة الليبية، فهم قادة القبائل الكبرى التي عقدت ثلاثة مؤتمرات خلال الشهرين الأخيرين، اثنان في تونس ومصر، وواحد، وهو الأهم، في بلدة العزيزية الواقعة على بعد نحو خمسين كيلومترا جنوب غربي العاصمة طرابلس. وبدا أن مثل هذه التجمعات القبلية الرافضة لاستحواذ المتشددين الإسلاميين على مقدرات الليبيين، يصب في مصلحة حفتر، لكن، العقيد سعيد، يقول إن هذا غير دقيق، لأن القبائل التي ظلت منبوذة ومهمشة بسبب اتهامها بأنها كانت موالية لنظام القذافي، تؤيد «عملية الكرامة» من جانب، إلا أنها تنظر لشخصية حفتر بـ«عين الريبة»، و«تسعى للاستفادة مما حققه على أرض الواقع، من أجل الانتقال إلى مرحلة جديدة، ليس بالضرورة أن يكون حفتر موجودا على رأسها».
ويتمثل القطاع الرابع الفاعل في المعادلة في «الشارع الليبي» نفسه، أي الرأي العام الذي «أظهر العين الحمراء للإسلاميين في انتخابات البرلمان هذه الأيام». ويقول الدكتور قريفة: «نجاح الليبيين يتوقف على نبض الشارع والقضاء.. الشارع هنا يحكم، وتوجد ثقة بالقضاء بعد الحكم الأخير (المقصود به حكم المحكمة العليا بعدم صحة انتخاب البرلمان المنتهية ولايته للملياردير الإسلامي أحمد معيتيق رئيس حكومة). ويضيف الدكتور قريفة: «حتى الكتائب لا تخشى كتائب أخرى، ولكنها تخشى مواجهة الشارع. وهذه أعتقد أنها معادلة جيدة، لأن الشارع أصبح صوته مرتفعا جدا».
أما القطاع الخامس، فهو قطاع حفتر نفسه. فكيف بدأ؟ وما قوته؟ وإلى أين يمكن أن ينتهي؟ وهل يا ترى ستجبره الظروف والمتغيرات المتسارعة على الأرض، على ترك قيادة «عملية الكرامة» لشخصية أخرى يكون حولها توافق أكبر، أم أنه سينخرط هو نفسه في المقترحات ومنها تلك التي يقودها زعماء قبائل بإقامة مجلس قبلي يتبعه مجلس عسكري موحد، لحكم ليبيا.
لكن رغم كل شيء، ما زال حفتر يلهم قطاعات من الليبيين، خاصة الشباب، في مقاومة المتطرفين، منذ انطلاق عمليته الشهر قبل الماضي، ويبدو أنه مصمم على قيادة العملية حتى النهاية، بعد أن تمكن من تحقيق انتصارات على الأرض لم تكن متوقعة، وأدخل الرعب في قلوب قادة الكتائب والميليشيات، ليس في الشرق وحده، بل في الكثير من المناطق الأخرى، خاصة بعد انضمام مجموعات من جنوب غربي طرابلس إلى «عملية الكرامة»، ومعروف أنها تضم عناصر عملت لسنوات في الجيش الليبي و«كتائبه» وهي محترفة ومن النخبة ولديها آليات حديثة، وأجبرت طوال الأشهر الماضية قوات مصراتة على عدم الدخول إلى العاصمة.
أما في المكان الأخطر، وهو منطقة جنوب مدينة درنة، فكانت توجد ثلاث مزارع كبيرة لتربية الدواجن. وكان علم تنظيم القاعدة الأسود يرفرف على اثنتين من هذه المزارع، كما يرفرف على عشرات المنشآت التي احتلتها عناصر من تنظيم «أنصار الشريعة» المتطرف في مناطق الوديان الجنوبية للمدينة الواقعة على البحر المتوسط. أما المزرعة الثالثة، فتخص مواطنا مستقلا من درنة لا علاقة له بهذه التنظيمات الجهادية. ويقول حسين، وهو ليبي من أصل مصري، ويعمل في هذه المزرعة: «كنت أرى سيارات الدفع الرباعي وعليها رشاشات المدافع من عيار 14.5 تقف عادة أمام المزرعة الأولى وكذلك أمام المزرعة الثانية، وفي يوم من الأيام جرى نزع الأعلام مرة واحدة، وأصبح تردد السيارات المحملة بالمدافع نادرا، وتأتي بدلا منها سيارات عادية لنقل الدجاج إلى معسكرات الجهاديين في الوادي».
و«اليوم» الذي يقصده «حسين» هو منتصف مايو (أيار) الماضي، حين بدأ اللواء حفتر، شن عمليته ضد المتطرفين، عن طريق ما أصبح يعرف بـ«الجيش الوطني». ولا يتركز وجود الجهاديين من «أنصار الشريعة» وغيرها في مدينة درنة ذات الوديان والغابات الوعرة، فقط، بل توجد معسكرات لتنظيم «أنصار الشريعة»، في ثلاث مناطق حول بنغازي، التي تعد ثاني كبرى المدن الليبية ومهد الثورة المسلحة التي عضدها حلف الناتو بالقصف الجوي ضد قوات العقيد الراحل معمر القذافي في عام 2011.
ومع بداية عملية حفتر، وانضمام الكثير من تشكيلات الجيش إليه، ومع وجود زخم شعبي مؤيد للواء المتقاعد، أخذت المجموعات الجهادية في كل من درنة وبنغازي، تغير من تكتيكاتها لتتحاشى ضربات الطيران وهجمات صواريخ «عملية الكرامة». وبدأت «أنصار الشريعة» ومن معها من جماعات أخرى، تطوي أعلامها السوداء، وتبتعد عن الظهور العلني بالقرب من درنة، وتمضي وقتا طويلا داخل الوديان التي سبق أن تحصنت فيها عناصر «الجماعة الليبية المقاتلة» في عام 1995، وذلك حين دخلت في مواجهات مع قوات القذافي.
لماذا تعد درنة من المناطق التي يمكن أن يتحصن فيها الجهاديون لفترات طويلة؟ لأنه توجد فيها جبال ووديان وغابات ومناطق شجرية كثيفة، ولأن كتيبة «أنصار الشريعة» تمكنت من الوجود وجمع العتاد هناك طيلة نحو ثلاث سنوات من دون أي عراقيل، بالإضافة إلى تاريخ هذه المنطقة مع الجهاديين.. فهذه المنطقة الوعرة هي المكان نفسه الذي قاد منه عبد الحكيم بلحاج، مؤسس الجماعة الإسلامية المقتلة، حربه الجهادية ضد نظام القذافي بعد عودته من أفغانستان، واستمرت حرب الجماعة المقاتلة الشرسة نحو سنتين، أي في 1995 و1996 قام خلالهما جيش القذافي بحرق الوديان التي كان يتحصن فيها أتباع بلحاج، الذي أصبح بعد سقوط القذافي ومقتله في 2011 قياديا غامضا ومهما في ليبيا، وقائد معركة تحرير طرابلس.
ويقول أحد الضباط التابعين لـ«عملية الكرامة»: «لا أحد من جنود الجيش أو من أتباع حفتر يستطيع أن يمر من الطرق التي تعبر من درنة». وتوجد نقاط تفتيش على تلك الطرق يسيطر عيها جهاديون من «أنصار الشريعة» وغيرها، ويقومون بتفتيش السيارات بحثا عن أي منتسب إلى الجيش، حيث يجري إعدامه بالذبح على الفور. ويضيف الضابط: «خلال اليومين الماضيين، جرى استهداف سيارة لعائلة فجرى قتل الزوجة وإصابة الزوج عند مدخل درنة». وتمر حركة السير بين المدن الشرقية، من درنة، لكن هذا فقط عبر الطريق الساحلي الدولي «الذي لا يستخدمه رجال الجيش أبدا»، كما أن معارضي «أنصار الشريعة»، «لا يستخدمون الطريق الدولي المار بدرنة، ولكنهم يستخدمون الطريق الجنوبي الذي يلتف من طبرق حتى بنغازي».
ومن العناصر الخطرة في درنة، وفقا للمصادر العسكرية، المعتقل السابق في غوانتانامو المعروف باسم «جومة»، الذي عاد بعد إفراج الولايات المتحدة عنه لينخرط مع ثورة «فبراير 2011». ويقول سكان درنة إنه فلسطيني الأصل، وكان يعيش هناك منعزلا عن سكان المدينة منذ عدة عقود، وفي الوقت الحالي له أنصار يقيمون معه في غابات درنة بينهم مصريون وتونسيون وجزائريون، وهم مسلحون بأسلحة خفيفة ومتوسطة ولديهم قاذفات صاروخية يمكن أن تستهدف الطائرات المنخفضة. كما يمتلكون نحو ألف سيارة على الأقل من سيارات الدفع الرباعي المجهزة. وهم يشبهون «داعش» في تحركاتهم وعملهم ومحاكماتهم وقرارات التصفية الجسدية لخصومهم.
وفي درنة، توجد حاليا جماعات أخرى غير «أنصار الشريعة». وتوجد جماعات تقودها عناصر غير ليبية، من بينها مجموعة يقودها جزائريان من أتباع تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي. كما توجد مجموعات مزروعة بواسطة أجهزة استخباراتية تعمل وسط تلك المجموعات لأهداف معنية لكنها غير معروفة. كما توجد أيضا بعض الجماعات السلفية المعروفة في درنة وبنغازي، التي لم تحسم أمرها بعد في الانضمام إلى حفتر أو إلى جبهة «أنصار الشريعة»، لأن «كلا الطرفين يحاول أن يحصل على دعم وموالاة هذه الجماعة السلفية التي تعد من الجماعات الدعوية غير العنيفة ولديها الكثير من الأنصار في بنغازي ودرنة».
ومما أسهم في تأييد عملية حفتر خاصة من القطاعات الشبابية، ظهور أمراء الحرب ممن أثروا سريعا، بسبب الفوضى الأمنية وحاجة الإسلاميين في الحكومة والبرلمان إلى الحماية. ومن القصص المتداولة في سهرات درنة، قيام رجل صنعته «تغيير زيوت السيارات» في ورشة بالمدينة، بتشكيل كتيبة عسكرية لحماية قادة الإسلام السياسي في العاصمة، حيث أصبح من مليونيرات المدينة خلال شهور قليلة، ويلقب هذا الرجل باسم «بوكا»، وآخر العمليات التي قامت بها كتيبته المشاركة في تأمين البرلمان بطرابلس حين انطلقت «عملية الكرامة» الشهر قبل الماضي.
ومع انطلاق عملية حفتر، نزع قادة تنظيم «أنصار الشريعة»، ومن معهم من جماعات وكتائب وميليشيات جهادية، الأعلام السوداء، تجنبا للقصف. ويمتلك هؤلاء الجهاديون ما يشبه المشروعات الاقتصادية المهمة بالنسبة لهم اقتصاديا وأمنيا، فبالإضافة إلى المئات من مزارع الدواجن، خاصة ناحية درنة، توجد أيضا مزارع الخضراوات وتربية الأغنام في الهلال الجنوبي لبنغازي.. وتمكنت هذه التنظيمات من شراء واستئجار مزارع كثيرة في السنوات الماضية، وتحولت في الوقت الحالي إلى أماكن للاختباء، وإدارة حروب شوارع انطلاقا منها.
كل هذه الاحتياطات اتخذتها التنظيمات الجهادية في درنة وبنغازي حتى قبل أن تتمكن القوات الأميركية من اختطاف واعتقال القيادي في التنظيم، أحمد أبو ختالة، الشهر الماضي. فبعد نحو شهر من عملية حفتر، كان تنظيم «أنصار الشريعة» في بنغازي قد تخلى عن اثنين من معسكراته الرئيسة، وبينما كان معسكره الثالث الموجود ناحية منطقة قار يونس يتعرض للقصف من حفتر، تمكن المعسكران الآخران من تفكيك نفسيهما سريعا، والفرار بسيارات الدفع الرباعي وبعض الآليات العسكرية والمعدات الحربية من أسلحة وعتاد، والاختباء بها داخل المزارع المنتشرة في مناطق تشكل ما يشبه الهلال حول بنغازي من ناحية الجنوب إلى الشمال الغربي، وهذه المناطق هي: «القوارشة» و«الهواري» و«سيدي فرج».
ويقول الضابط عليوة حبون، من جيش حفتر ويعمل على مشارف بنغازي: «عناصر (أنصار الشريعة) تفرقوا داخل المزارع: إما بشرائها وإما باستئجارها وإما بالاستيلاء عليها. هم يضربون ويختفون مثل الأشباح. ويساعدهم في ذلك كتيبتا (17 فبراير) و(راف الله السحاتي)، والجميع ما زالوا يتقاضون رواتب من الدولة. ورواتب قادة هذه الكتائب من الصفين الأول والثاني، مرتفعة جدا، وهم من أصحاب الفكر المتشدد الذين يقومون بهدم القبور والأضرحة أيضا. وسبق لأحد قادة هذه الكتائب إصدار أوامر بإطلاق النار على مواطنين كانوا يحتجون على قيام الكتيبة بهدم أحد الأضرحة، مما تسبب في مقتل نحو ثلاثين مواطنا».
لكن، لماذا اختار حفتر منطقة الأبيار على مشارف بنغازي لتكون مقرا لعملياته العسكرية؟ هذا لأنها تقع في وسط منطقة تجمع لقوات «الجيش الوطني» من المرج وقرب مطار بنينة. والمطار الأخير ظل لأسابيع عرضة للكر والفر، لأن المسلحين من «أنصار الشريعة»، الموجودين في المزارع القريبة من بنغازي، يهجمون عليه أثناء الليل، لكن هذه الهجمات تراجعت في الفترة الأخيرة، حيث رصدت قوات حفتر، وفقا للمصادر، صعوبة لدى المتشددين في الوصول إلى مخازن الأسلحة التابعة لهم حول بنغازي.. «نرصدهم، وإذا تحركوا نضربهم».
ويقول العقيد علي، الذي يعمل في قوات حفتر: «بعد ضرب معسكرات (أنصار الشريعة) في بنغازي، أصبح عناصرها ينتشرون في المزارع الموجودة في هذه المناطق.. وهي مناطق منتشرة حول بنغازي وليس داخل المدينة، وهذه العناصر الإرهابية تنشط ليلا.. أي بداية من الساعة 12. في العادة، حتى الرابعة أو الخامسة فجرا. هم متشددون ومتزمتون ومندفعون في القتال ولا يرتدون للخلف. في الليل، ينصبون البوابات على مداخل عدد من تلك الضواحي ومخارجها، وهذا دفع حفتر إلى مخاطبة السكان بترك منازلهم حتى يمكن معرفة المزارع التي يختبئ فيها (أنصار الشريعة) تمهيدا لضربهم».
وفي الوقت الحالي، بدأ أمراء الحرب عقد التحالفات واستئجار المزارع الجديدة وتخزين الأسلحة استعدادا لحرب طويلة، لكن خسارة الإسلاميين غالبية مقاعد البرلمان، سيسهم في رفع الغطاء السياسي والقانوني عن هذه الجماعات، خاصة أن المجالس القبلية التي ما زالت تتأرجح في تأييد حفتر من عدمه حتى الآن، تسعى لسحب أبنائها من الكتائب والميليشيات الموالية للإسلاميين، ويجري التفكير في ضم هؤلاء إلى «مجلس عسكري عام» تابع للقبائل، كما هو مقترح حاليا، أو الوصول لصيغة يجري بها إلحاق هذه العناصر في جيش «عملية الكرامة». ويقول الشيخ جميعي إن «غالبية الشبان الموجودين في كتائب وميليشيات الإسلاميين، يعملون مقابل الحصول على رواتب شهرية من الدولة، بإيعاز من الحكام الإسلاميين، وفي حال تغير هذا الأمر، وتدخل البرلمان الجديد (ذو الأغلبية المدنية) لمنع هذه الفوضى وحجب الأموال عن أمراء الحرب، فإن الكتائب والميليشيات ستتقلص في مجموعات صغيرة من المطاردين يسهل القضاء عليهم، فيما عدا (مشكلة قوات مصراتة، بطبيعة الحال)، لكن هذا يتطلب إيجاد كيان قوي لوزارة الدفاع بـ(جيش وطني)، وإذا كانت شخصية حفتر غير مرضية للبعض فأعتقد أنه يمكن شكره من وراء الستار وتصعيد قيادي آخر لقيادة الجيش بحيث يكون جيشا تابعا للدولة».

* محطات ليبية
* في المنطقة الشرقية من العاصمة طرابلس يتمركز «درع ليبيا» أو ما يسمى «الدروع»، وغالبية قادته من مصراتة، بما في ذلك درع المنطقة الوسطى. ويعضد هذه الدروع مجموعة ما يسمى غرفة ثوار ليبيا. وتعد «الدروع» الأقرب إلى تيارين أساسيين هما جماعة الإخوان وجماعة أنصار الشريعة. وحين بدأ حفتر عملية الكرامة، عارضتها تلك الجماعات ودعت لمقاتلة حفتر وقالت إنه «يقود انقلابا على الشرعية».
- توجد جماعات جهادية منها أنصار الشريعة في جنوب درنة، وهي مدينة تقع إلى الشرق من مدينة بنغازي ومن مدينة البيضاء. وتوجد في الطرق المؤدية لدرنة جماعات متشددة تقوم بنصب البوابات واصطياد معارضها كما يفعل تنظيم داعش في العراق وسوريا. وإذا كنت متجها إلى بنغازي من طريق طبرق، فعليك أن تتجنب الدخول من الطريق الساحلي، ويجب عليك، عند نقطة التميمي، أن تسلك الطريق الصحراوي المار بنقاط المخيلي والخروبة والمرج.
- مدينة سرت، والمعروفة بأنها مسقط رأس العقيد الراحل معمر القذافي الذي لقي حتفه فيها في خريف 2011، تحولت إلى معقل للمتشددين من ليبيا ودول الجوار. ويسيطر على المدينة جماعات جهادية من الجزائر وتونس ومصر ومالي والنيجر وغيرها.
- في المنطقة الغربية لطرابلس توجد كتيبة «القعقاع والصواعق» وأغلب قادتها من منطقة الزنتان، وتكونت أساسا على أنقاض اللواء 32 المعزز الذي كان يقوده خميس القذافي نجل القذافي. وما زال جانب كبير مما تبقى من هذا اللواء بحالته وقوته، حيث كان أكثر الألوية شراسة في مواجهة الانتفاضة المسلحة ضد القذافي، وفيه عدة آلاف من المقاتلين الأقوياء والمدربين تدريبا عاليا.
- واحدة من مناطق المزارع التي يختبئ فيها الجهاديون في بنغازي، خاصة من جماعة «أنصار الشريعة»، تقع في «سيدي فرج» أي إلى الجنوب من منطقة الهواري والقوارشة، وإلى الغرب قليلا من مطار بنينة، وهي منطقة مفتوحة وغنية بالمزارع حتى منطقة قار يونس غرب بنغازي مرورا بامتداد منطقة الهواري. وتقف قار يونس على مشارف الطريق المؤدية من بنغازي إلى إجدابيا، وهي طريق حيوية ويقوم المسلحون أحيانا بنصب أكمنة في هذه المنطقة. ويوجد بديل لمن يريد التوجه من مطار بنينة ومنطقة جنوب بنغازي إلى إجدابيا عن طريق فرعي يؤدي إلى بلدة قمينس ومنها إلى إجدابيا.